[align=justify]بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين - والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
[align=center]مشروع دمج ذوي الاحتياجات الخاصة..
عاصفة من الحماسة والإصرار الفردي
تقابلها نسائم من الجهات الحكومية!
فكرة الدمج لاتزال غير واضحة، وغير مفهومة حتى من قبل بعض العاملين فيها! [/align]
على الرغم من أن مشروع دمج ذوي الاحتياجات الخاصة بالمدارس النظامية والمجتمع لا يزال حديث العهد في وزارة التربية، مع وجود جهات داعمة (اليونيسف، اليونيسكو، إغاثة الطفل البريطانية، إغاثة الطفل السويدية، مؤسسة رضا سعيد الخيرية) إلا أن تلك المجموعة المتواضعة القدرات والرائعة قطعت شوطاً بعيداً في هذا المجال تخطَّى بزمن ما تقوم به الوزارة الآن من وضع هذا المشروع قيد التجربة بحضور خبرات مستوردة.
مجموعة استثنائية وفاعلة وحيوية من العاملين في مشروع دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في مديرية البحوث في وزارة التربية ومجموعة من المعوقين والأهالي ومجموعة من العاملين في مشروع تأهيل المجتمع المحلي الذي تقوم به منظمة (جايكا) في ثلاث قرى سورية (حران العواميد، الكفرين، الهيجانة) ومجموعة من المتطوعات في روضة تشرين التابعة للاتحاد النسائي في حلب، في جو من التشارك الإنساني الرائع والتفاعل والدمج المباشر دون قيد أو شرط، وبعيداً عن الروتين والعجز الذي يصيب معظم الدوائر الحكومية بالشلل والسرطان.
وقد قامت مي أبو غزالة (منسقة في مشروع الدمج في وحدة الدمج) بجهد جبار في سبيل الوصول إلى ذلك الشكل الرائع للورشة مع ناديا أبو عمار (منسقة في مشروع الدمج في وحدة الدمج)، بدءاً من الحصول على موافقة وزير التربية (د.علي سعد) الذي كان متعاوناً وفاعلاً ومؤمناً بمشروع الدمج، مروراً بالترتيبات الإعلامية، وانتهاءً بترتيب أمور الحجز والأمن الغذائي الذي أشرف عليه الأستاذ المهندس المتطوع (رامز الجندي) وكل المتطلبات الأخرى، وقد تجاوز عدد المشاركين الخمسين مشاركة ومشاركاً.
وكان البرنامج حافلاً بالنشاطات المتنوعة: (محاضرات، ندوات، عمل ميداني مباشر مع الأطفال في مشروع الدمج، ألعاب، رسم، مسرحيات، حفلات سمر، غناء، رقص،سباحة، سهرات حتى الفجر على شاطئ البحر...).
قُسِم العمل إلى مجموعتين الأولى (الأطفال المعوقين وغير المعوقين)، والثانية مجموعة المشاركين في مشروع الدمج من الأهالي والمتطوعين.
ففي يوم الافتتاح حضر مدير تربية محافظة طرطوس (الأستاذ محمد ونوس)، ومعه الموجه الأول من قسم الإرشاد، ومنسقة الدمج في طرطوس والتي كان من واجبها أن تلازم ورشة العمل لكنها اكتفت بحضور الافتتاح، مما يؤكد أن فكرة الدمج لم تتوضح بعد عند أغلب المنسقين للمشروع في باقي المحافظات.
كما عملت مي أبو غزالة وسميرة الحاج (منسقة من دائرة التربية الخاصة في مديرية البحوث التي قدمت جهداً منقطع النظير في العمل مع الأطفال) مع الأطفال من خلال النشاطات المتنوعة التي تهدف إلى تعليم الطفل المعوق عن طريق اللعب لا عن طريق الكتب والواجبات المدرسية. وكان هناك محاضرة قدمتها ناديا أبو عمار حول تطور مفهوم الدمج من السياسات والإجراءات الثقافية والاجتماعية إلى الواقع العملي والميداني.
