السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



خطبة جمعة عن التربية ومسؤولية البيت والأسرة بعنوان ( أنت تحكم دولة )
حائل – جامع الواكد – عبدالله بن فهد الواكد ( 4/ 11/ 1422 هـ )

ايها الاخ المسلم الحبيب ، أيها الوالد الوقور ،
هل تعلم أنك تحكم دولة ، وترعى مصالح أمة ، وتعنى بشؤون بشر ،
انت تحكم دولة ، وتدير شؤون أمة ، إنها الدولة ، التى تملك زمام السلطة فيها ، ولا تخشى ان ينازعك على عرشها أحد ، الا ان تموت فيرثالحكم ذريتك ، بل لا يسوغ لأحد أن يحكمها بدلا منك ، إنها الدولة ، التي حققها لك شرع الله ، وحفظ لك شرعية التصرف في شئونها ، فهل أنت قادر على رعاية مصالحها ، وادارة شئونها ، وتصريف أمورها ، فياله من ملك عظيم ، لو تأملناه ببصائر الرشد واليقين ، ويالها من دولة عظمى ، لو نظرنا اليها بعين الشرع والدين ، ويالأمتها من أمة ، لو أرضينا بتربيتها رب العالمين ، تتطلع الانفس ، الى ذلك الملك العظيم ، الذي حظي به ملوك الدنيا ، وترنو الابصار ، الى تلك الامم ، التى دالت ثم زالت ، فكأنما هي أساطير الأولين ، أمم وشعوب وقبائل، ملوك وسلاطين ، أمست كحلم ليل ، مضت وانقضت ، ولم يبق سوى الاثر والذكرى ، فعفى الله عن أمة ، مضت بالخير وتركت الخير ، فما أعظم شأن ما قدمت ، وما أعلى مقام ما تركت ، فكأنها تعيش بيننا بطيب ذكراها ، وكأن الدهر ابى أن يتناساها ، يدعوا لها من عبقت روائح ذكراها بين يديه ، وتتزاحم من ألم فراقها المدامع في مقلتيه ، ولعل أوج الكمال ، ولذيذ المقال ، يقفان بنا ، على ربى أعلى القمم ، وخير الامم ، أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، التي شرف الله قدرها ، وأعلى ذكرها ، فما ترادفت السنون ، على سماء خير من سماها ، وما تزاحت الايام ، على أرض خير من أرضها وثراها ، وما احتدمت الليالي ، حول برية ، خير من محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته ، ولا أمة خير من أمته ، محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي أحيا الله به القلوب الميته ، وشرح به الصدور المنقبضة ، وأنار به داجيات المسالك ، وأزال به مرعبات المهالك ، ونشر به الدين ، وفرض بهديه شريعة المسلمين ، وانطقه بالوحي المبين ، فقال ذو القوة المتين ( وما ينطق عن الهوى * ان هو الا وحي يوحى ) ، ذلكم الراعي ، وتلكم الامة ، لن تحلم الدنيا بمثلها ، ولن تقل الأرض خيرا منها ، ولن يشنف المسامع ، أطب من سيرتها ، ليس لأن منها ابوبكر وعمر ، وعثمان وعلي ، وسائر أهل الصدق والايمان ، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، المربون والمؤدبون ، والمعلمون والفاتحون ، رضي الله عنهم أجمعين ، فكيف كان هؤلاء العمالقة ، قبل ان تبزغ في سمائهم شمس الاسلام ، أولم يكونوا ضلالا يعبدون الحجر والشجر ، أولم يكونوا جهلة يقتل بعضهم بعضا ، أولم يكونوا عالة يسلب بعضهم بعضا ، فلما شربوا من نبع الدين المعين ، وتنفسوا من هوائه الصافى ، صاروا شموسا ، تمحوا آية الليل ، وتجعل آية النهار مبصرة ، دكوا المعاقل ، وسحقوا الحصون ، ومضو يسابقون الشمس ، ينشرون الدين حيثما أشرقت ، ويطوون زرابي المنكر والضلال حيثما غربت ، وإلا ، فهل نفع أبا لهب نسبه ، وأبا جهل منصبه ، وأمية ماله ، بل إن الله عز وجل ، قد بين ذلك في محكم كتابه ، وبحق من أحسن خَلقَه ، وحسن خُلُقه ، فقال سبحانه ( وإنك لعلى خلق عظيم ) ، محمد صلىالله عليه وسلم ، لم يكن شيئا قبل هذا الدين ( ألم يجدك يتيما فآوى * ووجدك ضالا فهدى * ووجدك عائلا فأغنى ) ، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( أدبني ربي فأحسن تأديبي ) ، هذا الدين ، هو ذلك الدين ، آياته وأحاديثه ، تعاليمه وتوجيهات ، لكنك لم تحكمه في دولتك ، ولم تعتمده في تربيتك .
أنت تحكم دولة ، هي أعظم من أي دولة في الدنيا ، لان الشعب في هذه الدولة ، هم فلذات كبدك ، هم أولادك وبناتك ، أنت تحكم دولة عظيمة ، لا بمساحتها ولا بموقعها ، فلربما لا تتجاوز مساحتها مئات الامتار ، لكنها هى المرتكز الاساسي لدولتك ، والوحدة الصغرى لبلدك ومملكتك ، في هذه الدولة التى تحكمها ، ينبت غراس الوطن ، وتتأصل جذور الامة ، ويوضع حجر الأساس ، واللبنات الأولى لوطنك وأمتك .

