سقا الله.. أيام جدي..

[دعاء الخليج]

[frame="7 70"][glow=FFCC33]بسم الرحمن الرحيم

سقا الله أيام جدي..

"يامقنعة بالنيا .. كفي دموع العين..

كفي دموع الاسى عالخد سيالة"







"قال: مايفقد الرجال غير الرجال..!!"

"تدور الارض وتتغير وجوه الناس.. لكن يازمان الصمت ياعمري تدور الدنيا مهما تدور مايتغير الاحساس"

" يايوبا يلا انا واياك .. عالبر نزرع بساتين .. وازرع للغايب ثلاث وردات واسقينهن من مية العين"

"جتنا رسالة جرحت القلب جرحين .. قالوا حبيبك سافر من يوم الاثنين[/glow][/frame]

[دعاء الخليج]

[frame="7 70"][glow=FFCC33]من هنا..
من أمام المدفأة..
وقد أنتصف ليلي..
ونام كل من يستطيع النوم من حولي..
وكالعادة في غرفتي الرمادية
انا ووسادتي والقلم
هذا الثالوث المقدس..
أجلس محاولة رسم وجوه لاناس رحلوا عنا..
وأناس مازالوا يرحلون..
وأناس سوف يرحلون..

أجلس على الكنبة..
التي ربما سئمتني من كثرة جلوسي عليها..
ومن كتاباتي المبعثرة هنا وهناك
في أرجاء الغرفة..
التي غدت كأنها صومعة لراهب يتعبد..
او لوحة لرسام مازال يبحث لها عن لون..
او أنها سيمفونية تعزف بلا لحن..
او ماعاد لحنها يواكب العصر..!!
سئمت صمتي..
ولغتي بالكتابة..
وهذا القلم الذي بات يتحدث أكثر مني..
ويشكو كثرة أثقالي عليه..
بكل هذه الافكار..
والذكريات..
والكتابات الدامعة..
احيانا..
والمصدومة احيانا..
والمشتاقة على مدى الزمااااااااااااان..
ويزداد حمل قلمي يوما بعد يوم..
ولا أدري ..
كيف أداريه..
كيف أراضيه..!!
ليحملني حتى نهاية المطاف..
ويبقى يكتب..[/glow][/frame]

[دعاء الخليج]

[align=center][frame="7 70"][glow=FFCC00]ويؤنس وحدتي..
ويبث اشواقي الطاغية .. وحنيني المستبد..
لايام خلت..
أتوقع انها كانت جميلة..

كانت نقية..
فيها احاسيس كلها نبل..
في ذكريات كلها عفوية .. وحنية..

ومن بين صفحاتي..
التي اقدس تدوينها..
هذه الصفحة..
التي اعتبرها
الماضي
والحاضر
والمستقبل..
مهما تغيرت الحياة من حولي..
سقا الله ايام جدي..

اجل..
لقد كان حنونا..
كان يحن علي كثيرا..
فظروف ما.. شاءت ان أعيش في كنفه..
في طفولتي وبعض من ايام صباي..
ومازلت اذكر ملامحه..
تقاسيم وجهه.. القاسية شكلا..
ولكن مابقلبه أطيب بكثير.. بكثير..

كنت شقية..
غلباوية..
وحركتي كثيرة..
كأني مكوك .. او كرة مطاطية..
لم يقول عني.. الا جملة واحدة" انتي مش بنت عيشة"
لطالما سرقت له مسبحته.. وأخفيتها عنه.. وكنت بخبث ابتسم في سري.. عندما كان يبحث عنها..
ولطالما عبث له بمحطات المذياع.. واضعت له محطة لندن(اكثر الأخبار صدقا بالنسبة له") المذياع الذي كان من المحظورات على ابناء العائلة[/glow][/frame][/align]

[دعاء الخليج]

[align=center][frame="7 70"][glow=FFFF00]وحدي من كان يجرؤ على فتح خزانته الخشبية المثبتة بالخائط الحجري القديم. في جدران بيته العتيق ( العقد) اجل هكذا كان اسمه.. او القناطر..
كان بيتا كبيرا.. دافئنا بالشتاء.. باردا بالصيف..
لطالما كنت أطفيء السراج واشعله ثانية.. بحركات طفولية عابثة .. مازحة.. ومزعجة بعض الشيء..
فينهض كأنه يريد اللحاق بي.. فأغدو مسرعة.. كالبرق أمامه.. فيضحك بسره ويعود..
تعلمت الركض في صغري.. وكأني اعلم بأني سأبقى أسابق الزمن .. حتى يومي هذا..!!

