مدخل // هذه رواية وهي عبارة عن مجموعة قصص واحداث حقيقية وليست مستمدة من الخيال
انا سميتها بصمات الموت
وسوف انشر بعض من قصص حزينة هنا
تحياتي لكم
جمال الجزائري
كانت الساعة تشير إالى تمام التاسعة صباحا، وكنت عندها في النادي رفقة زميلي وأقرب أصدقائي نرتشف قهوة الصباح ، ونتبادل أطراف الحديث، حديث شباب في مقتبل العمر بما يحمل من أسئلة تبحث عن إجابة بكل وضوح ، عندها سمعنا صفارة الإنذار مدوية أرجاء المكان معلنة حالة طارئة وتستدعي التدخل في أقرب وقت ممكن، كان هذا بمثابة صاعقة رعدية تقطع سكون المطر المتساقط في صمت .
لم ندري ما نفعل وكأننا غرباء على المكان ؟ أو أننا لسنا معنيين بما يحدث أو أننا ننتظر من يوجهنا إلى عمل ما ، تركنا فناجين القهوة كما هي وأسرعنا إالى غرفنا ونحن نتبادل التساؤول في الطريق الذي ريبط النادي بالغرف وهو بضع عشرات أمتار ، وحولنا الكل يهرول وكأنه صاروخ سقط على المكان أو أن أمرا غير محمود سوف يقع..
حملنا عتادنا الخاص من سلاح وعتاد القتال الخاص بقرق التدخل وتجمعنا حول السيارات ، وحضر القائد الذي بدى لي كانه على أهبة الإستعداد منذ اسابيع مضت ولكن نظراته تخفي شيئ ما ، وحوله الضباط وكل يبدوا على وجهه نوع من الاندهاش ممزوج بالحماس والخوف من المجهول فكأنما تريد تلك الوجوه أن تقول نحن لا نريد أن نواجه ، أن نتصادم مع أحد فقط يكفينا هذا الحال من العيش فنحن راضون،
تهاطلت الأوامر من كل حدب وصب إتجاه من يعنيهم الأمر من قادتهم المباشرين ، وتم التحضير لكل شيئ في وقت وجيز جدا وانطلقت القافلة في مجموعة من سيارات تويوتا تصل العشرة وكنت في السيارة الثالثة خلف السائق ، وقبل خروج سيارتنا ودعني أحد زملائي وهو يشجعنا قائلا "" الله يستركم "" .
قطعت القافلة روتين المدينة وتركت الناس في دهشة كبيرة فالكل ملتف إلينا ويتسائل في نفسه أو من حوله ما حدث ؟ وما لهذه السيارات تيسر بسرعة فائقة مستعملة المنبه لإافساح الطريق ، ترى الحوار الكبير في الشارع قد قام بين هذا وذاك وبين كل من رآى وحضر ساعة خروجنا .
لم يدم سيرنا في المدينة إلا دقائق بحكم أن المدينة متوسطة الحجم وكذالك فالساعة قاربت العاشرة وأغلب الناس في مواقع عملها ، وكنا نحن بداخل السيارة قد نسينا إلى أين نتجه؟ وعشنا مع عيون الناس ذاك التساؤل ونحن ننظر إليهم نظرة كبرياء وصمود وشجاعة كبيرة وكأننا نقول لهم ستعلمون فيما بعد عن بطولاتنا الفريدة.
