[align=center]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه»[، ومالا يعني المرء قد يكون شيئا في خاصة نفسه كالمنهي عنه (الحرام والمكروه والشّبهة) وقد يكون في علاقته بالناس، وهذا الأخير الذي نقصده في كلامنا عن كف الأذى عن الناس.
ويدخل في هذا احترام خصوصيات الناس، وعدم التجسس عليهم، وعدم تتبع عوراتهم، وترك الخوض فيما لا ينفعك في الدنيا ولا في الآخرة، وأَوْلَى من ذلك ترك الخوض فيما يضرك فيهما. ولهذه القاعدة تطبيقات كثيرة يستطيع المرء أن يتتبعها بنفسه، وخير وسيلة لإدراك هذه القاعدة هي أن تسأل نفسك في كل قول أو فعل: ما فائدة هذا؟ فإن لم تكن له فائدة أو كان فيه ضرر فهو مما لا يعنيك.
والإشتغال بما لا يعني والتطفل على الناس غالبا ما يقترن بالتفريط في أمر النفس، وما يعنيها، ولذلك فهو علامة خذلان من الله تعالى للعبد، قال تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ}.
قال ابن رجب الحنبلي: [هذا الحديث أصل عظيم من أصول الأدب، وقد حكى الإمام أبو عمرو بن الصلاح عن أبي محمد بن أبي زيد إمام المالكية في زمانه أنه قال: جِمَاع آداب الخير وأَزِمَّته تتفرع من أربعة أحاديث: قول النبي صلى الله عليه وسلم : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» وقوله صلى الله عليه وسلم : «من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه» وقوله صلى الله عليه وسلم للذي اختصر له في الوصية «لا تغضب» وقوله صلى الله عليه وسلم «المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه» ومعنى هذت الحديث ـ «من حسن إسلام المرء ...» ـ أن من حَسُنَ إسلامُه تَرَكَ مالا يعنيه من قول وفعل واقتصر على ما يعنيه من الأقوال والأفعال، ومعنى يعنيه أنه تتعلق عنايته به ويكون من مقصده ومطلوبه ـ إلى أن قال ـ وإذا حسن الإسلام اقتضى ترك مالا يعني كله من المحرمات أو المشتبهات والمكروهات وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها، فإن هذا كله لا يعني المسلم ـ إلى أن قال ـ وأكثر ما يُراد بترك ما لا يعني حفظ اللسان من لغو الكلام ـ إلى أن قال ـ قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: (من عَدَّ كلامَه من عمله قَلَّ كلامُه إلا فيما يعنيه) وهو كما قال فإن كثيرا من الناس لا يعد كلامه من عمله فيجازف فيه ولا يتحرى ـ إلى أن قال ـ وقد نفى الله الخير عن كثير ممن يتناجى به الناس بينهم فقال {لا خَيْرَفِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}، ـ إلى أن قال ـ وروى أبو عبيدة عن الحسن قال: من علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه خذلانا من الله U. أهـ]
وكما ترى من الكلام السابق ومما ذكرناه في حديث «فليقل خيرا أو ليصمت» وفي حديث «حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، أنه يجب على المسلم أن يفكر جيدا قبل أي قول أو فعل ولا ينساق من هوى نفسه أو هوى صُحْبَتِه، فإذا فكر وعلم ما يجوز له ومالا يجوز، أقدم على بصيرة. وقد وصف الله تعالى أصحاب النار بأنهم {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}، بهذا تدرك نعمة العقل ونعمة التفكير. والنصيحة التي تقال هنا هي: فَكِّر قبل أن تتكلم، فَكِّر قبل أن تتكلم، فَكِّر قبل أن تفعل.
[/align]
المفضلات