[align=justify]بسم الله الرحمن الرحيم
الأخوة الأحبة :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
علم البرمجة اللغوية العصبية علم ذاع صيته فماذا نعرف عنه ... اخترت لكم هذا الموضوع أتمنى أن يحقق هدفه وأن نصل جميعاً إلى تعريف أو مفهوم حول هذا العلم ...
علم البرمجة اللغوية العصبية :
علم البرمجة اللغوية العصبية Neuro Linguistic Programming أو/ NLP/ علم جديد، بـدأ في منتصف السبعينات الميلادية ، يقوم على اكتشاف كثير من قوانين التفاعلات والمحفزات الفكرية والشعورية والسلوكية التي تحكم تصرفات واستجابات الناس على اختلاف أنماطهم الشخصية . وهو يكشف لنا ـ إلى حد كبير ـ عالم الإنسان الداخلي و طاقاته الكامنة، ويمدنا بأدوات ومهارات نستطيع بها التعرف على شخصية الإنسان، وطريقة تفكيره وسلوكه و أدائه وقيمه، والعوائق التي تقف في طريق إبداعه وتفوقه. كما يمدنا بأدوات وطرق يمكن بها إحداث التغيير الإيجابي السريع في تفكير الإنسان وسلوكه وشعوره، وقدرته على تحقيق أهدافه، كل ذلك وفق قوانين تجريبية يمكن أن تختبر وتقاس. ومن أجلّ ما نستفيده من البرمجة اللغوية العصبية فهم الناس وتحقيق الألفة والانسجام معهم ، وبناء العلاقات الجيدة والروابط المتينة التي نراعي فيها خصوصية كل واحد منهم . ولا شك أن من أهم العلاقات التي يمكن للبرمجة العصبية أن تنميها وتقويها العلاقات الزوجية، فنحن نرى في واقعنا كثيراً من الأسر التي تنهدم أو توشك لأسباب نراها مستعصية جداً، وهي في حقيقتها أسباب يسيرة، تكمن في اختلاف الأنماط الشخصية التي تؤدي إلى لون من عدم الألفة وانعدام التفاهم، ولو عرف كل طرف حقيقة الطرف الآخر، و أدرك محركات سلوكة، وتفسيرات مواقفه لعذره كثيرا أو سعى لمساعدته؛ بهدف الوصول لحالة جيدة من التعايش والتعامل .
إن مما نتعلمه في البرمجة اللغوية العصبية الكيفية التي يتم بها رصد الإنسان لحقائق العالم الخارجي المادية والمعنوية، بواسطة منافذ الإدراك لديه (الحواس)، و الكيفية التي يتشكل بها الفهم، والعوائق التي تحول دون الفهم التام والتصور الكامل للأمور، و التفاعل التلقائي بين ما يستقر في الذهن من تصورات، وما يعتمل في النفس من خلجات المشاعر المختلفة، وكيف تتم ترجمة ذلك كله إلى رد فعل إيجابي أو سلبي .
ونخلص من ذلك إلى حقيقة أن الصورة الذهنية لحقائق العالم الخارجي تختلف من شخص لآخر(الخريطة ليست هي الأرض) ، وهي عند الجميع غير مطابقة تماما لما في الواقع ، بسبب ضعف حواسنا وقصور إدراكنا. وأن الإنسان إذا تكوَّن في ذهنه انطباع معين تجاه أمر أو شخص ما ، أثَّر عليه هذا الانطباع أكثر من تأثير الحقيقة ذاتها ، وانعكس هذا على سلوكه تجاهه ، وهذا حق لا ينكره إلا جاهل ، ولذلك أمرنا بالتثبت و التبين . مثال: حادث بالطريق لسيارتين ، كل شاهد عيان تختلف خريطته التي شاهد بها الحادث عن الآخرين ، وكلها صور ذهنية ، بينما الواقع هو الحادث ذاته.
إن البرمجة العصبية تعلمنا طرقا واستراتيجيات للتدقيق والتأكد، وتوقفنا على أساليب استقراء المعلومات المشاهدة و المنطوقة، من دلالات سيماء الملامح ( لغة الجسد في : الهيئة والنظرة واللمحة والإشارة ) ومن دلالات لحن القول (لفظاً وأسلوباً ونبرة صوت) ، وذلك من مواقع الإدراك المختلفة ، لنتجرد من ظنوننا وانطباعاتنا، ونقف على الحقائق المعلوماتية التي تجعلنا أقرب إلى الحقيقة، وتجعل أحكامنا وقراراتنا فرعا عن تصورات دقيقة .
إن هذه الجزئية وحدها كافية لتجنيب الناسا كثيراً من الخلافات التي تعصف بهم، وهي كفيلة -لو أتقنت على المستوى الاجتماعي الواسع- بخفض معدلات الخلاف و الطلاق التي تنبئنا عنها الإحصائيات المخيفة .ومما نتعلمه في البرمجة اللغوية العصبية تصنيف الناس إلى أنماط باعتبارات مختلفة، لكل منهم استراتيجية خاصة في التفاعل و الاستجابة للمؤثرات الداخلية و الخارجية، و بالتالي يمكن أن نعي منبع تصرفات الناس، و نعرف أقرب الطرق لتحقيق الألفة معهم، وكسبهم و التأثير الإيجابي فيهم .