وذلك بمشاركة حية وفعالة للأهالي والمتطوعين في عملية الدمج.
في اليوم الثاني أيضاً كان هناك ورشة عمل للأطفال مع مي أبو غزالة وسميرة الحاج، وبمشاركة مفاجئة ولافتة من معسكر الطلائع (أطفال ومرشدين نفسيين) فقد كان ذلك أشبه مشروع دمج حي ومباشر بين أطفال المعسكر والأطفال المعوقين في الورشة، وأثبت نجاحاً لافتاً. فقد عبر أحد أطفال معسكر الطلائع قائلاً: كنت قادماً إلى هنا وفي تصوري أن أجد أطفالاً مختلفين عني وغريبين، لكن الحقيقة لم تكن كذلك أبداً فقد لعبنا مع بعض ورسمنا ومثلنا بعض المسرحيات وكّونا أصدقاء جدداً، وأنا ذاهب الآن لأخبر أصدقائي وأهلي عن هذا الاكتشاف.
كما تحدثت السيدة كبرية الساعور المختصة بموضوع الإرشاد النفسي في وزارة التربية، حول دور المرشد النفسي في مشروع الدمج وضرورة الربط بين المرشد النفسي وفكرة الدمج والعمل عليها مع أعضاء الهيئة التدريسية والأهالي في آن معاً.
وألقت ممثلة منظمة جايكا (كاورو تاكيموتو) محاضرة تحدثت فيها عن مشروع جايكا في تأهيل المجتمع المحلي في اليابان وقدمت نماذج وصوراً عن بعض الحالات التي تم تأهيلها.
لكنها لم تقدم أية فكرة عن مشروع تأهيل المجتمع المحلي الذي تقوم به في دمشق في ثلاثة قرى، كما أن المشاركين التابعين للمشروع نفسه من مدرسين وإداريين لم تكن لهم مشاركة تذكر ولم يقدموا أية فكرة عن مشروعهم.
وفي اليوم الثالث حضر من محافظة طرطوس كل من الدكتور محمود الجمعة (مختص بالأمراض العصبية) والدكتورة هزار سابا (طبيبة أطفال) والأستاذ الشاعر نبيه حسن، وهم من المهتمين بذوي الاحتياجات الخاصة، والأستاذ عبد الحميد محمد موجه الإرشاد في محافظة طرطوس الذي عبر أيضاً عن حماسته وتأييده لفكرة الدمج.
وقد تضمنت نشاطات اليوم الثالث والأخير تجارب حية لمشروع الدمج (حالات فردية)، فتحدثت السيدة براءة الخطيب (ماجستير تربية وباحثة في مجال ذوي الاحتياجات الخاصة) عن تجربتها ومعاناتها مع ابنها محمد كمال بيك المصاب بحالة داون سيندروم (منغولي) وعن نظرة المجتمع المهينة: لقد نظر الناس إليَّ على أنني أنا المعاقة وليس ابني. وجرى الحديث عن خلاصة تلك التجارب والصعوبات التي واجهت الأهالي الذين اصطدموا بالواقع المزري الذي يكرس فكرة العار التي تحيط بالطفل المعاق وأهله، إضافة إلى تخلف المجتمع وجهله بآليات التعامل مع تلك الحالات المرضية التي قد يتعرض لها الإنسان وراثياً أو عن طريق الإصابة بحادث ما أو عن طريق الكوارث الطبيعية. كما أكدت الدكتورة هزار سابا وهي الباحثة والناشطة في مجال المعوقين، ووالدة الطفل سبيرو المعوق (الذي رفضت المدارس النظامية استقباله ودمجه برغم ذكائه وقدراته الجيدة!وبرغم صدور القانون الذي يسمح بذلك!) ضرورة إضافة مادة أساسية (مبسطة) في المناهج التعليمية تتضمن حالات الإعاقة وطرق التعامل معها وضرورة التدخل المبكر وتغيير النظرة التقليدية المسيئة للمعوق والتي تندرج تحت الشفقة والعار في أغلب الأحيان.
