نكاح كاثوليكي ؟!
لا يخفى على القارئ الكريم أن أسباب الانفصال المذهبي لغالبية سكان بريطانيا العظمى عن الكنيسة الكاثوليكية إلى البروتستانية، أن سببه رغبة ملك بريطانيا آنذاك تطليق زوجته، للزواج من امرأة أخرى أحبها، و حيث أن الكنيسة الكاثوليكية تحرم الطلاق، فقد رفضت الموافقة على طلب الطلاق، مما اضطر ملك بريطانيا إلى اعتناق المذهب البروتستانتي الذي يجيز الطلاق، و بقية القصة معروفة ؟!
و يبدو أن حالة مشابهة تحدث في الحرم الجامعي بالدرعية، حيث ترفض إدارة جامعة الملك سعود طلب طبيبة سعودية - نعم المشكلة تتعلق أيضاً بامرأة - بالاستقالة من كلية الطب بالجامعة ؟! ترى لماذا ؟ّ! و ماهي الأسباب ؟! و ما هي الخلفيات ؟!
قضية قهر ؟!
الطبيبة السعودية المقهورة من قبل جميع الأجهزة الإدارية ذات العلاقة بجامعة الملك سعود أرسلت مذكرة طويلة جداً، مدعمة بالأوراق والتوقيعات، التي تحكي قصة قهرها، و كل ما تطلبه هو الطلاق البائن من كلية الطب ؟! فهل في ذلك جريمة ؟! و لماذا تحرمه الجامعة ؟!
ومنعاً للإنحياز للطرف الضعيف المظلوم و المقهور، الذي يتمتع عربياً - دون نساء الدنيا - باللقب العظيم. مكسورة الجناح، سوف ننقل ما جاء في مذكرة رفعتها كلية الطب إلى مجلس الجامعة عن قضية هذه الطبيبة السعودية، حيث جاء التالي :
1- عينت الطبيبة ؟؟؟؟؟ معيدة بكلية الطب في قسم ؟؟؟؟؟ في 1419/2/8هـ.
2- التحقت ببرنامج زمالة جامعة الملك سعود و أنهت البرنامج في 1423/7/12هـ.
3- تقدمت بطلب الاستقالة اعتباراً من 1424/7/20هـ.
4- ناقش القسم طلبها بالاستقالة في 1424/8/11هـ. و لم يوافق عليها لحاجة القسم إليها، خاصة و أنها المعيدة الوحيدة في القسم التي تُهيأ للتعيين عضوة لهيئة التدريس.
5- رفع الموضوع لمجلس الكلية الذي ناقش الموضوع في 1424/8/26هـ، و أوصى بالموافقة على توصية القسم بعدم الموافة على توصية القسم بعدم الموافقة على طلبها الاستقالة.
6- رفع الموضوع لسعادة وكيل الجامعة للدراسات العليا في 1424/9/1هـ.
7- قرر مجلس الجامعة في 1424/11/25هـ عدم قبول استقالتها بناءً على توصية مجلس الجامعة والكلية.
معصي ؟!
تخيل، عزيزي القارئ، شخصاً يطلب الطلاق البائن، فيرفض صاحب عقدة النكاح، بل و يزيد من ظلمه بإهمال الضحية وتركها تعاني وتتألم، حيث تصر ثلاثة إدارات بجامعة الملك سعود يشرف عليها أكاديميون يعلمون تمام العلم مدى خطورة هذه الآلام النفسية لعمل الطبيب، وتقول هذه الإدارات الواحدة تلو الأخرى: معصي
شخصيا، لا أجد أي مبرر مقنع في القرار الذي اتخذه مجلس القسم الذي تعمل به الطبيبة السعودية، و أيده كل من مجلس الطب و مجلس جامعة الملك سعود، بشأن رفض طلب الاستقالة الذي تقدمت به الطبيبة السعودية المظلومة، خاصة وأن القرار لم يتحدث عن أي قصور أو تقصير من جانب الطبيبة بحق عملها أو شروط عقد العمل ؟ فهل يتوقع هؤلاء الأكاديميون الأفاضل أن تعمل هذه الطبيبة بنفس الحيوية و النشاط المتوقع من طبيب يعمل و فكره خال من أي قرار بالاستقالة ؟ وهل يخفى على هولاء الإداريين الأكاديميين أهمية الاطمئنان النفسي لوظيفة الطبيب، حتى يتمكن من أداء مهمته الانسانية الخطيرة على أكمل وجه ؟ وكيف يرضى هؤلاء الإداريون الأكاديميون بقاء طبيب لا يرغب الاستمرار في وظيفته ؟! ترى هل يعتقدون أن وظيفة الطبيب هي بالضبط وظيفة سيكوريتي مواقف سيارات الكلية، لا خطر أو خلل سيحدث لو أهمل أو تساهل في عمله ؟!فكل موظف - طبيب أو مراسل - هو إنسان له حقوق و عليه واجبات. فإن أخل بواجباته، يجب معاقبته بموجب النظام و إن طالب بحقوقه، فيجب أن يعطاها بموجب النظام. أما [المزاج] في تحديد هذه الحقوق والواجبات فلا مكان له في المؤسسات و الأجهزة الحكومية و الخاصة.
