الضعف النوعي في التفاعل المتبادل لدى التوحديين (مهم لكل أب وأم لديهم توحدي أو توحدية)
يقول الدكتور توني أوتوود (الطبيب النفسي) ومؤلف كتاب لماذا يتصرف كريس هكذا؟ ، الذي قمت بترجمته إلى العربية بعنوان (لماذا يتصرف طارق هكذا؟) والذي هو من إصدار مركز الكويت للتوحد الطبعة الأولى 1999م :
إن معظم الأطفال لديهم مقدرة طبيعية للإرتباط بوالديهم وبالأشخاص الآخرين منذ لحظة الميلاد. وبدون أي جهد مقصود يتعرف الأطفال على الناس باعتبارهم أهم مكونات عالمهم، ومنذ بداية اللحظات الأولى للحياة يوجد تفاهم ثنائي متبادل بين الوالدين والطفل بجانب شعورهم بأنهم على نفس موجة الإرسال، إلا أن هذا الشعور لا يوجد لدى الطفل الذي يعاني من التوحد، وهناك شعور حدسي بأن هنالك شيئا خاطئا في قدرة الطفل على الإرتباط بالآخرين منذ وقت مبكر في حياة ذلك الطفل.
هنالك العديد من الأساليب التي تكشف هذا الضعف المتبادل في التفاعل الإجتماعي، وبالنسبة للطفل الصغير جدا قد يكون هنالك عدم إدراك واضح لوجود الآخرين والإحساس بهم، والخاصية التي تعتبر نموذجية بالنسبة للتوحد هي تفادي التواصل البصري، ولكنه تفاديا متعمدا أكثر من كونه بحثا عن نظرة محدقة في بداية أي تفاعل، أو نظرة مكررة في وجه الشخص الآخر أثناء المحادثة أو اللعب والأشخاص الآخرين قد يتولد لديهم شعور بأن الطفل يعاملهم كأشياء، ويبدو وكأنه لا يحتاج للناس ولاتوجد إبتسامة مشتركة أو إحساس مشترك بالفكاهة، وعندما يكون الطفل حزينا، فإن الطفل ذوي التوحد يكون أقل استعدادا لكي يبحث عن أو يستجيب للحب والمودة بالقدر المتوقع بالرغم من أن أعدادا كبيرة من الأطفال العاديين يمكن أن يكونوا مستغرقين في التفكير "وباردين" إلاّ أنه ومع ذوي التوحد تكون المشكلة أكثر عمقا.
والطفل من ذوي التوحد في مرحلة ماقبل الدخول إلى المدرسة قد لا يشارك في النشاطات مع البالغين كما أن النشاطات التي تصحب عبارات مثل "أنظر إليّ" أو "أنظر إلى تلك" تكون غالبة عنده بطريقة منافية للذوق السليم.
وبالإضافة إلى ذلك فإن الطفل الذي لديه التوحد نادرا ما يقلد لعب الأطفال الآخرين، أو يقلد النشاطات المنزلية لوالديه على التوالي.
والطفل الذي بلغ سن الدراسة يفضل استمرار الألعاب الإنفرادية على اللعب مع الأطفال الصغار، وهو لا يهتم بالإنضمام للألعاب الإجتماعية لأقرانه.. وكمثال: أثناء محادثتي مع مراهق في العقد الثاني من عمره مصاب بالتوحد سألته لماذا لا يتحدث مع الأطفال الآخرين في الملعب، كانت إجابته "لا" ، أشكرك ليس ذلك واجبا عليّ، ومن الواضح أن لديه القدرة على المناقشة مع أقرانه لكنه اختار اللعب بمفرده في جزء معزول من الملعب لأن هناك ضعف في مقدرته على إنشاء صداقة مع أقرانه.
إن الطريقة الخرقاء للتحدث مع الآخرين هي خاصية من صفات الأطفال الذين لديهم توحد كما أن قدراتهم العقلية تكون قريبة من كونها عادية، وحقيقة فإن هؤلاء الأطفال يريدون ممارسة النشاط الإجتماعي ولكنهم لا يبدون مدركين للقوانين غير الة للتفاعل أو المحادثة، فالطفل الذي يعاني من التوحد قد يتقدم إلى أحد البالغين ويبدأ الحديث بسؤال قد لا يكون مناسبا مع الموقف المباشر أو مع الشخص الآخر وكمثال: قد يقترب التوحدي من شخص غريب منه تماما ودون أدنى تحية إجتماعية مبدئية يسأله بصوت عالى: ما نوع سيارتك؟ وقد تستمر المحادثة بسلسلة أسئلة وإفادات عن موضوع يحدده الشخص التوحدي الذي يبدو غير مدرك لأي علامة دهشة، أو ملل أو حرج لدى الشخص الآخر. ونادرا مايتم تعديل المحادثة لكي تأخذ في الاعتبار آراء الشخص الآخر، أو الحوار من جانب واحد فقط سُيشعر الشخص الذي كان يخاطبه غريب الأطوار.