أيها الاخ المسلم الفاضل ، أيها الوالد الوقور : إن هذه الدولة التي تحكمها، هو بيتك ، الذي فيه أسرتك ، أولادك وبناتك ، أخوتك وأخواتك ، نعم إنها الدولة ، التى أمرك الله بحكمها ، فقال سبحانه ( الرجال قوامون على النساء ) وقال سبحانه ( قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة ) وقال سبحانه ( واْمر أهلك بالصلاة واْصطبر عليها ) ، إنها الدولة ، التى امرك الرسول صلى الله عليه وسلم ، برعايتها فقال ( كلكم راع وكل مسئول عن رعيته ) وقال ( كفى بالمرء اثما ان يضيع من يعول ) ، إن بذلت في إصلاحها ، وتفانيت في سبيل إستقامتها ، فأنت تخدم دولتك ، وتضحي في سبيل دينك وأمتك ،وتتفاى لأجل وطنك وبلدك ، إنك تقف على البوابة الاولى لهذا الوطن ، فمن أي عرين يا ترى ، يتخرج أسود الامة ! وفي أي عش يا رعاك الله ، يتربى صقور الوطن ! أوليسوا في بيتك ، أوليسوا في أحضان دولتك ، أرأيت كم أنت في غاية الاهمية ، أرأيت كيف أصبح بيتك دولة ، أرأيت جسامة المسئولية ، الملقاة على ظهرك ، أرأيت أن البيت ، ليس للاكل والشرب ، والجلوس والنوم فحسب ، إنما هو للتربية ، إنما هو للتوجيه ، إنما هو المصنع الحقيقي لسواعد الوطن ، إنما هو لإصلاح تلك المضغة ، التي بصلاحها ، يصلح سائر الجسد ( ألا ان في الجسد مضغة ، اذ صلحت ، صلح الجسد كله ، واذا فسدت ، فسد الجسد كله ، الا وهي القلب ) ، إن دولتك ، التى تدير شؤونها ، وترعى مصالحها ، فيها ما في عظميات الدول ، من معطيات ومقومات ، وعليها ما على كبار الدول من واجبات ومسؤوليات ، ففيها شؤون دينية ، كمتابعة الاولاد في حفظ القرآن والسنة ، ومتابعة من يتخلف عن الصلاة ، وتعليمهم العقيدة الصححيحة ، والمنهج السليم ، وحمايتهم ، من الانحرافات العقدية والفكرية ،وفيها شؤون داخلية ، كالتعليمات والتوجيهات الأسرية ، وفيها شؤون خارجية ، علاقتك بالأقارب والجيران ، قال النبي صلى الله عليه وسم ( لا زال جبريل يوصيني بالجار ، حتى ظننت أنه سيورثه ) وفيهاشؤون أمنية ، كحفظ الامن في البيت ، وابعاد الأشياء الخطرة عن متناول الاولاد وفيها شؤون صحية ، كمتابعة الادوية والعقاقير ، واتلاف ما انتهت صلاحيته منها ، ورصدها وجردها ، وتوفير الاسعافات الاولية ، وفيها شؤون اقتصادية ، كترشيد الاستهلاك في الماء والكهرباء ، وفيهاشؤون مالية ، كالتوفير ، وتجنيب الاسرة معمعة الديون ، وفيهاشؤون تعليمية ، كالكتب والبرامج النافعة ، وتنظيم مكتبة المنزل ، وغير ذلك ، مما يطول الكلام بذكره ، وتجدر الاشارة اليه ، ولا بأس ان تلد أبنائك وبناتك ،شيئا من هذه المناصب ، وتضع كلا في المكان المناسب ، ثم تغير هذه المناصب ، فيما بينهم ، بين فترة واخرى ، وذلك لامرين :
أحدهما ، رفع الملل والسآمة عنهم ، والاخر ، معرفة قدراتهم وميولهم ، لتوجيههم اليها ، في الدراسة والتعليم ، فكم أيها الأخوة المسلمون ، كم من طالب فشل في دراسته ، لان هذه الدراسة ، وذلك التخصص ، لم يلامس هوى الطالب ورغبته ، ان من مشاكل الدولة ، التي تدير شؤونها ، وتتحمل مسؤوليتها ، أنك مسؤول ، ولكنك لا تعرف حجم هذه المسئولية ، ولا حدودها ، مشكلتنا ، ان لدينا صلاحيات ومسئليات ، فنظلم بالصلاحية ، ونجحف في المسئولية ، ثم لا نرضى بعد ذلك ، لشفة ان تنبس بانتقاد ، ولا لفم ان يتفوه بعتاب ، سواء من أم ، أو أخت أو بنت ، أو زوجة أو ولد ،

