[align=justify]بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
دراسة شاملة تناولت تأهيل المعاقين وإدماجهم في الوطن العربي ، نظمتها الأمانة العامة لجامعة
الدول العربية – إدارة التنمية الاجتماعية .
تمثل هذه الورقة تمهيدا عاماً لمناقشة قضايا المعاقين باعتبارها مشكلات اجتماعية متفاعلة – أسبابا ونتائج – مع قضايا التنمية بصورة عامة ومع الجوانب الاجتماعية منها بصورة خاصة ومن ثم لا بد من دراستها وتحليلها والتعرف على أبعادها في المنظور المجمعي الأوسع دون الاكتفاء بالنظرة المحدودة إلى الظواهر الواضحة التي تفرضها الحالات الفردية للإعاقة والعجز. وبمثل هذه النظرة الشاملة للمعاقين ولظروف إعاقتهم وللحلول الوقائية والعلاجية اللازمة يمكن التخطيط لمواجهة مشكلات المعاقين كجزء من عمليات تخطيط التنمية الاجتماعية والبشرية على الأمد القصير والمتوسط والبعيد.
لقد ظلت قضايا المعاقين – وما تزال – تواجه في حدود ضيقة وفي برامج مقتصرة على جهود وزارات أو هيئات يتناولها كل على حدة من خلال زويتها الحادة القاصرة ومن خلال معالجة آنية ومؤسسات خاصة كأنما هي قضايا منفصلة عن حركة المجتمع واتجاهات نموه ومشكلات التحول الاجتماعي ومستلزمات التخطيط والتطوير والتنوير على المستوى الوطني العام ومن ثم تثار قضايا المعاقين متقطعة وفي مناسبات معينة ثم يخبو الاهتمام بها حتى تظهر في موسم آخر دون أن يكون هناك سياسة واضحة المعالم وخطة متصلة الحلقات للعمل المتكامل في مواجهة مشكلات المعاقين – وقاية وعلاجاً.
والمجتمع الدولي قام بتعبئة الجهود للسنة العالمية للمعاقين في عام 1981 وذلك أملا في أن تكون هذه الجهود انطلاقة حاسمة نحو تغيير النظرة الجزئية إلى قضايا المعاقين وأن تكون هذه الندوة وما يتبعها من نشاطات قطرية وقومية ودولية حافزا لتغيير أساسي في مواجهة مشكلات الإعاقة وللوقاية من بعضها ولتخفيف حدة بعضها ولتربية المعاقين ورعايتهم بما يحقق كرامتهم الإنسانية وإدماجهم في مجرى الحياة الاجتماعية العادية، وتمكينهم من المشاركة في حياة المجتمع كقطاع هام من قطاعات موارده البشرية المنتجة.
المعاقون بين المواثيق والواقع:
لقد أكدت المواثيق الدولية والعربية الحقوق الأساسية للمعاقين باعتبارها حقوقا إنسانية واجتماعية تعمل الدول على توفيرها لهذه الفئات ومن المواثيق الدولية:
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( 1945 ) وإعلان حقوق الطفل ( 1959 ) وإعلان التقدم الاجتماعي والتنمية ( 1969 ) وإعلان حقوق الأشخاص المتخلفين عقليا ( 1971 ) وقرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالوقاية من الإعاقة وتأهيل الأشخاص المعاقين ( 1921/ 108/ 1975 ) والفقرات المخصصة للمعاقين في هذه الوثائق والقرارات الدولية للأمم المتحدة تشير إلى حقوق المعاقين الإنسانية والاجتماعية هذا إلى جانب العديد من القرارات والتوصيات والبرامج التي اعتمدتها الوكالات المتخصصة للأمم المتحدة مثل منظمة الصحة العالمية ومنظمة العمل الدولية، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ( يونسكو ) ومنظمة الأمم المتحدة للأطفال(يونيسيف).
وعلى الصعيد العربي تجدر الإشارة إلى ميثاق " العمل الاجتماعي للدول العربية ( 1979 ) على وضع الاهتمام بفئات المعاقين جسديا وعقليا واجتماعيا بين أولويات العمل الاجتماعي كما أشارت إلى أهمية تمكينها من المشاركة في الحياة العادية وتفهم مشكلات الإعاقة ومواجهتها بصورة أكثر إيجابية في نطاق العمل الاجتماعي الإنمائى.
