[align=center]مررت على موضوعكم ,, وبصراحة لست ممن يحمل العلم الشرعي حتى أتكلم فيما قاله الشيخ العبيكان تأييداً أو تفنيداً ,,
لكن حين وقعت عيني على مقالة لأحد المشائخ آثرت أن أحسم أمركم هنا حتى لاتقعوا في مزيد من اللغط ,,
المقال لكل باحث عن الحق ومريد له ,, عليه أن يقرأه بتمعن ويتوقف ولا يوغل في معارضة الحق ,,
الشيخ الدكتور : أحمد بن محمد الخضيري حفظه الله تحدث بأسلوب العلماء الذين يحسنون الظن بإخوانهم فقال في جزء من مقال طويل له :[/color]
كان لهذا البيان (( بيان العلماء الـ 26 )) عدد من المعارضين ، وهؤلاء المعارضون عند استقراء حالهم نجد أنهم لا يخرجون عن أحد صنفين :
الصنف الأول :............
الصنف الثاني : من يرى من أهل العلم أن البيان يشتمل على الخطأ في مضمونه ، والقائل بهذا هو الشيخ عبد المحسن العبيكان –وفقه الله- ولا أعلم أحدا قال برأيه سوى من لا يعتد برأيه من الشيعة .
وقد أبرز الشيخ العبيكان –وفقه الله- رأيه في مقابلة له مع صحيفة المدينة ، وتكرر هذا في برامجه في بعض القنوات الفضائية .
ومناقشة الشيخ في رأيه الذي انفرد به مفيدة في نظري لمافيها من الإثراء العلمي ، ولما تقود إليه من البحث عن الحق ، ولكون الشيخ ينطلق من منطلقات شرعية ، والقواسم المشتركة معه أكثر من مسائل الخلاف ، وإحسان الظن به متحقق لما له من سابقة وفضل ، ولهذا فإني أناقش الشيخ في آرائه وما أورده من ملاحظات وأرى أني لا أخسر الوقت والجهد في هذا لعلمي بأن البحث عن الحق هو رائدنا جميعا إن شاء الله تعالى .
وقد أظهر الشيخ العبيكان –وفقه الله- رأيه في البيان في لقاء له مع جريدة المدينة الصادرة يوم الثلاثاء 26/9/1425 العدد (15175).
ونشر هذا اللقاء بعنوان : الدعاة الـ26 يعرضون أهل العراق للهلاك والدمار وكأنهم يريدون بقاء المحتل .
وقد أثار الشيخ في هذا اللقاء المنشور أمورًا عدة، وسأذكر بعضها مرتبة مع مناقشتها على النحو الآتي :
يصف الشيخ العبيكان -وفقه الله- الدعاة الموقعين على البيان بأنهم يريدون تأجيج الفتنة في العراق واستمرار بقاء المحتل بحث المقاومة على الاستمرار في قتالها .
المناقشة:
تأجيج الفتنة لا يأتي من إنصاف صاحب الحق السليب ونصرته وتأييده في مطالبته بحقه بأي طريقة مشروعة ، ومنها طريقة المقاومة والجهاد ، بل الفتنة هي في مصادرة حقه المشروع في مقاومة العدوان وخذلانه، والفتنة تدافع بما يمكن، وقد يكون القتال من أسباب دفعها كما قال الله تعالى : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " ، وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله : حتى لاتكون فتنة : أي حتى لا يكون شرك ، وعن عروة بن الزبير : حتى لا يفتن مسلم عن دينه . وورد عن ابن عباس في تفسير: ويكون الدين كله لله: أي يخلص التوحيد لله. ينظر: تفسير ابن كثير 2/309 .
ولهذا ورد عن سعيد بن جبير أنه قال : خرج علينا ابن عمر فقال رجل : يا أبا عبد الرحمن ماتقول في القتال في الفتنة ؟ قال : ثكلتك أمك ، وهل تدري ماالفتنة ؟ إن محمدا صلى الله عليه وسلم كان يقاتل المشركين فكان الدخول فيهم أوفي دينهم فتنة ، وليس كقتالكم على الملك " أخرجه البخاري في صحيحه 4/1706(4374) ك : التفسير ، وأحمد في مسنده 2/70 .
