في هدأة ليلة خريفية .. وبينما كان الظلام يحتضر , والقمر يمخر عباب السحاب ..جلس خارج الخيمة متلفعا ببشته الوبري , متلثما , متكئا يراقب جثث حطب الغضا المحترقة , وألسنة اللهب تتراقص فوقها رقصة الإجهاز , لتلفظ بعد ذلك معها أنفاسها الأخيرة .. جلس هائما في آفاق الشجن , محلقا في سموات العالم الوردي المشوب بضبابية الرماد .. جلس وحده بعد أن خفتت أصوات رفاقه لتحل محلها أنفاس نومهم المنتظمة .. كان بحاجة إلى هذه الخلوة الروحية مع نفسه ليجري مسحا شاملا لآلامه وآماله .. وبينما هو غارق في أمواج الشعور نقل إليه نسيم الغسق اللاسع صوت دندنة وتقاسيم على العود ما لبثت أن تحولت لحنا شجيا يرجعه العازف على مقام الصبا الحزين الملهب للعواطف .. وبعد ترجيعتين انطلق صوت العازف هادئا رخيما يردد أغنية محمد عبده :
ياليل يا جامع على الود قلبين . . لك عادة تجمع قلوب الولايففراق له العزف .. وأمتعه العازف .. وتفاعلت روحه مع الكلمات الذائبة المذيبة لصخر القلوب .. ثم تحول العازف ليصدح بأغنية لحمد الطيار ومن كلمات الشاعر العذب / سليمان السلامة :
أيّست من رجـواك ياناسـي الحـب . . لو بك رجا ما ضاع عمري وأنا أرجيكفذابت روحه .. وخالطت كلمات الأغنية شغاف قلبه .. وفتحت عليه إعصارا من غارات الشجن .. فتصاعدت مشاعره مع كل ضربة على الوتر .
أربع سنين أرجيك وآقف على الـدرب . . وأشكي جروحي منك ربـي يجازيـك
أشكي عذابي وأنت تعلن لـي الحـرب . . نفسك كبيرة ما تبـي مـن يداريـك !
كان المغني طربا متفاعلا .. بينما هو يصارع الوجد , ويكسر العبرات .. ثم لم يلبث أن فقد السيطرة على مشاعره فانطلقت قريحته بهذه الأبيات
: [poem=font="Simplified Arabic,6,white,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="./images/backgrounds/21.gif" border="double,5,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
يا عازف العود ..!
يـا عـازف العـود ألحانـا ترجِّعـهـا=أدميت قلبـي وهـاج الوجـد أشجانـي!
يا عازف العود .. خفّـف مـن مناحتـه=فقد حزنـت وصـوت اللحـن أبكانـي!
يا عازف العود رفقا .. فالهوى خطـر !=أثـرت فـي عزفـك المحمـوم بركانـي
يا عازف العود .. لو أدركت فاجعتـي !!=وكـم جنيـت علـى قلبـي ووجدانـي!
أبحرت في لحنك الممزوج فـي شجنـي=فذبـت أغنيـة مـن بــوح تحنـانـي
ناشدتك الله .. لا ترقص علـى ألمـي !=ناشدتـك الله .. لا تكـفـر بإيمـانـي!
ذكّيتنـي ألـمـا .. أبكيتـنـي حـزنـا=فرجـع لحنـك مـن تعذيـب خـلانـي
ياعازف العود .. لم تعـزف علـى وتـرٍ=في صفحة العود .. بل في عمق أحزاني !
يا عازف العود غيّر! .. ف(الصّبا ) أرقـي=وخنجـر المـوت مسمـومـا بألـحـان
إن كنت ياعـازف الألحـان فـي طـرب=فــإن خافيـتـي تُصـلـى بنـيـران!
يا عازف العود مهلا .. لا أطيـق جـوى=بـاتـت تؤجـجـه أوتــار عـيـدان!
يا عازف العود قف ..!! أرجوك منكسـرا=إني احتُضرت .. وحَيني حان يا جانـي![/poem]
فاصلة ..
* يجب أن أقول إن كل مامضى في التقديم والقصيدة ( تسذب بتسذب ..! يعني لا خيمة ولا ضوّ ولا عود ولا هم يحزنون !! ) مجرد تطعيسة من تطعيسات روح التميمي في كثبان الأحلام ورمال الخيال ! وهو صاحب تطعيس وعاشق تطعيس على الحقيقة والمجاز !!
** للأسف كل الخدمات موجودة هنا ماعدا منسق القصائد , مع أن المنتدى يقوم في المقام الأول على الشعر !!
المفضلات