قراءة في ديوان سوزان عليوان "لا أشبه أحداً" كتبها: نواف المطيري
تصور الشاعرة في ديوانها هذا الذي أسمته "لا أشبه أحداً" معاناة الغربة، حيث إنها ترى بأن الغريب ليس بذاك الذي يبتعد عن وطنه، بل هو الذي لا يجد شبيها له.
ومقصدها هنا في الشبه ليس الشبه الخلقي، بل الشبه الروحي، أو لأقل التقارب الروحي فالغريب ليس غريب الوطن، بل هو غريب الأحباب والأخلاء حيث تقول:
تتشابهُ حقائبُ السفر
التذاكرُ
المطاراتُ
وليالي الوحدةِ
في ظلِّ قمرٍ غريب
تتشابهُ بطاقاتُ الأصدقاء
أمطارُ الشتاء
المقاهي
المتاجرُ
وجوهُ الناسِ
في الزحام
وحدي أنا الغريبةُ
لا أشبهُ أحداً
فهذه الحقائب لها أصدقاء يشابهونا، وكذلك تلك التذاكر، بل وحتى الأمطار حين تنزل من السماء والليالي أيضاً، تتشابه في سوادها وتسامرها مع ذلك القمر. هذه الجمادات .. لا تحس بالغربة .. لأنها تجد من يشابهها ويؤنس وحدتها
إلا الغريبة .. فإنها لا تجد من يشابهها في غربتها تلك.
ولذا، فسوزان عليوان هنا صورت الغريب بمن يفتقد لإنسان ينتمي له، وليس بمن يفتقد لأرض ينتمي لها. ولسوزان عليوان نظرة أخرى أو فلسفة أخرى لمعنى الوطن، فكما أنها ترى أنه ليس الغريب غريب الوطن والأرض، فهي كذلك ترى أن كلمة وطن لا تنحصر في الأرض فقط بل هي قد تكون دخاناً أيضا. ولكن كيف ذلك، يظهر هذا في تصويرها لمشهد رجل يجلس في مقهى يدخن النرجيلة وينفث دخانها من صدره في الفضاء
حيث تقول ..
الدخانُ
وطنٌ
في الخلاءِ
يتلاشى
كيف يكون الدخان وطناً، ومن هم سكانه إذن، وما هي حدوده.
ترى الشاعرة أن صدر ذاك المدخن يحوي ذكريات بعضها مؤلم وبعضها سعيد، وأنه حين ينفث ذلك الدخان بقوة في الفضاء، فإنه يخرج معه، أو به، تلك الذكريات التي يحتويها صدره، ذكريات تحتوي على وجوه، وشوارع، وبيوت، وقصص، وحوادث، ولحظات فشل، ونجاح، وأمل، وانكسار.
باختصار، هذه الذكريات هي سكان هذا الوطن، ألا وهو صدرنا، هو يكون وطنها حين نحبسها داخله، ولكننا حين ننفث ذلك الدخان، فإننا نخرجها معه، فيصبح هو وطنها الجديد. لذا، فالشاعرة ترى أننا حين ننفث ذلك الدخان، فإننا نحاول أن ننفث ونخرج معه أولئك السكان الذين احتلوا صدرنا ونريدهم أن يرحلوا بعيداً عنا، ولهذا فإننا نوفر لهم وطنا جديداً أو لنقل، نخدعهم بهذا الوطن الوهم؛ حيث إنهم بمجرد أن يستوطنوه، فإنها ثوانٍ معدودات، ويجدون ذلك الوطن الجديد قد تلاشى في الفضاء.
ويتبادر هنا تساؤل: ماذا إن كان هؤلاء السكان ذكريات جميلة، هل سنقوم بترحيلهم لوطنهم الوهمي هذا لكي يتلاشوا.
قد نفهم هذا التوطين القسري لسكان مزعجين، ولكن كيف سنفهمه لسكان هادئين وطيبين، ومن يدخن النرجيلة وهو سعيد، فأي وطن هو دخانه، ومن سكانه الذين سيخرجون معه.
برأيي الشخصي، إن مسألة التوطين الدخاني هذه اختيارية، تعود لنفسية المدخن في تلك اللحظة، فهو إن أراد توطين سكان من صدره في الدخان فعل، وإن لم يرد لم يفعل، هي هكذا ببساطة.
وهناك ملاحظة بسيطة على كلمة "الخلاء" في البيت السابق، فبرأيي أن كلمة الفضاء كانت ستكون أنسب وأدق في الوصف؛ فالخلاء تطلق على الأرض فقط، ولا تشمل السماء، بينما كلمة الفضاء تشمل الاثنتين، الأرض والسماء، حيث نقول: أرض فضاء، وكذلك نقول: الفضاء، كتعبير عن المجال الجوي.
والدخان بطبيعة الحال يتصاعد في الفضاء ويتلاشى فيه، وليس في الأرض أو عليها، هي وجهة نظر، وللشاعرة رأيها الذي نحترمه.
وفي مشهد آخر، مع نفس المدخن بنفس المقهى، تعطي الشاعرة صورة رائعة الجمال من خلال تشبيهها للجمر الذي يتوسط المعسل أعلى النرجيلة، بالقمر الذي يتوسط السماء، وهو ما سنقف عليه لاحقاً.
*تم نقلها
م غ ت رب
[/center]
المفضلات