[align=center]الصيدلانيات أكثر من الصيادلة لعدم وجود مناوبات ليلية في مختبر الأدوية والأغذية
خديجة مريشد من الرياض
14/05/2005
عندما كلفت بهذا الموضوع توقعت أنني سأذهب إلى مكان يماثل أقساماً نسائية أخرى يتشابه معها في الكثير من سماتها .. دخلت من البوابة الرابعة عشرة في مجمع الرياض الطبي متجهة إلى المختبر المركزي لتحليل الأدوية والأغذية التابع لوزارة الصحة، فوجدت شيئاً مختلفاً في حجم مسؤوليته وأسلوب عمله وطبيعة العينات التي ترد إليه. حيث تتجاوز مهام المختبر المركزي لتحليل الأدوية والأغذية ، الترخيص بعبور كل عبوة دواء تمر عبر منافذ المملكة الخارجية، إلى مجموعة واسعة من المهام التي تجعل من المختبر أحد أهم المراجع الطبية في المنطقة.
وفي المعمل رقم 207 في المختبر تعمل 4 صيدلانيات سعوديات وسط مجموعة كبيرة من الأجهزة الدقيقة في سكون لا يكدره سوى صوت أجهزة التحليل التي تتعامل مع عينات تحدد نتائجها مستقبل حياة الكثيرين الصحية، وربما القانوني عندما يتعلق الأمر بتحليل عينات تتعلق بالأدلة الجنائية.
الدكتورة هيا الجوهر رئيسة قسم الأجهزة المركزية والدراسات في المختبر المركزي للأدوية والأغذية والمسئولة عن 8 موظفين من بينهم 5 إخصائيين وصيادلة و3 صيدلانيات، تبرر الصمت المطبق على المكان بأنه يرجع إلى الاستماع لأي تغيير في صوت الأجهزة، وتقول ''لو تغيرت نبرة صوت أحد هذه الأجهزة فهذا يعني أن هناك مشكلة تتبع تحليل العينة.
وحول العلاقة بين صيدلانيات المختبر والأجهزة، تضيف الجوهر، أنها تتجاوز العلاقة بين المحللة وبين الجهاز تعمل عليه، بل تمتد إلى الرعاية والاهتمام الشديد بسلامة الجهاز والتحقق من بقائه في أمان من أي تلف أو ضرر لأي سبب كان. وتشير في هذا الصدد إلى ليلة ماطرة أفاقت فيها من نومها فزعة عندما توقعت أن أجهزة المختبر قد يصيبها ضرر في حال وصول المطر إلى كهرباء المبنى، مما سيؤدي إلى عطل الأجهزة التي تعمل طوال الليل، وبالتالي سيؤدي تعطلها إلى تعطل وصول الأدوية للمرضى الذين هم في أشد الحاجة إليها.
حكم شرعي يبنى
على العينات
وتستطرد الجوهر:الدقة والحرص عنصران أساسيان لنجاح عملنا، فجميع العينات التي نتسلمها تحتاج إلى اتخاذ قرارت يبنى على أساس نتائج تحليلها بعد مجموعة بحوث، منع تداول مستحضر دوائي أو خلطة، كما قد يبنى عليه اتخاذ حكم شرعي كالعينات التي تأتي إلى المختبر من أقسام الشرطة والسجون، حيث نجد بعد تحليل المستحضرات الدوائية أحيانا نسبة كحول أعلى من الحد المسموح به طبيا.
وتضيف: يعد المختبر المركزي، مختبرا مرجعيا لدول الخليج ولجميع مراكز ومستشفيات المملكة، كما يعد بمثابة بوابة عبور للأدوية التي تدخل إليها عن طريق المنافذ الأربعة لها، بحيث تخضع كل الأدوية حتى التي أنتجت عن طريق جهات لا تتبع وزارة الصحة منذ لحظة دخولها الأولى إلى بحوث اختبار الجودة بحيث تمر على أقسام المختبر المختلفة، وبعد سلسلة من البحوث المتواصلة يصرح لها بالتداول. ولا تقف مهمة اختبار الدواء على قبل التسويق فحسب، وإنما هناك اختبارات تخضع لها تلك الأدوية حتى بعد التسويق.
