نتيجة لانتشـار التقنية في كافة جوانب الحياة , لم تعد الثقافة كما كانت في الماضي تخضع لوســــائل تقليـدية في النشـــــر , وإنما أصبحت متأثــرة بالتقنية عامـة والتقنيـــة الاتصالية خاصة, وأدى ذلك إلى ظهور العديد من المفاهيم الجديدة مثل المدرسة الإلكترونية , والكتاب الإلكتروني , والبرامج التعليمية الإلكترونية ....وقد ترتب على هذا التقدم التقني مشكلة أو لنقل مشكلات كبيرة , فقد بات الأولاد يتلقون الكثير من المعلومات التي لا تركز على قيم فاضلة ولا أخلاقيات محمودة , بل اختلطت الكثير من الثقافات , وزادت الهوة بين الأجيال , وأصبح الصغير يتمكن بسهولة من قراءة ومطالعة ما يقرأه الكبار , وربما يتم استدراج بعضهم بأساليب ملتوية لجذبهم لتلك القراءات؟ وباتت الصغيرة تتعرف على أخبار المطلقات وتسمع قصصهن وحكاياتهن, بل ويتبادلن الرسائل المصورة , وغير ذلك كثير ؟؟ مثل هذه الأمور تجعل من التقنية مدخلا من المداخل التي تورط فيها الكثير من ضحايا ( التربية الإلكترونية ) والذي أسهم في تدهور الكثير من القيم وزاد من انفلات الأخلاق . ومما زاد الأمر سوءا أن المعلم وكذا الوالدين أصبحا ليسا المصدر الرئيس لتلقي العلم والخُلق , بل إن التقنيات زاحمتهما في ذلك , ففقدا جزءا كبيرا من دورهما وأهميتهما في قيادة التربية, وتتعاظم المشكلة وتزداد خطورتها عندما نرى أن المعلومات أصبحت تأتي من الصغار إلى الكبار .
وبسبب التقنية أيضا تسارعت العلوم الطبيعية وأصبحت تيارا جارفا , وكل يوم يطالعنا منها الجديد والجديد , فظهرت الطائرات دون طيار والحاسبات والليزر , والاتصالات والإنترنت , وأطفــال الأنابيب وتجميـــد الحيوانات المنـوية لاســـتخدامها في أي وقت , وتأجيــر الأرحــام ( الأمومة البديلة), والاستنساخ في الثدييات وخريطة الجينات الوراثية البشرية (الجينوم)..... الخ .
هذا التقدم المذهل في العلوم الطبيعية , جعلنا نحن أصحاب العلوم الاجتماعية والتربوية , نعيش قلقا بالغا , إذ أصبح اكثر جهدنا يتمثل في كيفية ملاحقة التربية لهذا التيار الجارف من العلوم التقنية والطبيعية , وبخاصة أن هذه العلوم يتفوق الكفار علينا في إنتاجها دون وازع من ضمير أو خلق أو دين, فظاهرة أطفال الأنابيب قد أثارت جدلا واسعا حول حلها من حرمتها , وتحدث الغرب عن ظاهرة تأجير الأرحام ( الأمومة البديلة ) بينما نحن والحمد لله يعد ذلك وفق تعاليم ديننا من المحرمات بل إنها من علامات الساعة ( أن تلد الأمة ربتها ) حيث يستأجر الزوجان رحم الخادمة فيوضع فيه بويضة المرأة وحيوانا منويا من زوجها , فإذا ما وضعت الخادمة حملها كان هذا المولود سيدا للخادمة, وبهذا يتضح (وان تلد الأمة ربتها ) _ هناك تفسيرات أخرى لذلك ككثرة الغزو والسبايا _ أيضا ظاهرة الاستنساخ قضية أثارت الجدل ليس هنا فقط بل وفي الأوساط العلمية الغربية وهذه الظاهرة وغيرها ربما لايعلم البعض أن مانتج عنها من أجنة مشوهة أو ميتة أضعاف أضعاف السليم منها , ولكنهم يخدعون الناس بعرض المعافى وإخفاء الميت والمريض والمشوه ليظل ذلك سرا , وليتم استخدامه في أغراض البحث العلمي .
والشاهد مما سبق أن التقدم في العلوم الطبيعية وكذا التقنية رغم ما وفراه للناس من راحة وحل لبعض المشاكل , إلا أنهما قد خلفا الكثير من الأضرار الصحية والخُلقية , ولهذا كان لابد من التعامل مع هذه المستحدثات العلمية والتقنية بما يسهم في زرع الثقافة الدينية الصحيحة في نفوس الناشئة وتعليمهم كيفية التعامل مع هذه المعطيات بما يفيد أنفسهم ومجتمعهم وأمتهم .
