كثيراً ماكنت أسمع هذه الجملة عندما كنت صغيراً
تتردد على لسان أمي يرحمها الله عندما أبدي رغبتي
في النوم حين تقول
( نم نومة خليفة )
ماكنت أفهمه من هذه الجملة أنذاك انها دعوة بنوم عميق
طويل الامد لاتراء فيه للنامئم احلام مزعجة أو كوابيس ثقيلة
أني اتسائل اليوم كيف انني على كثرة ماكنت اسمعها آنذاك
لم أفكر يوما أن أسال والدتي عمن يكون خليفة هذا ؟
او ماهي حكايتة , واجدني اليوم بعد مضي عشرين عاماً
أسالها عن ذلك ,
قالت بعد أن صمتت قليلاً وكانها كانت تسترجع بعض صور
الماضي البعيــــــــــد : أتريد ان تعيدني الى الوراء عشرين عاماً
قلت : نعم اذا لم يكن في ذلك مايزعجك
قالت لاعليك . لكن اخبرني اولا مالذي فكرك في هذا مع
انني لم اعد اقولها بل لعلني قد نسيتها أو اكاد.
قلت : لاأدري على وجه التحديد , لكن ربما لاعتقادي بأنها معلومة جديرة
بالمعرفة
قالت : نعم أنها كذلك فقد أصبحت من الاقوال التى مازالت
تتردد حتى اليوم على السنة معظم الامهات في بلدتنــا
قلت : لذلك ترينني شغوفا بمعرفة قصتها
قالت : حسنا مادامت هذه رغبتك فأعلم أن خليفة هذا كان
من أبرز شباب الحي الذي يقطن فيه , الكل يعرفه ويثني عليه
لما كان يتمتع به من حيوية ونشاط وحب مشاركة الآخرين في المناسبات العامة
كالأعياد ونحوها
كان يترقب يوم عيد الفطر بفارغ الصبر , فما أن يقترب موعده
حتى تراه ياخذ بتهيئة نفسه لاستقباله والاعداد له , ومن ذلك ما
كان يقوم به مع بعض اقرانة من تنظيف الساحة المعدة وسط
الحي لاقامة مظاهر العيد عليها كالولائم والرقصات الشعبية والصور
الاخرى لمباهج العيد , والسهر تلك الليلة على حمايتها والذود
عنها من عبث شباب الاحياء الأخرى المجاور الذين كثيراً
ما كانوا يحاولون رمي الأوساخ فيها بقصد تشويهها , وهي عادة
درجوا على ممارستها كل عام ليبدو مكان عيدهم هو الاجمل والانظف
بين الاماكن الاخرى المماثلة ,
ورغم هذه الممارسات السيئة التى يقومون بها الا أنها لم تكن
تخلف ورائها في نفوس هولاء اي ضغائن او احقاد , فلم تكن
سوى افعالاً تنتهي آثارها السلبية بانتهاء أيام العيد
بحيث لا يبقى منها سوى ذكريات عابرة يتحدثون عنها في قادم الايام
مع انه كثيرا ماكان يحتدم التنافس بينهم مما يؤدي احياناً الى التراشق
بالحجاره عن بعد , ورغم مافي ذلك من مظاهر العنف
الا انهم فيما يرون لايعدو ذلك كونه نوعاً من انواع المداعبة والمزاح
وان كان مزاحاً ثقيلاً ومؤذياً في نظر غيرهم
قلت : أراك قد أسهبت في المقدمة , ولم اسمع بعد ماأود
معرفتة عن خليفة وقصة نومة الطويل , وهو بيت القصيد
الذي ابحث عه ,
قالت : على رسلك لم انت مستعجل ؟ انسيت كم كنت تجلس مسترخياً
الى جواري ساعات طوال وانا أقص عليك قبل نومك بعض القصص والحكايات
قلت : بلى ,, وهل لي ان انسى ذلك وهو مايعجلني اليوم لا اكف
عن قراءة القصص والحكايات والبحث عنها في امهات الكتب والمؤلفات
قالت : أن لاختصر لك الموضوع مادمت لم تعد كما كنت صبوراً
قلت : ارجوك عفوك اني فقط اخشى أن اثقل عليك
قالت : اتقصد أنني كبرت ولم اعد اتحمـل ؟
قلت : لا ,, ليس الامر هكذا , ولكنها الرغبة في معرفة ما سالت عنه
قالت وبشيء من الحدة والامتعاض ..
أن خليفة هذا بعد ان قام ماقام به من نشاط في تلك الليلة ( لليلة العيـد )
ولما نالة نتيجة لذلك من تعب وشعر برغبة شديدة في النوم
ولان الوقت كان ليلاً والفصل شتاء والبرد قارصاً وليتجنب
عندما عاد الى بيته متاخراً أن يزعج أهلة , دخل
حجرة متطرفة في الحوش تسمى (( صفة العلف ))
كانت مملؤة بحشيش التبن الذي يخزن فيها طعام الابل ,
ولان التبن دافىء بطبيعته والنوم عليه مريح ,
ذلك ماأن رمى بجسة عليه حتى ذهب في سبات عميق
وهو يمنى النفس بعيد سعيد يشارك فيه افراحه ورقصاته
ويقطف بعض ثمار جهودة , لكنها كانت هي النومة
التي لم يستيقض منها الا في مساء اليوم الأول من ايام العيد ,
وقد إنفض القوم وتفرقوا , وانتهى العيد ورفعت موائده
ترى بماذا حدثته نفسه حين استيقض من نومتة الطويلة تلك ,
ولم ير احداً حولة ,
لابد أنه قد أدرك بأن حلمه الجميـــــــل قد تبدد , وان امنيته
الغالية قد تلاشت , وانها كانت فرح لكنها لم تتم ,
وهكذا اصبح يقال لمن يريد أن ينام وبخاصة الاطفال
(( نم نومة خليفة عن العيـــــــــــد ))
من كتاب
خواطر عابره
السفير صالح بن محمد الغفيـلي
كونوا بخير
مجرد قلم
المفضلات