أولا: تاريخ القدس القديم في الفترة العربية
الكنعانية 1800-1000ق.م.
مدينة أورشليم عربية المنشأ والتطور فقد أسسها العرب الكنعانيون الذين سكنوا فلسطين في الألف الثالث قبل الميلاد، وقد قدم إليها العرب الساميون في هجرتين كبيرتين الأولى في بداية الألف الثالث قبل الميلاد، والثانية في بداية الألف الثاني قبل الميلاد، والمؤكد أنه عندما قدم الإسرائيليون إليها في القرن الثاني عشر قبل الميلاد كان الشعب الموجود أصلا شعبا عربيا أخذ منه الإسرائيليون لغته ومظاهر كثيرة من ديانته وحضارته.
يعود أقدم أثر يحمل اسم مدينة أوروسالم إلى الفترة ما بين 2000ق.م.-1900ق.م.، وقد عثر على هذه القطعة الأثرية عام 1926م ويظهر الاسم مرة أخرى في إحدى الرسائل التي تم اكتشافها ضمن مجموعة من الألواح عام 1887 في تل العمارنة في مصر الوسطى، وتعود هذه الألواح إلى عام 1350ق.م. وفي هذه الرسائل يرد اسم ملك أورشليم عبد خيبا الذي وجه هذه الرسائل إلى فرعون مصر أمنحوتب الرابع أحد ملوك السلالة الثامنة عشرة والمعروف باسم أخناتون الداعي إلى التوحيد والذي حكم من 1375-1358ق.م. وفي هذه الرسائل يطلب ملك أورساليم عبد خيبا المساعدة من ملك مصر في صد هجمات أهل البادية "الخبيرو" وهم العبريون، ويقول نص الرسالة في جزء منه: "إن هذه الأرض، أرض أوروسالم، لم يعطني إياها أبي وأمي، ولكن أيدي الملك القوية هي التي ثبتتني في دار آبائي وأجدادي، ولم أكن أميرا بل جنديا للملك وراعيا تابعا للملك.. منحت ملكية الأرض أوروسالم إلى الملك إلى الأبد ولا يمكن أن يتركها للأعداء".
وتشير هذه الآثار والوثائق إلى أن المدينة عرفت بالاسم أوروسالم منذ بداية الألف الثاني قبل الميلاد، وتؤكد كتب العهد القديم هذا الاستخدام للاسم أوروسالم في وقت مبكر يعود إلى بدايات الألف الثاني قبل الميلاد.
فقد ورد لأول مرة في سفر التكوين من التوراة في الروايات المرتبطة بإبراهيم عليه السلام حيث يذكر النص التوراتي اسم ملكي صادق ملك شاليم، الذي كان في استقبال إبراهيم عليه السلام بعد أن عاد من معركة خلص منها قومه ومن بينهم لوط من الأسر حيث يبارك ملكي صادق إبراهيم "فخرج ملك سدوم لاستقباله بعد رجوعه.. وملكي صادق ملك شاليم أخرج خبزا وخمرا، وكان كاهنا لله العلي وباركه وقال مبارك إبرام من الله العلي مالك السماوات والأرض، ومبارك الله العلي الذي أسلم أعداءك في يدك".
ويتضح من هذا أن الاسم أورشليم الذي أصبحت المدينة تعرف به من بين أسماء متعددة اسم عربي كنعاني، وليس اسما عبريا كما يتبادر إلى الذهن، فقد تم تداول هذا الاسم منذ بداية الألف الثاني قبل الميلاد قبل أن يظهر العبريون، وقبل أن تعرف اللغة العبرية في التاريخ، فالكلمة عربية كنعانية ويشير الدكتور أحمد سوستة إلى ضرورة الاعتزاز بهذه التسمية فهي ليست تسمية يهودية كما يدعي اليهود، وقد أورد شعرا جاهليا للأعشى قيس استخدم فيه التسمية أوريشليم، وفي هذا يقول د. حسن ظاظا :"اسم أورشليم ليس عبريا أصيلا، فقد كانت تحمل هذا الاسم قبل دخول العبريين إليها بشهادة نص تل العمارنة، وبدليل أن اليهود وجدوا صعوبة في كتابة اسمها باللغة العبرية "يروشالايم" فهذه الياء الواقعة قبل الميم الأخيرة لم تكن تثبت في الكتابة العبرية، وقد كتبت بدونها في أسفار العهد القديم 606 مرة وكتبت بها ست مرات فقط، ولذلك نص علماء التلمود على وجوب كتابتها بلا ياء (التوسفتا، كتاب الصوم تعنيت16/5)".
وهناك اتفاق بين العلماء على أن الجزء الأخير من التسمية وهو ساليم وشاليم أو شلم في بعض النصوص هو اسم لإله كنعاني قديم معناه السلام أو السلامة، أي إله السلام أو إله السلامة، وأن المدينة كانت مكرسة لعبادة إله السلام، قبل وصول العبريين إليها، وقد اختلف في تفسير معنى الجزء الأول من التسمية فقد ترجمت أور بمعنى موضع أو مدينة، فيصبح الاسم مركب "أورشسالم" بمعنى مدينة السلام، أو موضع عبادة إله السلام كما فسرت بمعنى ميراث، فيصبح المعنى ميراث السلام.
وقد نسب اليهود إلى إبراهيم تسميتها "يرأه" بمعنى الخوف، بينما سماها نوح عليه السلام شليم بمعنى السلام فنحتوا تسمية مركبة "يرأة شلم" بمعنى الخوف والسلام، وهناك رأي آخر يرى أن يرو تعني إله واسم المدينة إله السلام.
وقد سميت المدينة بعدة أسماء أخرى من بينها الاسم القديم يبوس نسبة إلى اليبوسيين وهم جماعة أو قبيلة من قبائل الكنعانيين، وقد ورد ذكر اليبوسي في التوراة على أنه من ولد كنعان الذي اعتبرته التوراة ابنا لحام بن سام، وهي نسبة خاطئة لم يقبلها معظم الباحثين، وفي هذا يقول النص التوراتي: "وبنو رحام كوش ومضرايم وفوط وكنعان.. وكنعان ولد صيدون بكره وحثا واليبوسي والأموري والجرجاشي والحوي والعرقي والسيني والاوروادي والصماري والحماتي، وبعد ذلك تفرقت قبائل الكنعاني وكانت تخوم الكنعاني من صيدون حينما تجيء نحو **** إلى غزة وحينما تجيء نحو سدوم وعمورة وأدامة وصبوييم إلى لاشع".
واليبوسيون هم سكان أورشليم الأصلييون ، وقد تكرر ذكرهم على هذا الوضع في كتاب العهد القديم، وقد ظلوا يسكنون المدينة حتى عصر داود عليه السلام الذي تركهم يعيشون فيها بعد فتحه لها، ولم يتمكن الإسرائيليون من طردهم من المدينة، ففي يوشع 15: 63 يرد: "وأما اليبوسيون الساكنون في أورشليم فلم يقدر بنو يهوذا على طردهم فسكن اليبوسيون مع بني يهوذا في أورشليم إلى هذا اليوم" وفي مكان آخر يرد: "وبنو بنيامين لم يطردوا اليبوسيين سكان أورشليم فسكن اليبوسيون مع بني بنيامين في أورشليم إلى هذا اليوم".وقد ورد ذكر يبوس كاسم لأورشليم في العهد القديم :"فلم يرد الرجل أن يبيت بل قام وذهب إلى مقابل يبوس، وهي أورشليم.. وفيما هم عند يبوس والنهار قد انحدر جدا قال الغلام لسيده تعال نميل إلى مدينة اليبوسيين هذه ونبيت فيها، فقال له سيده لا نميل إلى مدينة غريبة حيث ليس أحد من بني إسرائيل هنا". ويشير هذا النص إشارة واضحة وصريحة إلى كون أورشليم مدينة يبوسية كنعانية غريبة على الإسرائيليين وليس بها أحد منهم، وقد ورد اسم يبوس في بعض المصادر المصرية القديمة حيث أسماها الفراعنة يانيثو يابيثي، وهو تحريف للاسم يبوس.
وكما أن التسمية أورساليم عربية كنعانية، وكذلك التسمية يبوس، فإن الاسم صهيون الذي ورد في العهد القديم وشاع حديثا في الحركة التي أخذت اسم الصهيونية نسبة إلى صهيون، هذا الاسم هو أيضا كنعاني أطلقه الكنعانيون على قلعتهم الحصينة الواقعة على الرابية الجنوبية الشرقية من مدينتهم أوروساليم، فقد سميت هذه الرابية حصن صهيون بواسطة الكنعانيين، وقد غير داود هذه التسمية وأطلق على الحصن اسم مدينة داود، في صموئيل الثاني نقرأ: "كان دود ابن ثلاثين سنة حين ملك، وملك أربعين سنة في حبرون ملك على يهوذا سبع سنين وستة أشهر، وفي أورشليم ملك ثلاثا وثلاثين سنة على جميع إسرائيل ويهوذا، وذهب الملك ورجاله إلى أورشليم إلى اليبوسيين سكان الأرض فكلموا داود قائلين لا تدخل إلى هنا ما لم تنزع العميان والعرج أي لا يدخل داود إلى هنا، وأخذ داود حصن صهيون، وهي مدينة داود.. وأقام داود في الحصن وسماه مدينة داود، وبنى داود مستديرا من القلعة فداخلا ويرد الاسمان "ساليم" و"صهيون" معا في المزمور 76 مما يشير إلى ارتباطهما وقداستهما، ويلاحظ أن الاسم ساليم ورد بحرف السين وليس بحرف الشين المعهود في الاستخدام العبري بما يشير إلى الأصل العربي الكنعاني "الله معروف في يهوذا اسمه عظيم في إسرائيل، كانت في ساليم مظلته ومسكنه في صهيون" كما يلاحظ أن الفعل كان مستخدم في صيغة الماضي وذلك يشير إلى أن الحديث عن الماضي المدينة وليس عن تسميتها الحديثة في عصر داود ويلاحظ أيضا أن صيغة ساليم كانت لا تزال مستخدمة على عهد المسيح عليه السلام، ففي إنجيل يوحنا: "وكان يوحنا أيضا تعمد في عيني نون بقرب ساليم لأنه كان هناك مياه كثيرة".