وفي وسائل الإعلام كثيرا ما يضج الناس بلوم المدارس والمعلمين لتقصيرهم في تربية الطلاب , وانفلات أخلاقهم , وهؤلاء قبل أن يحاسبوا المدارس ينبغي أن يلقوا نظرة على المجتمع , فالمدرسة تسير في سياقه , فإذا ما كان الإعلام والآباء والقطاعات الصحية والخدمية متميزة , ومراعية للآداب والأخلاق ومسايرة للتطورات المختلفة , عندئذ حق لهم لوم المدرسة , بينما إذا كانت تلك القطاعات متأخرة ومقصرة فالمدرسة إنما هي جزء من المجتمع , ولا تستطيع إكمال رسالتها دون تعاضد وتآزر بين كافة مؤسسات هذا المجتمع .
في ضوء ما تقدم دعوني أعطي مثالا بسيطا يوضح أثر التقنية على تدمير الأخلاق , والمثال لن يكون لما يتم تداوله بين بعض الناس سرا عبر البلوتوث أو اختراق المواقع المحجوبة وغير ذلك , بل ما يبث جهارا نهارا عبر الفضائيات و التلفاز , إنه طاش ما طاش , وهو يتكرر في صحفنا ومنتدياتنا أيضا ؟؟وقبل الخوض فيه أذكركم أن الذين قالوا لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما رأينا مثل قراءنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أجبن عند اللقاء , أنزل الله فيهم ( لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) , فلما اعتذروا انهم كانوا يتفكهون ويتسلون ( إنما كنا نخوض ونلعب ) , عد الله تعالى سخريتهم بصحابة النبي عليه السلام سخرية به تعالى وبرسوله وبالقرآن فقال تعالى ( قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تشتهزءون ) . وفي طاش يتطاولون على دين الله وعلى الصالحين المصلحين ثم يتذرعون بحجة سلفهم أن برنامجهم إنما هو للتفكه والترفيه والتسلية ؟؟ لكن بعض سلفهم تعلق برقبة ناقة رسول الله ويعتذرون فما كان يزيدهم عليه السلام على قوله ( لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) أما في طاش فهم لا يعتذرون بل يدافعون عن باطلهم ويجادلون, ويزيدون السخرية والتطاول ,إن ( الطائشين ) يبثون برنامجهم عبر التقنية الحديثة ويشاهده الملايين , وفيه الكثير من المفاسد الخلقية , حتى أن اللجنة الدائمة أصدرت فتوى بشأنهم , إلا أن الباطل انتشر وأصبح هناك من يدافع عنه بعد أن تشرب القيم والأخلاقيات النتنة عبر التقنية, وقد أفتت اللجنة الدائمة بحرمة إنتاجه والإعانة على ذلك , لكن الكثير لم يتنبه لمغزى ذلك ؟؟ طاش هو ( دعارة يرعاها) منتج ذلك البرنامج وبمباركة الكثير ؟ ستقولون كيف ؟؟؟؟ أجيبكم : ماذا لو جمعت في بيتك عددا من النساء والشباب ليأكلون سويا ويشربون ويضحكون وربما ينامون ويركبون السيارة معا... ؟ ألن نتهمك انك ترعى الدعارة ؟؟ وكذا طاش يجتمع له الرجال والنساء من كل جنس ولون , ويسافرون ويأكلون ويشربون , ويقضون مع بعض الكثير من الوقت لينتجوا لنا تلك الحلقات , فبأي حق اجتمع هؤلاء ؟ ومن أجاز مثل هذا الاجتماع ؟ أليس من يرعى هذا الاجتماع يعد راعيا للدعارة ؟ وما أكثرهم في هذا الزمن ؟؟ وكما أن أسلافهم كانوا يتفكهون بواسطة شتم الأخرين بفحش القول فطاش كذلك , بل لاتستغرب عندما تسمع الطائشين وهم يرددون كلاما يظنونه من الظرف , مما أسهم في إفساد الذوق, وعدم احترام الآخرين فقد تجد أحدهم يقول للآخر : كل تبن – انثبر – يا ثور - يادلخ -…وغير ذلك من سقط الكلام , الذي تشربه البعض ليصبح ظريفا مثلهم , بل فاقهم في فحشهم..