وأكد الدكتور محمود جمعة أنه آن لنا أن ندرج تخصصاً إلزامياً في السنة الرابعة لكلية التربية يُعنَى بذوي الاحتياجات الخاصة. مع الأخذ بالحسبان طبيعة العمل والمكافآت والحوافز والتشجيع من جميع الجهات الحكومية، وعدم الاكتفاء بالموجه الإرشادي الداعم والضروري أيضاً. وركز على دور الإعلام في تغيير النظرة المتخلفة والمهينة للمعوق، وذلك من خلال برامج إعلامية منفتحة على تجارب البلدان الأخرى التي تخطت هذه النظرة.
وأكدت الدكتورة سابا أن البرنامج الوحيد في التلفاز السوري الذي يتناول المعوقين (مجلة الأمل) هو برنامج قاصر ومنفر ويهدف إلى مزيد من العزل والإقصاء لذوي الاحتياجات الخاصة، وأنه لا بد من تغيير هذه الطريقة في معالجة مشاكل المعوقين. وتتابع: في أمريكا مثلاً، يتم دمج هذه الحالات جميعاً بلا استثناء، مهما كانت صعوبة الحالة في المدارس النظامية منذ اليوم الأول من عمر الطفل. ثم بعد ست سنوات تقرر إدارة المدرسة والمختصون إمكانية متابعة هذه الحالة أو تلك.
ثم قامت مي أبو غزالة باختتام ورشة العمل بمحاضرة تضمنت نتائج هذه الورشة والاقتراحات الضرورية لتطوير مشروع الدمج وهي:
- الربط بين مشروع الدمج وخطة الإرشاد في وزارة التربية.
- تفعيل دور المعلم المدرب وتسهيل عمله ومحاربة الروتين وتعاون الجهات الحكومية.
- زيادة الثقة بالخبرات المحلية والاعتماد عليها ودعمها مادياً ومعنوياً.
- بناء غرفة مصادر تعليمية خاصة تتضمن جميع التجهيزات ووسائل الإيضاح الحديثة.
- توعية كل من مجتمع المدرسة والمجتمع المحلي وأهالي المعوقين توعية خارج إطار الأكاديمية وعلى أرض الواقع لتجاوز النظرة التقليدية.
- تطبيق مشروع الدمج ودعمه خارج مدينة دمشق وفي جميع محافظات القطر.
- التعريف بالمختصين والمنسقين التابعين للوزارة والعاملين على مشروع الدمج في جميع المحافظات وتفعيل دورهم.
- إدراج نظام داخلي لإحداث المراكز الخاصة للمعوقين وتوضيح شروط التراخيص لهذه المراكز.
- تأكيد المركزية في التخطيط، واللامركزية في التنفيذ، لتسهيل عملية الدمج في المحافظات.
- تأكيد تغيير السياسات الإعلامية التي تتبع مبدأ (الشفقة والعطف)، وتأكيد حقوق المعوقين من خلال برامج إعلامية، وذلك بالتعاون بين وزارة التربية ووزارة الإعلام.
للأسف، انتهت ورشة العمل الأسطورية، وعدنا أدراجنا إلى دمشق الصخب والازدحام والتلوث والتوتر والروتين. حاملين رغبة أن تستمر الورشة شهراً كاملاً. فالعمل المنجز والإيمان المطلق بالحق في الحياة الكريمة ووجود أشخاص أو مجموعات استثنائية في هذه الحياة تعيش على الشغف والسحر والاكتشاف، قد كسر روتين الحياة وخلق خلية أمل جديدة تنشط وتتكاثر في كل الاتجاهات، وأعاد إليّ ما أوشك الكلام على قتله. خاصة أننا نرى أشخاصاً مثل د. سابا وهي تقول: جعلتني إعاقة ابني (سبيرو) إنسانة أخرى مختلفة ومتميزة وشغوفة وفاعلة على صعيد العمل والمجتمع والحياة..