ومن الواضح أن الأطفال الذين يعانون من عرض إضطراب "الأسبيرجر" يريدون الاختلاط الإجتماعي وهم قادرين جدا على الاستمرار في المحادثات الإجتماعية، ولكنهم يواجهون صعوبات بالغة في إقامة العلاقات الإجتماعية الودية ومراعاة التقاليد الإجتماعية، وهذه المشكلة المتعلقة بالسلوك الإجتماعي المتقدم قد لا تتم ملاحظتها إلاّ عندما يبلغ الطفل الرابعة أو الخامسة من العمر، وقد يبدو أنهم أجلاف، أو أشرار، أو غير مراعين لحقوق ومشاعر الآخرين، ولكنهم في الحقيقة لا يدركون التقاليد الإجتماعية ولا يدركون كيف يتضايق أو يغضب سُلوكهم الأشخاص الآخرين، وعلى سبيل المثال: لدى الانتظار في السوبر ماركت لدفع قيمة السلع التي تم شراؤها قد يقول الطفل لأبويه (بصوت عالي) أليست هذه المرأة قبيحة؟؟ ويتم الرد عليه بأن يلتزم الصمت ويقال له يجب أن لا تقول ذلك ويرد على ذلك بالقول بصوت مرتفع بقدر أكبر من ذي قبل: ولكنها قبيحة!!.
ويبدو الطفل أنانيا للغاية ويعوزه التقمص العاطفي، أي فهم الأشياء من خلال وجهة نظر الآخرين، ومثل هؤلاء الأطفال يكونوا غالبا غير مبالين بالضغوط الناجمة عن وجود الأنداد بالمدرسة، وبالتالي قد لا يُلّحوا من أجل الحصول على آخر الصيحات من موضة الملابس أو الألعاب، والسؤال الذي أوجهه دائما هو: مالذي يفعله الطفل في ساعة الغداء في المدرسة؟ والإجابة الدائمة هي أن هؤلاء الأطفال يتواجدون في مكتبة المدرسة أو في جزء منعزل من الملاعب.
السلسلة المتعاقبة للسلوك ضمن تفاعل إجتماعي
عندما نتفاعل مع الآخرين تكون لدينا سلسلة سلوك متعاقبة وواضحة، أي أننا ننظر إلى الآخرين، ونقترب منهم ونلقي عليهم بالتحية أو التعليق الاستهلالي، ونتحدث معهم، ونلاحظ العلامات التي تدّلُنا على ميقات إنتهاء هذا التفاعل، ويبدو أن الطفل الذي يعاني من التوحد لديه عدم الكفاءة في مهارات التفاعل الاجتماعي قد تكون بسبب ضعف ما في مرحلة معينة في سلسلة التفاعل المتعاقبة والأطفال ذوي العوق للغاية قد لا يستوعبوا المرحلة الأولى، وهي الإرتباط بالنظرة المحدقة المتبادلة، أو الإقتراب من الآخرين، وبعض الأطفال قد يقتربوا، ولكن فقط بإتجاه ما يريده الطفل (كمشروب مثلا) ولكن ليس بغرض المشاركة الإجتماعية، وبعض الأطفال الذين يعانون من التوحد قد يكون لديهم دافعا قويا للتفاعل مع الآخرين ولكنهم يفشلون في إلقاء التحية الصحيحة (مثل .. أهلا بك) أو (كيف حالك؟) ، ويستمرون في المحادثة عن طريق سلسلة من الأسئلة التي يتم تكرارها حتى ولو تُلقي نفس الإجابة مرة بعد مرة ويبدو وكأن السلوك الإجتماعي للشخص المعاق قد تم تسجيله على أسطوانة صوتية وظلت إبرة استرجاع المادة المسجلة عالقة بموضوع واحد فقط، وبالتالي لم يستطيع الشخص التقدم إلى المرحلة التالية من السلسلة المتعاقبة للسلوك الإجتماعي.
ومن ناحية أخرى، فإن الطفل المصاب بالتوحد ذو الكفاءة الأعلى قد ينشيء حوارا طبيعيا بقدر أكبر، ولكنه قد لا يبدو مدركا لملاءمة الموضوع، أو متى يتوقف عن الحديث عن القطارات أو الفراشات، أو كيف ينهي المحادثة.
يتبع..
المفضلات