والقول بمشروعية الجهاد في العراق وحق العراقيين في مقاومة المحتل لا يعني إقحام العراقيين في مواجهات غير متكافئة ولكن المقاومة بحسب قدرتهم وبالطريقة التي تناسبهم وهذا ما يقرره أهل البلد علماؤها ورجالاتها وأهل الخبرة فيها، ولهم الأخذ بالهدنة والصلح إذا احتاج المسلمون إلى ذلك ورأوا أنه يحقق لهم المصلحة .
ولكن المهم ألا يصادر حقهم المشروع في الدفاع والمقاومة وهو الحق الذي كفلته شرائع السماء وقوانين الأرض والمواثيق الدولية.
وإني أحيل الشيخ إلى موقف الشيخ أحمد شاكر رحمه الله من الاستعمار عندما كتب بيانا في زمانه يحث المسلمين على جهاد الانجليز والفرنسيين تحت عنوان " بيان إلى الأمة المصرية خاصة وإلى الأمة العربية والإسلامية عامة " ، وأودعه في كتابه : كلمة الحق .
ذكر الشيخ العبيكان -وفقه الله- أن الشريعة توجب على المسلم في حال الضعف ترك المقاومة ، ونص كلامه : " والنصوص الشرعية التي بيناها في مقالاتنا نصوص كثيرة جدا من الكتاب والسنة ومن كلام العلماء قديما وحديثا كلها مع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة في حال ضعفه كلها توجب على المسلم أنه في حال الضعف أنه لا يجوز له أن يقاوم ولا أن يقاتل لأن الأصول الشرعية تقضي بارتكاب أدنى المفسدتين بدفع أعلاهما فبقاء المحتل مفسدة ولكن المفسدة الأعظم هو العمل على استمرار بقائه بإثارة الفتنة ومقاتلته مع الضعف الحاصل " إلى أن قال : " فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن الله يوحي إلى عيسى عليه السلام عندما يأتيه يأجوج ومأجوج أن يفر قال " : فحرز عبادي إلى الطور ( أي اهرب منهم واترك مقاتلتهم لأنه لا يدان لك بقتالهم ) " .... وقال العلماء أنه يجب على المسلمين مع الضعف يجب عليهم الفرار فما حصل لأهل مؤتة حينما فروا من الجيش الكبير وظنوا أنهم قد أخطؤوا قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم ": إننا نحن الفرارون " فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم :" بل أنتم الكرارون " فأيدهم الرسول على الفرار لعدم قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم .."
المناقشة :
الحكم الذي أطلقه الشيخ في هذه المسألة يحتاج إلى تفصيل وبيان ، لما فيه من الإجمال، وكثيرا ما يقع الخطأ بسبب الإجمال ، وبيان ذلك : أنه ليس كل ضعف يسقط وجوب جهاد الدفع ، وإنما الذي يسقط الوجوب هو الضعف الشديد الذي يصل إلى حد العجز عن القتال ، وهو وضع استثنائي فيرخص لمن هذه حاله بترك القتال لقول الله تعالى : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " ، وقوله :" فاتقوا الله مااستطعتم " .
وقد كان هذا هو الحكم في العصر المكي فقد أمر النبي صلى الله وسلم بالعفو والصفح وكف اليد عن المشركين بسبب عجزهم عن القتال كما قال الله تعالى "كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ" [النساء: من الآية77] إلى أن نسخ هذا بالمرحلة الأخيرة بقتال المشركين كافة ونزول آية السيف ، وللمسلم في حال العجز أن يأخذ بالكف عن القتال، لأن القدرة شرط في وجوب الجهاد وغيره من الواجبات الشرعية.
وتعبير الشيخ بوجوب ترك جهاد الدفع ونسبته ذلك إلى العلماء كما في قوله : " وقال العلماء أنه يجب على المسلمين مع الضعف يجب عليهم الفرار .." ليس بصحيح على هذا الإطلاق , فإن التعبير الشائع لدى الفقهاء هو لفظ : يجوز ، أو يرخص ، أو لابأس ، ونحو ذلك من الألفاظ، وذلك لأنهم يرون أن القدرة شرط لوجوب الجهاد وليست شرطا في صحته ، ولا ريب أن بين التعبيرين فرقا من ناحية ترتب الإثم .