ومثل هبة رعد والدة الطفل محمد شاهين -الذي أصيب بنقص في الأوكسجين بسبب وجوده في المنفسة لمدة (58) يوماً والتي فاجأت الجميع بحماستها وقوتها وصبرها وجرأتها في مواجهة إعاقة ابنها: لقد عرضت ولدي على عدد كبير من أطباء العصبية والعظمية..... لكن أحداً لم يشرح لنا أن نقص الأوكسجين يسبب إعاقة! وما هي هذه الإعاقة؟! وهل هي قابلة للتحسن أم لا؟! وماذا يمكن أن نفعل تجاهها؟!... إن أحداً لم يقدم أي شيء! بعد ذلك قيل لي إنه يحتاج إلى طبيب معالجة فيزيائية، لكن كل معالج كان يقوم بدوره بنسف كل ما قام به المعالج الذي قبله على اعتبار أنه مخطئ، فيقدم لنا شيئاً جديداً.
لقد تقبلت العائلة كلها إعاقة (محمد) وعمل الجميع على تفهمها وتبسيطها والاندماج معها بشكل حقيقي وصادق. لكن المفاجأة الأكبر كانت في ما قدمه أخوه الذي يكبره بأعوام قليلة (بسام) والذي كان يصر على دعوة أصدقائه إلى البيت ليتعرفوا على أخيه المعوق، ولم يخجل يوماً منه. وكان ينتهز كل فرصة للحديث عنه للآخرين.
بعد ثلاث سنوات من العمل المتواصل معه في المنزل (السن النظامي لدخول الروضة)، قررنا أنا ووالده إدخاله إلى الروضة ليندمج في المجتمع وكي لا يبقى حبيس الجدران مدى الحياة بحجة رفض المجتمع له.
سنة كاملة وأنا أبحث عن روضة تستقبله، خاصة أنه طفل ذكي وقادر على التفاعل بشكل جيد مع الآخرين. لكني في كل مرة كنت أعود خائبة ومقهورة وغاضبة. إلى أن قرأت إعلاناً في الصحف عن روضة تستقبل ذوي الاحتياجات الخاصة فقررت بلا تردد أن آخذه إليها وهناك، بدأ العمل من جديد، فقد طلبت من إدارة الروضة أن تسمح لي بالوجود الدائم معه وطلبت من المعلمة أن تهتم به بينما أهتم أنا بباقي الأطفال حتى يتسنى له التعرف على أشخاص آخرين يساعدونه في الأكل واللعب والتلوين و...إلخ.
ثم بعد ذلك عُينت إدارية في تلك الروضة، وأنا أعمل فيها منذ ذلك الوقت، وأتابع تطور ولدي الذي تفوق بجدارة على طلاب صفه، وتمكن من الكتابة على الكمبيوتر بدل الكتابة بالقلم، لكن بعد ست سنوات عادت الصعوبات لتظهر من جديد فقد رفضت المدارس النظامية استقبال محمد بحجة أنه ليس هناك قانون يتيح إمكانية تقديم الامتحانات على الكمبيوتر!
لكني رفضت ذلك بالمطلق وسعيت جاهدة حتى حصلت له على موافقة من وزير التربية بتقديم امتحاناته على الكمبيوتر.
وهأنذا أتابع فخورة نجاح محمد وتطوره واندماجه يوماً بعد يوم بعد كل ذلك الرفض الذي واجهناه بمرارة وإصرار أكبر في كل مرة.
الإصرار والشفافية والروح المعنوية العالية والاندماج السريع كان عنوان ورشة عمل شاطئ الأصيل، مما ترك أثراً واضحاً عند كل مشارك،
الأثر الذي سيبقى في الذاكرة طويلاً وملازماً للحظات الجمال والعنفوان والنجاح، والذي عبر عنه الأطفال من خلال لوحات السحر التي انبطحوا على الأرض وفوق بعضهم ورسموها متمسكين ببعضهم وبأقلامهم كمن يتمسك بقوس قزح. [/align]
المفضلات