[align=justify]بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
علاقة الأهل مع المجروح عقلياً في سن المراهقة ....
لقد تميزت الألفية الأولى بتنظيم المجتمعات أي بما يعرف: بالسياسة. وانطبعت الألفية الثانية بطابع الاقتصاد: رأس المال, إنتاجية, استهلاك. أما الألفية الثالثة فإنها تختص بالتواصل والاتصالات والعلاقات. وموضوعنا اليوم "علاقة الأهل مع المجروح عقلياً في سن المراهقة".
العلاقة هي من صلب اهتمامات عصرنا, فالعلوم الإنسانية والتكنولوجيا الحديثة والاقتصاد تبحث كلها في قضية التواصل والعلاقات. والسؤال بالنسبة لنا هو: ما هو اللون المميز والطابع الخصوصي والطريقة المناسبة التي تجعل من علاقة الأهل مع الولد المراهق والمجروح بذكائه علاقة تساهم بنموّه وتطوره وتخلق بنفس الوقت جواً سليماً ومحبباً في العائلة؟
هذه العلاقة جزء منها ربما موهبة فريدة وفن في التربية وجزء آخر يكتسب بالعلم والخبرة.
قبل أن أبحر في صلب الموضوع سأعرض ما يلي:
- المراحل التي يمر فيها كل إنسان
- شرح الوضع النفسي الذي يمر فيه المراهق التطور الجسدي والحركي والحسّي وتطور النطق والتطور الذهني والعاطفي والاجتماعي.
- وأخيراً كيفية علاقة الأهل مع الولد المراهق المجروح عقلياً.
مراحل التطور التي يمر بها الإنسان:
- المرحلة الأولى: الرضاعة الحاضنة من الولادة- 3 سنوات
- المرحلة الثانية: الطفولة الأولى 3 – 5 سنوات
- المرحلة الثالثة: الطفولة الثانية 6- 12 سنة
- المرحلة الرابعة: المراهقة 12- 21 سنة (في هذه المرحلة نميز تطور جسدي- حركي- عاطفي واجتماعي).
- المرحلة الخامسة: الرشد والنضج 21-30 سنة
- المرحلة السادسة: الشباب والرجولة 31- 40 سنة
- المرحلة السابعة: مرحلة الكهولة 40 – 60 سنة
- المرحلة الثامنة: الشيخوخة المبكرة 60- 70 سنة أي العمر الثالث
- المرحلة التاسعة: الشيخوخة 70 – 80 سنة أي العمر الرابع
وهناك من يتكلم عن عمر خامس بسبب تقدم الطب وطول العمر عند الإنسان وهي المرحلة العاشرة...
- المرحلة العاشرة: الشيخوخة المتأخرة 80 – 90 سنة فما فوق
مرحلة المراهقة:
فترة المراهقة مقرونة بالعديد من المعاني السلبية, إذ أنها وصفت بالمرحلة الصعبة, العاصفة, مرحلة التمرد, مرحلة الأزمات المتتالية.... وهذه النظرة الشائعة في معظم المجتمعات تعود إلى القرن الثامن عشر, حيث نرى في كتابات الفلاسفة آنذاك, وأشهرهم "جان جاك رو سو", وصفاً حاداً جداً لمرحلة المراهقة ولشخصية المراهق, وعلى سبيل المثال نذكر بعض التعابير الواردة على لسان "روسو" في هذا الإطار:
-مثل هدير الأمواج الذي يسبق العاصفة, هكذا تأتي همسات العواصف المتصاعدة لتنذرنا بالخطر الآتي. التغيرات المزاجية, نوبات الغضب المتكاثرة, التقلبات الذهنية المستمرة تجعل الولد خارج سيطرتنا, لذلك يجب أن تضع يدك على الحزام قبل أن تفقد كل شيء.
هذا الوصف نفسه امتدَّ حتى القرن العشرين حيث نقرأ مثلاً في بعض الكتابات حول الموضوع, أن المراهقة هي فترة تدفق العواطف الغريزية, وأنها تتميز بتقلبات حادة, ولكن أيضاً عجّ القرن العشرين بالدراسات العلمية التي أقيمت على أعداد هائلة من المراهقين, والتي برهنت أن النظريات التي طرحت آنفاً فيها الكثير من المبالغة, إذ أنها لا تأخذ العوامل البيئية والاجتماعية بعين الاعتبار, مركزة فقط على العوامل الشخصية والبيولوجية والنفسية.