وعن خطوات سير العينة خلال الأقسام السبعة المكونة للمختبر المركزي ككل قالت الجوهر: تعتمد استراتيجية توجيه العينة إلى الأقسام السبعة المكونة للمختبر أولا على إدخالها في الحاسب الآلي عن طريق القسم الخاص بذلك، ومن ثم توجيهها إلى الأقسام المعنية بنوع العينة، في حين يقوم كل رئيس بإعطاء العينة للمحلل، حيث يقوم المحلل بفحصها فيزيائيا وكيمياويا وجرثوميا ومن ثم كتابة تقرير وتوصيات حسب نتائج التحليل، بعد ذلك يتم الحكم على صلاحية المستحضر بعد البحوث والدراسات.
أما عن قسم الأجهزة المركزية والدراسات الذي ترأسه الدكتورة هيا فاستطردت في حديثها عنه قائلة: يتكون قسم الأجهزة المركزية والدراسات من وحدتين أساسيتين وهما ''وحدة الأجهزة'' التي تحتوي على أحدث أجهزة التحليل الآلي و ''وحدة الدراسات'' التي ينتمي إليها فرعان: الأول خاص بمتابعة جودة الدواء بعد التسويق، والآخر يطلق علية اسم ''قسم البحوث''. وتشمل مهام هذا الفرع استقبال نوعين من العينات وهي: العينات التي تحول إلينا من الأقسام الداخلية للمختبر بحيث تصلنا محضرة ونقوم فقط بحقنها على الأجهزة المتوفرة لدينا لتزويد الأقسام الأخرى بالنتائج المطلوبة. أما العينات الأخرى فتكون واردة إلينا من الجهات الرسمية كالجهة الخاصة بالرخص الطبية وشؤون الصيدلة والمستشفيات التابعة للوزارة، وجهة التموين الطبي من مختلف مناطق المملكة، إضافة إلى هيئة الرقابة والتحقيق.
وحدة لمنتجات
العطارة والأعشاب
وتضيف الدكتورة الجوهر، منذ ما يقارب السنوات الخمس قمنا باستحداث وحدة أخرى في هذا القسم هي ''وحدة متابعة المستحضرات العشبية'' (غير المقننة) ويقصد منها المستحضرات والخلطات التي تباع عادة في محلات العطارة والمشاغل ولدى بسطات النساء وأحياناً في الصيدليات التجارية، وكذلك المستحضرات التي تسوق أحيانا عن طريق الهاتف. وما دفعنا إلى استحداث هذه الوحدة هو ما لاحظناه من إقبال الناس المتزايد على مثل هذه الخلطات والكريمات، والانجراف وراء تيار الدعايات الكاذبة، التي للأسف تروج عبر الصحف والمجلات دون التحقق من مصداقيتها، وعندما عرضنا هذا الموضوع على عبد الله الدريس وكيل وزارة الصحة للمختبرات وبنوك الدم، تقبله برحابة صدر وأوصى بتزويد القسم بالأجهزة الخاصة به.
وتطرقت الجوهر خلال حديثها إلى أمثلة عن حالات مرضية نشأت بسبب استخدام الخلطات والأعشاب العشوائية التي حللت من قبل قسم الدراسات والبحوث المركزية، وقالت: إن من بين تلك الحالات، شخص أصيب بنزيف في المعدة نتيجة استخدام ''الشب'' حيث أصيب رجل عمره 50 سنة بتقرحات شديدة في جدار المعدة من جراء استخدام مادة بلورية بيضاء لآلام الظهر، مما أدى إلى تفاقم الحالة وحدوث نزيف شديد في المعدة، حيث أدخل المريض العناية المركزة واتضح بعد التحليل للمادة أنها عبارة عن مجموعة أملاح أبرزها ''الشب''.
وتتابع أمثلة الاستعمالات العشوائية للمستحضرات، وتقول ''اكتشف المختبر أيضاً مادة تسببت في إصابة طفلة بصرع وتشنجات تبعتها حالة مجهولة لمدة يومين جعلتها لا تستجب خلالها إلى أي مؤثر خارجي، وبعد تحليل العينة المرسلة إلينا، تبين أنها عبارة عن مسحوق يحتوي على نسبة عالية جدا من الرصاص، وهو السبب الذي أدى لوصول الطفلة إلى هذه الحالة المرضية بعد استخدامها للمستحضر.
الخجل من تخصص الصيدلة
وحول ولوجها تخصص الصيدلة، أشارت الدكتورة هيا إلى أول يوم ودعت فيه مدينتها حريملاء، من أجل الالتحاق بكلية الصيدلة قائلة: رغم أن فراق والدتي التي كانت لي أبا وأما في آن واحد بسبب وفاة والدي عندما أكملت أول سنة من عمري، كان صعبا علي، إلا أن طموحي في الالتحاق بمجال الصيدلة جعلني أتحمل ذلك الفراق، ورغم عدم اقتناع والدتي بتخصصي في هذا المجال، إلا أنها لم تقف حائلا بيني وبين وصولي إلى رغبتي، لأنها كانت تحبذ دخولي مجال التدريس مثل أخواتي الأخريات.