إن اختلاف نمط الشخصية بين الناس ليس هو المشكلة، بل قد يكون مطلباً للتكامل أحيانا، ولكن المشكلة الكبرى في جهلهم بهذا الاختلاف، واعتقاد أحدهم بأن الآخرين مثله، أو ينبغي أن يكونوا مثله، في القناعات والرغبات وطرق التفكير والتفضيلات وغير ذلك .
إحدى الحالات التي انتهت بالطلاق كانت شكوى الزوج فيها أن امرأته لم تكن تقدره ولا تحترمه، إذ لم تعبر يوما عن حبها له، ولم تعبر يوما عن شكرها لمعروف منه، وأن غاية همها جلوسها أمام مرآتها وتصفيف شعرها، وأنها تطالبه بكل ما تقع عليه عينها مما يطيق ومما لا يطيق، فلم تدع مجلة للأزياء أو للديكور أو للأثاث إلا اقتنتها، وطالبت بنصف محتواها، وتحسرت لفقد الباقي، وأنها لم تر شيئا في بيت امرأة أخرى -مما ليس عندها- إلا علقت بمثله نفسها ، دون مراعاة لأحواله المادية المحدودة، حتى ساءت بينهما العشرة، وانعدم التفاهم وآثرا الطلاق .
فيما كانت شكوى المرأة منه أنه عديم الإحساس بها، لم يقدر جمالها ولم يشعرها بقيمتها لديه، وأنه صاحب كلام معسول و وعود براقة لكنها لم تر منه شيئا، فلا تذكر أنه قدم لها يوما هدية تشعرها بتقديره لها ، كما أنه فلسفي منطقي يحاسبها على كل كلمة، ويتأول كل نبرة صوت ويحمل كلامها مالا يحتمل، كما أنه لا يهتم بشكله ولا مظهره معها، وغاية همه اتصالاته الهاتفية التي لا تنقطع حتى في أوقات الراحة، والتي تثير فيها الشكوك.
إن خلاصة هذه المشكلة بينهما أن نمط شخصية الرجل (سمعي) وأن نمط شخصية المرأة ( صوري )، وأنهما لم يفهما هذا الاختلاف، ولو فهماه لعرف كل منهما منبع سلوكيات صاحبه وعذره فيها، وتعامل معه بالاستراتيجية التي تناسبه، ولدامت بينهما المودة و الرحمة، و لكن قدّر الله وما شاء فعل، وسبق السيف العذل .
إن البرمجة اللغوية العصبية تعلمنا أن الناس ليسوا سواءً وإن كنا نظنهم كذلك ، بل هم أنماط وأنماط ، و لكل نمط منهم مؤشرات خاصة نستدل بها عليه، و استراتيجيات خاصة نتعامل بها معه .
ومما نتعلمه في البرمجة اللغوية العصبية قوانين الافتراضات والتوقعات كيف نعززها وكيف نصدقها و كيف تؤثر علينا؟، وكيف نتعامل معها سواء كانت إيجابية أو سلبية . ولعل أهم المشكلات في بدايات الحياة الزوجية تتعلق بقوانين الافتراضات والتوقع، إذ إن كثيراً ما يبني الزوجان أو أحدهما افتراضات وتوقعات مبالغة في المثالية، تتعلق بصاحبه أو بالحياة الزوجية أو بالبيت والمتطلبات المادية، ثم يصدم بأن الواقع أقل من ذلك، فيستمسك بتوقعاته المسبقة، وتبدأ رحلة المطالبة والاستياء، أو يستسلم استلام المحبط على غير رضا، وقد ينتهي الأمر في الحالتين إلى الانفصال .
ومما نتعلمه في البرمجة اللغوية العصبية طرق تحقيق الألفة وتعميقها في أربعة مستويات متدرجة، تصل إلى الود العميق والانسجام التام مع الطرف الآخر، ولا شك أن هذا مطلب مهم في الحياة الزوجية، وهو عنصر جوهري يعطي الحياة الزوجية عذوبتها و جمالها، ويضمن -بإذن الله- بقاءها واستقرارها .
ومما نتعلمه أيضا في البرمجة العصبية استراتيجيات متعددة للتعامل مع المشكلات، تحليلاً وتوصيفاً وعلاجاً، و وسائل مساعدة للتفكير تعين في التركيز على المشكلة، والتركيز على الحل والتخطيط له وتوليد الأفكار وإيجاد البدائل، ثم التهيئة وإحداث التغيير وتثبيته وقيادته للمستقبل، وتحييد المقاومة الداخلية و الخارجية، مع حساب الآثار والعواقب وقياس المصالح والمفاسد في كل ذلك .
ولا شك أن هذه الأساليب ذات جدوى كبيرة، وأثر إيجابي سريع في حل المشكلات التي تعتري الحياة، خاصة و أننا كثيراً ما نقود الشخص بهذه الأساليب ليحل مشكلته بنفسه، فيظفر بمكسبين في وقت واحد : حلّ المشكلة الحالية، وتعلم المهارة التي تفيده مستقبلا .
هذه عجالة مختصرة حول أهم ما نستفيده من هذا العلم العظيم في ميدان العلاقات الشخصية خاصة العلاقة الزوجية تلك الرابطة التي يقوم على صلاحها واستقرارها خير عظيم، يتعدى ركني العلاقة إلى الأسرة والأبناء والمجتمع، وهي دعوة للإفادة من هذا العلم الذي له أثره الكبير في ميادين الدعوة والتربية والتعامل والتخطيط للنجاح الفردي و المؤسسي، والذي هو من الحكمة التي هي ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أولى بها .[/align]
المفضلات