من الناس من يسير في مساحات واسعة من الشقاء،فأنى يلتفت لا يرى إلا الشقاء، حتى ألف الراحة فيه،
وظن لجهله أن العالم كله كيفما يتصور، وحسبما يريد، وهو لعمري يمور في خواء أوجدته شهوته الثائرة،ويسير
إلى فناء لا رحمة فيه ولاهوادة.
إن هؤلاء الذين يظنون أنهم شيء في حضارتنا البالية؛ هم الذين قلبوا معنى السعادة والهناء إلى التعاسة والعناء
فهم لا يعلمون من المشاهد إلاهياكلها،فإذا أبصروا أبصروا بشهواتهم، وإذا دققوا النظر كشفوا عن عالم الرذيلة
الذي ألفوه، ثم يأتي التقليد الأعمى من المغفلين أشباههم ظنا منهم أن السعادة ترفرف بأجنحتها عليهم في
الغدو وفي الرواح، وإلاكيف نفسر ظهور رذيلة الرقص الساقط عند من أغراه حب الظهور من شبابنا، وكيف نفسر
مانراه من قصات الشعر الغريبة التي تنوعت حتى أصبحت وجوه بعض الشباب كوجوه بعض الحيوانات المتوحشة.
إن من يدقق النظر يجد أن الشريحة العظمى منهم لا تعرف إلاثقافة الشهوات،وإن انتقلت لأخرى فإلى متاهات
الشبهات،ويجد أنهم منزوعو الحياء، لا ينكرون منكرا، ولا ينقادون لمعروف،كالبهائم أو أشد ضلالة، بل إن بعضهم
يستهين بالموت حتى كأنه أمر طبعي، متى أراد أن يأتي فليأت .
كيف يسعد هؤلاء المغفلون وهم يدوسون أزهار السعادة بأقدام القذارة والخبث.
إن الخطر الأعظم ليس في هذا فحسب، بل هو في إزدياد أعدادهم، وكثرة سوادهم مع تباين شهوات العصر ووفرتها، فهم أشباح قادمة لامحالة، وستنطفيء بهم قناديل البراءة ، لتشتعل نيران شهواتهم فتسحق العفة والكرامة في هذا العالم الذي بدأ يسود بالفتن، وتسود معه القلوب ...
المفضلات