وفي عصر داود عليه السلام سميت أورساليم أو يبوس باسم مدينة داود ربما في محاولة العهد القديم منها الموضع لتغيير الاسم الكنعاني في أوروساليم ويبوس، وقد وردت هذه التسمية الجديدة في مواضع عديدة في الذي يشير إلى تسمية "حصن صهيون" بمدينة داود "وأخذ داود حصن صهيون، وهي مدينة داود... وأقام داود في الحصن وسماه مدينة داود". وفي موضع آخر ترد ثلاثة أسماء في وقت واحد للمدينة: الاسمان القديمان أورسليم ويبوس والاسم الجديد الذي أطلق عليه حصن صهيون: "وذهب داود وكل إسرائيل إلى أورشليم أو يبوس وهناك اليبوسيون سكان الأرض، وقال السكان يبوس لداود لا تدخل إلى هنا، فأخذ داود حصن صهيون هي مدينة داود... وأقام داود في الحصن لذلك دعوة مدينة داود، وبنى المدينة حواليها من القلعة إلى ما حولها ويوآب حد سائر المدينة"، ويبدو من هذا الوصف أن داود بنى مدينته في حصن صهيون القلعة الكنعانية الواقعة على التل الجنوبي الشرقي من أورشليم ثم توسعت مدينة داود لتشمل المناطق المحيطة بالقلعة، ومن الواضح أيضا أن أورشليم كمدينة تحتوي مدينة داود هذه كما يوضح النص التالي: " حينئذ جمع سليمان شيوخ إسرائيل إلى أورشليم لإحضار تابوت عهد الرب من مدينة داود، وهي صهيون"، ومع ذلك فقد طغى الاسم أورساليم القديم على التسمية الجديدة "مدينة داود" والتي يفهم أنه على الرغم من أنها أطلقت على جزء من المدينة أورساليم أصبحت فيما بعد تشير إلى أورساليم ذاتها، فمدينة أورساليم هي مدينة داود.
ثانيا: وضع أوروشالم من زمن الخروج من مصر حتى قيام مملكة داود وسليمان عليهما السلام
تدخل أورشليم في عصر مملكة داود وسليمان المتحدة وفي عصر المملكة المنقسمة في فترة من أشد فترات تاريخ أورشليم اضطرابا من الناحية السياسية كما أن صورتها الدينية تتسم بالازدواجية التي تتراوح بين كونها المدينة المقدسة والمدينة النجسة الزانية كما تصورها مؤرخو العهد القديم في فترة الانقسام.
فحتى نهاية عصر القضاة في القرن التاسع قبل الميلاد وهو العصر السابق على عصر شاؤول ومملكة داود وسليمان من بعده مباشرة، وكانت مدينة أوروساليم مدينة عربية كنعانية خالصة تحمل الاسمين معا أورساليم ويبوس، ويؤكد سفر القضاة على حقيقتين أساسيتين: الأولى أنه لم يكن هناك ملك في بني إسرائيل، وفي تلك الأيام حين لم يكن ملك في إسرائيل " .. " فسار من هناك بنو إسرائيل في ذلك الوقت كل واحد إلى سبطه وعشيرته وخرجوا من هناك كل واحد إلى ملكه، في تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل، كل واحد عمل ما حسن في عينيه".
أما الحقيقة الثانية فهي أن حيث يقول سفر القضاة: "وفي تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل كان رجل لاوي متعربا في عقاب جبل ارايم... فلم يرد الرجل أن يبيت بل قام وذهب وجاء إلى مقابل يبوس، وهي أورشليم... وفيما هم عند يبوس والنهار قد انحدر جدا قال الغلام لسيده تعال نميل إلى مدينة اليبوسيين هذه ونبيت فيها، فقال له سيده، لا نميل على مدينة غريبة حيث ليس أحد من بني إسرائيل هنا نعبر إلى جعبة.. ونبيت جعبة أو في الرامة".
وفي نهاية عصر القضاة يدخل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين في مرحلته الدامية التي ستؤدي فيما بعد إلى نهاية عصر القضاة، ودخول الإسرائيليين في عصر الملكية الموحدة بعد توحيد قبائل بني إسرائيل والذي حكم خلاله ثلاثة ملوك فقط هم شاؤول وداود وسليمان لكي تنقسم المملكة بعد موت سليمان إلى مملكتين إحداهما إسرائيل في شمال فلسطين والثانية يهوذا في جنوب فلسطين، وتشير العديد من نصوص سفر القضاة التي تسلط الفلسطينيين وسيادتهم على الإسرائيليين، ويعود هذا الصراع الذي نشأ بين الكنعانيين وغيرهم من القبائل والجماعات العربية الساكنة في فلسطين وبين الإسرائيليين القادمين مع يشوع من شبة جزيرة سيناء بعد الخروج من مصر إلى أن هذه الجماعات الإسرائيلية بدأت في التسلل إلى أرض كنعان والدخول إليها بوسائل عسكرية أحيانا وبوسائل سليمة أحيانا أخرى، وقد بدأت هذه الجماعة في الدخول إلى أرض كنعان بقيادة يشوع بعد موت موسى عليه السلام والذي مات قبل أن يدخل أرض كنعان حسب رواية سفر التثنية: "وصعد موسى من عربات موآب إلى جبل بنو إلى رأس الفسجة الذي قبالة أريحا فأراه الرب جميع الأرض من جلعاد إلى دان...، وقال الرب هذه هي الأرض التي أقسمت لإبراهيم وإسحاق ويعقوب قائلا لنسلك أعطيها قد رأيتك إياها بعينك ولكنك إلى هناك لا تعبر، فمات هناك موسى عبد الرب في أرض موآب حسب قول الرب... ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم" ويجب أن نذكرها أن سفر التثنية من الكتاب اليهودية المتأخرة الموضوعة خلال القرن السادس قبل الميلاد أي بعد موت موسى عليه السلام بسبعة قرون كاملة، وحول هذا العهد المعطى لموسى عليه السلام والمجدد للعهود السابقة المعطاة لإبراهيم وإسحاق ويعقوب يدور اللاهوت الإسرائيلي المتأخر الذي فهم العهد فهما بحتا في أنه يعني الأرض لا العهد الديني الأخلاقي الذي نصت عليه رسالات أنبياء بني إسرائيل والذي طالما نقضه بنو إسرائيل فاستحقوا العقاب المتكرر على ذلك، ويعتبر يشوع وفقا لهذا الفهم اللاهوتي الإسرائيلي هو المنفذ الحقيقي للوعد المعطى لموسى عليه السلام، وكان بعد موت موسى عيد الرب أن الرب كلم يشوع بن نون خادم موسى قائلا: "موسآ عبدي قد مات، فالآن قم اعبر هذا الأردن أنت وكل هذا الشعب إلى الأرض التي أنا معطيها لهم أي لبني إسرائيل، كل موضع تدوب بطون أقدامكم لكم أعطيته كما كلمت موسى، من البرية ولبنان هذا إلى النهر الكبير نهر الفرات جميع أرض الجشيين، وإلى البحر الكبير نحو مغرب الشمس يكون تخمكم". وتكملة لهذه الهوية الدينية السياسية المتأخرة يبدأ الصراع مع سكان الأرض الأصليين: "فقال يشوع لبني إسرائيل تقدموا إلى هنا وطرد... وطرد يطرد من أمامكم الكنعانيين والحيثيين والحوريين والفريزيين والجرجاشييين والأموريين واليبوسيين". وعبور يشوع بالإسرائيليين نهر الأردن يصور على أنه عبور ديني مؤكد بمعجزة إلهية مثلما عبر الإسرائيليون مع موسى نهر سوف: "على اليابسة عبر إسرائيل هذا الأردن، لأن الرب إلهكم قد يبس مياه الأردن من أمامكم حتى عبرته كما فعل الرب إلهكم ببحر سوف الذي يبسه من أمامنا حتى عبرنا، لكي تعلم جميع شعوب الأردن يد الرب أنها قوية لكي تخافوا الرب إلهكم كل الأيام... وعندما سمع جميع ملوك الأموريين الذين في عبر الأردن غربا وجميع ملوك الكنعانيين الذي على البحر أن الرب قد يبس مياه الأردن.. ذابت قلوبهم ولم يتبقى فيهم روح بعد ..". وتندلع الحروب بين هذه القبائل والشعوب العربية من أموريين وموآبيين وكنعانيين.
أما عن وضع أورشليم خلال هذا الصراع فقد كانت المدينة تحت حكم أدوني صادق.
وقد بذل ملك أورشليم الكنعاني جهودا كبيرة لوقف تقدم الإسرائيليين بزعامة يوشع: "فلما سمع أدوني صادق ملك أورشليم أن يشوع قد أخذ عاي أرسل أدوني صادق ملك أورشليم إلى هوهام ملك حبرون وفرآم ملك يرموت ويافا ملك لخيس ودبير ملك عضلون يقول اصعدوا إلي وأعينوني فنضرب جبعون لأنها صاحت يشوع وبني إسرائيل فاجتمع ملوك الأموريين الخمسة ملك أورشليم وملك حبرون وملك برموت وملك لخيش وملك عجلون وصعدوا هم وكل جيوشهم ونزلوا على جبعون وحاربوها".
