قُيض لقصيدة الحارث بن عباد المعروفه
((بمربط النعامه)) من الشهره والذيوع ما لم
يقيض لغيرها من القصائد التي اشتهرت بها
حرب البسوس بين بكر وتغلب ، وقد تميزت
القصيده بصدق الشعور والاحساس بالألم
والرغبة في الانتقام مما جعلها واحدة من عيون
التراث العربي ، ويرجع السبب في انشاء
الحارث بن عباد سيد قبائل بكر للقصيدة إلى
تللك الحرب التي اشتعلت بين بكر وتغلب بسبب
البسوس بنت منقذ التميمية خالة جساس بن
مرة وي التي يضرب بها المثل فقيل ( اشأم
من البسوس) .
فقد تسللت ناقتها المعروفه باسم (سراب)
إلى مراعي كليب الذي رأها وقال لجساس " لئن
عادت لأضعن سهمي في ضرعها " .
فقال جساس : " لئن وضعت سهمك في ضرعها
لأضعن سنان رمحي في ليتك " ثم تفرقا .
ولم تلبث (سراب) ان عادت إلى مرعى كليب
فرماها بسهم فقتلها فلما رأتها البسوس صاحت :
" واذلاه " وجساس يراها ويسمع فخرج اليها
وقال لها : " اسكتي سأقتل جملاً أعظم من هذه الناقه "
وخرج إلى كليب فقتله غدراً وغيله .
وهنا ثارت ثائرة دي بن ربيعه أخو كليب والملقب
بالمهلهل وانما لقب مهلهلا لانه اول من هلهل الشعر
وقصد القصائد .
وقد كان المهلهل قبل مصرع اخيه لاهياً ينعم باللذات
والصيد والخمر والمرأة ... فلما علم بمصرع أخيه جَزَّ
شعره وهجر النساء وشمر عن ساق الجد ، وترك الخمر
والقمار وقال لبني ذهل ابن شيبان من بكر "اما ان تحيوا
كليباً اوتدفعوا جساساً فنقتله " فرفضوا تسليم جساس ،
عندها بدأت حرب البسوس التي استمرت اربعين عاماً...
وتوالت انتصارات المهلهل على قبيلة بكر ومن تحالف
معهم .
اما الحارث ب عباد فقد اعتزل بقومه الحرب فلم يشهدها
وقال لبني شيبان "ظلمتم قومكم وقتلتم سيدكم فو الله لا نساعدكم"
ثم ارسل الحارث بن عباد ابنه " بجيراً " ليصلح بين بكر وتغلب ،
فلما عرفه المهلهل قتله قائلاً "بؤ بشسع نعل كليب (1)" فلما سمع
أبوه بالخبر ظن انه قتله ليصلح بين الحيّين فقال: " نعم القتيل قتيلاً
اصلح من ابني وائل " .
فقيل له انه قال " بؤ بشسع نعل كليب " عند ذلك غضب الحارث بن
عباد وقال قصيدته المشهوره " مربط النعامه " التي انشأها في صورة
مؤثرة التقط ابياتها من عمق المساة ، فقد قُتل بجيراً ابنه غدراً في غير
موقع قتال بدلا عن شسع نعل كليب ، وليس اقسى على الكريم ولا آلم
من ان يقتل في مقابل شسع نعل في حرب لا يد له فيها فهو في بدأية
القصيدة يطلب من والدة بجيراً ان تبكيه كما سيبكيه هو ما دامت المياه
تسيل من رؤوس الجبال متلهفاً على بجير في اوقات الحرب الشديده
الوطأة وانه لن يقبل الصلح حتى يملأ الصحراء من رؤوس الرجال ،
في حرب لم يكن من جناتها وانما فرضت عليه فرضاً . فقتل الكريم
فداء لشسع نعل غال جداً انها طعنة الغدر والخيانة تمثلت في عمق
الأحسا بها تكون بعد ذلك مدعاة للفخر والشجاعة في الحرب مكرراً
بالحاح نداء : قرّبا مربط النعامة مني ... في اربعة عشر بيتاً متتابعه :
والنعامه هي فرس الحارث بن عباد التي لم يكن في زمانها مثلها ...
