مقال رائع لعبدالباري عطوان "
أمريكا والأمير عبدالله
هذا مقال رائع للكاتب الرائع عبد الباري عطوان . وهو منقول من أحد المنتديات .
تشعر الاسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية بحالة من الحرج تجاه استمرار وجود اكثر من خمسة آلاف جندي امريكي علي اراضيها، وبدأت تبعث برسائل مشفرة الي الادارة الامريكية تطالبها فيها بسحب هذه القوات بعد ان انتهت فترة ضيافتها، وباتت تشكل عبئاً سياسياً واخلاقياً من الصعب تحمل تبعاته الدخلية والاقليمية. الادارة الامريكية تلقت هذه الرسائل وفهمت مضمونها، ولكنها ليست بصدد التجاوب مع المطالب السعودية، وعبر عن هذا الموقف صراحة كولن باول وزير الخارجية الامريكي عندما قال امس ان الوجود العسكري الامريكي في الخليج هو هدف بعيد المدي وليس مجرد ردع مؤقت ضد الرئيس العراقي صدام حسين، وهو يمكن ان ينتهي عندما يتحول العالم الي الشكل الذي نحلم به . وتصريحات كولن باول هذه تعني امرين، كلاهما علي درجة كبيرة من الاهمية، الاول:
ان القوات الامريكية باقية الي الابد في السعودية ومنطقة الخليج وحتي تحقق الولاياتالمتحدة كل مخططاتها للمنطقة والعالم، والثاني ان هذه القوات لم تأت اساساً بسبب احتلال القوات العراقية للكويت، وحماية المملكة العربية السعودية من الرئيس صدام حسين، وانما أتت لتحقيق اهداف اقليمية ودولية أوسع. وما يشجع باول والمسؤولين الامريكيين الآخرين علي المجاهرة بهذه المواقف الاستفزازية اطمئنانهم الكامل الي غياب اي ضغوط عربية، رسمية وشعبية، لسحب هذه القوات وانهاء وجودها، وتبلور قناعة راسخة لديهم بعدم وجود شيء اسمه الرأي العام العربي. فالانسان الوحيد الذي طالب بابعاد القوات الامريكية من ارض الجزيرة العربيةوبلاد الحرمين هو الشيخ اسامة بن لادن، وبانتهاء المقر الآمن الذي كان يوفر له الحركة والمعارضة في افغانستان وتدمير تنظيم القاعدة الذي يتزعمه وتشتت معظم عناصره واعتقال او مقتل البعض الاخر، اصبحت الادارة الامريكية مطمئنة بالكامل علي وجود قواتها، وانعدام اي تهديد جدي لوجودها. والاكثر من ذلك ان الامير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد السعودي اجتمع بالعلماء ورجال الدين في المملكة وطلب منهم الابتعاد عن الغلو، ووقف الانتقادات للولايات المتحدة وتجنب اي احراج للمملكة في هذا الظرف الحساس. وقرأنا عن تشكيل هيئة سعودية به رسمية لاعادة النظر في المناهج التعليمية وتنقيتها من شوائب التطرف.
ہ ہ ہ
ومن المؤكد ان هذا الاطمئنان الامريكي لن يدوم طويلا، والتجاوب الرسمي السعودي للمطالب الامريكية التعجيزية في تغيير طبيعة المملكة ومناهجها ليس مفتوح النهايات، خاصة اذا وضعنا في اعتبارنا الدور المستقبلي الذي يمكن ان تلعبه القوات الامريكية المتمركزة في القواعد السعودية في حال توسع الحرب الامريكية علي الارهاب بحيث تشمل دولا مثل العراق وسورية وربما ايران ايضا. والمخططات الامريكية لتغيير النظام في العراق باتت معروفة، وتنفيذا بات مسألة وقت، والتحريض الاسرائيلي ضد ايران باعتبارها عش الارهاب لم يعد خافيا علي احد. وربما لا نبالغ اذا قلنا ان الحرب في افغانستان لم يكن هدفها الرئيسي تنظيم القاعدة وحركة طالبان، وانما البرنامج النووي الباكستاني اولا، والطموحات النووية الايرانية ثانيا. واي هجوم امريكي علي العراق سينطلق من القواعد الارضية والمياه الاقليمية السعودية بالدرجة الاولي. وقاعدة الامير سلطان في الخرج لعبت دورا رئيسيا في الحرب الحالية في افغانستان مثلما ما زالت قاعدة انطلاق للغارات الامريكية علي جنوب العراق بحجة حماية مناطق الظر الجوي. ولا نعتقد ان الحكومة السعودية راضية عن هذا الدور، وهي الدولة التي تحتل مكانة بارزة في العالم الاسلامي وتستضيف الحرمين الشريفين علي ارضها، ولا بد انها عبرت عن امتعاضها لاستمرار وجود القوات الامريكية علي اراضيها، وانطلاقها لضرب دول عربية واسلامية، وتعبيرها عن هذا الامتعاض هو احد اسباب الحملة الاعلامية الامريكية الشرسة التي تستهدفها هذه الايام. والاهم من ذلك ان الادارة الامريكية لا تريد ان تستخدم الاراضي السعودية لضرب دول اسلامية اخري فقط، وانما تمارس ضغوطا مكثفة عليها لتسديد جزء من نفقات هذه الضربت، والمشاركة في اعادة اعمار ما تعمل الغارات الجوية علي تدميره حاليا في افغانستان، وفي المستقبل في العراق.
ہ ہ ہ
الامير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد السعودي روي للسيدة مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية الامريكية في حينها، التي جاءت تطالبه بشراء صفقات جديدة من الاسلحة والمساهمة في تغطية نفقات الوجود الامريكي في الخليج، روي لها قصة معبرة، خلاصتها ان احد الرعاة البدو تذمر من هجمات يشنها احد الذئاب بين الفينة والاخري علي قطيعه من الغنم، فيظفر باحداها لسد جوعه، فنصحه مستشاروه بان يأتي بقطيع من لكلاب لحماية اغنامه، وابعاد الذئب عنها، وفعلا عمل بالنصيحة، ولم يقترب الذئب اللعين من الغنم ولكنه اكتشف بعد عدة اسابيع ان قطيعه بدأ في التناقص بشكل مريع، لأن كلاب الحراسة تحتاج الي اربع اغنام كل يوم لاطعامها، فقرر ان يتخلص منها، لأن التعايش مع الذئب أرخص واقل خسارة. السيدة اولبرايت ذهبت، وحل محلها كولن باول، ولكن الامير عبد الله ما زال في موقعه، ولا بد انه يتذكر حال ذلك البدوي مع كلاب الحراسة، ويتمني لو انه تعايش مع الذئب ولم يستمع الي مستشاري السوء ونصائحهم. فربما اكتشف ان التخلص من كلاب الحراسة ليس بالسولة التي يعتقد.
المفضلات