قفار
في سفح جبل أجا الشرقي تقع قفار، واجا ليس جبلاً واحداً بل هو سلسلة جبال تمتد من الجنوب الغربي نحو الشمال الشرقي بما يقرب من 100 كيل في عرض 25 و35 كيلاً وتتخلل هذه السلسلة شعاب كثيرة وفي داخلها بعض القرى الصغيرة والنخيل والعيون وتطل على وادي حائل التي تقع قفار على ضفته الغربية وقفار كما هو معروف جنوب غرب مدينة حائل في مقابل طريق السلف اشهر الممرات الأجئية الاربعة وينخزل من السلف طريق يؤدي الى (جو) على يمين المتجه من قفار غربا في وسط جبل أجا وهو من ابهى المناظر الطبيعية في حائل
وتدور اسطورة مفادها ان اهل قفار القدامى سكنوه قبل ان ينزلوا السهل شرق الجبل في ارض فسيحة رحبة لم تعرف بلاد الجبلين مثلها في وفرة المياه وجودة المزروعات حتى شبهها الشعراء ببلاد الشام قال: القضاعي:
أعز عندي من مجالس فلسطين
والاقفار بعترته يوم حينه
قال الشاعر الخويرالتميمي : في قصيدة طويلة منها:
وديرتي صوب الغرايب يمامه
بشرقي أجا واحلو زمة حيوره
ما ساقه الخاوه لحي عناله
ولا ضنتي تاخي بتالي عصوره
والخاوه: الجزية التي تؤخذ في الحروب,, ويوجد في قفار عدد من المحلات الشهيرة: وردت في كتاب نبذة من تاريخ نجد: واشهرها: غياض
وتقع محله غياض الى الجنوب من الهيزعيه مباشرة وهي بلدة مستقلة بأسوارها الضخمة وقلاعها الشهيرة التي لا يكاد يوزايها شيء من الحصون المنيعة في الجزيرة العربية في جودة البناء وضخامة الحوامي.
قال احد المتخصصين في الاثار في دراسة عن غياض: ان هذه القلاع والحصون في قفار تشبه المباني الحصينة في القاهرة وبكين واشار الى براعة التصميم التي تظهر من خلال الاسوار الثلاثة, فالاول منها يحيط بقلعة غياض الرئيسية ذات البرج العالي حيث مقر الامير والخاصة وبها دور عند كل دار بئر,.
اما الثاني فيحيط بالمساكن الكثيرة الواقعة خارج القلعة الرئيسية وبه اثار مبان مهدمة ومقابر لا تحصى والسور الثالث: الذي لاتزال آثاره تشاهد في شرق قفار يحيط بالمزارع وهذه الاسوار في محلة غياض تعد عند اهل قفار بل عند اهل الجبلين عموما مفخرة من مفاخر التاريخ تدور حولها احاديث المجد والعزة والمنعة في وقت كانت تسيطر عليه الفوضى والاضطرابات وتبقى القوة والقوة وحدها السبيل الوحيد للبقاء والاستقرار والاطمئنان.
أهم الحوادث التاريخية في قفار
قال الاستاذ فهد العريفي: تعتبر قفار في الزمن الماضي من اكبر بلدان منطقة حائل وكان اهلها على جانب كبير من القوة والمنعة ولا يستطيع اقتحامها لقوتها وعلو شأنها اي غاصب مهما كانت قوته في ذلك الزمن.
وبعد سقوط الدرعية على يد ابراهيم باشا وبقوة وعتاد الدولة التركية التي كانت تبذلها سخية لحاكم مصر (محمد علي باشا) في سبيل تحطيم الحكام العرب الذين لا يدينون لها بالولاء والطاعة, فأرسل محمد علي حملة قوية للقضاء على حائل وقفار وما يتبعها من قرى وبوادي وقد اضطرت هذه القوة للبقاء على بعد حوالي ثلاثة اكيال في جنوبي شرق قفار وبنوا قصرا لاتزال اثاره قائمة وجلسوا ينتظرون حصول ثغرة في صفوف اهالي قفار يستطيعون من خلالها الولوج والسيطرة لكن وجود العدو لم يزد اهل قفار الا التفافا وتلاحما والوقوف صفا واحدا وقلبا واحدا للدفاع عن كيانهم واخذت القوة المعادية ترسل المتسللين الى قفار لاستطلاع الامر ومن القصص المعروفة ان اهل قفار كانوا وقت اشتداد الحملة يتعاونون لبناء السور الشرقي لقفار ويقيمون الابراج ومن بينها برج غياض المعروف، فتسلل احد عيون الحامية فصرفه احدهم وصاح هازجا:
عدو لبن,, هاتو طين
هاتوا حدا الرجاجيل
وكان احد الرجاجيل المقصود هو هذا الغريب الذي يتجسس عليهم فما كان منهم الا ان حملوا هذا الجاسوس ووضعوه على ظهر السور ووضعوا فوقه اللبن والطين وبنوا فوقه ولاتزال آثار عظامه باقية في برج غياض بقفار في الجهة الشرقية المقابلة لحصن القصير (تصغير قصر الى اليوم) يقصد الدولة العثمانية وبعد ان تسلل اليأس الى نفوس هذه القوة الغازية انسحبت تحت جنح الظلام وغادرت المنطقة مهزومة خاسرة.
