السلام عليكــــــــــــم ،،،
بين القسوة والحنان من الارتباط والصلة ما بينهما من الاختلاف والبعد فإنك إذا قسوت تكون أخذت للأمر عدته من الحزم والشدة بحيث وضعته في موضع النظام والضبط فلا تلين في مراعاته ولا تتهاون في دقته وعندئذ تشعر بالسهولة العظمى في حل المعضلات سواء منها الفكرية والاجتماعية والنفسية وبذلك تكون أشفقت على نفسك من الجهل وعلى حياتك من الخزي والذل وعلى أطفالك وأهلك من التشرد والفاقة. أما الجهل فآفة كبرى لا يمكن القضاء عليها إلا من بعد تركك لأهواء نفسك وطرحك اللذائذ والمتع بالإضافة إلى انكبابك على القراءة والتعلم حتى تنمي فيك قدرة الصبر والفهم لتصبر على ما يحبس نفسك ويقيدها من اللهو واللعب حتى تصير بفهمك وحفظك لمادة الدرس أقدر منه لتشتيت فكرك ونفسك عما يجول بها من الهواجس والمشاغل.
فإذا كنت أبا لأطفال كانت القسوة داعية إلى الحنان لهم لأنك إذا لم تحزم الأمر في تعلمهم وتوجيههم الوجهة الصحيحة لكان انصرافك عن هذه القسوة سبيلاً إلى تركهم للجهل يتيهون وبذلك تضيع عليك فرصة تربيتهم التربية الصحيحة ولذا ترى مستقبلهم دائماً مهددا ًبالراحة والاطمئنان معك ومعهم. فالقسوة في العقاب تكون دائماً من جنس العمل فإذا لم تحسن التصرف كان ذلك داعياً إلى قسوة أكبر لأنك نشدت العطف والتسامح في الوقت الذي فسدت فيه تلك المعاملة فأنت تبعد عن الحنان لتقترب إلى القسوة التي هي في غير موضعها فليست مسماة كما تسميها ولكنها تأخذ اسم الجهل لتتصف بالتأديب والتقويم.
الأب الذي يشفق على ابنه من البرد خوفاً من أن يؤذيه ويضر به يختلف كل الاختلاف عن الأب الذي يشفق على ابنه من عدم مقاومته للبرد فيقوي جسمه حتى يصبح منيعاً تجاه إحساسه بألمه وارتعاده. فالقساوة التي يؤديها المربي في سبيل اعتياد طفله على خشونة الحياة تعادل الحنان عليهم في مثل يوم يتعرض فيه الطفل إلى مثل الشعور بهذا البرد ولكن بغير مقاومة واحتمال والأب الذي يقسو على طفله لتعويده على التخلق بالأخلاق الحسنة فيحارب فيه الكسل والكذب والخوف والكبرياء كانت هذه القسوة حناناً حيث أن الحياة والمجد والكرامة ليست لكسول ولا كذاب وخائف ومتكبر ومثل هذه القساوة في فائدتها مثل الحنان الذي في قلبه على مصير طفله من الوقوع بآفات عظيمة لا ينفع معها بعد ضياع الوقت نوع الشدة والقساوة التي لم يستعملها من قبل بل تحتاج إلى قساوة من نوع جديد ليست في مصلحته ولا مصلحة طفله.
ذكرني بهذا الموضوع ما وجب عليّ قساوته وأنا في حنوٍ له وما وجب علي حنوه وأنا في قساوة له. رحت أفتش عن الأسباب البعيدة والقريبة له فوجدت في كراهيتي الكبرى للكذب وليس الصدق بقريب مني وفي محبتي العظمى للطاعة وليس العصيان ببعيد مني وفي اعتدالي الكبير بين حب الطموح والقناعة وليس المفرط فيهما على جدارة لهما لأن حب الطموح يتطلب علواً في الهمة والعزم والانصراف عنه يتطلب رضى كل الرضى بما هو صائر وموجود. ذكرني بهذا الموضوع ذلك العملاق الذي له ضربة فولاذية من عصب قوي قد قسا عليه مربيه كل القسوة فلم يضعها في موضعها وإذا به أمام هذا الجبروت من القوة والحزم يضعف ويلين أمام نظرة رقيقة من مخادع أو كلمة ناعمة ملساء من مخادع وكاذب فيفتتن بهذه النظرة وهذه الكلمة وتتحول إرادته من جبروت في القساوة إلى خضوع تام في الحنان.
ما أحوجنا إلى تربية عواطفنا إلى الابتعاد عن الميل بها إلى مثل هذه الهوة العميقة شدة وصلابة يذهب بهما الغضب كل مذهب، وحنان وتراجع يذهب بهما الرضا كل مذهب إن مثل هذا الإنسان لا يكون شجاعاً ولكنه متحمس للشجاعة ولا محباً للرقة ولكنه يتغنى بها ولكنه يتغنى بها. أما الشجاع الحقيقي والماجد الحقيقي فإنه يصمد للنائبات سواء في أيام السلم أو الحرب فنظرة رقيقة خادعة هي امتحان لك فإما أن تحارب
وإما أن تسلم.
لكم التحيـــــــــــــــــــــة ...
المفضلات