أيها الأخوة المسلمون :
ان بيوتنا ، يغلب عليها الطابع العشوائي ، أن المطبخ على المرأة ، والمقاضي على الرجل ، فسبحان الله ، كأن البيت مشروع تسمين فقط ، وأما الباقي ، فهو متروك للاجتهادات العشوائية ، ان بيتك امتداد للأمة ، ولا بد لآثار تربيتك ، أن تسيح على الرصيف ، وتخرج الى الشارع ، سواء كان سلبا أم إيجابا ، إنك بحسن تربيتك لأسرتك ، تسهم ف إدارة شؤون الأمة ، فهلا بدأنا في تنظيم شؤوننا ،
عبادالله :
إن المتأمل لمتاعب التربية ، وإدارة شؤون البيت والأسرة ، وما في ذلك من مسؤوليات ، وما ينجم جراء ذلك من مشاكل ، وخصومات أسرية ، وإن المتأمل لما يقع بين الجيران أحيانا ، من توتر في العلاقات ، فيكون لرب الأسرة ، الدور الكبير في احتوائها ، ونزع فتيل الشر منها ، ليعلم كم يعاني ولاة الأمر حفظهم الله ، في هذه البلاد الطيبة ، من مسؤوليات جسيمة ، وهموم عظيمة في سبيل توطيد الأمن ، ونبذ الفتن والخلافات ،
أيها الأخوة المسلمون :
جل ما تعانيه الدوة ، سدد الله على الحق خطاها من مشاكل اجتماعية وأمنية ، وما يكلفها الجهد الجهيد ، في سبيل تقويمه وإصلاحه ، غالبه خلل أخفقنا في إصلاحه ، وثغرات تهاونا في سدها ، حتى تفاقم الامر ، وطغى الماء ، فلم يجد معه حمل في الجارية ، ان هذا البيت ، الذي تلوي أزمته ، وتمسك بخطام الامر والنهي فيه ، لم يكن ليستوعب فضول وقتك ، وصبابة يومك ، لتفرغ فيه عواطفك المشحونه ، باظطراب الحياة وصخبها ، وتلاطم امواج البيع والشراء ، والاخذ والعطاء ، فتأخذ اولادك ضربا وشتما ، وتجيب على استفساراتهم ظنا ورجما ، مهلا عبدالله ، ورويدا أصلحك لله ، الحلم الحلم ، والأناة الأناة ، فما سألوك إلا لجهلهم ، وما طلبوك إلا لحاجتهم ، وما ترقبوا مجيئك ، إلا لأنك القدوة ، التي زرعها الله في نفوسهم ، إلا لأنك الأسوة التي أودعها الله في قلوبهم ، كيف يسوغ لك وأنت تراقب مشاكل الأمم ، وخصومات الدول ، على شاشات الفضائيات ، وفي وسائل الإعلام الأخرى ، فتذهب في معامعها ، تنقد وتفند ، وتعاتب وتلوم ، قد نصبت نفسك خبيرا في السلوك ، مستشارا في شؤون الدول ، تقول المرئيات ، وتدلي بالافتراضات ،
ياأخي : دولتك الصغيرة ، بيتك وأسرتك ، بحاجة الى خبرتك في هذا المجال ، بحجة الى هذه العقلية ، وهذه النفسية ، وتلك الفلسفة ، فإلى متى التفريط .
هاؤم أبناؤك ، هاؤن بناتك ، كفراخ الطير ، عطشى لكلامك ، ضمأى لمداعبتك وسلامك ، متلهفون لجلسة عن يمينك وشمالك ، وخلفك وأمامك ، النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة يحمل الصبية أمامه ، ويداعب الحسن والحسين ، ويدعوهما الريحانتين ، يقبل الصغير ويحتضنه ، اين نحن من هدي الدين ، وأخلاق سيد المرسلين ، اذا استيقظ احدنا من نومه ، ونقت نفسيته ، وصفت احاسيسه ، جعل هذه العصارة الصافية ، في مجالس الاصحاب ، ومنتزهات الشبة والاحباب ، ينفقها في القل والقال ، والتمشي والتجوال ، والسمر والحديث ، بالسمين والغثيث ، فاذا فرغت شحنته ، وسعى الى جسده الارهاق ، وطفح رأسه بأحاديث الزملاء والرفاق ، عاد الى بيته ، فاذا باكوام من الحاجات ما قضيت ، وأرتال من المصالح ما أنهيت ، واذا بذاك يبكى وذاك يحكي ، وذاك يشكى ، فنهرهم نهرة يسمعها الجيران ،ساد البيت بعدهاسكون وهدوء ، يحمل في طياته :
انت المؤدب ؟ بئس الخلق لأدب
أنت المعذب يامن اسمك التعب
انت الذي نرتجي يوما تقومنا
ما قوم الناس في اخلاقها الصخب
انت الذي يغبط الجيران أسرتنا
لأن فيه لنا ياحسرتاه أب
انت الذي لا أخال الدهر يحرمنا
رؤياك يوما فنحن اليوم نغترب
تأتي الينا كئيبا منهكا تعبا
أبقيت نفسا على الأولاد تضطرب
هلا بقيت مع الاصحاب تؤنسهم
أم جئتنا بعدما الاصحاب قد ذهبوا
اعطيتهم بسمة غراء ضاحكة
وجئتنا بجبين ملؤه الغضب
أين الدروس التي بالأمس تدرسها
أين التخلق والتعليم والأدب
أين الأمانة هل ضاعت رعايتها
أم أنها قد تهاوت فوقها الشهب
ان أضرمت في فؤاد البيت جائحة
نار الضياع ، تذكر أنك الحطب
اللهم أصلح قلوبنا وبيوتنا ، وقا شر أنفسنا والشيطان ، أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا اليه ، انه هو الغفور الرحيم ...

