أن عملية الخلط بين مفهومي الارهاب والمقاومة باتت مقصودة من الناحية السياسية لأن هناك العديد من القوى لا تريد الفصل بين هذه المفاهيم بحيث تظل الأعمال والممارسات الغير قانونية واللا شرعية والمخالفة لأبسط حقوق الانسان والمواثيق الدولية قائمة ومسوغة لها على الصعيد العالمي ، وأعتقد أن من بين هذه القوى تلك الدول التي تحارب في كل مكان وزمان بحجة القضاء على الأرهاب ، رغم أنها نفس الدول التي ترفض تفسير مفهوم الأرهاب والمقاومة ، ومن بينها أمريكا وأسرائيل .
وعلى الرغم من ان القانون الدولي ومباديء وميثاق الأمم المتحدة قد فرقت بوضوح بين الارهاب الذي يعني القتل من أجل القتل وبين المقاومة التي تعد حقا مشروعا بالنسبة للدول والشعوب التي تقع تحت الاحتلال، فقد أكدت مباديء المنظمة الدولية والقرارات الصادرة عن مجلس الأمن انه لا يجوز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة وأعطت للدول والشعوب الواقع عليها مثل هذا الاحتلال أو العدوان اللجوء الى مختلف الوسائل بما فيها الوسائل المسلحة من أجل انهاء معاناتها واستعادة أراضيها المحتلة.
وتعد أمريكا واسرائيل احدى أبرز الدول في العالم التي تصر على الخلط بين مفهومي الارهاب والمقاومة لأنها أصلا تمارس نوعا من الارهاب المنظم الذي يرفضه المجتمع الدولي ، والذي لا يمكن لها أن تقوم بما تقوم به ضد المقاومة الشريفة في الدول الواقعة تحت أحتلالهما ألا من خلال هذا الخلط الذي تتذرع به بحجة القضاء على الأرهاب .
ورغم ان هذا الأرهاب الذي تدعيه تلك الدول هو في نتائجه وآثاره يخدم ما تدعيه ويبرر ما تقوم به من أفعال وأعمال ، ألا أن من يقوم بتلك العمليات هم من خارج جنسية تلك الدول ، الأمر الذي يجعل من تصريحاتهم وأعلامهم يروج لمشاريعهم الأحتلالية والأستراتيجية ، ويحقق لهم أهدافهم الغير معلنه والتي أضحت تتجلى ألا لأعمى البصيرة .
ولقد طرحت الكثير من الدعوات التي تطالب بعقد مؤتمر دولي ترعاه الأمم المتحدة من أجل تحديد معنى الارهاب ووضع ضوابط لمفهومه السياسي وبالتالي عزله عن حق الشعوب في المقاومة، وقد ازدادت هذه الدعوات واتسع نطاقها في أعقاب الهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة الامريكية يوم الحادي عشر من سبتمبر الماضي حيث أدركت معظم شعوب العالم ودوله ان تلك الاحادث قد تدفع بالجانب الامريكي الى القيام بأفعال خطيرة يمكن ان تهدد الأمن والسلم الدوليين، كما حدث في أفغانستان ويحدث الآن في العراق، وقد يحدث في مناطق اخرى من العالم ،ومع ذلك فإن الادارة الامريكية تجاهلت تلك الدعوات ورفضت التجاوب مع تلك المطالب التي أخذت تضغط لعقد مؤتمر دولي لتفسير مفهوم الأرهاب وعدم الخلط بينه وبين المقاومة .
