اقطع الاتصال
منذ خمسة ايام وأنا أتحين الفرصه لخلو البيت
من جميع افراد عائلتي وكلما اعدت الشريط
الى صديقي مؤكداً له بأن الامل ضئيل في ان
يغادر الجميع البيت دون استثناء منهم.. ضحك
بصوت عالي وهو يثني جسمه الضئيل ضارباً
بكفيه في ادعاء السرور وكأنه يريد ان يسمع
جميع من في الحي منوهاً في استهتار بأني
لست في حاجه لترقب تحقيق معجزة الرحيل
الجماعي لافراد عائلتي وان كل ما علي هو ان
ادعي الذهاب للوم مبكراً وان اغلق الباب بالمفتاح
واطفي الاضواء ثم اشاهد باطمئنان على الا انسى
ان اضع اغنيه صاخبه في جهاز التسجيل قبل ان
أبدا المشاهده...وحين قاطعته بأن اخي الصغير
يشاركني الغرفه وان من حقه الدخول في اي وقت
، القى الشريط على صدري وهو يقول:الا يسوءك ان
يتسار الصبيان فيما بينهم دون ان تدري بما يقولون؟
كن رجلاً ولاتكن جباناً متردداً واعود من جديد الى البيت
وانا ادعو الله ان يسامح صديقي هذا الذي احال املي
الى شتات..إذ كم ابذل من جهد لمواراة الشريط فلا اغادر
الغرفه ال في احلك الظروف..وحين اكون في المدرسه
اظل قلقاً داخل الصف واتوهم بأن يداً خفيه قد تعبث في
الغرفه فتعثر على الشريط..وها هي المعجزه بعد خمسة
ايام قد حلت ورحل جميع من في البيت في أمسيه طويله
حتى الخادمة اعلنت رغبتها هذه المره في مصاحبتهم..وقد
تمنيت في داخلي ان يتعلل احدهم للبقاء حتى لا انفرد
بنفسي..بعد الرحيل ظللت لاكثر من ساعه متردداً في ان
اشاهد الشريط حتى كدت انثني عن المحاوله..لكن رغبة
شيطانيه كانت تحفزني لرؤية ما لم اره في حياتي قط...
ودون شعور مني حملت جهاز "الفيديو" الذي استعرناه
من الجيران الى غرفتي وهممت بأن اضع اغنية صاخبه
كما اوصاني صديقي لولا ان تذكرت بأني بمفردي في البيت !
امسكت بالشريط لإدخاله في الجهاز وكل مافي يرتجف..وقبل
اتمام المهمه نهضت من مكاني..تلفت حولي كأن احداً
سيباغتني..درت في زوايا البيت وناديت ببعض أسماء
إخوتي..لأسكن رغبة في داخلي بأن لا احد سواي.عدت
من جديد لإدخاله بعد ان احكمت إغلاق غرفتي..ويداي
تهتزان بعنف..وخفقات قلبي تكاد تسمع من بعيد..لكنه
لم يدخل..ضغطت عليه بقوه داخل الجهاز لكنه ايضاً امتنع..
وكأني فرحت في داخلي بأنه لم يستجيب فهيئته تنبئ
بأن أياد كثيره قد مرت عليه..ومواضع شتى قد تنقل اليها
قبل ان يصل الي حتى اصابه العطب؟!لكنني اكتشفت أثناء
ذلك بأني لشدة الفزع ادخلته مقلوباً!!صدري يضطرب في
علو وهبوط وطرق عنيف تهتز له اضلعي عيناي لاتستطيعان
ان تثبتا على مشهد واحد..يداي ترتجفان وقطرات عرق احسها
على جبيني لااقوى على إزاحتها...
أتأمل في مقاومه للغثيان المشاهد المتلاحقه امامي حيث
يستحيل الحياء الى العدم..والقرف الى شبق..وشعرت
بموعد اتيان اهلي يقترب ومددت يدي الى إيقف الشريط
وإخراجه...لكنه لم يخرج!!!حاولت اخرى ..ولم يخرج..
فصلت التيار واعدته من جديد ولم يخرج..ارتجف جسمي
بقوه كأنما يغلي على مرجل..ضغطت بكفي على فمي
لإيقاف صوت اصطكاك اسناني..غزارة العرق تبلل جسدي..
وعيناي شاخصتان في الجهاز..محاولات متكرره ولم يخرج..
مررت بأصابعي على جميع الازرار فتضئ وتصدر صوتاً يبعث
الامل لكنه ينقطع فجأة دون انبلاج الشريط..ضربت بيدي على
الجهاز..ركلته بعنف..اردت ان ابعث فيه الحياة لدقائق..فقط حتى
يخرج الشريط..كان علي الا ادخله منذ البدايه مادامت هيئته
المهترئه توحي بأن كل قطعه فيه اجتلبت من مكان سحيق...