سقا الله ايامك ياجدي..
ومازلت اذكر نهاية الاسبوع كيف كان بيته (مضافته) تعج بالضيوف والاهل .. وينشغل جميع شباب العائلة بخدمته وخدمة ضيوفه.. وعماتي يقضن النهار بتجهيز الغذاء واحيانا العشاء وانا كالجنية اتنطنط مابين مضافة الرجال ومحرم النساء.. اللواتي يتذمرن بسرهم من كثرة الاعباء الملقاة عليهن.. وهل يقوى احد على التذمر علنا.. يستحيل لا شاب ولا فتاة.. الكل يعمل بصمت.. كجنود بخدمة الانجليز!!
وحدي كنت متمردة.. جريئة.. كنت حبيبته.. والواسطة مابينه وبين شباب العائلة لتلبية مطالبهم.. كانت كلمته هي المفروضة لا كلمة ابائهم..
اذكر ان اكبر ابناء عمومتي منصبا ووظيفة كانت مهمته الرئيسية كل يوم جمعة ان يعنى بحلاقة ذقن جدي.. وترتيبه وتزيينه لصلاة الجمعة وكان يفخر بأن يركبه بجانبة بالسيارة والذهاب به الى المسجد المجاور، وكأنه يحمل بجانبه جوهرة لااحد يملكها.. اجل كان جدي مفخرة لنا.. كنا نتباهى ان لنا جد .. ونحبه كلنا ويحبنا ويحن علينا[/glow][/frame][/align]

[دعاء الخليج]

[frame="8 70"][glow=FFFFFF]ياسقا الله ايام جدي
كنا عندما يزورنا اصدقاءنا وخاصة في فصل الربيع لجمال بلادنا في هذه الايام.. فالشجر الاخضر يكسوه وتغمرها ينابيع المياه.. فكنا اول مانفعله نعرفهم على جدنا نأخذهم الى بيته..ولسان حالنا يقول: هذا اغلى مابحياتنا. اجل واثمن مافي وجودنا.. كنا نتباهي بجدنا.. ونعتز به .. اجل كم كانت جميلة كلمة جدي..
كان مضيافا.. رجل ذو حكمة.. ودراية بكل الامور.. وكان يرجع اليه في حل مشاكل البلد وقضايا الناس، كنت دوما أجلس قربه ويلقنني صك صلحة عشائرية.. او نص .. او حسابات.. او احداث.. او شروط جاهة..
فأساله: لماذا يوجد مشاكل بالدنيا ياجدي.. !!
فيجيبني بهدوء .. الكون بده يعمر يا يوبا..
فأصمت مثله.. واكتب مايريد..
مازلت احتفظ بدفاتره العتيقة واقلامه التي طالما احضرها لي لاكتب بها وكان يمازحني فيقول :لاتحمليني جميلة هذه الاقلام مني ؟؟ فاضحك واضحك من اعماق اعماقي..@@

سقا الله ايام جدي..
شاءت الاقدار ان اكون بعشيرة اغلبها ذكور.. فنشأت بينهم بثقة .. بحب مستقلة .. جريئة.. كانوا يحبونني جميعا.. ويعاملونني بمنتهى الذوق والاخوة الحقة التي باتت تغيب هذه الايام..
لا اذكر انه نشأت علاقات حب بين شباب وصبايا العائلة في الحوش الذي نعيش به.. الا بعض الحالات، والتي لم اكن اقنع بداخلي انها علاقات حب بمعنى الحب..
كبروا معا وتزوجوا وانجبوا.. بنفس المكان .. غادروا لفترة للدراسة والعمل ثم عادوا، لكنه لااعتقد حبا.. فالحب بمعناه الحقيقي.. معاناة وحرمان وشوق وهؤلاء لم يعانوا لم يشتاقوا فدوما معا..لم يسهروا .. لم يقلقوا.. قد يكون ولاء [/glow][/frame]

[دعاء الخليج]

[frame="7 70"][glow=FFCC00]وتعلقا ليس حبا.. ولكنهم مازالوا يعيشون بسعادة عادية جدا وروتين كالآخرين..
اذكر حين كنت المح بعض التصرفات والغمزات بعيونهم كنت اهددهم مازحة : سأفسد لجدي.. فيلحقون بي ويترجونني ويقدمون لي الرشوة ويأخذون عني مااوكل إلي من أعمال أسرية في ذاك اليوم..
كانت البراءة والسذاجة عنوانا لكل تصرفاتنا..
فلو كنا نعلم بأن الزمن سيقسو علينا.. لكنا شربنا ورضعنا طفولتنا.. وتغذينا عفويتنا وغمسناها بكل لقمة كنا نأكلها..
اه لو كنا نعلم..