لكن الاستاذ العريفي: حدد ذلك بغزوة ابراهيم باشا لنجد في عام 1234ه مع ان المعروف انها متقدمة على هذا التاريخ بسنين عديدة وانها ابان الغزوات التركية الاولى هذا ما ذكر في كتاب قفار للدكتور عبدالرحمن الفريح.
وبهذا علق امير قفار رحمه الله عبدالعزيز الخوير التميمي قائلا: ان وضع اهل قفار الجاسوس في سور غياض قد تم ابان حملة تركية على بلاد الجبلين (بقيادة الدجيني) وانها قبل غزوة ابراهيم باشا بعدة سنين.
وقال ابن صقيه: عن الحادثة في كتابه (بنو تميم في بلاد الجبلين) انه شاهد قصر غياض ورأى بقايا معالمه الشامخة الرائعة كان له اساس تمشي على ظهره السيارة الصغيرة وقال: ان لهذا القصر قصة فقد كان بنو تميم اثناء تأسيس هذا القصر حين علموا بظهور الدولة العثمانية فأتى اليهم رسل تلك الدولة فلما وقفوا عندهم وهم منهمكون في ترديد الاهازيج (هيا طين هيا رجاجيل) فأمسك البناؤون رجلا من الرسل و(اضجعوه) على ظهر الحامي (جدار السور) ووضعوا فوقه الطين وتركو واحدا ليخبر من ارسله بما صنعه اهل قفار برفيقه فلما اخبر الرسول زعيم الجند الذي اتى للحرب بما جرى للجندي بعدها هربوا وتركوا حرب قفار فاصح لغياض شهرة بعد انهزام جيش الدولة العثمانية بحيث وردت على ألسنة كثير من الشعراء قديما وحديثا وذلك ماقال
الشاعر زيد العتيبي:
مرحبا باحرار طويق عزوة تميم
يا رجال لكم بالجود شهره وجاه
جدكم في جبل حايل شجاع وكريم
ياهلا عد نبت الوسم لا أرواه ماه
يوم ضرب المدافع بالجبل له رزيم
مدفع الترك حطمتوه فوق الصفاه
وهناك قصيدة ايضا للشاعر عبدالمحسن الهذيلي التميمي منها:
حنا هزمنا الترك من غير تكذيب
خلو قفار وشدوا الفجر هراب
وقول دخيل الخوير:
من قفار وحايل ظهرنا
واعتلينا على عوص النجايب
مع مضي الشعيب انحدرنا
مثل مزن ثقفته الهبايب
كم من غلام لرجله كسرنا
بطيب والا على غير طايب
وقول: محمد آل مبارك:
فما قفار سوى أنموذج لبني
عمرو تميم نماهم للعدو وجا
حمى قفار
اما حمى قفار فقد عرفت قفار بمرض الحمى الذي ظل يعصف بالناس لآماد طويلة ولم يزد ألويس موزل الذي زار قفار في عام 1915م على وصف هذا الوباء وهو من اشهر الاوبئة في بلاد الجبلين.
تحدث الاستاذ حمد الجاسر في معجم شمال المملكة عن قفار وعن البطون التي تسكنها فقال: واهل قفار القدماء غالبيتهم ان لم يكن كلهم من بني العنبر والنواصر وهؤلاء عمريون لا علاقة لهم بيربوع وليسو من بني مجاشع وان كان الجميع من تميم.
قال ذو الرمة:
يعد الناسبون الى تميم
بطون المجد أربعة كبارا
يعدون الرباب وآل سعد
وعمرا ثم حنظلة الخيارا
أكلة لحوم البشر
الله على مخة الساق,.
هذا شطر لبيت من الشعر كانت تردده المرأة ظلما التي توحشت فاصبحت كالذئبة المسعورة التي تعوي جوعا يخبرني احد كبار السن ان ظلما اخذت طفل كان للجيران يلعب مع رفاقه وذهبت به الى غارها في الجبل والتهمته.
وظلما: امرأة من قفار ينسب اليها غار في ريع السلف في جبل اجا في حائل لايزال يعرف باسمها الى الان ومن اخبار الجبلين ان ظلما تقتنص المسافرين في هذا الطريق وهو اشهر درب في الجبل وتأكلهم ويحوك هؤلاء حول ظلما وطريقتها في اكل الناس احاديث كثيرة غاية في الغرابة والطرافة ويعتقد كثيرون بصحة ما ينسب اليها من اخبار اقتناص المارة وتقطيع اوصالهم وقيل انها تستدرج من لا يعلمون من امرها شيئا الى غارها فاذا اطمأن المسافر استدارت من وراء الهضبة التي فيها الغار وأهوت عليه حصاة من حجارة كانت قد هيأتها لهذا الغرض ثم تنزل وتجهز عليه.
ومما يروى ان معها ابنة لها تعينها على ذلك وظل الناس في الجبلين يفزعون اولادهم بظلما واخبارها الى ان قتلت واستراح الناس من شرها.
والسلام
المفضلات