بين الشاعرين خليف الرقيبا الاسلمي الشمري و دعسان المطيري
في أحد السنين تجاور بعضاً من أبناء قبيلتي مطير وشمر
على أحد الموارد في الصيف . كما هو متعارف عليه
بين أبناء قبائل الجزيرة العربية فرغم المعارك الدائرة
بينهم إلا أنهم في مثل هذه الضروف يكونوا كالأخوة في بيت واحد
متناسين ماكان بينهم بالأمس وكان الشاعر دعسان بن حطاب المطيري
ضمن الحضور من أبناء قبيلة مطير وهو شاعر كبير في السن
وله شهره بين ابناء قبيلته والقبائل المجاورة .. وكان في قبيلة شمر
الشاعر خليف الرقيبا إلا أنه كان صغير السن ولا يعرف عن شاعريته أحد
إلا المقربين منه و الشاعردعسان المطيري نقلت له بعض الأبيات للشاعرخليف الشمري فقال لراويها: لمن هذه الأبيات فقال :هي للرقيبا خليف فقال دعسان: وأين هو خليف الآن فقالوا له : خليف هذا راعي لإبل فلان من شمر
فذهب الشاعر دعسان الى معزّب خليف ليطلب منه السماح له بمنازلته
امام النزل لعلمه أن الشاعر خليف بحكمة معزبه ولابد من أخذ الإذن منه .
فأتى الشاعر دعسان معزّب الشمري وقال له ماهو كثير ياجار
أنا سمعت أبياتا لراعي إبلك والأبيات طالعه من عين ماء
وأريد منك أن تعفيه غدا من السرح حتى أترادْ معه القصيد
لعلمي المسبق أنه سيعتذر بحجة رعي الإبل إن أنا طلبت منه ذلك .
فقال معزب خليف : يابن عِلوى ماهو لِدِيّنْ لك وخليف المذكور
ليس بشاعرمثلك ولكن لكونه هو الشاعر الوحيد بيننا
نقول عنه نحن أنه شاعر أما أن ينازلك فهو دون ذلك .
فقال دعسان المطيري :أنا لم آتي لأسمع منك هذه الأعذار ماأريده
هو إعفائه غداً من السرح أن أنت سمحت بذلك .
فقال الشمري معزب خليف : وجب يالمطيري وجب .
وفي المغرب حضر خليف من المرعى فأخبروه الخبر
فقال: الساعة المباركة بس عسى معزبي رضي فقالوا:
نعم رضي ووافق على ذلك
فحضر معزب خليف وقال: ياخليف لعنبو حيّك هذا دعسان
من شعارمطير ومشهور عند ربعه وعند أهل الجنوب
بشعره وعلم بأنك شاعر وحضر هذااليوم يطلب مني أني اقعّدك له
ووافقت على ذلك .ولكن إسِرْ أنت الليلة ولاتصبح عندنا
لكي نعتذر منه ونقول له أنك أضعت بعض الإبل وذهبت تبحث عنها .
فقال: خليف والله أما كانك متحسف على عطوى جارك
وأنا المذكور راعي وبحكمة معزّبه
فقال له معزّبه: لست متحسفاً
إلا أنني أخشى من أن يتغلب عليك هذا الشاعرأمام جماعتك
وجيرانك وأنت مازلت صغيراً وفي بدايتك
فرد خليف قائلاً : الخيل تركض بسعود أهلها
فرد عليه معزّبه بغضب قائلاً : ماوراء وجهك سعد
وما دمت مصرّ على المنازله فالشاعر المطيري يقول :
الوعد بيت ابن الجبعاءثم بعث للشاعردعسان من يخبره
بموافقة خليف على منازلته وإن الموعد بالغد
وفي صباح ذلك اليوم أخذ أهل النزل يتجهون الى بيت ابن الجبعاء
رجالاً ونساءً ليستمتعوا بما سينشده هذين الشاعرين .
وحينما اكتملوا اهل النزل
تساءل الشاعر دعسان قائلاً : وين شاعركم ياشمر؟
لماذا لم يحضر؟! فقالوا له : هذا هو شاعرنا واشاروا إليه
حيث أن الشاعر خليف حضر وجلس في وسط الناس ولم ينتبه له أحد
لأنه لم يكن بذلك الشاب النظر وليس معروفاً بشاعريته سِوى بين جماعته
فناداه الشاعر المطيري وقال له:
تعال يالشمري وأجلس هنا على هذا المركا فرد عليه برد الأديب المؤدب
وقال : أنا جلست في مكاني هذا والمركا لامطيّبن ولا مردينن
و قد جلس عليه منهو أحق مني به .
فقال له : على كل حال تدري بجمعا شمر ومطير اللي مثل عيون الحصن
على أساس إني أسلّيهم أنا وإياك بما أعطانا الله من شعر .