وما هي إلا دقائق حتى إستقرت سياراتنا بالسير على طول الطريق المؤدي الى المكان المقصود، وكانت السيارات التي تقاطع سيرنا تجنح إلى أقصى يمينها وأحيانا تتوقف في مكانها تاركة لنا مجال المرور ،في داخل السيارة قد تحصلنا على بعض المعلومات حتى وإن لم تكن مقنعة لنا لكننا بتنا نعلم من قائد السيارة أننا متجهين إلى مهمة خاطفة خاصة بمكافحة التهريب على الحدود وكأننا تنفسنا الصعداء بل إننا أصبحنا متلهفين للوصول قبل فرارهم ،، كنت خلال الطريق أشاهد من وراء زجاج النافذة تلك الحقول الممتدة على طول الطريق وكأنها ترافقنا ببساطها الأخضر الذي يعلن عن بداية الربيع ونهاية فصل الشتاء ، وكنت من خلالها غارق في التفكير ، وجل تفكيري في البيت أحسست حينها أني فعلا إشتقت لأهلي وأني بحاجة ماسة إلى قربهم أكثر من أي وقت مضى ، ثم ألوم نفسي ألست رجلا ؟ ألست أنا كفيلهم وأني أنا رجل البيت ؟ ثم أعود إلى داخل السيارة التي شردت عنها وألتقط بعض ما فاتني من الحديث الذي يدور بين أصدقائي فلا أنتبه إلا إذا سالني أحد ما رأيك ، أو يقول هل أنت خائف ؟؟ فأبتسم له وأثور مدافعا عن شجاعتي مقهقها وكأني لست مبالي بما سوف يحدث و أوهمه أني بعيد، أو أني في أمر أكثر من هذا أهمية وشأنا ؟ ......وأي شأن وأنت متوجه إلى عمق الخوف أجيب نفسي في صمت وأواصل رمي نظراتي في تلك الحقول وكلي تسائل حين أرى منازل مبعثرة هنا وهناك وترى أطفال يركضون وراء قطعان أغناهم فأحزن لحالهم وأبدأ في تصور الحياة لديهم فأجد نفسي مرهق وأجد نفسي متعب ، بل إني أفقد حتى البسمة التي لم أراها على شفاههم ، ألسبب الجو البارد نوعا ما أم لرفضهم تلك الحياة ؟ ولو كان مبكرا.
كانت الساعة تقارب الحادية عشرة صباحا وقد ظهرت لنا أولى الملامح التي تدل على قرب وصولنا إلى الصحراء ، وكذا إقترابنا من المدينة التي سوف نحط فيها رحالنا ، فمسيرة ساعين كافية أن نترك الإخضرار ورائنا ونغوص في اللون الأصفر الممزوج مع الرمادي و المشكل لمنظر الصحراء التي بدئنا الغوص فيها ، وبعد مدة من السير وصلنا إلى أولى محطاتنا وهي مدينة مثل التي تركنا خلفنا من حيث الحجم ، اللهم الإختلاف من حيث بعض شوارعها ومحيطها الرملي الكبير فبرغم أنه في وسط الصحراء إلا أنها من الداخل تبدوا كمدن الشمال خالية من أثار الرمال على طول شوارعها ، وفي حدود منتصف والنهار و 30 دقيقة دخلنا المدينة الاولى وهي ولاية جزائرية على الحدود التونسية ومن هذه المدينة لا يبقى الكثير على تونس العاصمة فلا تزيد المسافة على ثلاث ساعات كي تصل تونس.
بالنسبة لي كانت المرة الاولى التى أرى فيها هذه المدينة وتابعت استراق النظر بلهفة حيث اود اكتشافها حتى من خلال نافذة السيارة التي قللت من سرعتها والقافلة تخترق الشوارع حتى وصلنا الى مقر الوحد الصديقة ، توقفت القافلة امام المدخل الرئيس لوقت قصير ثم دخلت السيارات الواحدة تلو الاخرى الى فناء واسع يتسع لضعف العدد الذي قدمنا فيه افرادا وسيارات.