وهكذا يرأس ملك أورشليم هذا التحالف ضد يوشع وبني إسرائيل وحلفائهم، ولكنهم ينهزمون ولا يعلم مصير أورشليم سوى أن ملكها تم قتله مع بقية الملوك المتحالفين حين قام يشوع بتقسيم الأراضي التي وقعت تحت سيادة الإسرائيليين، وقعت أورشليم في قرعة سبط بني يهوذا: "وقد بقيت أرض كثيرة جدا للامتلاك.. إنما اقسمها بالقرعة لإسرائيل ملكا كما أمرتك.. وكانت القرعة بسبط يهوذا حسب عشائرهم فصعد التخم في وادي ابن هنوم إلى جانب اليبوسي من الجنوب، وهي أورشليم".
ورغم هذه القسمة التي أوقعت أورشليم في نصيب بني يهوذا يشير سفر يشوع إشارة صريحة إلى أن أورشليم لم تكن خالصة لليهوذيين من بني إسرائيل حيث لن يتمكن اليهوذيون من طرد السكان الأصليين: "وأما اليبوسيون الساكنون في أروشليم فلم يقدر بنو يهوذا على طردهم، فسكن اليبوسيون مع بني يهوذا في أورشليم إلى هذا اليوم"، وكما حدث هذا في أورشليم كذلك حدث في جازر المدينة الكنعانية: "فلم يطردوا الكنعانيين الساكنين في جازر فسكن الكنعانيون في وسط أفرايم إلى هذا اليوم وكانوا عبيدا تحت الجزية". ونفس الشيء يحدث مع بني منسى من الإسرائيلين: "ولم يقدر بنو منسى أن يملكوا هذه المدن فعزم الكنعانيون على السكن في تلك الأرض وكان لما تشدد بنو إسرائيل أنهم جعلوا الكنعانيين تحت الجزية ولم يطردوهم طردا".
وهكذا كان الحال إلى أن مات يشوع وهو وضع يشير إلى تحقق السيادة لبني إسرائيل على أورشليم ولكن دون أن يتمكنوا من طرد سكانها الأصليين من اليبوسيين الكنعانيين فقبلوا منهم الجزية.
ويستمر الصراع حول أورشليم في عصر القضاة بعد موت يشوع: "وحارب بنو يهوذا أورشليم وأخذوها وضربوها بحد السيف وأشعلوا المدينة بالنار وبعد ذلك نزل بنو يهوذا لمحاربة الكنعانيين سكان الجبل والجنوب والسهل"، ومع استمرار الصراع ورغم هذا التخريب الذي لحق بأورشليم لم يتمكن الإسرائيليون من طرد اليبوسيين: "وبنو بنيامين لم يطردوا اليبوسيون سكان أورشليم فسكن اليبوسيون مع بنو بنيامين في أورشليم إلى هذا اليوم"، وكان هذا هو وضع الكنعانيين في البلدان الأخرى جازر وقطرون وعكو وصيدون وغيرهم. وانتهى الأمر بسكن الإسرائيليين على اخلاف قبائلهم وسط الكنعانيين: "وإفرايم لم يطرد الكنعانيين الساكنين في جازر فسكن الكنعانيون في وسطه في جازر.. ولم يطرد آشي سكان عكو ولا سكان صيدون .. فسكن الآشييون في وسط الكنعانيين سكان الأرض لأنهم لم يطردوهم.. ونفتالي لم يطرد سكان بيت شمس.. بل سكن وسط الكنعانيين سكان الأرض..".
ثالثا: الاندماج الإسرائيلي في الكنعانيين ووقوعهم تحت
التأثير الديني والحضاري للكنعانيين
هكذا تشير نصوص العهد القديم إلى عدم قدرة القبائل الإسرائيلية على القضاء على الكنعانيين وقبولهم في النهاية الحياة وسط الكنعانيين الأمر الذي أدى في النهاية إلى اندماج الإسرائيليين في الكنعانيين وفي وقت مبكر إذ لم يتمكن البدو الإسرائيليون من مقاومة الحضارة الكنعانية ولا من مقاومة الوقوع تحت التأثير الديني الكنعاني: "وفعل بنو إسرائيل الشر في عيني الرب وعبدوا البعليم، وتركوا الرب إله آبائهم الذي أخرجهم من أرض مصر وساروا وراء آلهة أخرى من آلهة الشعوب الذي حولهم ، وسجدوا لها وأغاظوا الرب وتركوا الرب وعبدوا البعل وعشتاروت، فدفعهم بأيدي نهابين نهبوهم وباعهم بيد أعدائهم حولهم ولم يقدروا بعد على الوقوف أمام أعدائهم.. وأقام الرب قضاة فخلصوهم من يد ناهبيهم.. وقضاتهم أيضا لم يسمعوا بل زنوا وراء آلهة أخرى وسجدوا لها"، ولم يتوقف الأمر عند حد الوقوع في عبادة الإلهة الكنعانية ، ولكنهم اندمجوا اجتماعيا في الكنعانيين ووصل هذا الاندماج الاجتماعي إلى حد الزواج من الكنعانيات: "فسكن بنو إسرائيل في وسط الكنعانيين والحثيين والموريين والفرزيين والحويين واليبوسيين، واتخذوا بناتهم لأنفسهم نساء وأعطوا بناتهم لبنيهم وعبدوا آلهتهم فعمل بنو إسرائيل الشرفي عيني الرب ونسوا الرب إلههم وعبدوا البعليم والسوارتي.. والعشاروت وآلهة أرام وآلهة صيدون وآلهة موآب وآلهة بني عمون وآلهة الفلسطينيين وبيد بني عمون ..ثم عاد بنو إسرائيل يعملون الشر في عيني الرب فدفعهم الرب ليد الفلسطينيين أربعين سنة".
ويشترك في هذا الاختلاط بالكنعانيين والفلسطينيين أكابر بني إسرائيل، فهذا شمشون يختار لنفسه زوجة من بنات الفلسطينيين: "ونزل شمشون إلى تمنة ورأى امرأة في تمنة من بنات الفلسطينيين، فصعد وأخبر أباه وأمه.. فالآن خذاها لي امرأة .. وفي ذلك الوقت كان الفلسطينيون متسلطين على إسرائيل"، ويروي سفر راعوث قصة زواج اثنين من أبناء يهوذا بامرأتين موآبيتين أيام حكم القضاة.
ومن بين الأمور التي يتأثر فيها الإسرائيليون بالكنعانيين والفلسطينيين وغيرهم التأثر بنظام الحكم عند هذه الشعوب، وقد وضح هذا التأثير في مطالبة نبيهم صموئيل بأن يجعل لهم ملكا تقليدا للشعوب المحيطة بهم. ومن المعروف أن النظام الذي كان سائدا حتى ذلك الوقت هو نظام القضاة الذين كانوا يحكمون في بني إسرائيل فيقضون لهم ويديرون شؤونهم المختلفة ويتولون قيادة حروبهم: "وكان لما شاخ صموئيل اخه جعل بنيه قضاة لإسرائيل... فاجتمع كل شيوخ إسرائيل وجاءوا إلى صموئيل إلى الرامة، وقالوا له هو ذا أنت قد شخت وابناك لم يسيرا في طريقك، فالآن اجعل لنا ملكا يقضي لنا كسائر الشعوب، فساء الأمر في عيني صموئيل إذ قالوا اعطنا ملكا يقي لنا وصلى صموئيل إلى الرب فقال الرب لصموئيل اسمع لصوت الشعب فيكل ما يقولون لك، لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا حتى لا أملك عليهم.. ولكن أشهدن عليهم وأخبرهم بقضاء الملك الذي يمتلك عليهم.".
ومن الواضح النظرة السياسية السابقة على قيام الملكية في إسرائيل نظرة رافضة لنظام الملكية، فقد سبق أن رفض القاضي جدعون أن يعين نفسه ملكا أو أن يعين عليهم أحد أبنائه ملكا: "وقال رجال إسرائيل لجدعون تسلط علينا أنت وابنك وابن ابنك لأنك قد خلصتنا من يد مديان ، فقال لهم جدعون لا أتسلط أنا عليكم ولا يتسلط ابني عليكم، الرب يتسلط عليكم".
ويشير رد صموئيل أيضا إلى رفض فكرة الملكية والحكم الملكي الوراثي ، ويستند هذا الرفض إلى الصفة الدينية الثيوقراطية التي كان عليها اتحاد القبائل الإسرائيلية في عصر القضاة، والذي ينتهي بصموئيل الذي يعتبر آخر القضاة في تاريخ بني إسرائيل، فقد كان أساس هذا الاتحاد دينيا وليس سياسيا لأن القبائل التي أعلنت الولاء ليهوه كونت اتحادا دينيا حول الإله المحارب وحول اعتقاد عام مرتبط بشريعة مقدسة وبتأثير من الحضارة الكنعانية بدأت عملية توطين عبادة يهوه وتعديلها في اتجاه يؤكد تأثير الدين الكنعاني الزراعي ، فبعد المكاسب التي حققتها القبائل الإسرائيلية على حساب الكنعانيين والتي نتج عنها أن اتباع يهوه أصبحوا أصحاب أرض انتزعوها من أصحابها الكنعانيين والفلسطيين وغيرهم.. أصبحت الحاجة ماسة إلى تغيير النظام السياسي بهدف الدفاع عن المكاسب الاقتصادية فبدأت في الظهور فكرة الملكية تقليدا للكنعانيين واستجابة لحاجة اقتصادية ويرفض جدعون وصموئيل هذا الاتجاه الجديد لما فيه من رفض مباشر لحكم يهوه وملكه الاتجاه إلى نظام الملك السائد بين الشعوب الأخرى في الشرق الأدنى، وقد أدت الظروف والضغوط المواتية إلى حدوث هذا التحول في تاريخ الإسرائيليين من اتحاد القبائل المرتبط بعبادة يهوه إلى النظام الملكي المدني الذي يسعى إلى المحافظة مع المكاسب الإقليمية والاقتصادية التي تحققت.
