أثناء عمليات التشييك والتنسيق لملفي الأثري وقعت عيناي على قصاصة صفراء تميل إلى البرتقالي
كانت تلك القصاصة لصحيفة الرياض ومؤرخة بـ الجمعة 16 شوال 1418هـ الموافق 13 فبراير 1998 مـ
لا أدري متى احتفظت بتلك القصاصة لأنني لاأذكر أنني قد قرأت أحداث تلك القصة الموجودة فيها قبل هذه المرة !!
لكن يبدو أن كراهيتي للظلم ومحبتي لأبناء قبيلتي " شمر " هي التي دفعتني للاحتفاظ بها مدة تقارب التسع سنوات !!
القصاصة عبارة عن مقالة للكاتب فهد السلمان في عاموده " على قامة الريح " جاءت المقالة معنونة بـ (( يابشرى هذا غلام ))
تحدثت المقالة عن قصة الطفل " فهد زعال الشمري " ذو الثمان سنوات والذي كان يلهو قبالة استراحة والده في إحدى ضواحي مدينة حائل حينما زلت قدمه ليقع في إحدى تلك الآبار الارتوازية المهملة والتي يبلغ عمقها ستين متراً بينما لايتجاوز قطرها (( 14 )) بوصة !!
لم يشهد أحد لحظة سقوط الطفل وحينما مر أحدهم بالقرب من فوهة البئر ردم فوهته بلوح خشب خشية أن يسقط أحد المارة فيه ولم يكن يعلم أن الطفل فهد قد سقط فيه !!
بعد أن أحس الأهل بغياب ابنهم أخذوا يبحثون عنه وبعد مسح دقيق تطوع فيه الجميع وشمل كافة الأخبية والزوايا كان لابد من الاستعانة بأجهزة أمن الطرق والدوريات الأمنية !!
وبعد مضي أربع ساعات ونصف عثر أحد المواطنين ويدعى " فرحان طلمس الشمري "على الطفل داخل عمق البئر الارتوازي وذلك بواسطة كشاف يدوي ومرآة استطاع بهما أن يتأكد من وجود الطفل ليتم إبلاغ الدفاع المدني والذي وقف طويلاً أمام فوهة البئر وبعدما أرسلوا واردهم كانت حبالهم لاتزيد على (( 30 )) متراً لتتم الاستعانة بإمكانات بعض المواطنين والعمالة !!
وكانت مسألة دخول أحد العناصر داخل البئر احتمالاً مستبعداً تماماً بحكم ضيق فوهته " 14 " بوصة وعمقه البعيد " 60 " متراً !!
وحين لايكون ثمة بد من طرح مثل هذا الاحتمال فلا بد من أن يضطلع بهذه المهمة شاب له جسم نحيل يستطيع أن ينزلق في مثل هذه الأنبوبة الترابية الضيقة .
وفعلاً فقد تطوع العريف بالدفاع المدني " محارب خلف الخمساني الشمري " بالنزول داخل البئر بعد أن جهز نفسه ببعض البطاريات اليدوية لكنه ما إن بلغ منتصف البئر حتى فقد القدرة على التنفس وتعرّض للإغماء ليتم إخراجه وإسعافه !!
إلا أنه قرر بطوعه تكرار المحاولة رغم نزف الدماء من عضديه وكتفيه جراء احتكاك جسده بمحيط البئر حتى استطاع أن يسمع صوت الطفل ويناوله إحدى البطاريات اليدوية ويأمره بإضاءتها !!
وفي المرة الثالثة يهبط العريف الشهم حاملاً معه شبكة ليوجه الطفل للوقوف داخلها وليطمئن بواسطة بطارياته الضوئية على إمكانية رفعه بواسطتها وليتمكن بالتالي من إنقاذ حياة الطفل البريء الذي كتب الله له النجاة !!
وهكذا خرج الطفل فهد للحياة مجدداً بعدما أمضى في تلك البئر قرابة التسع ساعات بفضل الله ثم ببسالة ذلك العريف الشهم الذي لم يرد في الخبر الذي تناقلته الصحف عن الحادثة حتى مجرد الإشارة إلى اسمه !!!!!!؟
يقول الكاتب :
(( مادفعني لكتابة تلك القصة كاملة ليس مجرد القص ولا استمراء سياق مثل هذه المآسي وإنما لأن الخبر الذي تناقلته الصحف قد صادر حق هذا العريف الشهم الذي رفض إلا أن يكرر المحاولة تلو الأخرى حتى لو كلفه ذلك حياته رغم كل ما أصابه !!
حيث جاء في الخبر : " أن فرقة من الدفاع المدني قد باشرت الحادث بقيادة الضابط فلان !! وتم إنقاذ الطفل خلال ثلاث ساعات !! وهذا جرح لايغتفر لبطولة عريف كل جريرته أنه لايحمل أنجماً على كتفيه وإلا لكتب اسمه بالبنط العريض !! ))
والد الطفل المقدم متقاعد " زعال مهل الشمري " زار الكاتب في مكتبه وقد كتب مقالاً يشكر فيه العريف الشاب الذي ساهم في إنقاذ حياة ابنه وطالب بمنح العريف نوط الإنقاذ وتشجيعه كنموذج لرجل الأمن المثالي .
انتهت القصة بتصرف
وانتهت مأساة فهد زعال الشمري لكن ببداية مأساة جديدة تكمن في هضم العريف " محارب الشمري " حقه من الشكر والإطراء والمكافأة !!
لا أدري إن كان البطل محارب الشمري يقرأ أسطري هذه لكن أتمنى أن يعذرني على تقليب مواجعه لأنني أحسست بها فلم أستطع كتمانها بين أضلعي لهذا نشرتها هنا !!
وقد نشرتها باختصار وإلا فمقالة الكاتب أطول من ذلك !!
أخي محارب
شمر كلها تفخر بأنك أحد أبنائها فبطولتك تدفع الكثيرين للاقتداء بك حتى وإن واجهوا ظلم المجتمع
هنيئاً لنا بك أيها البطل
المفضلات