احترام الرأي خلق سام نبيل يجعلك تفتح أذنيك لكلام محدثها لتطبقها لا على الهزء والسخرية ولا على المعارضة والملاحظة بل على الشكوى التي يتبرم منها دون حل وعلى الفضيلة التي ينادي بها وهي في استغاثة وعلى المساعدة لإنقاذ القول من الهدر والضياع إن كان فيه فائدة لي ولك ولنا جميعاً.
فالحديث لا بد أن يكون فيه من الغموض ما يجعلك تستوضحه ومن الخطأ ما تشفق عليهم المبالغة والتزيد فتصححه أو توقفه عند حد ومن الغرض الشخصي ما تجعل فائدته محدودة وليس لك عندها إلا أن تدعو له بالتوفيق والنجاح فكن مستمعاً حقاً ولو لم يكن محدثاً حقاً فإنه بإمكانك أن تأخذ يده على الوجه الصحيح عن طريق مباشر أو غير مباشر ولكن ليس بإمكانك كذلك إذا أطبقت الأذى ولم تعد تدري ماذا يقول وماذا يقصد.
عرفت إنساناً قد سد أذنيه تماماً وأحكم إغلاقها بحيث لا يسمع إلا من وراء قصد ولا ينظر إلا من وراء هدف فإذا خالف الكلام مذهبه فهو في صمم وإذا ناقض المشهد متعته فهو في عمى عن رؤيته.
استثرت غضباً منه قبل أن أعرف في وجهة مبدأه وحملت نفسي بعدها على الصبر في تفهمه لكي أعرف السر الذي لا ينطوي على شيء معقد بل على شيء بسيط هو أن لا تسأله فيما يعنيه ولا تسأل نفسك فيما يقصد ولا تجيبه فيما يسأل ولكن أجب نفسك فيما يقصد لتسره وتمتعه وتغنيك عند احتدام المعركة وإذا أمكن فاتخذ الجواب من النظر إليه والتأمل في وجهه ليحد من السؤال أو الجواب اللذين ينطلقان من فمه بسرعة البرق فيما يقصد وببطء السلحفاة فيما يهدف. لم أتعجب منه بعد أن وقفت على حقيقة أمره إذ كان إنساناً اعتاد على استماع لفظ القول وهذيانه فعود أذنيه على الإطباق كما عود عينه على الغمض فصار الحديث كله لديه سواء ثمينه أوغثه.
إنسان هذا النوع من البشر امتلأ ولم يعد له مكان من الفراغ فلتكن جعبتك في محبته والصبر على طبيعته من الاتساع والضخامة ما تصبه في قالبك دون أن تفتح له الطريق ولكن لترميه رمياً وتقذف به إلى المجال الذي تريده له وتتمناه ليتخلص من شيء واحد في سر واحد هو السؤال والجواب منكما وإليكما ليصيرا حلاً للعز ونتيجة للضحك وإشباع الرغبة في الكلام.
ولكم ارق التحايا ،،،
__________________
المفضلات