[align=justify]بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على الحبيب ,,,
بالأمس القريب كان معنا، كنا نستنشق عطره، ونسعد في أفيائه، ونتقلب في ضروب نعمائه. بالأمس القريب كنا نغترف من بركاته، ونخوض في بحار حسناتـه، ونرجع كل ليلة بجر الحقائب بما حملنا من خيراته. بالأمس القريب كنا نقطف من روضه زهور الإيمان، ونجد في رحابه الأنس والاطمئنان، كانت تحلق فيه الأرواح، وتطير من غير ما جناح!
واليوم، "أين هو شهر رمضان؟
أين حرق المجتهدين في نهاره، أين قلق المتهجدين في أسحاره" [لطائف المعارف:440]. أين خشوع المتهجدين في قيامهم، ورقة المتعبدين في صيامهم؟ أين أقدام قد اصطفت فيه لمولاها، حين دعاها للهو واللعب هواها؟ أين أعين جادت فيه بجاري دمعها، حين تذكرت قبيح صنعها؟ أين قلوب حلقت فيه بجناحين من خوف ورجاء، وسارعت إلى مرضاة ربها تلتمس الرجاء؟
أين أيام كانت حياة للحياة، وليال كن قلائد في جيد الزمان؟
لقد تولت كما تولى غيرها، وتقضت بما فيها ولم يبق إلا الندم والأسى.
أتذكر أيها الأخ الكريم سويعات كانت من الصفاء أصفى، ومن الشهد أحلى؟
أما يحن فؤادك إلى دمعات كنت سكبتها؟ وعبرات من خشية الله قد أذرفتها؟
أما يهتز قلبك شوقاً إلى لحظات صفت فيها نفسك وحلقت روحك حتى كأنك تجاوزت الأرض وطينها وتنشقت عطر الفردوس؟
أما يعظم أسفك على أيام رفعت فيها يديك مناجيا مولاك، فأطرق رأسك ذلاً واغرورقت بالدمع مقلتاك؟
لقد مضى ذلك كله، وطوي بساطه، ومر كأن لم يكن، وعاد ذكرى في النفس بعد أن كان واقعاً يشهده الحس. وبقيت في النفس شذرات أسى وألم على فراق راحل عزيز.
[gdwl]أترحل لا الصحب منك ارتووا---------- ولا امتلأت منكم المقلتـان
أترحل والقلب بعد مشـوق ---------- له لغة من هـوى وحنـان
فيـا لفـؤادي إذا حركتـــــه ----------- رؤى ذكريات لطاف حسان
وأصداء ماض تولى حبيب ------------ وأطياف شهر طواه الزمانْ[/gdwl]
ولقد كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من رده، وهؤلاء الذين وصفهم الله سبحانه بقوله: والَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبّهِمْ راجِعُونَ [المؤمنون:60]. وقال مالك بن دينار: الخوف على العمل ألا يتقبل أشد من العمل.
رأى وهيب بن الورد أقواماً يضحكون في يوم عيد فقال: إن كان هؤلاء تقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كان لم يتقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين. إنها ليست دعوة للقنوط واليأس، ولكنها دعوة إلى محاسبة النفس لأن محاسبة النفس على العمل والخوف من عدم قبوله من سيماء المؤمنين وسمات أهل الصلاح المتقين، ومما ينبغي أن يكون في مثل هذه الأيام.
أما إنه يقبح بالمسلم أن يبني في رمضان صرح إيمانه، ويجمله ويزينه ثم إذا انقضى الشهر عاد فهدم ما بنى، وأفسد ما شيد!! وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَـاثًا [النحل:92]. فالله ينهانا أن نكون كهذه المرأة الحمقاء التي تنسج غزلها حتى إذا أبدعته وأحكمته نقضته، ثم عادت تغزل من جديد!!
وهذا وللأسف حال أكثرنا في كل عام، يعمل ويعمل ويعمل في رمضان حتى إذا بلغ من الخير مبلغاً، وبدأ يحس طعم العبادة ولذة الخشوع، هدم كل ذلك بعد رمضان، فإذا جاء رمضان آخر شرع يبني من جديد فلا يكاد يبلغ منزله الأول حتى ينتكس!
يا من وفى في رمضان على أحسن حال، لا تتغير بعده في شوال.
يا من صلح في رمضان، وعزم على الزلل في شوال، ويحك رب الشهرين واحد!
ولئن كان قبول العمل من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، فإن لكل أمر علامة، ولكل تجارة أمارة، ولقبول العمل علامات تدل عليه، وإن من علامة قبول العمل الصالح الاستمرار عليه والمداومـة على أدائه، فقد قال بعض السلف: ثواب الحسنة الحسنة بعدها. وفي الحديث: ((أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل)).
لقد علمنا شهر رمضان أننا نستطيع أن نبكي من خشية الله، وأن نذرف الدمع بين يديه، وأن نجهش في صلاتنا بالبكاء، وعلمنا أننا نستطيع أن نقوم الليل ونصوم النهار ونكثر من قراءة القرآن، وعلمنا أننا نستطيع أن نديم المكث في المساجد، وعلمنا أننا نستطيع أن نترك كثيراً من شهواتنا ورغباتنا.
باختصار … لقد فضحنا هذا الشهر، وكشف كذب دعاوى الكثيرين ممن يزعم أنه لا يستطيع البكاء أو الصلاة أو قراءة القرآن أو البقاء في المسجد … الخ. فهل نتعلم هذا الدرس؟ هل ندرك أننا نقدر على فعل الكثير عندما نريد فعله؟ هل نتذكر أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها وأن في وسعنا أن نفعل الشيء الكثير؟
ما أسرع ما ينقضى الزمن، وما أعجل ما تمضي الأيام، كنا بالأمس نستقبل رمضان ونحن اليوم نودعه ونبكي عليه، ولم يكن بين استقبالنا ووداعنا إلا أيام قلائل مرت مرور الطيف ولمعت لمعان البرق الخاطف ثم غادرتنا مقربة إلينا آجالنا مقصرة من آمالنا.
وعما قريب تتقضي الأيام المقدرة، وتدنو الآجال المكتوبة، ويفارق المرء دنياه، غير حامل زاداً إلا زاد العمل الصالح، ولا لابس لباساً إلا لباس التقوى … فأينا أعد لذلك اليوم عدته، واتخذ له أهبته؟
أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ [النساء:78 كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ [آل عمران:185].فالله الله في ساعة لا شك في مجيئها.واجعلوا في تصرم شهركم عبرة تذكركم بتصرم عمركم.[/align]
المفضلات