هذا وقد أتت " مارغريت ميد", وهي باحثة أميركية شهيرة في علم الأنتروبولوجيا, باستنتاج يؤكد أهمية المحيط الذي يتفاعل معه المراهق, فرأت "ميد" انه كلما كان المجتمع منفتحاً وأقل تشنجاً, كانت فترة المراهقة خالية من الضغوطات والتقلبات المزعجة.
إن الفترة الزمنية التي تسمى بالمراهقة تختلف من حضارة إلى حضارة, ففي بعض المجتمعات تكون قصيرة جداً, ولكن في معظم البلدان تكون طويلة جداً لدرجة أن الخبراء قسموها إلى مراحل هي :
- مرحلة المراهقة الأولى, من عمر 11 سنة إلى 14 سنة, وتتميز بتغيرات بيولوجية سريعة.
- مرحلة المراهقة الوسطى, من عمر 14 سنة إلى 18 سنة, وهي مرحلة اكتمال التغيرات البيولوجية.
- مرحلة المراهقة المتأخرة, من عمر 18 سنة إلى 21 سنة, حيث يصبح الشاب أو الصبية إنساناً راشداً بالمظهر والتصرفات.
بالإضافة إلى التحولات البيولوجية خلال المراهقة والنضوج هناك تأثير البلوغ على النفسية فإن التحولات الهرمونية والتغيرات الجسدية في مرحلة المراهقة تأثيراً قوياً على الصورة الذاتية والمزاج والعلاقات الاجتماعية.
وهناك دراسات كثيرة تشير إلى وجود علاقة قوية بين وظيفة الهرمونات والتفاعل العاطفي عند المراهقين, فالمستويات الهرمونية المرتفعة خلال هذه المرحلة مرتبطة بتفاعلات مزاجية كبيرة على شكل الغضب والإثارة وحدة الطبع عند الصبيان, والغضب والاكتئاب عند البنات, بين أعمار التسعة والأربع عشرة سنة.
إن لهذه التقلبات المزاجية عند المراهقين علاقة وطيدة مع الظرف الاجتماعي الذي يتواجد فيه الإنسان, فمثلا ً نلاحظ أن المزاج الإيجابي مرتبط مع الأصدقاء, وممارسة الهوايات المحببة والنشاطـات الترفيهية اللامنهجية. أما المزاج السلبي فنلاحظه عندما يكون المراهق ضمن أطر منتظمة مغلقة مثل الصف, وموقع العمل, والزيارات إلى الأقرباء.......
الكل يعلم أن فترة المراهقة تشهد ازدياداً في الاحتكاكات المتشنجة والمشحونة بين الأولاد والوالدين مرفقة بشعور بالبعد عند كل من الفريقين. هذا التباعد العاطفي الذي يشعر به المراهق حيال أهله قد يكون بديلا ً للتباعد أو الانفصال الجسدي عن الأهل الذي لا يستطيع المراهق تنفيذه, لأنه – بالرغم من نضوجه الجنسي – لا يزال يتكل عليهم مادياً واقتصادياً.
هذا وتلعب القدرات الفكرية الجديدة عند المراهقين دوراً مهماً في تزايد التوتر داخل الأسرة.
من خلال هذا العرض السريع عن التغيرات والتبدلات التي يعيشها كل ولد في سن المراهقة سأدخل في صلب الحديث عن علاقة الأهل مع المجروح عقلياً في سن المراهقة.
هذا ولا نستطيع فصل علاقة الأهل مع ولدهم في سن المراهقة عن السنين السابقة والعلاقة هي هي وتبدأ منذ تكوين الولد في بطن أمِّه. هناك أمهات كثر يتكلمن مع طفلهم وهو في أحشائهم وحتى الأب عند المساء يقترب ويلمس نبض المولود الجديد والتحدث عنه مع زوجته, وهذه العلاقة تنجرح وتصطدم بمحنة كبيرة عند الولادة ومعرفة بأن الولد عنده جرح في ذكائه أو عنده إعاقة عقلية ومن هنا المسيرة تبدأ:
- مسيرة القبول لهذا الوضع وقبول الطفل مثلما هو.
