المرأة.. (تنجذب) إلى الرجل..!
د. محمد الحضيف
قبل مدة توجه لي، مع آخرين، بعض الأخوة من أصحاب التسجيلات، بتساؤلات حول تسجيل المحاضرات على أشرطة فيديو. تركزت الأسئلة، بشكل رئيس، على الأثر(العاطفي)،الذي يمكن أن يحدث من مشاهدة المرأة للمتحدث أو المحاضر.
السؤال تحديداً.. كان:
* هل يمكن أن يحدث إعجاب أو تعلق من قبل المرأة، عندما تشاهد صورة المتحدث أو المحاضر؟
الإجابة بـ (نعم) أو (لا) فيها تبسيط لحقائق معقدة، كما أن المسائل ذات العلاقة بالنفس البشرية، لا يمكن اختزالها بإجابات قطعية؛ بسبب أن النفس الإنسانية مركب بالغ التعقيد. لذلك.. آثرت أن أناقش الموضوع بتفصيل أكثر، على ضوء تجربة شخصية، وخبرة تراكمت مع الوقت، قارئاً .. ومتأملاً .. ومتفاعلاً.
تنحو العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة منحى شائكاً. وحيث إنه، عند تفسير العلاقة بينهما، لا يمكن تعميم حالة فردية، فكذلك.. لا يمكن الحديث عن (التأثر) و(التأثير) بين الطرفين، في ظل الظروف الطبيعية لكل طرف.
هناك أيضاً، مبالغة في النظر إلى المرأة، على أنها (كائن) سريع التأثر والانجذاب.. للطرف الآخر.. الرجل، دون مراعاة لـ (الظروف) النفسية، والاجتماعية التي تكون فيها. تغالي تلك (النظرة) أحياناً، في الموقف من المرأة، في الجانب المتعلق بعلاقتها بالرجل، حين تنطلق من نزعة (شك) في الأنثى، بصفتها جنس.. ميال بفطرته للخطيئة (!!)، وذلك بتأثير من أنماط ثقافية وبيئية (معينة). وهي إذ تفعل ذلك، عادة ما تضفي على سلوكها صبغة دينية، لتكسبه شرعية، وقبولاً اجتماعياً.
إن المرأة حين تقع في (إعجاب، أو حب، أو علاقة)، مع رجل، إنما يحدث هذا في ظل ظروف نفسية واجتماعية محددة، لها شروطها الموضوعية. تتحقق تلك (الشروط) ، بدرجات متفاوتة بين بيئة وأخرى، ومن مجتمع لآخر، بحسب نفوذ وسلطة الوازع الديني، والضابط الاجتماعي.. ومسائل العرف والتقاليد .
هناك تجربة شخصية، أحسب أنها ساعدت في فهم العلاقة بين الرجل والمرأة في جانبها العاطفي. لقد قمت بتدريس الطالبات في جامعة الملك سعود، من خلال الدائرة التلفزيونية.
في تجربتي تلك، حاولت أن أتجاوز دور المتفرج السلبي. كان يهمني أن أعرف عن هذا (العالم الغامض).. أن أدخله..أفك ألغازه.. ورموزه. لذلك، كنت متأملاً.. ومحللاً.. ومناقشاً.. وأزعم أني (اكتشفت) بعض جوانبه..!
تتفاوت مستويات وأنواع تأثر المرأة بالرجل وانجذابها إليه من امرأة لأخرى، حسب الظرف الاجتماعي والنفسي الذي تعيشه المرأة وتمر به. الحديث عن التأثر والانجذاب هنا، ينحصر في ذلك النوع الذي يتطلع، في المقام الأخير، إلى إقامة علاقة دائمة وشرعية، وليس ذلك الذي يسعى لعلاقة عابرة، تلبيه لرغبة.. بدافع غريزي أو شهواني .
تنجذب المرأة إلى الرجل، على أساس مما تفتقد. فالمرأة التي تعيش حرماناً عاطفياً، تميل للرجل (الرومانسي) الحالم. كما أن المرأة التي تتعرض للتجاهل وعدم الاحترام، تنجذب للرجل الذي تشعر أنه يقدر المرأة ويحترمها. قد يكون مفاجئاً أن تكون الجاذبية ( الشكلية) هي الأقل، في العلاقة بين الرجل والمرأة. فالرجل الجميل أو الوسيم، قد يلفت انتباه المرأة، لكنها لا تنجذب إليه، أو بتعبير أدق.. لا تتعلق به، إذا كانت علاقتها جيدة بزوجها (في حال المتزوجة)، أو تعيش في بيئة رجالية تحترمها (إخوانها.. والدها) في حال المرأة غير المتزوجة.. لكنه قد يمثل لها (أنموذجاً)، من حيث الشكل والمظهر فقط، (تعجب) به، كسلوك فطري لدى الناس كلهم، من حيث ميلهم للجمال، سواء تمثل في البشر أو الطبيعة.. بل حتى الجمادات.
يمكن تلخيص تأثر المرأة بالرجل، على ضوء تجربة التفاعل المباشر، من خلال إلقاء المحاضرات.. التي أشرت قبلاً إليها، أو التفاعل (غير المباشر)، حين تدفع ظروف ما، المرأة في طريق رجل، بغير ترتيب مسبق.. وذلك في عدد من الجوانب هي:
1- الشكل الظاهري ..
