[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
غزوة ذات الرقاع
من معارك المسلمين في ربيع الأول
غزوة ذات الرّقاع
اطمأنت المدينة المنورة بعد إجلاء بني النضير عنها أذلاء صاغرين، وضعُف أمرُ المنافقين الذين كانوا يتآمرون مع اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأصبح عبدُ الله بن أبي بن سلول خائفاً يترقب اليوم الذي يلاقي فيه هو وأتباعه مصير أحلافه اليهود، وكانت المدينة لثلاثة أشهر تبدو عليها الطمأنينة، ويخيم عليها السكون والهدوء.
وفي شهر جمادى الأولى من تلك السنة بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن بني محارب وبني ثعلبة من غطفان يُعِدُّون العدة لغزو المدينة، فخرج إليهم في أربعمائة من المسلمين، وقيل في سبعمائة، واستخلف على المدينة أبا ذر الغفاري.
أراد الرسول صلى الله عليه وسلم تأديب الأعراب القساة الضاربين في فيافي نجد، والذين ما زالوا يقومون بأعمال النهب والسلب بين وقت وآخر، وإخماد نار شرهم، ولما كانوا بدواً لا بلدة أو مدينة تجمعهم، بات لا يجدي معهم سوى حملات التأديب والتخويف، فكانت غزوة ذات الرقاع .
سار النبي صلى الله عليه وسلم متوغلاً في بلادهم حتى وصل إلى موضع يقال له نَخْل، ولقي جمعاً من غَطَفَان، إلا أنه صلّى بالصحابة صلاة الخوف، فعن جابر قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذات الرقاع من نَخْلٍ، فلقي جمعاً من غطفان، فلم يكن قتال، وأخاف الناس بعضهم بعضاً، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتي الخوف. رواه البخاري.
وكان لكل ستة بعيرٌ يتعاقبون على ركوبه، حتى تمزقت خفافهم، ولفّوا على أرجلهم الخِرَق؛ ولذلك سميت الغزوة بذات الرقاع، ففي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة ، ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه، فَنَقِبَتْ أقدامنا، ونقِبَتْ قَدَمَاي، وسقطتْ أظفاري، وكنا نلفُّ على أرجلنا الخِرَقَ، فسُمِّيت غزوة ذات الرقاع؛ لما كنا نعصب من الخرق على أرجلنا.
ومما صاحب هذه الغزوة قصة الأعرابي الذي أراد اغتيال النّبي صلى الله عليه وسلّم، ففي البخاري، عن جابر رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع، فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل من المشركين وسيف النبي صلى الله عليه وسلم معلق بالشجرة، فاخترطه (أي أخذه) فقال: تخافني؟! قال: "لا!"، قال فمن يمنعك مني؟ قال: "الله"، فتهدده أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأقيمت الصلاة، فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع ، وللقوم ركعتان.
وفي سيرة ابن هشام: ذكر ابن اسحاق أن اسم الأعرابي غَوْرَث.
ومما جرى في هذه الغزوة ما رواه جابر بن عبد الله الأنصاري، الذي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع، فأصاب رجلٌ امرأةَ رجل من المشركين، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلاً (أي راجعاً من الغزوة إلى المدينة) أتى زوجُها، وكان غائباً، فلما أُخْبِر الخبرَ حَلَف لا ينتهي حتى يهرق (أي يُسيل) في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم دماً، فخرج يتْبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً، فقال: "من رجل يكلؤنا (أي يحرسنا) ليلتنا هذه"، فقام عمار بن ياسر من المهاجرين، وعبّاد بن بِشْر من الأنصار، فقالا: نحن يا رسول الله، قال: "فَكُونا بفمِ الشِّعْب" (أي احرسا مدخل الطريق المؤدّي إلينا)، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد نزلوا إلى شِعب من الوادي. فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب قال عباد لعمار: أي الليل تحبّ أن أكفيكه (أي أن أحرس فيه، وتكون أنتَ مستريحاً نائماً)، أولَه أم آخرَه؟ قال: بل اكْفِني أوّله، فاضطجع عمار فنام، وقام عبَّاد يصلي، وأتى الرجل المشرك، فلما رأى عبّاد قائماً يُصلّي رمى بسهم، فأصابه، فنزعه عبّاد واستمرّ في صلاته، ثم رماه بسهم آخر فأصابه، فنزعه عبّاد وثبت قائماً في صلاته، ثم عاد له بالثالث فأصابه، فنزعه عبّاد، ثم ركع، ثم أهبَّ صاحبه (أي أيقظه)، فقال: اجلس، فلما رآهما الرجل هرب، ولما رأى عمار ما بالأنصاري من الدماء، قال: سبحان الله، أفلا أهبَبْتَني أوَّلَ ما رماك؟!، قال: كنتُ في سورة أقرؤها، فلم أحبّ أن أقطعها حتى أُنْفِدَهَا، فلما تابع عليَّ الرميَّ ركعتُ، فأذِنْتُك (أي نبّهتك) وايم الله لولا أن أضيع ثغراً أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه لقَطْعَ نفسي قبل أن أقطعها.
وكان لهذه الغزوة أثر في قذف الرعب في قلوب الأعراب القساة، فلم تجترئ القبائل من غطفان أن ترفع رأسها بعدها، بل استكانت حتى استسلمت، وأسلمت، حتى شارك بعضها في فتح مكة وغزوة حنين، وساد الأمن والسلام ربوع المنطقة، وبدأ التمهيد لفتوح البلدان والممالك الكبيرة ، لتبليغ الإسلام ونشر الخير .[/align]
المفضلات