ومن أهم هذه الضغوط استقرار الفلسطينيين على الساحل الفلسطيني وتقدمهم إلى المناطق الداخلية وإيقاعهم الهزيمة بالإسرائيليين مهددين الاتحاد القبلي: "غدا في مثل الآن أرسل إليك رجلا من ارض بنيامين فامسحه رئيسا لشعب إسرائيل فيخلص شعبي من يد الفلسطينيين"، وقد استولى الفلسطينيون أيضا على التابوت ودمروا معبد شيلوه ، وأصبحت الحاجة ملحة إلى تعيين ملك يحكم باسم يهوه ويقود إسرائيل في حروبها: "فأبى الشعب أن يسمعوا بصوت صموئيل وقالوا لا بل يكون علينا ملك فنكون نحن أيضا مثل سائر الشعوب ويقضي لنا ملكنا ويخرج أمامنا ويحارب حروبنا"، فيستجيب صموئيل مضطرا وغير مقتنع ومحاولا في نفس الوقت عدم السماح للملك المعين شاؤول بالجمع بين الأمور الدنيوية والدينية حيث احتفظ صموئيل بإدارة شؤون الدين.
وفي إحدى فقرات صموئيل الأول إشارة إلى ندم اليهود على تعيين شاؤول ملكا، ويشتم منه ندم إلهي على نظام الملكية ذاته: "والرب ندم لأنه ملك شاؤول على إسرائيل" وفي موضع آخر: "وكان كلام الرب إلى صموئيل قائلا: ندمت على أني قد جعلت شاؤول ملكا لأنه رجع من ورائي ولم يقم كلامي"، وكذلك: "لنك رفضت كلام الرب رفضك من الملك... لأنك رفضت كلام الرب فرفضتك الرب من أن تكون ملكا على إسرائيل."
وهكذا تعددت التأثيرات الكنعانية على حياة الإسرائيليين الذين قدموا إلى أرض كنعان من مصر بعد خروج موسى عليه السلام بهم فقد وقعوا تحت التأثير الديني والسياسي والحضاري ببيئته الكنعانية، واندمجوا فيها اندماجا تاما، واخذوا عنها نظامها السياسي، وتحولوا من نظام الحكم القبلي الذي اعتمد على القضاة في إدارة شئون السلم والحرب إلى نظام الدولة بداية بشاؤول ثم وجود سليمان عليه السلام.
رابعا: مملكة داود
نشأة اللاهوت الأورشليمي
بعد أن اتخذ داود مدينة أورشليم عاصمة له بدأ في الظهور فكر لاهوتي يربط المدينة بداود ويؤكد على الاختيار الإلهي لداود وأورشليم، أصبحت فيما بعد تشير إلى أورشليم ذاتها فقد ورد في العهد القديم على لسان سليمان: "مبارك الرب إله إسرائيل الذي كلم بفمه داود أبي وأكمل بيديه قائلا منذ يوم أخرجت شعبي من أرض مصر لم أختر مدينة من جميع أسباط إسرائيل لبناء بيت ليكون اسمي هناك ولا اخترت رجلا يكون رئيس لشعبي إسرائيل، بل اخترت أورشليم ليكون اسمي فيها واخترت داود ليكون على شعبي إسرائيل".
ويشير هذا النص إلى بداية الفكر اللاهوتي الذي ظهر حول أورشليم ليحولها بعد استيلاء داود عليها بناء سليمان للهيكل منها إلى المدينة المقدسة للإسرائيليين، المدينة التي يسكنها الرب في البيت الذي بني له باسمه والذي كان في نفس الوقت هو بيت الملك حتى يصطبغ الحكم بالصبغة الدينية، ويصبح الملك يحكم باسم الرب ومن بيته وحتى يجتمع في شخص الملك صفة الملك والكاهن: "وكان لما أكمل سليمان بناء بيت الرب وبيت الملك"، وفي موضع آخر: "وبعد نهاية عشرين سنة بعدما بنى سليمان البيتين بيت الرب وبيت الملك"، ويؤكد هذا اللاهوت على الاختيار الإلهي لأورشليم وعلى مركزية العبادة فيها فهي ليست مجرد عاصمة سياسية لداود وسليمان ولكن شاء التفكير اللاهوتي المتأخر أن يحولها أيضا إلى المركز الديني الوحيد لبني إسرائيل: "ولأجل أورشليم التي اخترتها"، وأيضا: "لأنه هكذا قال الرب إله إسرائيل هاأنذا أمزق المملكة من يد سليمان أعطيك عشرة أسباط ويكون له سبط واحد من أجل عبدي داود ومن أجل أورشليم المدينة التي اخترتها في كل أسباط إسرائيل.. أورشليم المدينة التي اخترتها لنفسي لأضع اسمي فيها".
ويلاحظ أن هذا اللاهوت الأورشليمي يتطور في ظل ظروف غريبة وغير مواتية ولا يتناسب مع طبيعة الأحداث ولكنه التناقض الإسرائيلي الذي جعل الفكر اليهودي المتأخر الذي صاغ أسفار العهد القديم يبني لاهوت أورشليم في ظل ما سماه بعصيان داود وسليمان ونكثهما بالعهد والفرائض، وأول علامات التناقض في هذا اللاهوت الناشئ حول المدينة وحول داود أن الرب الذي اختار أورشليم مدينة له واختار داود على شعبه إسرائيل يمنع داود المختار من بناء بيت الرب: "ودعا داود سليمان ابنه وأوصاه أن يبني بيتا للرب إله إسرائيل وقال داود لسليمان: يا ابني قد كان في قلبي أن أبني بيتا لاسم الرب إلهي، فكان إلي كلام الرب قائلا قد سفكت دما كثيرا وعملت حروبا عظيمة فلا تبني بيتا لاسمي لأنك سفكت دماء كثيرة على الأرض أمامي، هو ذا يولد لك ابني يكون صاحب راحة وأريحة من جميع أعدائه حواليه لأن اسمه يكون سليمان فأجعل سلاما وسكينة في إسرائيل في أيامه هو يبني بيتا لاسمي، وهو يكون لي ابنا وأنا له أبا وأثبت كرسي ملكه على إسرائيل إلى الأبد، الآن يا ابني ليكن الرب معك فتعلم وتبني بيت الرب إلهك كما تكلم عنك". وهكذا في الوقت الذي يختار فيه الرب داود يمنعه من بناء بيته لكثرة سفكه للدماء، ولحروبه الكثيرة والوجه الآخر للتناقض أن أورشليم التي ادعى كتاب العهد القديم اختيارها مدينة للرب مع اختيار داود... نفس هذه المدينة المختارة يعلن الرب عن رغبته في تدميرها بسبب ذنوب داود وآثامه على حد تعبير كتاب العهد القديم فيرسل الرب عليها ملاكا ليهلكها: "فجعل الرب وباء في إسرائيل من الصباح إلى الميعاد فمات من الشعب من دان إلى بئر سبع سبعون ألف رجل، وبسط الملاك يده على أورشليم ليهلكها فندم الرب عن الشر وقال للملاك المهلك الشعب كفى، الآن رد يدك.. فكلم داود الرب عندما رأى الملاك الضارب الشعب وقال ها أنا أخطأت وأنا أذنبت وأما هؤلاء الخراف فماذا فعلوا فلتكن يدك علي وعلي بيت أبي.. واستجاب الرب من أجل الأرض فكفت الضربة عن إسرائيل".
وليس هناك من تفسير لهذا التناقض في اختيار داود وأورشليم ورغبة الرب في تدمير أورشليم ورفضه أن يبني داود بيتا له سوى أن كتاب العهد القديم أرادوا أن يضعوا نهاية لاختيار داود ليفسحوا المجال أمام اختيار إلهي جديد لسليمان لحل محل داود، وليس هناك من وسيلة لإبقاء على الاختيار الإلهي لداود مع الاختيار الإلهي الجديد لسليمان، وقد آثر كتاب العهد القديم الوقوع في التناقض مع ما فيه من تشويه للعقيدة وللذات الإلهية التي نراها مترددة في اختيارها، ونادمة على أفعالها أما الاختيار الإلهي الجديد لسليمان فنص عليه العهد القديم وعلى لسان داود المعترف بإثمه والقابل لاختيار ابنه من عند الرب: "لقد كان في نيتي أن أبني بيتا يستقر فيه تابوت عهد الرب، ويكون موطئا لقدمي إلهنا، وقد جهزت ما يحتاجه هذا البناء من مواد. ولكن الله قال لي: لا تبن أنت بيتا لاسمي، لأنك رجل حرب وقد سفكت دما. إن الرب إله إسرائيل قد اصطفاني من كل بيت أبي ليجعلني ملكا على إسرائيل إلى الأبد، وذلك لأنه اختار سبط يهوذا للرئاسة، ثم اختار بيت أبي من بين بيوت يهوذا، وقد سر أن يفرزني من بين أبناء أبي ليوليني على ملك إسرائيل. ثم اصطفى ابني سليمان من بين أبنائي الكثيرين الذين رزقني بهم الرب، ليخلفني على عرش مملكة الرب، على إسرائيل. وقال لي: إن سليمان ابنك هو الذي يبني بيتي ودياري، لأنني اصطفيته لي ابنا وأنا أكون له أبا. فإن أطاع شرائعي وأحكامي وعمل بها كما هي عليه اليوم فإنني أثبت مملكته إلى الأبد.".
