فاجأها رجل وهى نائمة فقضى وطره منها.. ولم تستطع المقاومة، ولم تقوى على صده، وكانت عذراء، فلم يمنعه ذلك من فعل الجريمة، ولم يحل بينه وبين ارتكاب المأثم.. ويا ليت الأمر وقف عند هذا الحد، بل لم تلبث أن أحست الجنين يركل خاصرتها.. وكانت قد أخفت الأمر، وانطوت على مضض خشية السمعة السيئة، وقالة السوء، وفرح أهله. أما الآن فسوف يفضح سرها بحملها، ويقع ما كانت تحذره لامحالة.. وفوق هذا فانها قد سكتت، ولم تخبر أهلها ما حدث.. والسكوت عن هذه الجريمة جريمة هى متهمة فيها بالرضا.. وما جزاؤها الا الموت من أهلها.. واذاً فهى في موقف حرج جدا. ماذا تصنع، ما المخرج؟!. هل غير أن تأخذ جرعة من السم المميت لتريح وتستر يح ؟!!. هذا ماعزمت عليه.. وقبل أن تقدم على التنفيذ رأت أن تخلو بفلانة _ احدى عجائز القبيلة_ لتخبرها بحقيقة كل ما حصل، وبما عزمت عليه، وفعلا خلت بها، وأفصحت لها عن كل شىء.. ولكنها لامتها كثيرا على عزمها على الانتحار، وقالت: ((سوف أرسم لك خطة تجدينها حلا لمشكلتك، انظرى في قومك الرجل الصموت، المؤدب، المجرب، ذا المروءة وانخوة.. وترقبى فرصة
تخلين به فيها، وأفضى اليه بسرك، واستصرخى نخوته.. فانه سوف ينقذك لامحالة)). وفعلا رأت هذه الأوصاف تنطبق على الرجل كل الرجل (أبى الميخ.) فألقت المشكلة في عنقه، وقالت عليك حلها.. فقال: أنا لها.. أنا لها.. !!. وفي اليوم نفسه تقدم لخطبة الفتاة من أبيها، فاستجاب لذلك، وبارك الخطبة، لأن الرجل كفء وأهل لها.. فقال أبو الميخ: اننى مستعجل جدا من أجل أننى أعد لسفر.. فأنهى موضوع الاعداد للعرس في يومين، وفي اليوم الثالث دخل بها.. وبقيت في كنفه وحياطته كزوجة، ووضعت حملها ذكرا ظل في حجر أبى لميخ كولده.. ولما كبر جعل يعانق أبا الميخ اذا ذهب هنا أو هنالك.
ومرة صادفه صاحب الجرم أبو الغلام.. فلم يكتف بجرمه الأول، بل قال لأبى الميخ: كيف الطريق الذى أتيت معه أما وجدته سهلا.. هو في الظاهر يوهم الحاضر ين أنها الطر يق الحقيقية.. وفي الباطن يقصد أخذه بكارة أم الغلام.. فقال أبو الميخ: هو لم يكن سهلا، ولكننى سوف أعمل من أجله عملا يملأ مسامع الناس جميعا.. وفعلا سطا على صاحب الجريمة وقتله، ونجا بنفسه مختفيا حتى كبر الغلام، وبلغ مبلغ الرجال.. فبعثته أمه يسقى فرسه، ووجد اخوان أبيه وأولاده على الماء، فتشجروا معه على أنه ولد أبى الميخ قاتل أبيهم، فقتلوه سدادا في دم أخيهم، وما علموا أنهم قتلوا الولد في دم أبيه !!.
وهكذا يشيع الخبر، ويعود أبو الميخ الى قومه وأهله وماله.. وتنتهى هذه المشكلة المستعصية.. بهذا الحل.. وتأبى نخوة أبى الميخ الا أن يقدم نفسه وأهله، وجميع مايملك في سبيل ما جعلته هذه الفتاة أهلا له.. وهكذا يفعل الرجال.
المرجع:
من احاديث السمر
تأليف الأديب/عبدالله ابن خميس
المفضلات