[align=justify]بسم الله الرحمن الرحيم
نعم ... لم أسمع :
نهض المواطن عرب بن عروبة بن عربان مبكرا من فراشه، فغسل وجهه بسرعة بالماء المثلج وحلق ذقنه كيفما اتفق بشفرة مثلمة وضرب شعره ضربتين بمشط مكسور ثم ألقى نظرة عابرة الى وجهه وقيافته، ثم الى أمه وأخته قبل أن يتأبط مصنف "قضيته" وينطلق الى دوائر الدولة للمراجعة في شأنها لقد استغفلهم صاحب البيت وتنكر لعشرين سنة من صباح الخير يا جار ومساء الخير يا جار وتقدم بدعوى قضائية لاخلاء المأجور وطردهم منه الى الشارع
ولكنه كان واثقا ان الدولة لن تنساه في محنته هذه وان حربة الظلم لايمكن ان تنفذ من كل دوائر الدولة من موظفين واختام ومصنفات لتستقر في قلبه واستقل الباص وقصد مكتب القاضي المختص بقضايا المواطنين في وزارة العدل.
الحاجب : نعم؟
المواطن: هل سيادة القاضي موجود ؟
الحاجب لا انه مسافر
المواطن: الى أين؟
الحاجب: الى جنيف لحضور مؤتمر الحقوقيين الدوليين
المواطن : ومتى يعود؟
الحاجب : لاأعرف . وغرق في احدى روايات أرسين لوبين
واستقل المواطن باصا آخر لمراجعة مسؤول آخر
حاجب آخر : نعم؟
المواطن: هل الأستاذ فلان موجود ؟
الحاجب لا انه مسافر الى سؤل لحضور مؤتمر للتضامن مع الشعب الفلسطيني
المواطن : ومتى يعود؟
الحاجب : لاأعرف . وانصرف الى براد الشاي يعده ويخمره
واستقل المواطن باصا آخر لمقابلة مسؤول آخر
السكرتيرة : نعم؟
المواطن: هل الدكتور فلان موجود ؟
السكرتيرة: لا انه مسافر الى لاغوس لحضور مؤتمر للتضامن مع الشعب الأرتيري
المواطن : ومتى يعود؟
السكرتيرة : لاأعرف . وانصرفت الى مجلة "الشبكة"
واستقل المواطن باصا آخر لمقابله مسؤول آخر
سكرتيرة آخرى : نعم؟
المواطن: هل الأستاذ الدكتور موجود ؟
السكرتيرة: لا انه مسافر الى مالطا لحضور مؤتمر للتضامن مع الشعب الكوري
المواطن : ومتى يعود؟
السكرتيرة : لاأعرف . وغرقت في مجلة"بوردا"
وعندما انتهى الدوام الرسمي وخلت الدوائر والمكاتب من الموظفين والمراجعين ولم يبق فيها الا الأوراق والمعاملات والمصنفات وبعد ان تورمت قدماه من صعود الادراج وهبوطها لم يبق امامه ما يفعله سوى الانتظار مرة اخرى مع مئات المنتظرين عند مواقف الباصات للعودة الى بيته وأهله، وعندما ابتسم له الحظ وأقبل الباص شتم أثناء الصعود ونشل أثناء النزول
وعندما وصل الى مدخل الحارة فوجئ بأغراض بيته مكومة في الشارع وأمه وأخته تجلسان عليها وكل منهما وضعت يدها على خدها وراحت تحدق في هذا العالم ولما كان بطبعه هادئا مسالما فقد سأل بهدوء: متى حدث ذلك؟
فأجابته الأم دون ان تنظر اليه: بعد ذهابك بقليل
فربت على كتفها مواسيا وجلس القرفصاء على كومة الأغراض والمعاملة لاتزال تحت ابطه. ونظر بحنان الى أخته الصامتة الشقية وسأل : ما بها؟
فقالت الأم : فوق همنا هذا ونحن نخرج الأغراض والأمتعة وفيما هي منحنية لحزمها جاء أحد المارة وقرصها ..
فقال متنهدا: بسيطة
فقالت الأم : بسيطة، بسيطة. وماذا ستفعل الآن والليل قد أقبل ؟ هل ننام في الشارع؟
فقال لها: لاتبتئسي يا أمي ان الدولة لايمكن ان تنساني أنا واثق من ذلك
وهنا أقبل نحوه شرطي يجرجر قدميه من التعب وسأله وهو يخرج بعض الأوراق من حقيبته الجلدية: هل أنت المواطن فلان الفلاني؟
المواطن : نعم
الشرطي : مطلوب لخدمة العلم...؟؟؟!!!
:lbar_012:
من كتاب سأخون وطني ... محمد الماغوط
(لاتزال لدينا فواتير كثيرة قد لا يستطيع أولادنا ولا أولاد أولادنا على مدى قرون أن يسددوها للمرأة .
وإن رجل المستقبل سيكون قد تعلم من المرأة ما يكفي ليقدم اعتذاره ... )
( .. المرأة تعرف عن الرجل أكثر مما يعرف عنها . لأنها هي المحتوية وهو المحتوى ... )
:539:[/align][/align]
المفضلات