وسرعان ما يسقط هذا الاختيار الإلهي الجديد، فمثلما وقع داود في الإثم هكذا أيضا وقع سليمان، وهكذا يعلن الرب من جديد عن غضبه على مختاره سليمان، مما يضيف تشويها جديدا إلى الذات الإلهية وقع فيه كتاب العهد القديم في محاولاتهم المتكررة لتبرير تولية ملوكهم وإبدال بعضهم ببعض عن طريق الوسيلة القديمة البالية وهي وسيلة الاختيار الجديد الذي يلغي اختيارا قديما، وينتهي بنسبة الآثام والخطايا إلى المختارين، ونسبة التردد والندم إلى الرب وما ينطوي عليه ذلك من نقص في المعرفة وعدم معرفة بالسلوك المستقبلي لكل من داود وسليمان من قبل الرب، يقول العهد القديم في أمر وقع وقوله سليمان في الخطيئة الكبرى وهي اتباع آلهة أخرى وعلينا أن نتذكر أنا خطيئة موجهة إلى نبي: "وأولع سليمان بنساء غريبات كثيرات، فضلاً عن ابنة فرعون، فتزوج نساء موآبيات وعمونيات وأدوميات وصيدونيات وحثيات، وكلهن من بنات الأمم التي نهى الرب بني إسرائيل عن الزواج منهم قائلاً لهم: لا تتزوجوا منهم ولا هم منكم، لأنهم يغوون قلوبكم وراء آلهتهم. ولكن سليمان التصق بهن لفرط محبته لهن. فكانت له سبعمائة زوجة، وثلاثمائة محظية، فانحرفن بقلبه عن الرب. فاستطعن في زمن شيخوخته أن يغوين قلبه وراء آلهة أخرى، فلم يكن قلبه مستقيماً مع الرب إلهه كقلب داود أبيه. وما لبث أن عبد عشتاروث آلهة الصيدونيين، وملكوم إله العمونيين البغيض، وارتكب الشر في عيني الرب، ولم يتبع سبيل الرب بكمال كما فعل أبوه داود. وأقام على تل شرقي أورشليم مرتفعاً لكموش إله الموآبيين الفاسق، ولمولك إله بني عمون البغيض. وشيد مرتفعات لجميع نسائه الغريبات، اللواتي رحن يوقدن البخور عليها ويقربن المحرقات لآلهتهن فغضب الرب على سليمان لأن قلبه ضل عنه، مع أنه تجلى له مرتين، ونهاه عن الغواية وراء آلهة أخرى، فلم يطع وصيته."
هذه صورة سليمان مختار الرب في عيون كتاب العهد القديم والذي سرعان ما تخلوا عنه فاسقطوا اختياره بعد اتهامه بالشرك وحكموا على مملكته بالانقسام حتى بعده "لأنك انحرفت عني ونكثت عهدي، ولم تطع فرائضي التي أوصيتك بها، فإني حتماً أمزق أوصال مملكتك، وأعطيها لأحد عبيدك. إلا أنني لا أفعل هذا في أيامك، من أجل داود أبيك، بل من يد ابنك أمزقها. غير أني أبقي له سبطاً واحداً، يملك عليه إكراماً لداود عبدي، ومن أجل أورشليم التي اخترتها".
خامسا: وضع أورشليم بعد انقسام مملكة داود وسليمان
عليهما السلام
انقسمت مملكة سليمان عيه السلام بعد موته إلى مملكتين إحداهما مملكة إسرائيل في شمال فلسطين وعاصمتها شكيم فالسامرة، والثانية مملكة يهوذا وعاصمتها أورشليم، والسبب الديني الذي يعطيه العهد القديم لانقسام المملكة هو ترك عبادة الإله الواحد يهوه وعبادة لآلهة متعددة "وحدث أن يربعام خرج من أورشليم، فالتقاه النبي أخيا الشيلوني في الطريق. وكان النبي يرتدي رداءً جديداً، ولم يكن سواهما في الحقل، فتناول أخيا الرداء الجديد الذي عليه ومزقه اثنتي عشرة قطعةً، وقال ليربعام: خذ لنفسك عشر قطعٍ، لأنه هكذا يقول الرب إله إسرائيل: هاأنا أمزق المملكة من يد سليمان وأعطيك عشرة أسباطٍ، ولا يبقى له سوى سبطٍ واحدٍ إكراماً لعبدي داود، ومن أجل أورشليم المدينة التي اخترتها من بين مدن إسرائيل. لأنه تخلى عني وسجد لعشتاروث إلاهة الصيدونيين، ولكموش إله الموآبيين، ولملكوم إله بني عمون، ولم يسلك في سبلي، ويصنع ما هو مستقيم في عيني، ولم يطع فرائضي وأحكامي كداود أبيه".
وبسبب انقسام المملكة تصبح أورشليم عاصمة للمملكة الجنوبية فقط وهي لا يتبعها سوى سبط يهوذا وحده الذي تبع بيت داود بينما ضمت المملكة الشمالية عشرة أسباط: "لم تبع بيت داود إلا سبط يهوذا وحده". وهو عقاب لبيت داود بسبب معصية سليمان: "واذل نسل داود من أجل هذا". ورغم النص على سبطا واحدا يتبع بيت داود فالعهد القديم يشير أيضا إلى تبعية سبط بنيامين لبيت يهوذا بعد الانقسام: "ولما جاء رحيعام إلى أورشليم جمع كل بيت يهوذا وسبط بنيامين .. ليحاربوا بيت إسرائيل يردوا المملكة لرحيعام بن سليمان".
وهنا يظهر مركز جديد ينافس أورشليم على الزعامة في بني إسرائيل حيث قام يربعام ملك إسرائيل الشمالية ببناء شكيم واتخذها عاصمة لدولته ، وقد خشي ريعام من أن يتسبب مركز أورشليم الديني لكل الإسرائيليين في عودة الملك إلى بيت داود فقام بإجراء بعض التغييرات التي تنهي مكانة أورشليم الدينية بالنسبة للشمالييين: "وبنى يربعام شكيم ي جبل إفرايم وسكن بها، ثم خرج من هناك وبنى فنوئيل، وقاتل يربعام في قلبه الآن ترجع المملكة إلى بيت داود إن صعد هذا الشعب إلى سيدهم إلى رحيعام ملك يهوذا وتقتلوني ويرجعوا إلى رحيعام ملك يهوذا فاستشار الملك وعمل عجلي ذهب وقال لهم، كثير عليكم أن تصعدوا إلى أورشليم، هوذا آلهتك يا إسرائيل الذين اصعدوك من ارض مصر ووضع واحد في بيت إيل وجعل الآخر في دان، وكان هذا الأمر خطية وكان الشعب يذهبون إلى أمام أحدهما حتى إلى دان، وبنى بيت المرتفاعات وصير كهنة من أطراف الشعب لم يكونوا من بني لاوي، وعمل يربعام عيدا في الشهر الثامن في اليوم الخامس عشر من الشهر كالعيد الذي في يهوذا واصعد على المنتج.. فعمل عيدا لبني إسرائيل".
وقد اتضح من النص السابق أن يربعام اهتم ببناء عاصمته جديدة هي شكيم ثم أراد أن يحول الإسرائيليين عن أورشليم كمركز ديني به بيت الرب هيكل سليمان فأقام بيتين للعبادة الأول في بيت إيل والثاني في دان، ووضع عجلا ذهبيا في كل بيت منهما، وطلب من الإسرائيليين أن يقدموا ذبائحهم في بيت إيل وفي دان، أما التغيير الديني الجريء الآخر هو تعيين كهنة من غير سبط لاوي المختص بالكهنوت في بني إسرائيل، وإقامة عيد جديد يحل محل العيد القديم الذي يقام في أورشليم، وقد قصد من هذه التغييرات الدينية خلق مركز ديني جديد في الشمال يحل محل أورشليم بالنسبة للشماليين حتى لا يضطروا إلى الذهاب إلى أورشليم الأمر الذي يهدد مملكته سياسيا.
وتتعرض أورشليم في السنة الخامسة من ملك رحيعام بني سليمان عليها إلى غزوة مصرية: "وفي السنة الخامسة من ملك رحيعام صعد شيشق ملك مصر إلى أورشليم وأخذ خزائن بيت الرب وخزائن بيت الملك وأخذ كل شيء وأخذ جميع أتراس الذهب التي عملها سليمان."، وجدير بالذكر أن أم رحبعام بن سليمان عربية عمونية: "وأما رحيعام بني سليمان فهلك في يهوذا، وكان رحيعام ابن أحدى وأربعين سنة حين ملك وملك سبع عشرة سنة في أورشليم المدينة التي اختارها الرب لوضع اسمه فيها من جميع أسباط إسرائيل، واسم أمه نعمة العمونية.. وكانت حرب بين رحيعام ويربعام كل الأيام، ثم اضطجع رحيعام مع آبائه ودفن مع آبائه في مدينة داود".