سقاالله ايامك ياجدي..
اذكر انني كنت اكثرهم تقدما بدراستي.. وعندما احصل على علامات عالية بالمدرسة آتي الى جدي فيفرح ويزيد مصروفي وعندما كانوا يحصلون على علامات متدنية.. كان يرشقهم بكلمات قاسية ويقول لهم: (اصلا هذه العود.. هذه اللي تنفعني بمكبري.. هذه رفيقة شيخوختي..)
فيجيبوا بسرهم شو هالعود مش طالع من الارض.. كلها قد الكمشة) فنضحك جميعا.. ويبقى يضحك دون ان تظهر اسنانه .. حتى لا يعطيهم عينا عليه..

كان يأخذني معه الى الحقل (البر) ويعلمني مكايدة بهم كيف استعمل الخرطوشة( بندقية الصيد) (التي كانت اطول مني..وعود الحراث.. ونكش الجور حول
الاشجار.. وكنت احب كل شيء به.. اداعبه.. اركض امامه اتراقص له واغني له الحانا شعبية احفظها واحبها ومازلت ارددها.. وينبسط ويضحك ويردد معي بصوته الهادي الذي بالكاد يسمع..[/glow][/frame]

[دعاء الخليج]

[frame="7 70"][glow=FFCC33]ياسقا الله ايام جدي

اذكر انني كنت اخذ اوراقي الى بيته وكتبي واكتب واذا كتبت شيئا اقرأه له.. فكان يقول لي دوما: قلمك حر.. حزين.. لن يطعمك خبزا.. اكتبي كيفما تشائين.. ولكن ابحثي عن علم اخر تنتفعي به..
وكأنه يعلم بسره انه سيأتي يوما تكسر به كل الاقلام وتجف.. وتخرس الالسنة؟؟ وتسود صفحات الصحف..!!

كانت علاقته بشباب وفتيات الحوش علاقة جميلة .. حنونة.. عفوية.. كلها اوامر ولكن ننفذها بحب ورضا.. وكل منا يعلم المطلوب منه فلا يتقاعص عن اداءه..
كانت كلمته هي الفيصل والثابتة لا رجعة عنها

كبر جدي..
واصبح رجل مسن..
ولا ادري كلما انظر اليه..
تدمع عيناي..
اشعر بأن الفراق قد حان..
فأختنق بداخلي..
واتخيل بأن الجيل كله سوف يزول لو زال جدي..!!!
واخذ الشباب كل طريقه والصبايا..
منهم من تغرب..
ومن من عاد وعمل بوطنه
ومنه من لم يعد .. اخذته الاقدار...
( خاااااااااالد)
ومنهم من هاجر.. وقرر الا يعود
ومن تزوج.. وانشغل بأسرته..
ومن أصبح أناني لا يفكر الا بنفسه؟؟
ومنه من اتجه للسياسة فدمرته.. !!!
وكل هذا غصات في صدر جدي[/glow][/frame]

[دعاء الخليج]

[frame="7 70"][glow=FFCC00][move=up]سقا الله ايام جدي[/move]..
اذكر
حين اعود من عملي..
اعرج عليه على بيته
الذي أبى رغم كل عناصر التمدن التي وصلنا اليها .. أبى ان يهدم وأصر ان يبقى بيته كما هو .. واحترم الجميع رغبته بحب ورضا..
وعاش في بيته معززا مكرما.. الكل بخدمته الكبير قبل الصغير.. مع تمرد البعض (فلكل قاعدة شواذ)
كان ينادي الجميع بكلمة (يوبا)
اه يوبا.. ماأحنك..
مااجمل حروف اسمك..
اه لو تعود ايامك..
ياسقا الله ياجدي لو تعود ايامك..
علواه تعود ايام قبل..
وأركيلك الدلة
واجهزلكك القهوة عالنار..
علمنا جميعا كيف نتقن القهوة العربية

"حطي عالنار ياجدة .. حطي عالنار عيدان..
هات المهابيش والعدة .. لاسقي الغالي فنجان"
اه لو تعود لدلالاك ياجدي..!!
تعلمت كل شيء بصغري.. حتى الحب اتقتنه على رأي الشاعر بمنتهى الحضارة..
عشقت الغروب
احببت الخيل..
وينابيع المياه
والمشي بين الاشجار في طرقات البلدة الضيقة..
كنت بدوية بعاداتي وطبعي.. وحبي للحياة والطبيعة ومتحضرة بما احتاجه من الحياة من حولي
فأحسست اني كمن يتقن لغتين او يحمل جنسيتين والجنسية الام هي بداوتي..
سقاالله ايامك ياجدي..