- مسيرة التكيف مع وضعه, والتعرف على مسيرة تطوراته البيولوجية والجسدية والنفسية.
شرح الإصابة, تقديم مقالات عن الإصابة:
مثلا ً جان بيار وتربيته بطريقة سليمة ودون الشعور بالذنب لا بطريقة الرفض لوضعه, ولا بالشفقة التي توصل إلى تلبية كل رغباته وتركه يعيش بالحرية المطلقة وهذا ينفذ إلى إهمال الولد, أو إذا كانت عائلة غنية تضع الولد بين أيدي الآخرين مثل ماري في المخيم.
كل هذه الطرق توصل الولد على عيش سن المراهقة بالغضب والكآبة... لأنه بيولوجياً مثل أي ولد سيعيش كل التحولات البيولوجية .
والتحولات الهرمونية كما ذكرت والتغيرات الجسدية والعلاقات الاجتماعية. وللتقلبات المزاجية عند المراهقين علاقة وطيدة مع الظرف الاجتماعي والعائلي الذي يتواجد فيه الإنسان.
من هنا أقول وأردد أن تربية الأطفال فن, فمثل الرسام الذي يسعى بشتى الطرق إلى إبراز جمال لوحته, أنت أيتها الأم الفنانة, يتوجب عليك إبراز جمال أولادك بكل ما تملكينه من مسائل وأفكار وإبداع وخيال.... فالجمال الذي أتحدث عنه هو الجمال النابع من التجانس الداخلي والثقة بالنفس.
الجمال المنبثق من شعور الولد بأننا نحبه كما هو وليس كما نريده أن يكون.
ومن هنا نقبل الولد كفرديته واختلافه ونسمح له بأن يكون مختلفاً وأن يكون خصوصاً معاق عقلياً. وهذا مما يساعده أن ينمو وينضج انطلاقا من قدراته حسب إصابته.
هذا التقبل يعني أنه يتوجب علينا أن نسمح للولد بأن يقوم بأخطاء, مما نجعله يقوم بتصحيح نفسه والتعلم من أخطائه ويخلق عنده الدافع الداخلي للإنجاز حسب قدراته الجسدية والفكرية.
إن العدم الأساسي للثقة بالنفس هو عقدة النقص, عندما نقارن الولد بأخيه غير معاق ضمن العائلة وهذا ما يخلق ثورة عند المعاق وعدم تفهم الأخ عن الولد الذي يتمتع بمستوى الذكاء العادي.
من هنا مثل جو: نشأ من خلال الحمام تواصل وثيق بين جو والشاب الذي كان يقوم بتحميمه في الحمام وكان يستسلم استسلاماً كاملاً, ويكف عن الدفاع عن نفسه وكان تصوره بأنه محترم ومحبوب يضفي عليه أماناً. صحيح بطريقة علاقتنا مع المعاقين نعطيهم الحياة ولكن هم أيضاً بدورهم يبادلوننا الحياة نفسها.
أنا وبعد خبرتي لا أقول بأنَّ من السهل التربية والقيام بعلاقة سهلة مع الولد المراهق وعنده إعاقة عقلية ولست مع من قيل في إحدى محاضراته أنه هدية من الله ولكن أقول بأن الأم بحاجة إلى حد أدنى من التعاون مع أسرتها أي زوجها وبالتالي الأخوة للقيام معه بعلاقة محترمة متبادلة وبعلاقة سوية مع الولد باتفاق مسبق على طريقة التعامل معه والأم في هذا المجال لها دورها الأساسي مثل رانيا.
الأم التي تربي هي التي تعطي ومن خلال حبها وحنانها يكون المكان المحترم للولد المعاق عقلياً وتعامله بكل روية وعفوية وبساطة, وبفن العلاقة مع الولد المراهق والمجروح بذكائه يتطلب الفن في العلاقة مثل سلمى عند زواج أخيها "ليش هو مش أنا" وكان الغضب والكآبة كبيرين....ونظم لها حفلة ووُضعت محورها........
تتطلب الأمومة بطولة موقف لكي تتابع مع زوجها مسيرة أنسنة الفرد في عائلتها ومنه تنطلق إلى المجتمع وإلى العالم بأسره.
محاضرة ألقيت في مركز لرعاية المسنين والمعالجة الفيزيائية 14/3/2005 بدمشق [/align]
المفضلات