ومن التلفاز إلى الصحف ستجد العجب , (فالكاتبة) التي لا هم لها إلا التطاول على الدين , والعلماء , وبث ( العري الفكري ) أصبحت تسمى بالكاتبة ( القديرة ) ؟؟ والكاتب الذي يتطاول في صحيفته (النخبة) بأبشع الألفاظ وأفحشها على مذيعي قناة الجزيرة حتى انه صدر صفحته الرئيسة بعنوان ( جرذان الجزيرة … ), يوصف أنه صاحب (وطنية) ومن أحرص الناس على هذا الوطن ؟؟ ولا أقول ذلك دفاعا عن مذيعي الجزيرة لكن النفس تأنف أن يتلفظ الأفاكون بفحش القول وسقطه ثم نعد ذلك دفاعا عن الوطن ونصدقهم ؟؟؟
ومن التلفاز والصحف إلى المنتديات , ستجد الصورة تتكرر والمأساة تتجدد , لكنها هنا اكثر ضراوة واكثر فحشا , حيث يتكلم القوم من خلف الجُدر ؟ فالكاتبة القديرة والتي لاتدع مجالا لنشر الفتنة والرذيلة إلا فعلته ماوجدت لذلك سبيلا , هي هي نفسها في المنتديات ستصبح ( قديرة ) ؟؟ وكما أن من يدعي الحرص على الوطن ومصالحه مستخدما في ذلك ما ثقل وزنه من (الرذائل اللفظية ), ستجده في المنتديات قد وصف بحرصه على ( المصالح الوطنية ) للمنتدى ؟؟
إنه الفساد الذي يستشري وينتشر عبر التقنية , وليست المشكلة أن ننظر له أنه فسادا , بل المشكلة أن ننظر لكل هذا الفحش والسقوط انه إنجازات ؟؟؟ فكما أن (الطائشين ) يبثون طيشهم ( إنجازاتهم ) وفحشهم برعاية ( كريمة ) فإن من في الصحف يبثون همزهم ولمزهم برعاية (كريمة) أيضا , والحال نفسه في المنتديات , حيث يتم ذلك برعاية ( كريمة ) تحت سمع وبصر ومباركة الجميع ؟؟؟
نحن يا سادة دستورنا القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم, وكم تفتخر هذه البلاد بذلك ونحمد الله على ذلك , لكن عند التطبيق , ستجد إعلامنا يسبح في فضاء الفسق والعري؟ وصحفنا سياستها وأهدافها إسلامية بحتة , لكن ما يُنشر يجعلك تتوهم أنه من بلاد لا هم لها إلا الكيد للإسلام والمسلمين , والناظر لشروط التسجيل في منتدياتنا سيحمد الله كثيرا على وجودها , لكنه ما إن يدخل حتى يجد ( التعري الفكري ) , وفحش القول ؟؟ ولأن الناس ربما تتساهل في أي أمر إلا ما يمس دينهم فقد تعالت الأصوات العاقلة (بحذف) وإلغاء طاش وغيره, لكنه بقي ؟ ونادوا بالأخذ على يد السفهاء من المنافقين في الصحف ومحاكمتهم, لكنهم بقوا ؟ ونادوا بحذف الموضوعات الساقطة من المنتديات ومحاسبة أصحابها , لكن كل شيء بقي أيضا , بل من يتم إبعاده او حذفه يُعاد معززا مكرما ثم يتم تكريم أولئك القوم كل في مجاله , سواء في التلفاز أو الصحف أو المنتديات ؟؟ ومن العجائب أنهم يقولون تلفزيوننا وصحفنا ومنتدياتنا تسير وفق تعاليم الدين الحنيف ؟ ولا نسمح أبدا بغير ذلك ؟ فمن منكم هنا يقنعني أن فحش القول في المنتدى من الدين , والحديث عن التعري والاستهزاء بالعلماء من الدين , ونشر الصور الفاتنة من الدين … أرجو ألا يقال أن ذلك حرية فكرية لأن الذي بات يظهر لنا , أن هذه الحرية الفكرية باتت تجر الناس إلى الحرية الكفرية ؟ أما الفئة الأخرى والتي تطالب (بحذف) الفساد والقضاء عليه , فقد أصبحوا محلا للتهمة , ومجالا للتندر والشتم , وانهم من ذوي الرأي الأحادي , مخالفين لرأي الجماعة ورأي الأغلبية ؟
لما ســـألت عن الحقيقـــة قيــل لي …. الحق ما اتفق السواد عليه
فعجبت كيف ذبحت (ثوري) في الضحى .. . والهند ساجدة هناك لديه ؟؟؟
لكن الله تعالى يقيض للحق ( سيوفا ) تحرسه وتنافح عنه , لا يهمهم تحرفين الغالين أو كيد الكائدين , يبذلون جهدهم لطمس كل رذيلة ويشجعون كل فضيلة , لا يلتفتون لمن يتدثرون ببعض الشعارات الزائفة , فهم يعلمون أن أولئك مكشوف أمرهم من لحن قولهم, فهناك أصوات منكرة ارتفعت وعلت تهدم الدين باسم الفن , وتهدمه باسم (الوطنية) , وتهدمه باسم مسايرة الواقع ؟
مادام يصحب كل حي ٍ صوتهُ … هيهات يخفي العيرَ جلدُ حصان ِ .
كثرت التطورات التقنية والعلمية فتسابقنا فيها تفاخرا وشهوة , لا نصرة لديننا وأمتنا, وكثر نشر الرذيلة من خلالها بعد أن كثر روادها , وبدأت ملامح جيل يظهر وقد اقتنع بمفاهيم مغلوطة , وصور مشوهة للعلم والعلماء , ومبادئ متغيرة , إذ يمكن أن يتم نقض فتوى من هيئة كبارالعلماء بكلمة بسيطة يتم نشرها في صحيفة ساقطة إذ يقال : ( تشدد), وجب علينا جميعا أن نعيد صياغة المفاهيم , وان نحمل هم هذا الدين , على أن نبدأ بأنفسنا ثم ننطلق إلى غيرنا في كل مجال ومكان , فما ارتفع( صوت فحش ٍ ) إلا بصمت ( صوت حقٍ) , وآن أن يتقي الله كل منا فيما يكتبه , وبخاصة هــنــــــا ؟؟
المفضلات