نزلنا من السيارات وقد امرنا من طرف القائد ان لا يبرح احدا مكانه لاننا سوف نرتاح لفترة قصيرة نتناول من خلالها وجبة الغداء ونواصل الرحلة ، ودخل هو الى مركز القيادة في تلك الوحدة متبوعا بصغار ضباطه وبقينا نحن منتشرين جماعات جماعات على رصيف ذاك الفناء والكل منشغل في امر ما ، فهذا يشكو صديقه مشاكله الخاصة وذاك صامت غارق في تفكيره منعزلا وكأنه لا يريد أن يكلم احد ، بينما نحن الشباب خصوصا انا ومحمد وعبد السلام كنا لا نكاد نفترق وكانت ميزة ايامنا الضحك والترفيه عن انفسنا بقدر المستطاع ، فكنا نستغل اي وقت فراغ لنستمتع به ، كنا مازلنا نتحدث عن العملية التي كل واحد فينا يظهر شجاعته ويخفي خوفه في صمت ، فهي بالنسبة لنا مغامرة شباب طالما انتظرناها ولكن هل ستكون الامور كما نريد نحن ؟ هذا ما كان يشغلني بالضبط ونحن نتصور انفسنا حين نطارد المهربين على الحدود وكاننا نريد القول نحن من يقضي على هؤلاء المخربين للاقتصاد والخارجون عن القانون .
فجأة تمتم محمدا وهو يضحك وخفض راسه نحونا انا وعبد السلام لانه كان واقفا امامنا ونحن جلوس ، وقال لقد جاء الغداء وقد عرفنا تقريبا نوعه من خلال الرجلين الذين يحملان علبتين كارتون بين ايديهما ان الاكل هو عبارة عن وجبة سريعة ، فقال لنا تعالوا لنأخذ حصتنا ، فقال له عبد السلام انا لا رغبة لي في الاكل بل اريد قهوة ثانية ارتشفها ، فقلت له وانا معك افضل قهوة على الاكل ، فتقدم محمد واحضر ثلاث حصص وقارورة ماء وجلسنا ناكل الوجبة التي احتوت على خبز فيه بعض من البطاطة المقلية ومعها قطع صغيرة من اللحم بلون اسود تبدو من النظرة الاولى انها لبعير قد قارب سنه الاربعين عاما ، وقد كانت كذالك يصعب مضغها واذا صممت على عنادها فانك تقي باقي يومك مجترا لتلك القطع فنزعناها من الخبز واكتفينا بالبطاطة .
بقينا على ذاك الحال لمدة تقارب الساعتين وقد بدأ يصيبنا الملل من الجلوس والانتظار وفجأة خرج القائد رفقة ضباطه فتنفسنا الصعداء وقال محمد ساخرا ها هي العروس قد تركت منزل اباها فضحكنا وتقدمنا الى السيارات ثم انطلقنا من جديد ، وكانت الساعة تقارب الثانية والنصف .
توجهنا جنوب المدينة وسرعان ما خلفناها ورائنا وبدأنا نفقد صور البيوت الاخيرة على اطراف المدينة وكانت الطريق ضيقة وقد غطت الرمال اطرافها وكأنها تريد التهتمها كليا بعد يوم او يومين وقد ازداد عدد السيارات باثنتين من تلك الوحدة التي كنا فيها وكانتا هما الاول في السير لاننا لا نعرف المنطقة جيدا ولزم لنا مرافق للطريق ، كانت السيارات النادرة التي تاتي في الاتجاه المعاكس تبدوا من البعيد متوقفة او انها هجرت من اصحابها فما كنا نرى الاشارة الضوئية التي تعطى لها من السيارة الاولى في المجموعة لالتزام اقصى المين ، واصلنا السير على ذاك الطريق وقد بدأ ت الشمس بالغروب وكان ذاك اول يوم ارى فيه غروب الشمس في الصحراء بل انها المرة الاولى التي ارى فيها الصحراء برمالها في حياتي ، انعطفنا يسارا وقد بدأ الظلام يخيم ودخلنا في مسلك غير معبد وكان الغبار ينبعث خلف كل سيارة وكأنها تحترق وكانت من مسافة ليست بعيدة تبدوا بناية مرمية على الارض فلم استطع تمييزها جيدا حتى اقتربنا منها فسألت محمد هذا هو مقصدنا ؟ فقال أظن أن هذه وحدة لحراس الحدود نبات فيها الليل او ننطلق منها للعمل الذي قدمنا من اجله ، قلت اتقصد نترك السيارات هنا ونذهب راجلين ؟ قال نعم ، فقلت له ولكن لا يظهر شيئ سوى مساحات لا منتهية من الرمال الواسعة فقال لي انه الظلام لكن في الصباح الباكر سترى ، وكأننا دخلنا في جدال حول هذا الامر ولم نحس حتى وجدنا انفسنا ندخل باب هذه الوحدة لحراس الحدود وكانت بناية قديمة قديمة جدا كانها من قرون خلت فلا يوجد شيئ يدل على الجديد فيها او على البهجة اطلاقا ، وكانت تعج بصفائح القصدير الذي يغطي كل سقف فيها ولا يوجد بها اي نوع من الاشجار فالصورة التي رايتها عن تلك الوحدة اشبه بمعتقل المراد منه احباط المرء قبل موته ، تجمعت السيارات داخل الفناء الصغير وقد كاد لا يكفي لتوقفها ، نزلنا من السيارات وقد تجمع من في داخل تلك الوحدة حولنا وكانوا ينظرون الينا باستغراب وكانهم لاول مرة يروننا بل ان البعض منهم ينظر الينا ببغض واضح وكانه يريد القول اهلا بكم ايها المدللون لتروا اين نحيا نحن ...
كانت نظراتهم غريبة نحونا وكأنهم لأول مرة يروننا ، وكان الظلام قد عم المكان وبدأت بنظرتي أكتشف المكان الغريب ، ثم سمعنا صوت الضابط النائب لقائد الوحدة يصفق بيديه وهو متقدم نحونا : تجمعوا ، الجميع هنا أمامي وينادي على كل واحد باسمه يا فلان تعال ، وكان هذا الضابط الشاب هادئ الطباع كريم مع مرؤوسيه ، فأغلب من بالوحدة يحبه ويكن له كل الاحترام ، والكثير من افراد فصيلته ، الفصيلة الثالثة التي تريد أن تبرز نفسها على أنها الأفضل في عملها دائما في ميدان التدخل السريع في أي عملية نقوم بها ، وتقدم نحونا النقيب قائد الوحدة ، وكان قائدا صارما في تعامله لا يكرر أوامره لأحد إطلاقا وقد لاحظت عليه هذا في طول الفترة التي عملت فيها معه، فلم أراه يضحك أو حتى يبتسم مع احد من مرؤوسيه عدا بعض المرات التي يكون فيها بالوحدة واقفا مع ضباطه أمام مركز القيادة ، وكان يبدو إنسان هادئ يخفي الكثير وراء صمته وهذا كان سر نجاحه في إدارة وحدته بدقة متناهية رغم أن أغلب من في الوحدة يتمنى أن لا يراه في اليوم التالي خصوصا نحن الشباب الذين لم يمضي على بداية خدمتنا بعد التربص إلا سنة أو سنتين بالأكثر ، لأنه كان لا يتردد في إنزال أي عقوبة عسكرية على أي عسكري اخطأ ولو تطلب الأمر إرساله إلى المحكمة العسكرية ، بسبب الكحول أو بعض أنواع الكيف الذي كان يستهكله بعض العسكريين سرا رغم اقتصارها على قلة من الأفراد وبسرية تامة أو لاي سبب آخر .
تجمعنا امامه صامتين محدقين اليه بوجوه يملؤها التساءل عما يفصح يا ترى واي امر يريد اطلاعنا عليه فقال : اسمعوا ايها العسكريون سنرتاح الليلة هنا ومن ثم سوف ننطلق الى مهمتنا صباحا على الساعة الثالثة صباحا ولهذا يجب على الجميع الاستعداد قبل هذا الوقت ، واي عنصر يتاخر سيتعرض لعقوبات صارمة لاني سوف اتركه هنا وحسابي معه حين نرجع للوحدة ، الان اذهبوا الى تناول العشاء وحاولوا ان تنامو مبكرا ، ثم امرنا بالانصراف .