كنا نخصص يوما بنهاية الشهر.. اخذ اجازة من عملي، فأخذه معي الى المدينة.. ليشتري حاجاته الخاصةويمر بطريقه على البنك والطبيب.. ويشتري لوازم للارض حسب الموسم[/glow][/frame]

[دعاء الخليج]

[align=center][frame="7 70"][glow=FFFF00]وكم كنت افرح حين اضع له حزام الامان.. حين يجلس قربي.. ليحفظه لي ويحميه ربي..
فنذهب بنهاية المطاف كالعشاق .. الى مطعم نتغدى معا.. فأقول له: (خليها علينا يازلمة.. يقلي اللي فيك مبخون خلاص المرة الجاية.. وكل مرة يقلي المرة الجاية.. ونضحك ..)
كان شباب العائلة يمزحون معه.. (ماانت لاقي غيرها تسلم روحك لها.. كيف تأمن على نفسك معها.. يقولهم الموت على يدها أرحم من جنونكم ياعيال.. هذا من كيدكم منها.. قصر ذيل منكم..ويقهرهم..ويرفع الباكور (العصا) بوجهم او يتصنع بأنه يرفع البندقية ليطخهم فيضحك الجميع .. ونضحك..)
كنت حين اتضايق..
او يحذوني حنين..
او أتالم ..
لاأجد الا بيته مسكنا لجراحي..
وصمته ونظراته مؤنسا لوحدتي..
كان حنونا ..
بطفولتي.. وأحن علي بصباي..
كان قليل الهرج..
كثير الصمت..
والفكر..
اسأله لماذا لاتتكلم.. لماذا تكتم مابداخلك..
وحين كان يتضايق أو يضايقه احد ..
كنت كالطير الذي سرقت فراخه..
اتخبط .. أجن.. اصرخ..
ولا أهاب احدا..
فطالما جدي حبيبي حزين.. اريد ان احرق الاخضر واليابس..!@!
المهم الا يحزن هذا الرجل العظيم
هذا الاب الروحي للجميع..
رغم تعلقي به..
الا انني كلما ذهبت لعملي..
كنت اودعه.. اللهم استودعك جدي..
فيرد علي: في وداعة الرحمن .. انتبهي لنفسك يوبا [/glow][/frame][/align]

[دعاء الخليج]

[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="white" bkimage="" border="outset,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
سقاالله ايام جدي..

وفي ليلة ماطرة..
من ليالي الشتاء الباردة..
غاب القمر..
وتجهمت السماء..
وتلبدت الغيوم..وأستعاد الرحمن أمانته..
(فكل نفس ذائقة الموت.. وكل من عليها فان.. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)
مازلت اذكر كيف اجتمعت حوله كل البلدة .. كل العائلة.. صغارا وكبارا ونساء ..
كان البيت يغص بالناس..
ويتسعهم جميعا..
كنت اجلس فوق رأسه أتلحف (فروته)
اصلا دقات قلبي لم تكن منتظمة..
فعندما تتسارع دقاتي.. كان يضع يده على صدري ويقرأ لي آيات قرآنية.. حتى تهدأ انفاسي..
وقتها أحسست أن قلمي سيبقى يدق بعنف.. بأسى..
على المدى.. ولن يتمكن جدي.. من القراءة علي ثانية..!!
صمت رهيب..
يخيم علينا جميعا..
حاولت ان أبكي..
فأبت دمعتي ان تنهمر..
رغم ان بكائي يوميا ودموعي جاهزة بأي موقف اتعرض له.. فطبعي حساسة منذ الطفولة..
نشفت دمعتي وقتها..
أفواج تدخل تودعه..
وأفواج تخرج مودعة باكية..
وقضى جدي..
كنت اشحده من عيون الشباب..
لسان حالي يقول:
"راح جدي.. راح عزوتكم.. راح عقيدكم"
راح من يلم شملكم.. كانوا يبكون لبكائي.. يبكون بقلوبهم الحزينة .. المؤمنة بقضاء الله ولكن فراقهم صعيب .. صعيب.. [/poem]