تسريح بإحسان ؟!
حقيقة، لا أعرف، بل لن أقبل مطلقا أي عذر أو سبب بنى عليه كل من مجلس القسم و مجلس الكلية و مجلس جامعة الملك سعود قرارهم الظالم برفض طلب الطبيبة السعودية الاستقالة من وظيفتها و كذلك حرمانها من قرار طي القيد، سوى أنهم يمعنون في الظلم و القهر بحق طبيبة سعودية، من خلال حرمانها، أو على الأقل تصعيب و تأخير حصولها على ظيفة أخرى خارج هذه الجامعة التي أضحت [مدرسة] متميزة بين الأجهزة الحكومية في تنفير المتميزين من منسوبيها من إداريين و أكاديميين.
فأنا شخصياً، من المؤيدين لتطبيق الآية الكريمة ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)، في الأمور العائلية وكذلك الإدارية. فالموظ الذي لا يرغب البقاء في وظيفته، لن يكون بأي حال من الأحوال عضواُ فعالاً منتجاً، بل سيكون عقبة و مصدر إزعاج لجهاز عمله و أنشطته و موظفيه، بل قد يتسبب بقاؤه في إلحاق أذى كبير و خطير جداً بالجهاز أكبر بكثير من الذي سيترتب على تركه العمل. و من هذا المنطلق، و بهذه الخلفية أتعجب كثيراً، بل أصاب بالحيرة تجاه قرار جامعة الملك سعود رفض استقالة الطبيبة السعودية خاصة و أن هذا القرار يأتي من جامعة عملاقة، و ليس من جهاز حكومي صغير يفتقر إلى الرؤية و الحنكة الإدارية. ولكن يبدو أن الفكر البيروقراطي لا يختلف مطلقاً بين ذلك السائد في مكاتب إدارة أكبر جامعة سعودية مسئولة عن حوالي 60 ألف طالب و طالبة، وذلك الموجود في غرفة سنترال جهاز حكومي ؟!
أمور شخصية ؟!
أطلعت بعض الزملاء على مذكرة الطبيبة السعودية المظلومة، و كانت ردة فعلهم [سعودية عربية تقليدية]، تتمثل بضرورة إثارة علامات الاستفهام في أي شكوى يقدمها شخص ضد جهاز حكومي، خاصة حينما يكون فيها نقد أو تظلم من رئيسة المباشرة أو زملاء عمل ؟! و هذه الرؤية تنبع من حقيقة عربية اجتماعية أصيلة، وهي : المتهم مجرم حتى ثبت براءته ؟! بعكس الحقيقة الاجتماعية والقانونية الغربية القائلة : المتهم بريء حتى تثبت إدانته ؟!