وفي " استراتيجية تطوير التربية العربية " التي أعدتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم والتي اعتمدها وزراء التربية العرب ( 1976 ) جاء تخصيص لعناية بالمعاقين ضمن عناصر الاستراتيجية وبدائلها إذ تؤكد " العناية بالتربية الخاصة بالمعوقين وتنظيم برامج ذات عناصر استراتيجية وبدائلها إذ تؤكد " العناية بالتربية الخاصة بالمعوقين وتنظيم برامج ذات جوانب إنسانية وتربوية ومضامين اجتماعية وتنموية لهم وإرساء هذه التربية على أسس ثابتة مستمرة " كذلك تشير مقررات وتوصيات منظمة العمل العربية إلى أهمية رعاية وتأهيل المعاقين هذا فضلا عما اتخذته بعض الدول من تشريعات وبرامج على المستوى الوطني تتصل بالمعاقين وتأهيلهم وتشغيلهم.
ومع كل هذه المواثيق والجهود ما تزال الفجوة واسعة بين المواثيق والإنجاز الواقعي وتشير بعض الإحصاءات العالمية التقديرية إلى الزيادة المطلقة في عدد المعاقين في العالم. وتذهب تقديرات الأمم المتحدة إلى أنه يوجد في العالم سنة ( 1979 ) حوالي 450 مليونا من المعاقين وأن ثلاثة أرباع هذا العدد على الأقل يوجد في الدول النامية من العالم الثالث كما تشير إلى الجهود المحدودة والضئيلة المبذولة كما وكيفا لمواجهة قضايا المعاقين، حتى في بعض الدول المتقدمة صناعيا.
ولعل من بين الأسباب الرئيسية في قصور العمل لمواجهة احتياجات المعاقين عدم وجود الإرادة السياسية القانعة بالاعتبارات الإنسانية وتزاحم المشكلات المرتبطة بالأشخاص الأسوياء العاديين وتبرير تجاهل المعاقين بأولويات العاديين مع أن معامل الارتباط في الاهتمام والتخطيط للفئتين يكاد يكون موجبا إذا نظرنا نظرة عامة على نطاق دول العالم فالدول التي تهتم اهتماما منظما ومخططا وعلميا بالأسوياء هي التي تعني بنفس الأسلوب بقضايا المعاقين والمنحرفين أضف إلى هذا أن المعاقين وحتى أولياء أمورهم لا يمثلون قوة ضاغطة أو عاصفة في تحدياتها من أجل المواجهة وإيجاد الحلول واتخاذ الإجراءات الحاسمة.
كذلك يساق تبرير التكلفة المالية التي يتطلبها تنمية المعاقين كمورد بشري بمقارنتهم بالأسوياء وبصرف النظر عن الاعتبارات والحقوق الإنسانية فإن تربية وتأهيل المعاقين لا بد أن ينظر إليه كاستثمار حين يترتب على هذا الاستثمار أن يصبح المعاق طاقة بشرية منتجة في حدود إمكاناته ومواهبه بل أحيانا في قدراته التعويضية التي قد تصبح مواهب مبدعة وخلاقة وتشير إحدى الدراسات التي أجريت في فرنسا عام 1967 أن تكلفة التعليم الإلزامي للطفل المعاق ( جسديا أو عقليا ) تصل في المتوسط إلى حوالي 27 فرنك يوميا ( حوالي 5 دولارات ) هذا بينما يصل متوسط تكلفة الطفل العادي إلى حوالي ½ 5 فرنك يوميا ( أقل من دولار ) ومن الناحية الأخرى تم تقدير ما يتحمله المجتمع ( الأهل والخدمات العلاجية … الخ ) من تكلفة فيما لو ترك الطفل المعاق دون تعليم ورعاية صحية تمكنه من الاندماج في المجتمع وذلك طوال فترة حياة متوسطة لعمر الكبار فبلغت التكاليف المقدرة حوالي 500 ألف فرنك ( حوالي 110 ألف دولار ) ومن ثم فإن التكلفة لتربية الطفل المعاق تمثل عبئا أقل بكثير من ما يتحمله المجتمع لو تركه عالة في عجزه بدل أن يكون طاقة منتجة.
وهذا الاستثمار من الوجهة الاقتصادية إذا كان من الممكن حسابه وتقديره فإن العائد الإنساني المتحقق في كرامة المعاق نتيجة تربيته وتأهيله لا يمكن أن يقدر بقيمة نقدية باعتباره حقا إنسانيا مطلقا.
التتمة قادمة ..
[/align]
المفضلات