انطلقت الى المطبخ لاحضار سكيناً...
وشعرت لشدة الوجل اني قد نسيت
مشيتي..او هي الارض من تحتي
غير ممهده..باعدت كل قطعه من
الجهاز عن الاخرى..بعثرتها جميعاً..
افرغت كل محتوى من مسماره..
ازحت عن طريقي كل الاسلاك الشائكه..
استحال الجهاز الى قطع متناثره محال
انها كانت قبل لحظات متآلفه لشئ يؤدي
عملاً منتظماً..وظل الشريط متشبثاً بكل
قوة في مكانه..حاولت ان انتزعه بشده
ولكن دون جدوى..حانت مني التفاته الى
مؤشر اساعه..رأيته يقترب من موعد عودة
اهلي..زاد اضطرابي..هممت بأن القي الجهاز
بالشريط في اقرب صندوق نفاية..تذكرت انه
للجيران..ماذا لو اعادوه اليهم وفي داخله
الشريط..كيف ستحل الكارثه..حتماً سيجلدني
ابي..وتقاطعني امي..ويبصق علي الجيران..
لمحت المصحف قريباً مني..هويت اليه دون شعور
مني احتضنته..اردت ان ادعو الله بأن يخلصني
من هذا المأزق..تذكرت بأن علي ان استحم قبلاً..
قرأت بصوت عال متهجد..حتى طفرت الدموع من
عيني وحجبت علي الكلام..ضممته الى صدري
ووعدت الله بأن يكون هذا الشرط اللعين آخر شريط..
كما انه اول شريط..وان اصلي الفجر التي كثيراً
ما يعاتبني ابي على ارجائها الى موعد المدرسه..
اصليها في وقتها..وان اشهد نهار رمضان فلا انام
حتى موعد الافطار..وان...وان..لمحت الساعه تنبئ
عن وقت عودة اهلي..اسرعت اعيد الجهاز الى
هيئته الاولى..نقلته الى غرفة امي وابي..فقد تكون
بركة المكان قادره على تحقيق شئ..لكنه لم
يخرج..وفجأه سمعت صوت اهتزاز مفاتيح..
فانطلقت بسرعه قبل مباغتة اهلي..وانا ارفع الجهاز
الى صدري اقفز بشده فوق الاثاث واتعثر في
اشياء صادفني في الطريق..حتى وصلت بأعجوبه
الى غرفتي..اغلقت الباب بالمفتاح واطفأت الاضواء..
سمعت ابي يحاور اخي الذي يشاركني الغرفه وهو
يحرك مقبض الباب بأني قد نسيت واغلقت الباب او
انني خائف لوحدي وان عليه الا يوقظني ، واخي
يحتج بغضب بأن هذا ليس من حقي..وتكومت
مكاني ابكي بحرقه..اسقطت راسي بين ركبتي
لاحبس نشيجي من ان يُسمع..ظللت كذلك لاكثر
من ساعه..كالمذنب الذي ينتظر تنفيذ القصاص به..
كل الامور خرجت من يدي كأسوأ ماأتعرض له
في حياتي..ويسوءني ان المشاهد التي رأيتها
في الفلم عاله في ذهني كأنما هي مطبوعه
على جبيني لتفضحني..وللمره الاولى تمنيت ان
يُقضي علي..على الرغم من كرهي الشديد للموت..
هو عندي الان اهون مما انا فيه..ولكن هل يريحني
ان اموت والشريط لم يخرج بعد..كم سأنال منه ان
خرج..سأبث فيه كل حقدي..سأقطعه الى قطع
صغيره حتى اخذ بثأري بعد ان احال هدوئي الى
فزع..سألقي بالقطع الى صندوق النفايه اسفل
نافذتي لن انتظر بقاءه في الغرفه بعد خروجه..
توسلت ربي من اعماقي في الظلام بأن يخلصني
من كربتي..نهضت في محاوله فاتره لتشغيل الجهاز..
لكنه ايضا م يخرج ...وانا في محاولتي لاخراجه
ولما علا صوت المؤذن بالفجر..خرج الشريط..
كم هي فرحتي عندما خرج ...كأني مولود من جديد
اخذته وسحبت مافي داخله وكسرته والقيت به
من غرفتي كما واعدت نفسي...
وعُدتُ الى ربي وكان هذا الشريط سبباً في
هدايتي ورجوعي الى الله ...
وما اجمل الحياة وانت قائم بواجباتك تجاه ربك..
ووالديك واهلك دون ان يكدرها اي معصيه او زيغان
عن الطريق الذي خلقنا له..
ذهبت لصلاة الفجر.. واقسمت ان لااكلم هذا الصديق
الفاسق الا ان يهديه الله ويرده اليه رداً جميلاً !!!!
r
رد مع اقتباس
المفضلات