السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
حقاً إن الكلمات المعبرة عن إحساسنا وواقعنا لتختلف اختلافاً كبيراً بين شخص وآخر باختلاف مهنته واهتمامه لحساب الحاجة والضرورة وليس ذلك بغريب وإنما الغريب أن يكون لنا معرفة واحدة وليس لنا ذات الإحساس ، كأن يتكلم جندي مع زميله الآخر في أيام السلم والحرب وكل منهما يعلم ويسمع ذات الكلمات المترددة على مسامعهما والتي لها ذات المفهوم بآذانهم ولكنهما يختلفان بحسب ما توحيه الكلمات الموجهة من التأثير والقلق نظراً لاختلاف قياس كل منهما في أبعاد الخطاب والتكلم تبعا لشخصهما من حياتهما الواقعية.
فليس لك في أيام السلم إلا ان تقول نظام وطاعة واجتهاد أما في أيام الحرب فتقول سرعة في النظام الذي يراد بها الموت في حالة التأخير والإهمال وكذلك مدلول الطاعة الذي يعني الخسارة والهزيمة في حالة وجود التجزئة والتمرد والاستقلال بالرأي وأخيراً الاجتهاد الذي يفسر اليقظة التامة بالإحساس الكامل حتى لا تضيع الفرصة دون أن يغتنمها المقاتل لكسب المعركة. دفعتني إلى كتابة هذا الموضوع إهمالنا للزمن يمر بنا سريعاً دون أن نستفيد منه وجعل ساعاته ودقائقه في أيام وشهور فتحتاج أولا إلى التفكير بإعلان الرأي ثم إلى التصميم وأخيراً إلى التنفيذ الذي نعد له العدة الكبرى من الإمكانيات فكأن الفكرة وليده وكأن الرأي بحاجة إلى اطمئنان وتصديق وكأن التصميم قدره عظيمة فيها بطولة.
أما التنفيذ فما تركنا له استقباله الحسن وليس بإمكاننا بعد ذلك أن نشيد به لأن المخاوف والدراسة الطويلة والأخذ والرد قضت على جماله في العظمة والدقة. فإذا جاء التنفيذ بعد أن أخذنا وقتاً طويلاً في فتح المجال أمامه ومن هنا كانت الفترة الطويلة التي قضيناها بين التفكير والشروع والخاتمة مدعاة إلى نسيان الزمن في الأهمية وجعلنا نتكلم عنه كمن يتكلم عن قصة أو رواية في حالة الراحة ليشغل وقته بمتعة التسلي بالبطولة دون أن تكون هذه البطولة إحساساً وتجربة وعملاً.
فما اكثر المتحدثين عن جمال الطبيعة وجمال الروح متخذين من الوصف والتصوير ما يسهل مهمتهم لانقياد وطوع الألفاظ لهم ولو كانت بعيدة عن الإحساس والواقع ولكن ما أقلهم عندما يجد الجد ويدخلون المعركة وهم في نزاع بين واجبهم وعاطفتهم فهل يبدو الوصف كما كان فراغاً بعيداً عن المطابقة للواقع كأن نقول مثلاً: أحب بلادي وأفديها بدمي وروحي ومالي.. فهل وفيت هذا التعبير حقه من الإحساس عند إعلان التجربة فتترك من تحب لتخاصم وتقاتل محبوبك وقد حاد عن طريق الحق والشرف لأنه يطمع في حريتك وسيادتك ويبدأ بالنيل من كرامتك فأنت مخير بين الخضوع لعاطفتك وقد جعلت كلام الشهادة والمروءة والشجاعة والإخلاص على لسانك، وبين القيام بالواجب لتترك هذه العاطفة إلى بعد الانتصار ولتصحيحه في حال الخطأ ولعلاجه في حال المرض.
ما أحوجك إلى جعل الحب حباً صحيحاً صادقاً عندما تقول لمحبوبتك أفديك بروحي ودمي ومالي فأنت أمام الموت والصحو له ولسانك على ذكر الوفاء بالعهد والحفظ للقسم: فرق كبير بين ان تذكر الحبيب في حال الرخاء وتنساه في حال الشدة. إن الحبيب الحقيقي أن يكون ذكرك له عندما تدفعه حاجته إليك لا حاجتك إليه فلا تكون متشدقاً بلسانك بحبه وصامتاً اطرش إذا ما ألمت به مصيبة.
لكم التحيـــــــــــــــــة ...
المفضلات