وحنا نتشرف بكلامكم يااهل الشمال ( وأنت نشوف صباك ولا ندري وش وراك)
فرد عليه الشاعر الشمري الشاب رداً مؤدب وبنفس الأسلوب قائلاً :
عليه مثل مابه وحنا بعد نتشرف بكلامكم ياهل الجنوب
(وأنت نشوف شيبك ولاندري وش غيبك)
فقال: المطيري عطنا مما أعطاك الله فرد الشمري الصغير
بكل أدب واحترام للشاعر دعسان المطيري الذي يكبره بالسن وقال :
مايقدّم حاشي وبالإبل جمل أقدم وانا وراك
فقال: المطيري ابركب لك قعود وتّوه مالود
فقال: الشمري اركب اللي تبي ماعلى خيّر اتخيّر
فقال: الشاعر دعسان المطيري :
النضو حاشي بي حشى أمه وناشي ...
له أهتواشي بي ضميره ولاجيب
وقم طلوع الشمس من هجر ماشي ...
ويحج بيت الله ويقظ المطاليب
بس الحمام الورق ناشه نواشي ...
ولا يلحقنّه مبهمات اللواليب
وقال الراوي : أن الشاعر خليف قال: يوم أن المطيري اركب لي على اللقاح
عرفت أن مقصده يبي يحول على الإبل كلها وليس من المعقول
أن أُرَكب له هرش أو فاطرفقلت له: ردها أي خليف يطلب من دعسان
رد الأبيات وحينما رد أول بيت قال خليف :قف واسمع الوارد :
راكب اللي مابعد شق نابه
ولاضربت أمه ولاعشرت به ولابعد جيب ...
أمه قزت من مبركه من جنونه
لاكن في دافي حشاها مشاهيب ...
لولا ضلوعه والقميصين دونه
خطير يركض ولابعد به تكاذيب ...
بانت فعوله قبل شقت عيونه
مدري ضروبه تيه أو نادعه ذيب ...
مار يامولدين النضو لاتعدلونه
نبي نعدل نضونا بالمشاعيب ...
ومع طلعة النجمة دفعته بهونه
والعصر في حايل يدور المعازيب ...
لأبن رشيد الشمري هو زبونه
اللي مضيفه جضته كنه السيب ...
اللي مداهيل الخطر يتبعونه
يما ذبح من كومانن به معاصيب ...
وجانا يبي المرواح يمشي بهونه
تحلف على خفه فلا جاه تكريب ...
فقال له المطيري: وين راح مركوبك عن هالسهال
فقال : الشمري ضاحكاً طفح بين السماء والأرض
فقال المطيري خذ الرد :
راكب من عندنا ولد الاطفق
ولد القعود اليا هفا ولد الأجنب ...
سفايفه من حدر بطنه تخافق
كالباشك اللي للمريعي تخطّف ...
لولاه يقصر بالتقاريص ويطق
يصف مع فرق القطا قبل يصطف ...
فرد الشمري :
أنا أحمد اللي جاب لي ولد الاطفق
من ساس هجن مالنا بغيرهن شف ...
عليه من رعي الخلا مايتشفق
سهواج ليلٍ للمماشي تلاجف ...
يشدي ظليم طالع العصر واسوق
لاشاف نقال التفق راح واهدف ...
من ركضه الأجبال قامت تصافق
ومن مشيه الأوطان قامت تواجف ...
ونهج قعودي مع مزونن تبارق
وهو جاك ذابل وهن عرقهن تناطف ...
وطلّيت مع الغيم وقمت اتهايق
لسلمى واجا مثل البسير المشلف ...
فرد المطيري :
راكب حرٍ إيتول اماته
ولد الهجين امذيرٍ وإيبوّع ...
اسرع من الشيهان حين أدلاته
والى ركض ولد الهجين ايروع ...
فرد الشمري على عجل ولماذا لم تقل :
وإلى مشا طق السماء بجمهاته
مركوب شيخ للدروب مطوع ...
حط سلمى واجا بخريجاته
وجاك به ولد الذلول مزوّع ...
ولط البحور ولابلّت لهاته
وقطع الاشجار وبات مجوّع ...
فرد المطيري ضاحكاً
يامطير عقّلوا حلالكم ابك قعود الشمري ذا قطع الماء والمرعى
وكانت هذه الأبيات هي خاتمة هذه المنازله بين الشاعرين دعسان المطيري وخليف الرقيبا الذي طيّب خاطر معزّبه وخاطر جماعته وجيرانه رغم صغر سنه إلا أنه استطاع بكل قوة مجارات الشاعر دعسان المطيري .
هذا النص منقول
المفضلات