وقد دلت النصوص الشرعية أن غير القادر إذا تكلف الجهاد فجاهد لا شيء عليه ، ولو أدى هذا إلى قتله وعدم تحقيق الظفر على الأعداء مادام هذا يحقق مصلحة شرعية كإحداث نكاية في العدو أو بث للرعب في قلوبهم ، أو تجرئة لقلوب أهل الأيمان ونحو ذلك ، ولا يدخل هذا في إلقاء النفس إلى التهلكة .
ومن هذه النصوص :
1. ماجاء في قصة عاصم بن ثابت لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم على رأس نفر من أصحابه إلى عضل والقارة ، فخرج عليهم قرابة مائة رام ، فأحاطوا بهم فقالوا : لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لانقتل منكم رجلا ، فقال عاصم : أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر ...، فقاتلوهم حتى قتلوا عاصما في سبعة نفر بالنبل ... " أخرجه البخاري في صحيحه 3/1108(2880) ك: الجهاد ، وأبو داود في سننه 3/115،116 (2660) ك: الجهاد.
ووجه الاستدلال :
أن قدرة عاصم ومن معه أقل من أن يقاتلوا مائة رام ، وكان لهم رخصة في ترك القتال ، ومع ذلك أبى عاصم إلا أن يقاتلهم فقاتلهم حتى قتل رضي الله عنه .
2. ماورد في قصة عمرو بن الجموح رضي الله عنه فقد كان رجلا أعرج شديد العرج وكان له بنون أربعة مثل الأسد يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد ، فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه وقالوا : إن الله قد عذرك فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه ، فوا لله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك ، وقال لبنيه : ماعليكم ألا تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشهادة فخرج معه فقتل يوم أحد ". سيرة ابن هشام 3/96 عن ابن إسحاق قال : وحدثني أبي إسحاق بن يسار عن أشياخ من بني سلمة به "، قال الألباني :" وهذا سند حسن إن كان الأشياخ من الصحابة ، وإلا فهو مرسل ، وبعضه في المسند 5/299 من حديث أبي قتادة رضي الله عنه ... وسنده صحيح ". تخريج فقه السيرة للألباني 282
ووجه الدلالة :
أن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن لعمرو بالقتال مع كونه معذورا بالعرج ولا يجب عليه الجهاد رجاء تحصيل الشهادة .
3. حديث سلمة بن الأكوع حين أغار عبد الرحمن الفزاري ومن معه على سرح رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاقه وقتل راعيه ، فتبعهم سلمة بن الأكوع وحده فمازال يرميهم بنبله حتى استخلص منهم ما أخذوه ، وقد جاء فيه من قول سلمة : " فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر ، قال : فإذا أولهم الأخرم الأسدي على إثره أبو قتادة الأنصاري ...، قال فأخذت بعنان الأخرم ، قال : فولوا مدبرين ، قلت : يا أخرم احذرهم لا يقتطعوك حتى يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، قال : ياسلمة إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أن الجنة حق والنار حق فلا تحل بيني وبين الشهادة ، قال فخليته فالتقى هو وعبد الرحمن ... وطعنه عبد الرحمن فقتله وتحول على فرسه ، ولحق أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن فطعنه فقتله ، فوالذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لتبعتهم أعدو على رجلي حتى ماأرى ورائي من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا غبارهم شيئا حتى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له : ذا قرد ، ليشربوا منه وهم عطاش قال فنظروا إلي أعدوا وراءهم فحليتهم عنه (يعني أجليتهم عنه ) فما ذاقوا منه قطرة ... " ، وفيه من قول النبي صلى الله عليه وسلم : " كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة " أخرجه مسلم في صحيحه 3/1433(1807) ك : الجهاد والسير .
وقد أورد هذا الحديث ابن النحاس الدمياطي في كتابه : مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق في الجهاد وفضائله ، وبوب عليه بقوله : فضل انغماس الرجل الشجيع أو الجماعة القليلة في العدد الكثير رغبة في الشهادة ونكاية في العدو . ثم قال : " وفي هذا الحديث الصحيح الثابت أدل دليل على جواز حمل الواحد على الجمع الكثير من العدو وحده وإن غلب على ظنه أنه يقتل إذا كان مخلصا في طلب الشهادة ،كما فعل الأخرم الأسدي رضي الله عنه ولم يعب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليه ، ولم ينه الصحابة عن مثل فعله ، بل في الحديث دليل على استحباب هذا الفعل وفضله ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مدح أبا قتادة وسلمة على فعلهما كما تقدم، مع أن كلا منهما قد حمل على العدو وحده ولم يتأن إلى أن يلحق به المسلمون " مشارع الأشواق ص 539، 540.