ويبدو أن ترصة التي بناها بريعام لم تتمكن من منافسة أورشليم دينيا، لذلك قام عمري ملك إسرائيل ببناء مدينة جديدة لمنافسة أورشليم سياسيا ودينيا لأنها ستصبح فيما بعد المركز الديني المنافس لأورشليم على مدى تاريخ المملكة الشمالية وحتى سقوطها على يد الآشوريين عام 721ق.م.: "في السنة الواحدة والثلاثين لآسا ملك يهوذا ملك عمرى على إسرائيل اثنتي عشرة سنة، ملك في ترصة ست سنين، واشترى جبل السامرة من شامر بوزتنيني من الفضة وبنى على الجبل ودعا اسم المدينة التي بناها باسم شامر صاحب الجبل السامرة"، وهكذا تغيرت عاصمة الشمال من شكيم إلى ترصة إلى السامرة وقد ملك بعد عمرى ابنه آحاب الذي تأثر بعبادة زوجته إيزابل ابنة ملك الصيدونيين: "فعبد البعل وسجد له وأقام مذبحا للبعل في بيت البعل الذي بناه ف السامرة".
وتتعرض أورشليم للغزو عدة مرات فقد صعد إليها جزائيل ملك أرام ، واضطر يهوآشي ملك يهوذا إلى أخذ جميع الأواني والأدوات المقدسة: "وكل الذهب الموجود في خزائن بيت الرب وبيت الملك وأرسلها إلى جزائيل ملك أرام فصعد عن أورشليم"، وفي عهد أمصيا ملك يهوذا تتعرض أورشليم للغزو مرة أخرى على يد لهوآش ملك إسرائيل الذي "جاء إلى أورشليم، وهدم سور أورشليم من باب أفرايم إلى باب الزاوية.. وأخذ كل الذهب والفضة وجميع الآنية الموجودة في بيت الرب وفي خزائن بيت الملك والهناء ورجع إلى السامرة". وفي عصور الملوك المتأخرين من ملوك إسرائيل الشمالية يبدأ الغزو الآشوري على يد تجلات بلاس ملك آشور ويتم سبي الإسرائيليين إلى آشور: "في أيام فقع ملك إسرائيل جاء تغلث فلاسر ملك أشور وأخذ عيون وآبل بعيت معكة ويانوح وقادش وحاصور وجلعاد والجليل وكل أرض نعتالي وسباهم إلى آشور .. وصعد ملك آشور شلمنصر على كل الأرض وصعد إلى السامرة وحاصرها ثلاث سنين، في السنة التاسعة لهوشع (ملك إسرائيل) أخذ ملك آشور السامرة وسبى إسرائيل إلى آشور وأسكنهم في حكم وخابور نهر جوزان وفي مدن". ووفقا للنظام العسكري الآشوري فقد تم تفريغ السامرة من سكانها: "وأتى ملك أشور بقوم من بابل وكوث وعوا وحماة وسفراوايم وأسكنهم في مدن السامرة وعوضا عن بني إسرائيل فامتلكوا السامرة وسكنوا في مدنها".
وأما أورشليم فنجوا مؤقتا من مصير السامرة إذ يضطر ملك آشور سنحاريب إلى الانسحاب قافلا إلى بلاده بسبب ظهور قوى داخلية في بلاد النهرين مهددة لملك آشور ومن أهمها القوة البابلية الجديدة، وتفنن اللاهوت الأورشليمي في إعطاء العلل الدينية والتبريرات الاهوتية لنجاة أورشليم من مصير السامرة، ويبدأ هذا اللاهوت بعرض التهديدات الآشورية لأورشليم في صورة التحدي الذي يعرضه ملك آشور إن كان إله أورشليم يستطيع أن يقوم بما لم تقوم به الآلهة الأخرى فيحمي أورشليم من آشور: "هل أنقذ آلهة الأمم كل واحد أرضه من يد ملك آشور، أني ىلهة حماة وأرفاد أين آلهة سفروايم وهنع وعوا، هل أنقذوا السامرة من يدي من كل آلهة الأراضي أنقذ أرضهم من يدي حتى ينقذ الرب أورشليم من يدي"، ويرسل حزقيا ملك يهوذا إلى النبي أشعيا يبحث عنده عن إجابة أو مخرج من هذا التحدي والتهديد الآشوري، ويأتي رد أشعيا: "لا تخف بسبب الكلام الذي سمعته الذي جدف على به غلمان ملك آشور .."، ويمضي هذا التفسير الديني لعودة سنحاريب إلى بلاده وعدم غزوه لأورشليم: "هاأنذا أجعل فيه روحا فيسمع خبرا ويرجع إلى أرضه وأسقطه بالسيف في أرضه"، ويتمادى المفسر الإسرائيلي المتأخر في تصوير موقف أورشليم من سنحاريب فنصورها رغم عفها الشديد في صورة المدينة المحتقرة المستهزئة بسنحاريب: "احتقرتك واستهزأت بك العذراء ابنة صهيون، ونحوك انغصت ابنة أورشليم راسها من غيرت وجدفت وعلى من عليت صوتا وقد رفعت إلى العلا عينيك على قدوس إسرائيل"، وينتهي هذا التفكير اللاهوت بطرح فكرة بقية إرائيل بمعنى أن أورشليم تنجو من الدمار لأن منها تخرج البقية التي تنجو من الغزو والتدمير وتكون بذرة جديدة لإسرائيل: "لأنه من أورشليم تخرج البقية والناجون من جيل صهيون.. لذلك هكذا قال الرب عن ملك أشور، لا يخل هذه المدينة ولا يرمي هناك سهما ولا يتقدم عليها بترس، ولا يقيم عليها مترسة، في الطريق الذي جاء فيه يرجع وإلى هذه المدينة ولا يدخل يقول الرب: واحامي عن هذه المدينة لأخلصها من أجل نفسي ومن أجل داود عبدي".
أما قرار انسحاب سنحاريب وعودته إلى بلاده آشور فيصوره العهد القديم أنه تم على أثر هزيمة مريرة، وقعت بجيش آشور على يد ملاك الرب: "وكان في تلك الليلة أن ملاك الرب خرج وضرب من جيش أشور مائة ألف وخمسة وثمانين ألفا، ولما بكروا صباحا راجعا وأقام في نينوى"، بل إنه تقتل في بيته آاهة كما تنبأ أشعيا.
هكذا يصور الالهوت الاورشليمي نجاة أورشليم وسقوط جيش سنحاريب بواسطة ملاك الرب وعودة سنحاريب إلى نينوي بله ويتجاهل هذا الاهوت العوامل السياسية والعسكرية والظروف المتغيرة التي دفعت سنحاريب وجيشه إلى اتخاذ قرار الانسحاب والعودة.ومع ذلك سرعان ما ينسى واضع هذا الاهوت حول أورشليم المدينة وقداستها وانتصارها الإعجازي على جيش الإمبراطورية الأشورية ليتنبأ على المدينة بالدمار والخراب على يد بابل، ففي الإصحاح التالي مباشرة وفي عصر نفس الملك حزقيا الذي حدثت المعجزة الإلهية في عصره وعلى يد نفس النبي إشعيا الذي أعلن المعجزة نقرأ: "هو ذا تأتي أيام يحمل فيها كل ما في بيتك وما ذخره آباؤك إلى هذا اليوم إلى بابل، ولا يترك شيء يقول الرب، ويؤخذ من بيتك الذين تلدهم فيكونون خصيانا في قصر ملك بابل ففي الإصحاح التالي مباشرة وفي عصر منسي بن حزقيا الذي حدثت المعجزة الإلهية في عصره وعلى يد نفس النبي أشعيا الذي أعلن المعجزة نقرأ: "هو ذا تأتي أيام يحمل فيها كل ما في بيتك وما ذخره آباؤك إلى هذا اليوم إلى بابل ، ولا يترك شيء يقول الرب، ويؤخذ من بيتك الذين تلدهم فيكونون خصيانا في قصر ملك بابل وفي عصر منسى بن حزقيا... هاأنذا جالب شرا على أورشليم ويهوذا.. وأمد على أورشليم خيط السامرة.. وأمسح أورشليم كما يمسح واحد الصحن بمسحه وتعلبه على وجهه وأرفض بقية ميراثي وأدفعهم إلى أيدي أعدائهم فيكونون غنيمة ونهبا لجميع أعدائهم، لأنهم عملوا الشر في عيني وصاروا يغيظونني من اليوم الذي فيه خرج آباؤهم من مصر إلى اليوم."
وتناب أورشليم العديد من الاضطرابات خلال عصور ملوك يهوذا الضعاف قبل الغزو البابلي، ففي عصر منسي تسفك الدماء في المدينة: "وسفك أيضا منسي دما برا كثيرا جدا حتى ملأ أورشليم من الجانب إلى الجانب فضلا عن خطته التي بها جعل يهوذا يخطئ بعمل الشر في عيني الرب" وفيعهد يهوآجاز بني يوشيا يستمر فعل الشر رغم الإصلاحات الدينية التي قام بها أبوه يوشيا، الذي قتل على يد المصريين في أيام فرعون مصر نخو حين خرج يوشيا للقائه عند مجدو حين صعود على ملك أشور، وقد أسر الفرعون نخو يهوآجاز بن يوشيا ومنعه من أن يملك في أورشليم: "وأسره فرعون في ربلة في أرض حماة لئلا يملك في أورشليم، وغرم الأرض بمائة وزنة من الفضة ووزنة من الذهب وملك فرعون نخو الياقيم بن يوشيا عوضا عن يوشيا أبيه وغير اسمه إلى يهوياقيم وأخذ يهواحاز وجاء إلى مصر فمات هناك ودفع يهوياقيم الفضة والذهب لفرعون".