لم تكن كلماته بالمقنعة للاسئلة التي تدور في راسي وانصرفنا جميعا في صمت الى المطعم الذي كان يشبه مدخله بناء قديم هجر منذ امد طويل ، ولم يكن مجهز بأي شيئ سوى بعض الطاولات المتهالكة رصت اليها كراسي حديدة اكل عليها الدهر وشرب وفي يساره عند الزاوية كان هناك رف خشبي وضع بعض العلب من انواع السجائر وعلب شفرات الحلاقة وبعض من اقراص حديدية بها لماع الاحذية وبعض الانواع من الحلوى وتحت الرف على قاعدة اسمنتية وضعت آلة لعصر القهوة وقد احيط بهذا المنظر جدار بعلو متر ونصف تقريبا يشكل العارض ومن داخله كان عسكري نحيف الجسد طويل في منتصف العشرينيات وهو منهمك في عصر القهوة والكل ينادي عليه وهو يحاول ان يلبي طلبات من التفوا حول العارض دخل ورائي عبد السلام وما كاد يقف امامي حتى لحق به محمد وهو مهرجا كعادته وكانه لا يبالي بشيئ غير الضحك والتسلية ، فقال لنا ضاحكا الم يقدموا لكم العشاء بعد ؟ ام ان الخدم تاخر على هذا اداء واجبه فقلت له انا شخصيا لست جائع امام هذا المنظر وصدق يا محمد فقدت الشهية بمجرد دخولي الى هنا ، اتصدق انه لو يتم تحويلي للعمل هنا لكنت من الرافضين ! فقاطعني عبد السلام وقال ستقضي نصف عمرك في السجن العسكري يا ولدي ، قلت له ولكن هذا غير منطقي يا عبد السلام ، فقال هذا هو العسكري لا يرفض أي مكان يحول اليه ، نظرت اليه وقلت : نحن من اتينا بانفسنا ولم يرغمنا احد ، فصاح محمدا مقهقها وكانه ينتظر الفرصة للرد هذا هو بالضبط انت تفهم يا بني . ثم دفعنا عبد السلام من الخلف تقدم للعشاء ودع الامر على الله نحن هنا ليليلة واحدة فقط ، فتقدمنا الى آ خر الصفوف وجلسنا نتاول العشاء وكان مكون من بعض الحساء الخفيف المصنوع من الخضار وحبات من جبن وعلبة من الياروت وبعد الانتهار اخذنا فنجان قهوة بعناء وخرحنا الى الساحة اين وجدنا بعض من الجنود التابعين لتلك الوحدة بدؤا في اخراج اسرة المخيمات والبطانيات ليوزعوها علينا اخترنا مكان خلف سيارة التويوتا ودردشنا قليلا ثم بالحاح محمد خلدنا الى النوم ولم استيقظ الى وعبد السلام يحركني ويناديني انهض حان الوقت للانطلاق توجهت الى مكان تواجد الماء غسلت وجهي وكان جفوني بها حرق كان مادة ما وضعت فيها والماء بارد لدرجة تعجز عن وضعه على وجهك ، ثم تناولنا فطور الصباح وجمعنا الضابط من جديد للتفحص وتفقد كل منا عتاده وركبنا السيارات وانطلقنا من جديد وقد انظم الينا ثلاث شاحنات وسيارتين من نوع تويوتا لتلك الوحدة فعلمت انهم سينظمون الى العمل معنا في هذه المهمة وخرجنا في الساعة الثالثة صباحا كما حدد القائد موعد الانطلاق سالكين طريق لم اره قط من قبل...