و يبدو أن الطبيبة السعودية المظلومة واجهت هذه الاشكالية العربية الأصيلة في قضيتها مع جامعة الملك سعود، حيث ذكرت صراحة خلافها مع رئيس القسم، ثم وقعت في المحذور العربي السعودي : الحديث عن النفس ؟! حيث أسهبت في ذكر ما قامت به في القسم و في عملها سواء من أبحاث أو حضور مؤتمرات و خلافه و هنا - في رأيي - أفقدها المجتمع السعودي الأصيل، مثلاً بتكنو قراطيي جامعة الملك سعود، حقها في التعاطف مع قضيتها؛ حيث أن أول ردة فعل للغالبية العربية السعودية الأصيلة لكبار إداريي الجماعة مما سمع أو قرأ قضيتها هي : أكيد الطبيبة مخطئة ؟!
و لكن هل انتهى الموضوع ؟! وهل اعتبرت جامعة الملك سعود أن هذه الطبيبة السعودية مصدر إزعاج و مطوي قيدها، بناء على الفقرة (ج) في باب الإستقالة الإحالة على التقاعد المبكر من لائحة انتهاء الخدمة المدنية؛ كما وردت في مذكرة كلية الطب المرفوعة لمجلس الجامعة ؟!
لنقرأ أولاً الفقرة (ج) هذه. حيث تنص على التالي: ( لا تنتهي خدمة الموظف إلا بصدور قرار بقبول استقالته أو بمضي تسعين يوماً من تاريخ تقديم الطلب. و لا يجوز للموظف ترك العمل قبل التاريخ المحدد لقبول الاستقالة أو مضي مدة التسعين يوماً، و اذا انقطع عن العمل خلال هذه الفترة دون عذر مشروع عومل بموجب حكم المادة 10 من هذه اللائحة ).
بمعنى آخر فإن الطبيبة السعودية تعتبر مستقيلة نظامياً اذا انقضى تسعون يوماً على تقديمها ( وإصرارها على ) استقالتها دون بت مكان عملها، وهذا هو الواقع. حيث كان خطاب الإستقالة 1424/7/20هـ، وقرار مجلس الجامعة برفض الاستقالة في 1424/11/25هـ. و بالتالي قد يتساءل القرائ الفاضل: هل أنهت جامعة الملك سعود هذه المشلكة و أغلقت الملف، و تركت هذه الطبيبة السعودية تغادر الجامعة و تبحث لها عن مصدر رزق آخر، في ظل تأخر الجامعة في الرد على طلبها أكثر من 90 يوماً النظامية ؟! بمعنى آخر، هل صدر قرار طي قيد من جامعة الملك سعود بحق هذه الطبيبة التي قدمت استقالتها - وأصرت عليها - منذ أكثر من 17 شهراً !
كلا، عزيزي القارئ ؟! مما اضطر هذه الطبيبة السعودية المقهورة إلى كتابة خطابات تظلم إلى كل من وزارة التعليم التعليم العالي و وزارة الخدمة المدنية، دون أن يتمخض عنها أي قرج لكربتها، و يبدو أنه لم يتبق لها سوى الكتابة عن قضية اضطهادها الإداري من أكبر جامعة سعودية إلى مقام البنك الدولي، لعل و عسى ؟!
من أمن العاقبة ؟!
الأمر الآخر المهم - في نظري - يعكسه السؤال التالي: ماذا لو كان هناك مادة نظامية تعاقب الموظف - و ليس الجهة - الذي تسبب في تأخير البت بقراري الاستقالة و طي قيد الطبيبة السعودية الضحية لأكثر من 90 يوماً ؟! و ماذا لو كان النظام يجيز معاقبة الموظف المتسبب بالتأخير ؟! ترى هل سيتأخر في إصدار قرار بشأن طلب استقالة الطبيبة خلال التسعين يوماً التي حددتها الفقرة (ج) ؟!
سؤال آخر لا يقل أهمية عن الأسئلة السابقة، وهو: لماذا يعاني الموظف الحكومي من تداعيات قرار اتخذه رئيسة المباشر أو حتى معاليه، و ثبت بعد ذلك بطلانه من خلال التظلم لديوان المظالم ؟! لماذا لا يعاقب المسئول الكبير في الجهاز أو الوزارة، عقاباً صارماً إن هو اساء استخدام لظلم و قهر الموظف الصغير ؟!