الخطبة الثانية :

اما بعد أيها الاحبة في الله :
فهل آن الأوان ، لأن نأخذ الموضوع بحزم ، ونحمل الأمور محامل الجد ، فان البلاد بحاجة اليكم ، بل ان بيوتكم بحاجة اليكم ، وأبناؤكم في أمس الاضطرار لكم ، ان أمن هذه البلاد واستقرارها ، ورقيها وحضارتها ، يعتمد بالدرجة الأولى على سلامة التربية ، واستقامة المنهج ، الذي تذرع فيه الفلذات وتباع ، بل ان الله عز وجل ، قد حملك مسؤولية بيك واسرتك ، دولتك الصغيرة ، التي وكل اليك شأنها ، فكم من شاب وفتاة ، انحرفوا بسبب ضياع المربي ، وغيبة الولي المصلح ، فصاروا عبئا ثقيلا عليك وعلى الامة ، ومصدر تعب وشقاء ، وعناء وغمة ، وكم من شاب وفتاة ، دأب عليهم وليهم ، تأديبا وتهذيبا ، فصاروا نماذج في الاستقامة ، والعفة والشهامة ، يتأسى بهم الاخرون ، ويشير اليهم المربون ، فما أسعد حظ آبائهم ، وما أهنأ عيش أوليائهم ، ليهنكم حسن التأديب ، وكمال الترتيب ، فأحسنتم الأنصات ، غفر الله لي ولكم ، وتاب علي وعليكم ، وكفر عني وعنكم السيئات ، ورفع لنا الدرجات ، الاوصلوا وسلمو على خير المربين ، كما أمركم بذلك رب العالمين فقال سبحانه ( ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )
اللهم صلي وسلم على نبينا محمد واله وصحابته أجمعين .......................................

انتهى







والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته




وياهلا