كان احساسا غريبا ينتابني في ذاك الصباح ، فانا لم ارى الصحراء من قبل وفي هذه الساعة بالذات ولم يكن من كانوا معي فيالسيارة يتحدثوا كثيرا الا السائق الذي يحاول كسر الصمت معنا من تارة الى اخرى بطرحه سؤال ما حول المهمة كي لا ينام من معه ورغم محاولته الا ان الصمت عم بداخل السيارة وخلد من فيها الى النوم ولم استيقض الا بنور الشمس المنبعث من خلف الكثبان الرملية التي كانت تبدوا لي غير منتهية واننا ربما تهنا في هذه الرحلة ، وكان من مسافة بعيدة يبدو جبلا عملاقا اسود منتصبا في وسط البساط الرملي الشاسع وكان سيرنا نحوه اشبه بالبطيئ رغم ان السيارات كانت مسرعة وقد علمت من كلام من انوا بالسيارة ان المهمة في هذا الجبل لانه يقع على الحدود مع تونس .
لم يدم سيرنا السريع طويلا حين اقتربنا من الجبل وكانت الطريق الرملية قد باتت عبارة عن مساحة من الحجارة السوداء الصغيرة تترامى في كل مكان فقلل السائقون من سرعة السيارات خوفا على العجلات فالحجارة كانت حادة وتستطيع ان تخترق اطار السيارة رغم سماكته ، كنت مستمتعا بالمناظر الجميلة التي شدتني مع طلوع الناء وسطوع السمش وقد نسيت حتى ذاك القلق ولو لوقت وبدت لي المهمة كلها اشبه برحلة نقوم بها لا اكثر ، تقدمنا في اسفل الجبل اكثر فاكثر وقد مررنا بعدة تلال صخرية صغيرة ثم انحدرنا من جديد لنجد انفسنا في واد كبير خلف تلك التلال وعلى طرفه مساحة هائلة من الرمال الناعمة فتوقف الموكب على طرف الواد في ذالك المكان المفتوح وكان يبدو الجبل عملاقا في ارتفاعه وممتد لمساحة كبيرة مشكلا سلسلة من جبال خلفه ، نزلنا من السيارات وجمعنا الضابط النائب لقائد الوحدة في تشكيل الكتيبة من ثلات فصائل وعندها خاطبنا القائد واعلمنا ان في هذه المنطقة الجبلية هناك جماعة متحصنة علينا ايجادها والقضاء عليها مهما كان وقد اعطانا بعض التفاصيل عنهم ليزيد من معنوياتنا وانهم مجرد جماعة تفتقد حتى للسلاح بين عناصرها وان عددهم لا يتعدى العشرة مقارنة بعددنا الكبير ، ثم امر القائد بخروج بعض العناصر للبقاء مع السائقين بمكان السيارات والباقي قسمنا الى مجموعات في كل منها خمسة عشرة عنصرا ، وقد اعيد تزويدنا بالذخيرة الاضافية والقنابل اليدوية الدفاعية والهجومية وانطلقنا في اتجاهات مختلفة الى اعلى الجبل ، وقد كان في جوارنا نفس القوات التي ننتمي اليها وقد انطلقوا هم ايضا من زاوية معينة، فلما القيت بنظري رايت اعداد كبيرة من العساكر وهي تنطلق باتجاهات مختلفة الى قمة الجبل فقلت لعبد السلام الذي كان في مجموعتي هذه عملية كبيرة على ما يبدوا وسوف نقلب حتى الحجارة الصغيرة بهذا العدد ، فقال لي انتبه لنفسك يا رجل وانت تسير فالصخور حادة وزلجة في بعض الحالات