وأخيرا يقوم بنوخذ نصر ملك بابل يغزو يهوذا ويحاصر أورشليم ويصور مؤرخ العهد القديم هذا الغزو في صورة عقاب إلهي ليهوذا وملوكها على خطاياهم المتكررة: "صعد بنوخذنا جير ملك بابل فكان له يهوياقيم عبدا ثلاث سنين ثم عاد فتمرد عليه فأرسل الرب عليه غزاة الكلدانيين وغزاة الموآبيين وغزاة بني عمون وأرسلهم على يهوذا ليبيدها حسب كلام الرب الذي تكلم به عن يد عبيده الأنبياء" وفي عهد يهوياكيني بن يهوياقيم تقع أورشليم تحت الحصار البابلي: "في ذلك الزمان صعد عبيد بنوخذ ناصر ملك بابل إلى أورشليم فدخلت المدينة تحت الحصار وجاء بنو خذ ناصر ملك بابل على المدينة وكان عبيده يحاصرونها" ووفقا للسياسة البابلية يتم سبي أهل مدينة أورشليم إلى بابل و يستولي ملك بابل على خزائن الهيكل وبيت الملك: "وسبى كل أورشليم وكل الرؤساء وجميع جبابرة البأس عشرة آلاف مسبي وجميع الصناع والأقيات، لم يبق أحد إلا مساكين شعب الأرض، و سبى يهوياكينى إلى بابل وأم الملك ونساء الملك وخصيانه وأقوياء الأرض سباهم من أورشليم إلى بابل وجميع أصحاب البأس سبعة آلاف والصناع والقيان ألف وجميع الأبطال أهل الحرب سباهم ملك بابل إلى بابل.
وتقع أورشليم من جديد تحت الحصار البابلي في عهد صدقيا حيث: "جاء نبوخذ ناصر ملك بابل هو وكل جيشه على أورشليم ونزل عليها وبنوا عليها أبراجا حولها" ودخلت المدينة تحت الحصار إلى السنة الحادية عشرة للملك صدقيا: "وتتعرض المدينة لمجاعة شديدة ويهرب المقاتلون منها" اشتد الجوع في المدينة ولم يكن خبزا لشعب الأرض فثغرت المدينة وهرب جميع رجال القتال ليلا" ويهرب ملكها فتلحقه جيوش البابليني وتأسره إلى بابل.
ويقوم البابيليون بإحراق أورشليم وتشريد أهلها وسبيهم وتخريب الهيكل وحمل آنيته وأدواته إلى بابل: "وإحراق بيت الرب وبيت الملك وكل بيوت أورشليم وكل بيوت العظماء احرقها بالنار وجميع أسوار أورشليم مستديرا هدمها كل جيوش الكلدانيين مع رئيس الشرئ وبقية الشعب الذين بقوا في المدينة والاريون الذين هربوا إلى ملك بابل وبقية الجمهور سباهم بنوزرادان رئيس الشرط.. وأعمدة النحاس التي في بيت الرب كسرها الكلدانيون وحملوا نحاسها إلى بابل".
هكذا تم تدمير أورشليم بعد إحراقها وتدمير هيكلها ونقل آنيته وأدواته المقدسة إلى بابل، وتم سبي أهل أورشليم وساقتها إلى بابل، بينما هرب بقية السكان إلى مصر: فقام جميع الشعب من الصغير إلى الكبير ورؤساء الجيوش إلى مصر لأنهم خافوا من الكلدانية"، ويعلل المؤرخ الإسرائيلي المتأخر هذه الأحداث التي وقعت لأورشليم ولبيت الرب التعليل المعتاد وهو العقاب الإلهي للمدينة وأهلها وملوكها بسبب هجرهم عبادة يهوه ووقوعهم في العبادة الأجنبية: "فقال الرب إني انزع يهوذا أيضا من أمامي كما نزعت إسرائيل وأرفض هذه المدينة التي اخترتها أورشليم والبيت الذي قلت يكون اسمي فيه". وكما بدأ اللاهوت الأورشليمي بتقديس المدينة واختيارها مدينة لله واختيار داود انتهى برفض المدينة ورفض اختيارها ورفض بيت الرب الذي أقيم له فيها.
مقال 9 عروبة القدس في التاريخ القديم-2-
مع تحليل نقدي لصورة أورشليم في العهد القديم
(2/2)
أ.د/ محمد خليفة حسن
ملاحظات ختامية على صورة أورشليم في العهد القديم
قدمنا في الصفحات السابقة عرضا تاريخيا موضوعيا لرواية العهد القديم الخاصة بأورشليم كما عرفه وفهمه وفسره مؤرخو العهد القديم، والآن نحاول أن نخرج من هذا الوصف التاريخي نعدد من النتائج التي أوحتها إلينا هذه القراءة المتأنية في نصوص العهد القديم.أولا: الأصل غير الإسرائيلي لمدينة أورشليم:
تذكرنا نصوص العهد القديم دائما بأن مدينة أورشليم مدينة غريبة علي الإسرائيليين ولا يوجد بها في تاريخها القديم السابق على قدوم الإسرائيليين إسرائيلي واحد: "وفيما هم عند يبوس (أورشليم) والنهار قد انحدر جدا قال الغلام لسيده تعال نميل إلى مدينة اليبوسيين هذه ونبيت فيها، فقال له سيده لا نميل إلى مدينة غريبة حيث ليس أحد من بني إسرائيل هنا"، وفي سفر حزقيال يتم التأكيد مرة أخرى على الأصل غير الإسرائيلي لأورشليم: "وكانت كلمة الرب إلي قائلة، يا بني آدم عرف أورشليم برجاساتها، وقل هكذا قال السيد الرب أورشليم مخرجك ومولدك من أرض كنعان أبوك أموري وأمك حثية"، ومعنى هذه الاقتباسات إدراك كتاب العهد القديم ومؤرخيه لحقيقة أصل أورشليم ونشأتها التاريخية غير الإسرائيلية قبل تحولها على يد داود إلى المركز السياسي والديني لبني إسرائيل.
ثانيا: الطبيعة المركبة لمدينة أورشليم خلال الفترة الإسرائيلية:وإلى جانب الاعتراف بالأصل غير الإسرائيلي للمدينة اعترف العهد القديم أيضا أن المدينة لم تكن أبدا خالصة لبني إسرائيل خلال الفترة الإسرائيلية من حياتها والتي تبدأ من عصر داود، فقد فشلت كل محاولات إلى الاستيطان الإسرائيلية في أورشليم زمن يشوع تلميذ موسى ة السلام: "وأما اليبوسيون الساكنون في أورشليم فلم يقدر بنو يهوذا على طردهم فسكن اليبوسيون مع بني يهوذا في أورشليم إلى هذا اليوم"، ويستمر هذا الوضع السكاني المركب للمدينة في عهد القضاة حيث قام اليهوذيون بمحاربة الكنعانيين في أورشليم وأحرقوا المدينة ورغم ذلك يتمكن اليهوذيون من السيطرة على المدينة واستخلاصها لأنفسهم من الكنعانيين: "وحارب بنو يهوذا أورشليم وأخذوها وضربوها بحد السيف وأشعلوا المدين بالنار، وبعد ذلك نزل بنو يهوذا لمحاربة الكنعانيين سكان الجبل والجنوب والسهل وسار يهوذا على الكنعانيين الساكنين في حبرون"، ومع كل هذا التدمير والإحراق لأورشليم لم يتمكن البنيامينيون واليهوذيون من طرد الكنعانيين واضطروا إلى المعيشة معهم في أورشليم " وبنو بنيامين لم يطردوا اليبوسيين سكان أورشليم فسكن اليبوسيون مع بني بنيامين في أورشليم إلى هذا اليوم."(القضاة21:1)
وانطبق هذا الوضع التركيبي لأورشليم على سكان كل أراضي الكنعانيين خلال عصر القضاة "وإفرايم لم يطرد الكنعانيين الساكنين في جازر فسكن الكنعانيون في وسطه جازر، زبولون لم يطرد سكان قطرون ولا سكان ونهلول فسكن الكنعانيون في وسطه.. ولم يطرد أشير سكان عكو ولا سكان صيدون واحلب.ز فسكن الاشيريون في وسط الكنعانيين سكان الأرض لأنهم لم يطردوهم، ونعتالي لم يطرد سكان بيت شمس ولا سكان بيت عناة بل سكن في وسط الكنعانيين سكان الأرض". وعبارة" لم يطرودهم" المتكررة في الفقرات وغيرها هي عبارة تشير او ترمز إلى الفشل في طردهم وعدم القدرة على الاستيلاء على أرض الكنعانيين بسبب المقاومة الكنعانية، وقد أثر كتاب العهد القديم اختيار هذه العبارة "لم يطردهم" حتى يستشعر منها تسامح بني إسرائيل وسماحهم لسكان الأرض الأصليين بالسكنى معهم بينما هي تدل أصلا على العجز أو الفشل في طرد الكنعانيين.وقد أدى هذا الوضع السكاني المركب لأورشليم وغيرها من مدن الكنعانيين إلى اندماج بني إسرائيل في الكنعانيين اندماجا كاملا فعبدوا آلهة الكنعانيين وتزوجوا من بناتهم وزوجوا بناتهم للكنعانيين: "فسكن بنو إسرائيل في وسط الكنعانيين ووالحثيين والأموريين والفرزيين واحويين واليبوسيين، واتخذوا بناتهم لأنفسهم نساء وأعطوا بناتهم لبنيهم وعبدوا آلهتهم"، وتشير هذه الفقرة السابقة إلى الاندماج الكامل لبني إسرائيل في السكان العرب أصحاب الأرض اندماجا كاملا خاصة على المستوى الديني حيث تشير عدة نصوص إلى التخلي عن التوحيد ممثلا في عبادة يهوه والانخراط في عبادة الآلهة الأجنبية ومعظمها آلهة عربية كنعانية وفلسطينية: "وعبدوا البعليم والعشتارون وآلهة أرام وآلهة صيدون آلهة موآب وألهة بني عمون آلهة الفلسطينيين وتركوا الرب ولم يعبدوه"، ونتيجة هذا الاندماج أن الأرض ظلت كنعانية وأورشليم أيضا ظلت يبوسية كنعانية عربية: "وذهب الملك ورجاله إلى أورشليم إلى اليبوسيين سكان الأرض"(صموئيل الثاني 6:5) ونجد داود يلجأ إلى شراء قطعة أرض من صاحبها اليبوسي ليبني عليها مذبحا للرب: "وجاء جاد في ذلك اليوم إلى داود وقال له اصعد وأقم للرب مذبحا في بيدر ارونه اليبوسي.. وقال الملك لارونة لا بل أشتري منك بثمن ولا أصعد للرب محرقات مجانية فاشترى داود البيدر والبقر بخمسين شاقلا من الفضة، وبنى داود هناك مذبحا للرب وأصعد محرقات وذبائح سلامة".