لماذا فقط يكون قرار ديوان المظالم، في الأغلب الأعم، تأكيد حق الموظف في مطالبته - هنا الاستقالة أو طي القيد - بعد مرور أشهر طويلة وأحياناً سنوات على وصول قضيته لديوان المظالم ؟! لماذا لا يصدر ديوان المظالم مع هذا القرار قراراً آخر يتضمن عقاباً مالياً ووظيفياً للموظف المسئول عن إصدار القرار الخاطئ، إضافة إلى تعويض الموظف المظلوم عن أيه خسائر مالية تكبدها أثناء رفعه لقضيته وحتى صدور الحكم لصالحه ؟!
ومن هذا المنطق، ترى من سيعوض هذه الطبيبة السعودية عن مرتبات الأشهر السبعة التي توقفت فيها عن العمل بعد انقضاء أشهر عديدة من الفترة النظامية (90يوماً) لتقديم الاستقالة لكلية الطب، في ظل عدم إصدار جامعة الملك سعود قرار طي القيد إلى الآن ؟!
حـُـب أم انتقام ؟!
و في هذا المقام يتساءل المراقب لهذه المأساة الإدارية: لماذا تصر جامعة الملك سعود على عدم قبول استقالة هذه الطبيبة السعودية، و بالتالي عدم إصدار قرار طي القيد؟! و لكن مهلاً، هل تتجرأ جامعة سعود رفض استقالة نظامية لطبيب غير سعودي ؟! الإجابة أحد احتمالين :
الاحتمال الأول: هذه الطبيبة السعودية متميزة جداً، و لا تستطيع كلية الطب الاستغناء عنها ؟! إن كان كذلك، فلماذا لا تكافئها كلية الطب و جامعة الملك سعود بترقية وظيفية تغريها على البقاء و إلغاء الاستقالة ؟!
الاحتمال الثاني: هذه الطبيبة السعودية سيئة جداً ومصدر إزعاج للمرضى و الأطباء و الممرضات و تريد إدارة جامعة الملك سعود و كلية الطب و القسم معاقبتها بتنشيزها ؟! إن كان كان كذلك، فهل يعتقد الأفاضل كبار إداريي جامعة الملك سعود و كلية الطب أن مخاطر التضييق النفسي على الطبيب و عمله لا تتجاوز تلك الناتجة عند التضييق عى موظف سيكيورتي مواقف سيارات ؟!
أسئلة عديدة لا يوجد لها إجابات شافية، مما شجع على استمرار إساءة استخدام سطلتهم الإدارية، لكونهم يعملون تمام العلم أن أكثر شيء يمكن أن يحدث جراء اتخاذهم قراراً ظالماً بحق موظف صغير، هو إجبار جهازهم الحكومي على تغيير القرار، دون حدوث أي أضرار مادية أو معنوية عليهم شخصياً ؟! و قد كتبت عدة سنوات عن قضية نقل تعسفي لدكتور أكاديمي من مدينة لأخرى، حكم ديوان المظالم لصالحه بعد عدة أشهر، ولكن لم يحدث شيء - معنوي أ و مادي - لمن أصدر قرار النقل التعسفي ؟!
ختاماً، كل ما أقوله لكبار إداريي جامعة الملك سعود و كلية الطب، ومهما كانت الأسباب أو المسببات في هذه القضية، سواء كانت شخصية أو متلبسة بلباس القانونية و الأنظمة أو الوطنية و المصلحة العامة. أقول لهم: اتقوا الله في الأيامى من الطبيبات السعوديات ؟! فلكم من البنات و القريبات ما قد يمر بمثل هذه التجربة بعد أن يذهب عنكم بريق الوظيفة، و حينها لن تجدوا سوى المعاملة بالمثل ؟!و قبل ذلك و بعده، أتوجه إلى كبار إداريي جامعة الملك سعود، خاصة في كلية الطب، و إلى كل بيروقراطي وتكنوقراطي مسئول عن السعوديات العاملات بالقطاع الصحي، بسؤال اقتصادي بسيط: أين قانون الندرة في تعاملكم الوظيفي معهن ؟!
د. محمد القنيبط - عضو في مجلس الشورى و أستاذ في كلية الاقتصاد
مجلة اليمامة 1843
3/1/1426هـ
منقول
المفضلات