علينا ان نكون حذرين ، كانت مجموعتي تحت قيادة عسكري برتبة مساعد وكنت لاول مرة التقيه فهو تابع لوحدة من تلك المنطقة وقائد لفرة اقليمية وله دراية جيدة بهذا الجبل وحتى بعض المسالك التي يجب اتباعها فيه ، في بداية مسيرنا مررنا بواد كان الماء مازال راكدا فيه ببعض البرك الصغيرة واول شيئ لفت انتباهنا هو بقع من دم على الصخور وكانت متتابعة وكان جريح ما قد مر من هذا المكان وقد تفحصناه جيدا بالعين لنتاكد منه اهو بشري ام لحيوان ما ، فلم نستطع التعرف عليه رغم انه لم يجف بعد وسرعان ما ابلغ المساعد القائد عبر اللاسلكي عن هذا الامر فامره بمتابعة السير في ذاك الاتجاه ، كنا كلما صعدنا كان يزداد السير صعوبة فالحجارة كانت في الغالب زلجة جدا وقد تعثرت وكدت اسقط لولا ان محمد قد امسكني من الخلف ولما تماسكت جيدا سقطت احدى القنابل اليدوية التي كانت معلقة بجيبي وقد انفتح صاعقها من كثرة احتكاكها بسترتي اثناء السير فسقطت متدحرجة نحو الاسفل فصرخ احد العسكريين انتبهوا لانه كان يظن انها سوف تنفجر فصرخت انا انها بلا صاعق امسكها فاوقفها احدهم برجله واعادها الي فامرني المساعد بالانتباه من القنابل الاربعة التي كنت احمل معي ، كان على ظهري سلاحي وهو عبارة عن بندقية روسية خاصة بالقناصة طويلة جدا لا انها ذات خفة لم اتعب من حملها اطلاقا عدا احراجي من طولها وكنت نازع منها منظارها وفي جانبي الايمن قاروة الماء الحديدية مثبتة بالحزام العريض وامامها قنبلة الغاز المسيل للدموع بحجم علبة الطاطم وعلى جانبي الايسر يتدلى قناع الغاز في علبته السوداء وكان يصدر قرقعة بسيطة اثناء سيري بسبب احتكاكه محالة مخازن الذخيرة الاربعة التي التصقت بالمسدس الروسي مكاروف ، وكانت المجموعة مشكلة باسلحة من مسدسات رشاشة وبنادق نصف آلية وبندقية رمي القنابل المسيلة للدموع وقاذفة الصواريخ آربي جي وبندقية رشاشة واحدة وكنا دوما نغازل حاملي هذه الاسلحة فيردون تعالوا نتبادل لان حملهم متعب جدا خصوصا البنديقة الرشاشة التي يلتقص في اسفلها صندوق الذخيرة من مائة طلقة .
كنت استكشف المنطقة باعجاب كبير لهذا المكان الساحر فكاني نسيت نفسي اني في مهمة تمشيط وبحث عن تلك الجماعات.
كانت مناظر الجبل الصخري مشوقة جدا فكلما كنا نرتفع في الجبل كنا نرى امتداد لسلسلة جبيلة واسعة اعطت منظرا خلابا زادتني سعادة بحضوري هذه المهمة ، وكنت احيانا ابتعد عن المجموعة لمسافة عشرات الامتار فاسمع عبد السلام يناديني عد الى هنا انت في منطقة خطرة ، فارد عليه لا يوجد شيئ يا رجل لا شيئ هنا لقد فروا من هنا فهم سمعوا بحضورنا لا محال ، فسكون ذاك المكان كان ياسرني فلن انسى تلك المناظر رغم المفاجع التي رايتها انذاك..