التأثر بهذا الجانب يتعزز أو يقل، حين يتوفر للمرأة معرفة أكبر للجانب النفسي للرجل، وطبيعة شخصيته. فمن خلال معرفة المرأة لأخلاق الرجل، وسلوكه، وطريقة تعامله.. تميل إليه، أو تنفر منه.
2- المركز الاجتماعي..
تتطلع غالب النساء للرجال ذوي الشهرة والمكانة، كنوع من إشباع الذات، والرغبة في الاستحواذ على نوع من السلطة والنفوذ، اللذين يقترنان عادة بالمكانة والمركز الاجتماعي. كما أن الوفرة المادية، ترتبط في الغالب بعلو المكانة الاجتماعية.
3- الصوت.. وأسلوب الكلام وطريقته..
بعض أصوات الرجال تمثل للمرأة شيئاً جذاباً.. ومغرياً، ومثيراً.. كما تفتن بعض النساء بالطريقة والأسلوب الذي يتحدث به الرجل، من حيث طريقة الإلقاء، وصياغة العبارة، واختيار المفردات واطراد الحديث.. والثقافة الواسعة.
يبقى أن نقول إن حالات تأثر المرأة بالرجل وميلها إليه في ظروف التفاعل (المباشر)، مثل العلاقة الشخصية المباشرة.. أو عن طريق الدائرة التليفزيونية، أو التفاعل (شبه المباشر)، كما هو الحال في المحاضرات المصورة، تتطلب وجود أوضاع وظروفٍ نفسية واجتماعية معينة لتحدث، كما تمت الإشارة سابقاً. كذلك فإن القول بحدوث التأثر، ليس حكماً عاماً، ومسألة قطعية.. لأن المرأة ليست (سطحاً) عاكساً، ولا (جسماً) حساساً يلتقط كل ما يقع عليه.. و(يتفاعل) معه.
بشكل عام، لا يحدث التأثر لدى الإنسان، رجلاً كان أو امرأة، إلا حينما يمر في وضع نفسي يكون فيه غير راض عن نفسه، أو(البيئة) المحيطة به. في مثل هذه الظروف يكون مهيّأً للاستجابة لأي (رسالة).. تعده بوضع أفضل مما هو عليه، ويتعلق بأي شخص.. يظن أن لديه (خلاصاً) من الوضع الذي هو فيه، الذي يظن أنه لا يفي بالحد الأدنى لاحتياجاته النفسية والعاطفية.. وربما المادية.
ولأن الناس ليسوا كلهم كذلك، أي ليسوا جميعهم أوضاعهم العاطفية والاجتماعية (لاتعجبهم)، فانه لا يمكن تعميم (علاقة) التأثر والتأثير هذه، التي ذكرت أنها تتطلب أوضاعاً نفسية واجتماعية (مأزومة).. ولأن الأفراد (رجالاً ونساء)، أوضاعهم النفسية لا تبقى على وتيرة واحدة في كل مراحل حياتهم، فإنه لا يمكن التنبؤ (متى)، أو في أي لحظة نفسية، يكونون مهيئين لتقبل (رسالة) معينة، أو (التأثر) بشخص معين.. بسبب (تأزم) أوضاعهم النفسية، كنتيجة لعدم رضاهم عن ظروفهم العاطفية والاجتماعية.. أو المادية.
على ضوء ما سبق، تبدو عملية التأثر، بشكل عام، مرتبطة بثلاثة أبعاد:
الأول:المتحدث..
وما يملكه من عناصر (جذب) ظاهري.. الشكل، الصوت، طريقة الحديث، المركز الاجتماعي.. فهو هنا يمثل دور (المخلص)، الذي يظن (المتلقي) أن لديه واقعاً أفضل، وقدرة في الوقت نفسه، على (إسعاده) بضمه إلى عالمه.
البعد الثاني:مضمون الحديث.. أو الرسالة..
وما يمثله ذلك من (أمل).. أو واقع يتطلع إليه المستمع، ويطمح أن يحصل عليه، مقابل الواقع الذي يعيشه، ويعتبره سيئاً، ولا يفي باحتياجاته ( عاطفياً.. واجتماعياً). هنا يكون ذلك المضمون.. بتفاصيله، هو (النموذج) الذي يتمناه، ويسعى ليصل إليه.
البعد الثالث: الحالة النفسية التي يكون عليها المتلقي..
ففي حالات الضعف، والتأزمات النفسية، التي تفرضها البيئة المحيطة، العاطفية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، يكون الإنسان مهيّأً بشكل كبير للتأثر بآخرين بسبب من مظهرهم.. ومضمون كلامهم، وطريقة حديثهم.
بقيت نقطة أخيرة..
استفدتها من تجربة تدريس الطالبات تحديداً..!
لماذا تتعلق المرأة بالرجل.. المتحدث، أو المحاضر؟
تحتاج المرأة إلى من يتحدث إليها.. يصغي لها.. يسمع معاناتها، ويقف إلى جانبها..!
سأحاول أن أعود إلى هذا الموضوع في فرصة قادمة.. إن أسعف الوقت، وارتاحت الروح.. وسكنت النفس.
المفضلات