وتأمل فيما يأتي دقة الفقهاء رحمهم الله تعالى وفهمهم للنصوص عندما عبروا عند العجز عن القتال ب: جواز الانصراف " ولم يعبروا بالوجوب كما فعل الشيخ العبيكان –وفقه الله-
قال ابن قدامة رحمه الله " : وإذا كان العدو أكثر من ضعف المسلمين فغلب على ظن المسلمين الظفر فالأولى لهم الثبات لما في ذلك من المصلحة ، وإن انصرفوا جاز لأنهم لا يأمنون العطب ...وإن غلب على ظنهم الهلاك في الإقامة والنجاة في الانصراف فالأولى لهم الانصراف ، وإن ثبتوا جاز لأن لهم غرضا في الشهادة ويجوز أن يغلبوا أيضا " المغني 13/189.
وقال القرطبي : " قال محمد بن الحسن : لو حمل رجل واحد على ألف رجل من المشركين وهو وحده لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في العدو ، فإن لم يكن كذلك فهو مكروه ، لأنه عرض نفسه للتلف في غير منفعة للمسلمين ، فإن كان قصده تجرئة المسلمين عليهم حتى يصنعوا مثل صنيعه فلا يبعد جوازه ، ولأن فيه منفعة للمسلمين على بعض الوجوه ، وإن كان قصده إرهاب العدو و ليعلم صلابة المسلمين في الدين ، فلا يبعد جوازه ، وإذا كان فيه نفع للمسلمين فتلفت نفسه لإعزاز دين الله وتوهين الكفر فهو المقام الشريف الذي مدح الله به المؤمنين في قوله : " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم " الآية إلى غيرها من آيات المدح التي مدح الله بها من بذل نفسه ، وعلى ذلك ينبغي أن يكون حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه متى رجا نفعا في الدين فبذل نفسه فيه حتى قتل كان في أعلى درجات الشهداء " . تفسير القرطبي 2/364.
وقال السرخسي :" لابأس بالانهزام إذا أتى المسلمين من العدو مالا يطيقهم ، ولا بأس بالصبر أيضا بخلاف ما يقوله بعض الناس إنه إلقاء النفس في التهلكة بل في هذا تحقيق بذل النفس لابتغاء مرضاة الله تعالى فقد فعله غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم ، منهم عاصم بن ثابت حميُ الدبر ، وأثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، فعرفنا أنه لا بأس به والله الموفق " شرح السير الكبير 1/125.
وينبغي أن يعلم أن جهاد الدفع أعظم من جهاد الطلب ، ولهذا لا يشترط له ما يشترط لجهاد الطلب ، ويتأكد القيام به أكثر من جهاد الطلب ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين ، فواجب إجماعا ، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه ، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان ، وقد نص على ذلك العلماء : أصحابنا وغيرهم ، فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر وبين طلبه في بلاده " الاختيارات الفقهية ص 309،310
وقال أيضا : " وقتال الدفع مثل أن يكون العدو كثيرا لا طاقة للمسلمين به ، لكن يخاف إن انصرفوا عن عدوهم عطف العدو على من يخلفون من المسلمين فهنا قد صرح أصحابنا بأنه يجب أن يبذلوا مهجهم ومهج من يخاف عليهم في الدفع حتى يسلموا ، ونظيرها أن يهجم العدو على بلاد المسلمين ، وتكون المقاتلة أقل من النصف فإن انصرفوا استولوا على الحريم ، فهذا وأمثاله قتال دفع لا قتال طلب لايجوز الانصراف فيه بحال ، ووقعة أحد من هذا الباب " . الاختيارات الفقهية ص 311 .