كانت الساعة تقارب منتصف النهار وقد بدأنا نحس بالتعب من السير وخصوصا وان اغلبنا نفذ منه الماء ، فالجو كان حارا نوعا ما رغم اننا كنا في فصل الشتاء ، بعد ذالك التقينا مجموعة من بضعة افراد وكان معهم ثلاث ضباط وكذا شخصين مدنيين اقتيدا الى هناك من اجل كشف بعض المخابئ التي يعرفونها من قبل ، وقد لاحظنا بعض المخابئ التي تدل النار المشتعل فيها انها هجرت منذ فترة قصيرة جدا فكانت مخابئ متوارية عن الانظار وقد اختير موقهعا بدقة متناهية من طرف الجماعات التي تسكنها ، فكانت الاولى التي راينا تقع تحت منحدر صخري في اسفل واد اشبه بمكان شلال لو كان الواد يجري وحوله بعض انواع النباتات الصحراوية الكثيفة التي زادت المخبئ تمويها ، كنت متابعا بدهشة كبيرة و\الائك الضباط يسئلون الشخصين عن مكان آخر وكان احدهم يرد بانه لا يعرف الا هذا الموقع ثم واصلنا السير مع تلك المجموعة الى مسافة غير بعيدة اين افترقنا فكل مجموعة ذهبت في اتجاه ، بقينا نبحث ونفتش في تلك الاخاديد الصخيرة الواسعة حتى سمعنا دوي انفجارات وطلقات رشاشات من مسافة قريبة نوعا ما ، فتوقفنا عن السير وركزنا السمع جيدا عن مصدر الرصاص الاتي من اسفل الجبل علىمسافة تقارب الكلومترين من مكان تواجدنا ، فتقدمنا الى اعلى المكان المطل الى الاسفل لنرى ما يجري بوضوح وكانت اصوات الرصاص مازالت تاتي من المكان وعرفنا ان هناك اشتباك بين افراد وحدتنا والجماعات المسلحة في تلك المنطقة رغم اننا لم نستطع معرفة من هم بالذات من افراد وحدتنا ، وكان جهاز اللاسكلي صامت تماما في تلك الاثناء ولم نسمع اي اتصال بين عناصر الوحدة وهذا ما جعلنا نتسائل عن السبب ، ثم فجأة ورد اتصال في الجهاز اللاسلكي يطلب من جمبع المجموعات الالتحاق السريع الى مكان الاشتباك ، ثم تداخلت الاتصالات وكنا نسمع نداء احد الذين كان في المواجهة وهو يطلب الدعم الفوري وكان يعرض الوضع عنده وهو يصرخ ان هناك جرحى ، ما استطعنا ان نعرف المجموعة التي اشتبطت من عناصر وحدتنا بالضبط لكن من كلام قائد مجموعتنا عرفنا انهم حراس الحدود الذين اشتبكوا فالتحقنا مسرعين بمكان الاشتباك باسرع ما يمكن ..
كان اثناء نزولنا الى المكان نسمع باستمرار اصوات الرصاص وصرخات الاستغاثة في جهاز اللاسلكي ثم هدأ كل شيئ ولم نسمع بعدها اي اتصال وحتى الرصاص توقف ، تقريبا ساعة من الزمن اخذناها في رجوعنا الى مكان الاشتباك وعند وصولنا مباشرة توقفنا وقد وجدنا الكثير من عناصر حرس الحدود منبطحين على الارض ومختبئين وراء الصخور ، توقفنا مباشرة وكان الهدوء التام يسود المكان ، سالت احد الضباط وكان منبحا ارضا ما حدث ايها الملازم ؟ فقال لي لا اعرف ما نعرفه وان بعض من افرادنا سقطوا في اشتباك مع جماعة مسلحة واشار بيده هناك وكانت المسافة لا تبعد سوى عشرات الامتار فقط ، كنت اظن ان الامور مسيطر عليها وان الامر انتهى فتدمت انا وعبد السلام نحو المكان بالضبط وكان عبارة عن واد صخري اتضح لي حين اشرفت عليه جيدا ، ولم يكن اي من الافراد واقف او يكاد يرى الا احد الضباط وهو يصرخ ويشتم الجماعات الاسلامية التي كانت تتحصن هناك وتقدمت حتى وقفت اعلى الجهة اليمنى من الواد وقد وقع نظري مباشرة على عسكريين يجرون احدى الجثث وقد غطاها الدم وكانت بحالة تمزيق شبه كامل على مستوى البطن العاري فسالته هل هذا ارهابي ؟ فرد علي احدهم بغضب انه صديقي الا ترى ؟ ولم يكمل الكلمة التالية حتى انطلق صوت الرصاص من جديد وكان عند اذني مباشرة فتركوا ما كان بايديهم وصاح بي عبد السلام انبطح يا جمال انبطح ....يتبع
جمال الجزائري
المفضلات