خرج عمر بن عبدالعزيز في جنازة بعض أهله ، فلما أسلمه للديدان ودسه في التراب ، التفت إلى الناس فقال
أيها الناس : إن القبر ناداني من خلفي ! أفلا أخبركم بما قال لي ؟ قالوا : بلى
* *
قال : إن القبر قد ناداني فقال : يا عمر بن عبدالعزيز ألا تسألني ما صنعت بالأحبة ؟ قلت : بلى
قال : خرقت الأكفان ومزقت الأبدان ومصصت الدماء وأكلت اللحم
* *
ألا تسألني ما صنعت بالأوصال ؟ قلت : بلى
قال : نزعت الكفين من الذراعين والذراعين من العضدين والعضدين من الكتفين
والوركين من الفخذين والفخذين من الركبتين والركبتين من الساقين والساقين من القدمين
* *
ثم بكى عمر فقال :
ألا إن الدنيا بقاؤها قليل
وعزيزها ذليل
وشبابها يهرم
وحيها يموت
فالمغرور من اغتر بها
أين سكانها الذين بنوا مدائنها ؟
ما صنع التراب بأبدانهم ؟ والديدان بعظامهم وأوصالهم ؟
كانوا في الدنيا :
على أسرة ممهدة وفرش منضدة
بين خدم يخدمون وأهل يكرمون
فإذا مررت : فنادهمإن كنت مناديا وادعهم إن كنت داعيا
أين سكانها الذين بنوا مدائنها ؟
وانظر إلى تقارب قبورهم من منازلهم
وسل غنيهم ، ما بقي من غناه ؟
وسل فيرهم ، ما بقي من فقرة ؟
سلهم : عن الألسن ، التي كانوا بها يتكلمون وعن الأعين ، التي كانوا بها إلى اللذات ينظرون
وسلهم :
عن الجلود الرقيقة
والوجوه الحسنة
والأجساد الناعمة
ما صنع بها الديدان ؟
* *
محت الألوان وأكلت اللحمان وعفرت الوجوه ومحت المحاسن وكسرت القفا وأبانت الأعضاء ومزقت الأشلاء
* *
أين خدمهم وعبيدهم ؟
أين جمعهم ومكنوزهم ؟
والله ما زودوهم فرشا
ولا وضعوا لهم متكئا
أليسوا في منازل الخلوات ؟
وتحت أطباق الثرى في الفلوات ؟
أليس الليل والنهار عليهم سواء ؟
قد حيل بينهم وبين العمل وفارقوا الأحبة والأهل
قد تزوج نساؤهم وأهملت في الطرقات أبناؤهم وتوازعت القرابات ديارهم وتراثهم
* *
فمنهم والله الموسع له في قبره الغض الناظر فيه المتنعم بلذته
* *
ثم بكى عمر فقال :
يا ساكن القبر غدا
مالذي غرك من الدنيا ؟
أين رقاق ثيابك؟
أين طيبك ؟
أين بخورك ؟
كيف أنت على خشونة الثرى ؟
ليت شعري :
بأي خدّ يبدأ الدود والبلى ؟
ليت شعري :
ما الذي يلقاني به ملك الموت عند حروجي من الدنيا ؟
وما الذي يأتيني به من رسالة ربي ؟
ثم بكى بكاء شديدا حتى ثقل الكلام عليه ، ثم انصرف
منقولــ من كتيّب وجدته بمصلــى الكليه
ღ
ღ
ღ
تحياتي
عشـق القصـيد
المفضلات