وكان يتعين على الشيخ أن يقيد القول بوجوب ترك القتال بالحالة التي يبلغ الضعف فيها بالمسلمين الحد الذي لا يستطيعون معه تحقيق أي مصلحة للمسلمين ، أو إحداث نكاية في العدو ، ويترتب على القتال مفاسد عظيمة بالمسلمين لا تقابله أي مصلحة فحينئذ يتجه القول بالمنع من القتال ، قال أبو حامد الغزالي : "لاخلاف في أن المسلم الواحد له أن يهجم على صف الكفار ويقاتل وإن علم أنه يقتل ، وهذا ربما يظن أنه مخالف لموجب الآية ، وليس كذلك فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : ليس التهلكة ذلك ، بل ترك النفقة في طاعة الله تعالى ، أي : من لم يفعل ذلك فقد أهلك نفسه ... ولكن لو علم أنه لا نكاية لهجومه على الكفار كالأعمى يطرح نفسه على الصف أو العاجز فذلك حرام و داخل تحت عموم آية التهلكة وإنما جاز له الإقدام إذا علم أنه يقاتل إلى أن يقتل أو علم أنه يكسر قلوب الكفار بمشاهدتهم جراءته واعتقادهم في سائر المسلمين قلة المبالاة وحبهم للشهادة في سبيل الله ، فتنكسر بذلك شوكتهم " إحياء علوم الدين 2/315 .
وقال الحافظ ابن حجر :" وأما مسألة حمل الواحد على العدد الكثير من العدو فصرح الجمهور بأنه إن كان لفرط شجاعته وظنه أنه يرهب العدو بذلك أو يجرئ المسلمين عليهم أو نحو ذلك من المقاصد الصحيحة فهو حسن ، ومتى كان مجرد تهور فممنوع ولا سيما إن ترتب على ذلك وهن في المسلمين والله أعلم " فتح الباري 8/34.
وقال الشوكاني في تفسير قول الله تعالى : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " : " فكل ماصدق عليه أنه تهلكة في الدين أو الدنيا فهو داخل في هذا وبه قال ابن جرير الطبري ، ومن جملة مايدخل تحت الآية أن يقتحم الرجل في الحرب فيحمل على الجيش مع عدم قدرته على التخلص وعدم تأثيره لأثر ينفع المجاهدين " فتح القدير 1/170.
ويتبين من هذا أن المنع ليس راجعا لمطلق الضعف ، ولكن لما يترتب على القتال حينئذ من مفاسد محققة لا يقابلها أدنى نكاية في العدو أو فائدة للمسلمين .
وعلى هذا فلا يشترط في صحة جهاد الدفع أن يغلب على ظن الفئة المجاهدة أنها تملك من القدرة ما يحقق لها الظفر على الأعداء ، بل يكفي أن تتمكن من إحداث نكاية في العدو ولوكان ذلك بمجرد بث الرعب في قلوبهم ، أو أن يحقق للمسلمين مصلحة ولو كانت هذه المصلحة مجرد تجرئة قلوب أهل الأيمان ، وهذا بحمد الله حاصل كما نشاهده في فلسطين إذ يقوم المجاهدون هناك مع ضعفهم بمقاومة اليهود ، وأحدثوا مع هذا نكاية قوية باليهود ، فأخافوهم وأضعفوا أمنهم واستـنـزفوا اقتصادهم .
ولا ينبغي أن يغيب عن علم الشيخ أن فنون القتال متعددة ، والقتال اليوم له أشكال متنوعة و لا يعني بالضرورة المواجهة المباشرة، وحروب التحرير في الغالب لا تعتمد على المواجهة المباشرة بقدر ما تعتمد على استنزاف العدو وعدم تمكينه من الاستمتاع بثمرة النصر، ومثال ذلك حال المقاومة في فلسطين، فلماذا نتغاضى عن هذه النتائج ونصدر حكما عاجلا لم يعتمد على دراسة واستشارة لأهل المعرفة والخبرة بالقتال .
وإذا كان قد وقع في بعض مواطن الجهاد عدوان أو خطأ و سوء اجتهاد فلا يجوز أن يستدل به على منع الجهاد والتنفير منه ، لأن المجاهدين بشر وليسوا معصومين ، والواجب أن نسددهم ونرشدهم ونقوم أعمالهم وننصحهم مع قيامهم بجهاد الدفع الضروري .
ولا ريب أن تقدير المصلحة أو النكاية التي يمكن أن يحدثها القيام بعمل من أعمال الجهاد قد تختلف فيه الآراء ، وحينئذ لا بد من الاجتهاد في تقدير ذلك الأمر ، ويوكل هذا الاجتهاد إلى أولي الأمر من الولاة و أهل العلم المطلعين على واقع الجهاد مع الاستعانة بآراء أهل الخبرة العسكرية من أهل الواقعة واستشارة من يفيد رأيه في المسالة .
[/align]
المفضلات