وتصر الولايات المتحدة و أسرائيل على الاستمرار في لعبة الخلط بين مفهومي الارهاب والمقاومة، الأمر الذي دفعها الى اعتبار كل عمليات المقاومة المشروعة ضد الاحتلال بأنها عمليات ارهابية ومرتكبيها من المنظمات المحظورة ، وبهذا المنطق الخطير باشرت الولايات المتحدة الى الدفاع عن اسرائيل ومنع المجتمع الدولي من توجيه أي ادانة لها على الجرائم الدموية التي اقترفتها وتقترفها ضد ابناء الشعب الفلسطيني، كما حدث عندما استخدمت واشنطن حق الفيتو أواخر العام عام 2001م لمنع مجلس الأمن من ادانة اسرائيل أو توفير حماية دولية للشعب الفلسطيني في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين ، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة تسلك نفس المسار في أحتلالها للعراق ، وأن ما تفعله هناك مرحبٌ به من العراقيين لكونهم ضد الأرهابيين وعملياتهم ، ألا أنها هي من سمحت لهؤلاء الأرهابيين بالدخول الى العراق أبان أحتلالها ، وبالتالي فهي حققت من ذلك مرادها في البقاء ودمج المقاومة الشرعية بالأعمال الأرهابية .
ولأدراك أمريكا أن أنعقاد مثل هذا المؤتمر سوف يسبب لها الحرج السياسي في موقفها ويحرج حلفائها في مشروع حربها على الأرهاب ، الأمر الذي يجعلها لاتريد أنعقاد أو نجاح هذا المؤتمر ، كما أن مثل هذا المؤتمر سوف يظهرها وكأنها تدافع عن الأرهاب والأرهابيين ، خاصةً أن أغلبهم ترعرع في أحضان السي أي أيه وعملائه ، وأيضاً سوف يتعارض مع ما تدعيه في حربها على العراق والصومال وأفغانستان ويوغسلافيا وغيرها من عمليات لها .
والى جانب ذلك فإن أي تعريف محدد وواضح لمسألة الارهاب "سينال الحبيبه حبه" فاسرائيل التي تمارس عمليات القتل والتدمير ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة هي نوع من الارهاب الرسمي والمنظم، وبالتالي فإن واشنطن لا تريد لحليفتها تل أبيب ان تقع في أي موقف يمكن ان يشكل قوة ضغط عليها في المستقبل.
وفي حالة تفسير مفهوم الأرهاب وفصله عن مشروعية المقاومة سوف يقيد من سياسات الولايات المتحدة الأستعمارية ، ويجعلها مجبرة للحصول على شرعية وأذن مسبق من مجلس الأمن الأمر الذي يجعل من روسيا والصين لايمكن أن يوافقا عليه .
كما سيحد كثيرا حملتها المسماه مكافحة الارهاب والتي تقودها في الوقت الراهن.
الولايات المتحدة وأسرائيل أستطاعوا أن يلصقوا تهمة الأرهاب للعرب والمسلمين بطريقة قذرة ولعبةٍ
أقذر من خلال تجنيد البعض للقيام بتلك العمليات ، وأجبار البعض الآخر لفعل مثل هذه العمليات ، والتسبب المباشر والغير مباشر أيضاً في أنتشار تلك العمليات ، كما أن من قام بالتعاون أو التعاطف
مع القائمين بتلك العمليات جعل لها مصداقية فيما تقول على الأقل أمام الغرب والدول الغير عربية أو أسلامية .
المقاومة لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون أرهاب لسبب بسيط أن المقاومة تنشأ بسبب أحتلال دولة بالقوة لدولة أخرى وقتل وتشريد أهلها وسرقة ثرواتها والمقاومة حق أقرته المواثيق الوضعية والشرائع السماوية ولا يمكن الأختلاف عليه .
أما الأرهاب فهو جريمة قد تكون منظمة وتحت سيطرة دولة ونظام ، وقد تكون عصابات لا مكان لها في الأرض سوى الأمكان الخارجة عن النظام والسيطرة ، وبالتالي هي مجرمة في القانون والشرع
ولا يجيزها كائن من كان سوى المستفيد منها .
ولما كان الخلط واضحٌ بين المقاومة الشرعية وبين الأرهاب ، فمن المؤسف أن نكون كعرب ومسلمين هم من يخلط تلك الأمور ، ويجاهد من أجل ذلك بالقول والفعل ، فيكون مطبقاً المثل القائل " وشهد شاهد من أهلها "
وتقبلوا تحياتي
المفضلات