وتضيف: مما يثير الضحك في هذا الأمر، أنها كانت ترى في التحاق الفتاة بهذا المجال عيبا، وكانت تجيب كل من يسألها عن تخصص دراستي هي (تدرس وبس) ظنا منها أن مجال الصيدلة لا يناسب البنات، ولم يقتصر هذا الأمر عليها فقط، بل شمل أخي الذي مكثت عنده طوال فترة دراستي في الرياض، حيث لم يرض تماما عن هذا القسم، وكان يردد على مسامعي باستمرار (لن تتزوجي إذا مكثت في هذا المجال) وفي كل فصل دراسي يسألني: متى ستحولين من هذا القسم؟ وأرد عليه: سأحول لقسم آخر في الفصل الدراسي الجديد. واستمررت على هذا المنوال إلى أن انتهيت وتخرجت وتزوجت، والآن لدي ثلاثة أبناء ـ ولله الحمد ـ وزوجي راض تماما عما أحققه من نجاحات، وهو من شجعني على استكمال الدراسات العليا والانتهاء من المرحلة الأولى من الدكتوراه، و لن أنسى فضل أخي الأكبر الذي كان يشجعني على مواصلة الدراسة والعمل في تخصص الصيدلة.
اكتساب لغة أجنبية
ومهنة مميزة
تجربة الصيدلانية دلال السعدون، كانت مختلفة تماماً عن الدكتورة هيا الجوهر، فوالدة دلال كانت السبب في تحولها من قسم الأدب الإنجليزي إلى الصيدلة، حيث تقول: لم تكن الصيدلة ضمن أولويات طموحي في بداية مشواري الجامعي، فقد كنت أرغب حين حصولي على الشهادة الثانوية في دراسة اللغة الإنجليزية مما جعلني اتجه مباشرة إلى قسم ''الأدب الإنجليزي''، لكن إصرار أسرتي وبخاصة والدتي على انتقالي من مجال أدبي إلى مجال علمي، دفعني إلى ترك هذا المجال، والالتحاق بتخصص الصيدلة رغم تخوفي منه في بادئ الأمر.
وتتذكر السعدون قائلة: ما يأتي في مخيلتي فور استرجاعي لتلك الأيام هي نصيحة أخي العالقة في ذهني حيث قال ''إذا تخصصت في الصيدلة ستجمعين اللغة ومهنة رائعة في آن واحد'' وبالفعل تكونت رابطة قوية بيني وبين الصيدلة فهي من أساسيات حياتي الآن، والفضل لله قبل وبعد كل شيء. و لم أتوان في نقل هذه النظرة إلى أختي الصغرى التي تخرجت في نفس المجال أخيرا.
وتشير السعدون إلى تدرجها في الخبرة أثناء العمل، وتقول: تدربت في كل أقسام المختبر المركزي في بداية حياتي العملية، ومما جعلني اختار هذا القسم هو تطبيق أغلب المواد التي درستها في الجامعة من خلال هذا المعمل، لذا وجدت في القسم روح الصيدلانية الحقيقية.
النصب لعلاج المسحورين
وعن المواقف الغريبة التي تعرضت لها أثناء العمل، تروي أنها حللت عينة تباع عند أحد مدعي العلاج بالقرآن الكريم، وأظهرت النتائج أنها تحتوي على نوع من الأعشاب التي تسحق وتوضع مع الماء فتؤدي إلى تهيج المعدة والقيء نتيجة وجود عشبة يطلق عليها (حوزة القيء) مما يؤدي إلى الغثيان، فيظن من يستخدمها بناء على نصائح المدعي بهذا النوع من العلاج أنه مسحور، وبالتالي يكسب من هذا التحايل تردد المريض عليه بكثرة دون أن يعلم انه وقع تحت عملية نصب.
أما منال العصيمي الصيدلانية ضمن فريق عمل المختبر، فأوضحت أن من أبرز العوامل المؤثرة على جودة الدواء والتي تدخلها ضمن عينات المشاكل، تتمثل في العيوب أثناء تصنيع المستحضر الصيدلاني أو أثناء تخزينه في ظروف غير مناسبة مما يؤثر على خواصه الفيزيائية والكيمياوية.
من : جريدة الاقتصادية[/align]
المفضلات