[align=justify]ففي أحد الأيام وبعد انقلابي من الصلاة ، ألفيت امرأة لدى الباب تستجدي أعطيات المسلمين وتحمل بين يديها طفل رضيع ، فقلت لها بعد أن قدر لها مني ما قدر ، يا امة الله أما لكِ من عائل يكفيكِ ما أنتي فيه ، فجاءني جوابها الممزوج بكثير من الحزن والأسى ، لي زوج ولكن إن سأل لم يعطى لما يرون فيه من فتوة في العمر ، وان استأذن للدخول لم يؤذن له بالدخول على مسئولي الأعطيات ، وأن بحث عن عمل لم يجد إلا الاستهزاء لبحثه عن عمل وهو الذي لا يحمل مؤهل تعلِمي ، ماذا تريدنا أن نفعل ،فوقف بجانبي إمام المسجد ومؤذنه بارك الله فيهما وذكرا لي تفاصيل محزنه عن هذه العائلة التي تتكون من سبعة أطفال ومنزل ليس له من المنزل الحقيقي إلا اسمه فهو يفتقد إلى كل شيء ضروري للحياة الكريمة ثم تذكرت في هذه الأثناء نقاش قد جرى مع أحد كبار موظفي الشركات البترولية في أحد المجالس فقد كان يقرر في حديثه على صفة العموم بأن المتسولين في الطرقات وأمام المساجد ما هم إلا محتالين امتهنوا سرقة ما في الجيوب بالاستجداء والتسول ليثروا على حساب تلاعبهم بمشاعر المسلمين ، وبعد كثير من النقاش للحيلولة عن تعميم الحكم ، فلم يتحرك قيد أنمله عن رأيه المجحف ، وقد أنهى النقاش بالتحدي أمام جمع من الثقات أن يؤتى له بحالة واقعية تشهد بصحة وجود هذه النوعية من المتسولين المدفوعين للتسول بسبب الحاجة لا للإثراء على حساب الغير ، وهو سيتكفل بها حتى يرفعها من فقرها بتأمين مصدر رزق لها ، ورغم علامات الاستفهام والتعجب الكبيرة المرتسمة على وجوه الحضور ، إلا أنه أغلق النقاش عند هذه النقطة في حينه ، عند ذلك اتصلت به على الفور وعزمت عليه بالحضور لوجود أمرٍ يستحق ذلك ، وبعد حضوره دعيته لدخول ما يسمى منزل هذه الأسرة فشاهد بأم عينه الفقر المدقع التي تعيشه هذه الأسرة ، وشاهد الأطفال والزوج والزوجة وعلامات البؤس مرتسمة على وجوههم ، أولئك الأطفال الذين خط الفقر خطوطاً عريضة في نفسهم المكسورة والبريئة تلك الخطوط الكئيبة الجارحة للنفس البشرية ، قبل أن يرسم تواجده بالثياب البالية والوجه الحزينة معلناً عن تواجده وأنه مطنب في هذه الدار التي ليس لها من الدار إلى الاسم ، تلك الدار المتداعية التي تفتقد إلى كل شيءٍ من وسائل الحياة الكريمة، وبعد أن رأيت علامات الإمتعاض على وجهه والدموع تكاد تنفر من عينه لما شاهد ، حين ذلك شددت عليه ، وقلت له فيما قلت اتق الله يافلان وعلم أن مثل هؤلاء كثير في بلادنا ولا حول ولا قوة إلا بالله في ظل هذه الظروف المعاشة اليوم ، وإن لم يقف أمثالك مع هؤلاء حتى يأتي الفرج من الله ، فستجد من سيتعلق بك يوم القيمة ويقول ربي إن فلان أعطيته وأوجبت عليه أن يعطيني ليس من ماله ولكن من مالك الذي أعطيته فمنعني ، وجعلني أبات أنا وصبيتي جائعين ، وهو أبنائه شباعاً تارعين فاقتص لي منه ، فماذا سيكون جوابك يوم إذ ؟ ، والله إن ذلك الرجل الذي كنت أظنه يوم النقاش مكابرا معانداً ، قد سالت الدموع من عينيه وهو يردد لا حول ولا قول إلا بالله اللهم أغفر لي وأعني على البر بعهدي .
أخوتي أن كثيراً ممن عاشوا يتمرغون بنعمت المال لا يضنون أن هناك من يفترش الأرض ويتغطى السماء ويبات الليالي الطوال هو وأبنائه جائعين لا يحتكمون على قوت يومهم فضلاً عن غدهم ، فلذا من هذا المنتدى منتدى أهل الجود والكرم الحاتمي ادعوا لتبليغ هذه الرسالة لكل ذي مال وليعلموا أن في أموالهم حق لسائل والمحروم ، ولا ينفك هذا الحق عن رقابهم إلا يوم يؤدوه ، فإن منعوهم من هذا الحق فليعلموا أن هناك موقف مهول بين يدي الله يوم يقرأ عليهم كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها فوجدوا ما عملوا حاضراً بين أيديهم ، ففي هذا اليوم لن ينفعهم والد ولا ولد ولن يجدوا إلا ما قدمت أيديهم ، فلا تبخلوا ومن يبخل فإنما يبخل على نفسه .
اللهم هل بلغت .. اللهم فشهد ...
والسلام ...[/align]
المفضلات