ولن امضي مع القصيده الى نهايتها ولكن نورد القصيده ونتحدث عن
موقف الحارث الذي قاد قبائل بكر برمتها لحرب تغلب وتوالت انتصاراته
على المهلهل وكان اول يوم انتصر فيه هو يوم قضة ويدعى ايضاً يوم
تحلاق الَّلمم ، وسمي بذلك لان بكراً حلقوا رؤوسهم ليعرفوا بعضهم بعضا
وقيل انه اسر المهلهل ولم يعرفه فجزّ لمت واطلق سراحه .
ولقد قيل في حرب البسوس قصائد كثيرة مشهوره لعل أكثرها شهرة
قصائد المهلهل وما انشأته جليلة بنت مرة زوجة كليب واخت جساس
ولكن بقيت قصيدة " مربط النعامة " اشهر لأنها كانت لشيخ حكيم جليل
القدر مشهور بالفضل والشجاعة جمع في قصيدته الرثاء لفارس شجاع
فارس الجمع عند اللقاء أسد عند المخاطر ، فجاءت تمثل نفثة مكلوم
وبكائية مفجوع ، استعداداً للثأر من العداء .
فإلى القصيدة :
قل لأم الاغر تبكي بجيراً *** حيل بين الرجال والاموالِ
ولعمري لا بكين بجيراً **** ماأتى الما من رؤوس الجبالِ
لهف نفسي على بجير اذا ما *** جالت الخيل يوم حرب عضالِ
وتساقى الكماة سماً نقيعاً *** وبدا البيض من قباب الحجالِ
وسعت كل حرة الوجه تدعو *** يالبكر غراء كالتمثالِ
يابجير الخيرات لا صلح حتى *** نملأ البيد من رؤوس الرجالِ
وتقر العيون بعد بكاها *** حين تسقي الدماء صدور العوالي
أصبحت وائل تعج من الحرب *** عجيج الحجال بالاثقالِ
لم اكن جناتها علم الله *** وإني بحرّها اليوم صالِ
قد تجنبت وائلا كي يفيقوا *** فأبت تغلب عليّ اعتزالي
وأشابوا ذؤابتي ببجير *** قتلوه ظلاً بغير قتالِ
قتلوه بشسع نعل كليب *** ان قتل الكريم بالشسع غال
قربا مربط النعامة مني *** لقحت حرب وائل عن حيال
قرّبا مربط النعامة مني *** ليس قولي يراد لكن مغالي
قرّبا مربط النعامة مني *** جدّ نوح النساء بالاعوال
قرّبا مربط النعامة مني *** شاب راسي وأنكرتني الغوالي
قرّبا مربط النعامة مني *** للسرى والغدو والآصالِ
قرّبا مربط النعامة مني *** طال ليلي على الليالي الطوال
قرّبا مربط النعامة مني *** لا عتناق الأبطال بالأبطالِ
قرّبا مربط النعامة مني *** واعدلا عن مقالة الجهالِ
قرّبا مربط النعامة مني *** ليس قلبي عن القتال بسالِ
قرّبا مربط النعامة مني *** كلما هب ريح ذيل الشمال
قرّبا مربط النعامة مني *** لبجير مفكك الاغلالِ
قرّبا مربط النعامة مني *** لكريم متوج بالجمالِ
قرّبا مربط النعامة مني *** لا نبيع الرجال بيع النعالِ
قرّبا مربط النعامة مني *** لبجير فداه عمي وخالي
قرّباها لحي تغلب شوساً *** لاعتناق الكماة يوم القتال
قرّباها بمرهفات حداد *** لقراع الابطال يوم النزالِ
رب جيش لقيته يمطر الموت *** على هيكل خفيف الجلالِ
سائلوا كندة الكراموبكراً *** واسألوا مذحجاً وحي هلالِ
اذا اتونا بعسكر ذي زهاء *** مكفهر الأذى شديد المصالِ
فقريناه حين رام قرانا *** كل ماضي الذباب عضب الصقالِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
(1) ـ اي نقتلك بدل شسع النعل ، وهو السير الذي
يدخل بين الاصبعين .
__________________
المفضلات