وفي عهد سليمان عليه السلام استمرت عملية الاندماج هذه خاصة من خلال الزواج ويروي العهد القديم عن سليمان نفسه أنه تزوج من كنعانيات ومصريات وعربيات من أمم مختلفة: "وأحب الملك سليمان نساء غريبة كثيرة مع بنت فرعون موآبيات وعمونيات وأدوميات وصيدونيات وحيثيات من الأمم ... فالتصق سليمان لهؤلاء بالمحبة وكانت له مائة من النساء السيدات وثلاث مائة من السراري فأمالت نساؤه قلبه، وكان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى ولم يكن قلبه كاملا مع الرب آلهة كقلب داود أبيه، فذهب سليمان وراء عشتورت إلاهة الصيدونيين وملكون رجس العمونيين" (الملوك الاول1:11-13).
هذه رواية العهد القديم عن سليمان عليه السلام وهي رواية غير معقولة إسلاميا، ولكنها تشير في وجهة نظر العهد القديم إلى الاختلاط الاجتماعي بالكنعانيين وغيرهم، وما نتج عنه من اندماج ديني ووضع سكاني مركب خاصة في أورشليم، وإذا كان هذا هو الوضع خلال فترة انقسام المملكة وهي فترة ضعف سياسي عام أدى إلى مزيد من الاندماج والاختلاط وتأكيد الصفة التركيبية لمدينة أورشليم حتى دمارها على يد البابليين في عام 586ق.م.
ثالثا: الضعف السياسي لمدينة أورشليم خلال فترة الانقسام وخضوعها لمصر أو بابل:
رغم اتخاذ مدينة أورشليم عاصمة لمملكة داود وسليمان عليهما السلام فإن انقسام هذه المملكة بعد موت سليمان عليه السلام أدي إلى دخول المدينة في فترة من الضعف السياسي الشديد، فقد ظهرت لها مدينة منافسة هي السامة عاصمة الإسرائيليين في الشمال والتي بنيت لكي تنافس أورشليم سياسيا كعاصمة لدولة الشمال، وبنيا كمركز ديني يتجه إليه الشماليون بدلا من اتخاذهم أورشليم كمركز ديني به بيت الرب الذي بناه سليمان ولكي تتحقق المنافسة الفعلية بنى أول ملوك إسرائيل الشمالية بيتين في الشمال في بيت إيل وفي دان ليحلا مكان بيت الرب في أورشليم.وقد تعرضت المدينة لما تعرضت له مملكة يهوذا بشكل عام من أزمات سياسة تاريخية بسبب الوضع الجغرافي المتوسط لفلسطين عامة في طريق القوى العظمى في الشرق الأدنى القديم حيث كانت دائما وأبدا منطقة صراع بين مصر والجنوب وأشور وبابل في الغرب، وبعد سقوط إسرائيل الشمالية في يد الآشوريين في عام 712ق.م ظل الجنوب الفلسطيني وعاصمة أورشليم يعاني من هذا الموقف السياسي المتأزم بين مصر وبابل حيث تردد ملوك يهوذا بين الولاء المعتاد لملوك مصر الواقعة على الحدود الجنوبية وبين إعلان التبعية لبابل في فترات سيادتها وضعف المصريين أو فتور علاقتهم بملوك يهوذا، ففي السنة الخامسة من ملك رحيعام بن سليمان يحتل شيشق ملك مصر أورشليم ويأخذ ما بها من خزائن بيت الرب وبيت الملك (الملوك 26:25:14) وتتعرض أورشليم للغزو الآشوري على يد سنحاريب ملك أشور وزمن حزقيا ملك يهوذا والذي دفع ضريبة لآشور ثم هدد مك آشور بإرسال جيش عظيم إلى أورشليم بسبب لجوء حزقيا إلى مصر(الملوك الثاني18:31- 22) وفي أيام يوشيا ملك يهوذا يغزو الفرعون نحو ملك مصر لمقابلة ملك أشور ومحاربته فيخرج موشيا لمحاربة فرعون مصر فيقتل في مجدو ويعين بعد مقتل يوشيا ودفعت يهوذا الجزية لمصر،وفي عهد يهوياقيم يقوم ملك بابل نبوخذ ناصر يغزو يهوذا ويخضع له يهوياقيم ثلاث سنوات ثم يتمرد على نبوخذ ناصر الذي يرسل إليه جيشا لهزيمة، وفي عهد يهوياكين يحاصر نبوخذ ناصر أورشليم، ثم يستولي على المدينة تحت تأثير المتغيرات السياسية والعسكرية في الشرق الأدنى القديم ولا تستطيع حماية نفسها من الغزوات الدائمة للآشوريين والبابليين والمصريين.
وفضلا عن الغزو الخارجي وقعت أورشليم أيضا ضحية الصراعات السياسية والعسكرية بين إسرائيل الشمالية ويهوذا الجنوبية، حيث عاشت الدولتان منذ الانقسام حالة مستديمة من الصراع السياسي والعسكري والديني عبرت عنها بعض فقرات العهد القديم أفضل تعبير: "وكانت حرب بين رحبعام ويربعام كل أيام حياته"، "وكانت حرب بين آسا وبعشا ملك إسرائيل كل أيامها."
وقد استمرت هذه الحالة من العداء بدون توقف حتى سقوط مملكة إسرائيل الشمالية في يد الاشوريين عام 721ق.م.
وبالإضافة إلى هذا الصراع الداخلي بين دولتي الشمال والجنوب وقعت أورشليم ودولة يهوذا تحت الضغط السياسي والعسكري المستمر للكنعانيين والآراميين والموآبيين والفلسطينيين وغيرهم من القوى المحيطة بفلسطين أو التي تعيش بداخلها والتي حاربت الدولتين معا أو دخلت في تحالفات سياسية وعسكرية مع إحدى هاتين الدولتين ضد الأخرى، كما حدث بين بنهرد ملك آرام الساكن في دمشق وبين آسا ملك يهوذا ضد بعشا ملك إسرائيل (الملوك الأول 18:15-20) وفي بعض فترات السلم بين إسرائيل ويهوذا تحالف الدولتان ضد بعض أعدائهما، مثلما حدث بين يهورام بني أخاب ملك إسرائيل ويهوشافاط ملك يهوذا ومعهم ملك أدوم ضد ميشع ملك موآب (الملوك الثاني6:3-11)، وتقع أورشليم تحت حزائيل ملك آرام في عهد لهوآش ملك يهوذا والذي يضطر إلى دفع جزية لملك آرام ويدفع إليه كل الذهب الموجود في خزائن بيت الرب وبيت الملك (الملوك الثاني 22:13)، وفي عهد آحاز ملك يهوذا يتحالف فقم بني رمليا ملك إسرائيل مع رصيني آرام ضد أورشليم ويصعدون لمحاربتهم ويضطر آحاز إلى الاستعانة بتجلاث بلاسر ملك أشور قائلا: "أنا عبدك وابنك اصعد وخلصني من يد ملك آرام وفي يد ملك إسرائيل القائمين علي" (الملوك الثاني7:16-8).
ومع وقوع الغزو البابلي وسقوط أورشليم في يد البابليين يتم سبي سكان المدينة إلى بابل بعد إحراق المدينة وتدميرها وهدم أسوارها أو قد نتج عن الغزو البابلي تفريغ أورشليم من سكانها اليهود وإرسالهم منفيين إلى بابل: "وأحرقوا بيت الله وهدموا أسوار أورشليم وأحرقوا جميع قصورها بالنار وأهلكوا جميع آنيتها الثمينة وسبي الذين بقوا من السيف إلى بابل فكانوا له ولبنيه عبيدا إلى أن ملكت مملكة فارس".
توضح هذه الأحداث في مجملها مدى الضعف السياسي الشديد الذي كانت عليه أورشليم خلال عصر ملوك يهوذا، فقد ظلت المدينة مهددة سياسيا وعسكريا وبشكل متواصل بالأخطار الأجنبية من جانب مصر وآشور وبابل والأقطار الداخلية من جانب الآراميين والموآبيين والكنعانيين والفلسطينيين والآدوميين ومن جانب ملوك إسرائيل في الشمال الأمر الذي يؤدي بنا في النهاية إلى الحكم على المدينة بأنها لم يكن لها أي ثقل سياسي أو عسكري خلال عصور ملوك يهوذا (-58ق.م)...............................
التكملة بالرد الاول
المفضلات