[align=right]أخوتي اسمحوا لي أن أضع بين أيديكم ما جرى معي عصر هذا اليوم ..[/align]
[align=justify]فمن باب كسر الروتين توجهت إلى احد الأماكن التي تُقدم القهوة وهي القهوة التي ليست من فصيلة قهوة الظلماوي إلا باسمها ، على كل حال جلست وحيداً ، فلفت انتباهي أحد الرجال بالقرب مني وقد خط الشيب في عارضيه وتظهر عليه نعمت المال ، وهو يرتشف قهوته في عصر الجمعة ويتصفح إحدى المنشورات المتخصصة وقد وضع أمامه الحاسوب المحمول ، فانتهزت فرصة إعراضه عن ما بين يديه وفتحت معه حوار مُبسط من نوعية كيف الحال ؟ واليوم حار جداً ، واليوم هو من أيام الصيف الحقيقية ، ثم أضفت أن هذا الفصل خُص بالسياحة ، ثم حاولت إثارة فضوله لتوسيع رقعة الحوار وقلت أصبحت هذه السياحة باب من أبواب كسب المال لأهل المال فأصبحوا يهتمون بالكسب المادي ويعتبرون ما سوى ذلك أشياء ثانوية بما فيها الإنسان !! ،
عند ذلك أعطاني كامل إنتباهه ووجه الدعوة لي بالجلوس معه ، ثم وجه لي سؤال صريح جداً ماذا تريد أن تقول ؟ فاندفعت بالكلام دون أخذ النفس مدفوعاً بحبي لاستثمار هذه الفرصة لإيصال الرأي لمن هم معنيين ولو من بعيد به ، فليس في كل وقت تُتاح لي الفرصة بالحديث مع مثل هؤلاء ، فقلت أن كثيراً من أهل المال ينظرون إلى المشاريع أنها وسيلة لكسب المال وما سوى ذلك ثانوي مدفوعين بالحب البشري للكسب ولا أنكر عليهم ذلك ، ولكن أن يكون مدى كسب الرجل ومقدار رصيده وما يملك تكون هي المعايير لمقياس رجولة الرجل عند البعض منهم ، فهذا الغير معقول ، فيأتيك من يقول فلان رجل ، فإذا ذهبت تسأل فيما إسترجل فيكم فلان ؟ فيأتيك الجواب بثروته المالية ومكانته الاقتصادية !! فبأساً لهم ولإجابتهم التي تستدعي الازدراء ، فكثيراً من أهل المال وهم مشغولين باللهث وراء الكسب المادي غفلوا عن أخذ العضة والعبرة من قصة قارون التي وردت في أكثر من موضع في القرآن وعرضت بأكثر من قالب دعوة للتفكر والتدبر بها ، وأخذ العضة منها فقد كان موضوع الصراع هو المال مصدراً وهدفاً ومصرفاً وما أوضح رب العالمين من الأخطار التي نتجت عن الرأسمالية سواءً كانت فردية أو نظام حياة وأسلوب حكم ، وأول ما أوضح لنا من أخطار هو الظلم القاروني ( فبغى عليهم .. ) فالمتيم بالمال لا يهتم إلا بما يزيد هذا المال رقماً دون مبالاة بظلم مؤلم أو بغي مؤذي ، وفي ظل هذا الوضع تهان إنسانية الإنسان ويكون التعامل معه كالتعامل مع الأشياء ، وثاني هذه المخاطر الفرح ( إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين ) فلازمه حتى صار خلقاً له ، فبلغ به حد الأثرة والبطر كما يقول القرطبي أو بلغ الحد الذي ينسى المنعم بالمال كما يقول صاحب الظلال ، والخطر الثالث التوجه الكلي إلى الدنيا وحدها وهذا ما يستنبط بمفهوم المخالفة من قوله تعالى ( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ) فلا يفهم من هذه الآية أن ذلك دعوة إلى مقاطعة الدنيا فذلك يرده قوله تعالى ( ولا تنس نصيبك من الدنيا ) وابتغاء وجه الله بالعمل ومحض الإيمان .
فبعد إشباع شهوة التسلط القاروني بالبغي وإتراعها بالفرح وما في ذلك من مكسب إعلامي يجعل من صاحبه حديث المجالس والصحف والمجلات نصل إلى الخطر الرابع وهو الفساد القاروني ( ولا تبغ الفساد في الأرض ) وكلمة الفساد عامة تشمل أشياء كثيرة عددها بعض المفسرون ، لأن الشخصية المالية القارونية ليس في معجمها المادي مكان للأخلاق بل لا ترى بأساً أن يكون في مقتل الأخلاق فرصة لربح مثل العوائد ـ ولا أقول الفوائد ـ الربوية ونحوها من المكاسب الغير أخلاقية ، وهذه الأخطار الأربعة السابقة نتيجة منطقية لرأسمالية قارون التي تدين بالحتمية المادية وهذه نقطة تلاق مع الشيوعية التي تجحد قدرة الله في الإعطاء والمنع والفقر والغنى وترد ذلك إلى سلطان العقل وثمرة العمل ، فتبجح قارون ( إنما أوتيته على علم عندي ) يمثل الأبوة الروحية لكل منزع مادي ، وما دام قارون يعتقد ألا فضل لله في إيجاد هذا المال فليس له بالتالي حكم في مصاريفه وإنفاقه ، ورغم هذه العبر والدروس المدونة إلا أن كثيرا من المعنيين أعرضوا وأصموا أذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ، ما لهم لا يرجون لله وقارا ؟
وللأسف عند هذه النقطة تقدم له شاب بكل خضوع وذله ، معتذراً له أن عليه أن يذكره بموعد حان وقته ، فاعتذر وانصرف ، ولا أعلم إن كانت هذه المقاطعة متفق عليها لتخلص من هكذا مواقف أو لا . ولكن للحقيقة قد استمتعت بالحديث إليه لحسن إنصاته وعدم المقاطعة مفسحاً المجال لي بالحديث وبإسهاب . فلا أعلم هل أحسنت صنعاً أم لا .[/align]
[align=right]والله من وراء القصد ..
والسلام ...[/align]
المفضلات