[align=center]4* بسم الله الرحمن الرحيم *
* قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى ولا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط:
*أن يقلع عن المعصية *أن يندم على فعلها *أن يعزم ألا يعود إليها أبداً.
وإن كانت تتعلق بحق آدمي فشروطها أربعة:
وهي بالإضافة إلى الشروط السابقة *أن يبرأ من حق صاحبها فإن كانت مالاً ونحوه رده إليه وإن كانت حدّ قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه. وإن كانت غيبة استحله منها ويجب أن يتوب من جميع الذنوب ، فإن تاب من بعضها صحت توبته عند أهل الحق ، من ذلك الذنب وبقي عليه الباقي وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على وجوب التوبة .
* قال الله عز وجل: " وَ تُوبُوا إلَى اللهِ جَمِيعاً أيَّهَ المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " (النور:31).
* وقال سبحانه وتعالى: " اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوآْ إِلَيْهِ " (هود:3).
* وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءآمَنُواْ تُوبُواْ إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَّصُوحَاً " (1) (التحريم: 8)
* عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة "(2) رواه البخاري.
* وعن أبي حمزة ( أنس بن مالك الأنصاري ) خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم، سقط على بعيره (3)، وقد أضله في أرض فلاة " متفق عليه. وفي رواية لمسلم: " لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم، كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس (4) منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها، قائمة عنده، فأخذ بخطامها(5) ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح "
* وعن أبي موسى بن قيس الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تعالى يبسط يده بالليل (6) ليتوب على مسيء النهار، ويبسط يده في النهار ليتوب على مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها "رواه مسلم.
* وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغر غر " (7) رواه الترمذي وقال : حديث حسن .
* وعن أبي سعيد ( سعد بن مالك بن سنان ) الخدري رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً ، فسأل عن أعلم أهل الأرض ، فدُل على راهب (8) ، فأتاه فقال : إنه قتل تسعا و تسعين نفساً ، فهل من توبة ؟ فقال : لا ، فقتله فكمَّل به مائة ، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدُل على رجل عالم ، فقال : إنه قتل مائة نفس فهل من توبة ؟ فقال نعم ، ومن يحول(9) بينه وبين التوبة ؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا ،فإن بها أناساً يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم ، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء ، فانطلق حتى إذا نصف الطريق (10) أتاه الموت ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب .فقالت ملائكة الرحمة : جاء مقبلا بقلبه إلى الله تعالى .وقالت ملائكة العذاب : إنه لم يعمل خيراً قط ، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم – أي حكماً- فقال : قيسوا مابين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له ، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد ، فقبضته ملائكة الرحمة " متفق عليه .
وفي رواية في الصحيح : " فأوحى الله تعالى إلى هذه أن تباعدي وإلى هذه أن تقربي ، وقال قيسوا ما بينهما ، فوجدوه إلى هذه أقرب بشبر فغُفر له " .
* وعن أبي نجيد(عمران بن الحصين ) الخزاعي رضي الله عنهما " أن امرأة من جهينة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنى ، فقالت : يا رسول الله أصبت حداً فأقمه عليّ (11) ، فدعا نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وليّها فقال : "أحسن إليها ، فإذا وضعت فأتني" ففعل فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فشُدّت عليها ثيابها (12) ثم امر بها فرُجمت ، ثم صلى عليها فقال له عمر : " أتُصلي عليها يا رسول الله وقد زنت ؟" فقال " لقد تابت توبة ، لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسِعتهم ، وهل أفضل من أجادت بنفسها لله(13) عزوجل ؟! " رواه مسلم .
* وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يضحك الله سبحانه وتعالى إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة ، يقاتل هذا في سبيل الله فيُقتل ، ثم يتوب الله على القاتل ، فيسلم فيستشهد" متفق عليه .
(1) " توبة نصوحاً ":أي توبة صادقة خالصة، بالغة في النصح الغاية القصوى وسُئل عمر رضي الله عنه عن التوبة النصوح فقال : هي أن يتوب ثم لا يعود إلى الذنب كما لا يعود اللبن إلى الضرع .
(2) " أتوب في اليوم سبعين مرة ": توبته صلى الله عليه وسلم سبعين مرة، أو مائة مرة كما في الرواية الثانية، ليست من الذنوب والمعاصي، إنما هي إرشاد للأمة، إلى الإقبال على الله بالاستغفار والتوبة، لأن كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.
(3) "سقط على بعيره " : أي صادفه من غير قصد ورآه ماثلاً أمامه.
(4) " أيس منها " : أي يئس من رجوع دابته إليه .
(5) " فأخذ بخطامها " : أي أمسك بالحبل الذي يوضع في عنقها .
(6) " يبسط يده بالليل " : كناية عن سعة رحمة الله وتوبته على عباده أي يفتح أبواب الرحمة بالليل ليتوب على من أذنب بالنهار ، وكذلك يفتح أبواب الرحمة بالنهار ليتوب من أساء بالليل ، حتى تظهر علامة الساعة الكبرى وهي طلوع الشمس من مغربها فيُغلق باب التوبة .
(7) " مالم يغرغر " : أي مالم تصل الروح إلى الحلقوم ، قال عز وجل : " حتى إذا حضر أحدكم الموت قال إني تبت الآن " وإنما لم تُقبل التوبة لرؤية ملائكة العذاب.
(8) " دُل على رجل راهب " : أي عابد من عباد بني إسرائيل لا يعرف الامور الدينية .
(9) " ومن يحول " : أي يستطيع أن يمنع بينك وبين التوبة؟ .
(10) " نصف الطريق " : أي وصل إلى منتصف الطريق فقبضت روحه .
(11) " أصبت حداً فأقمه عليّ " : أي ارتكبت أمراً يوجب الحد .
(12) " شُدّت عليها ثيابها " : أي جُمعت عليها ثيابها لئلا تنكشف عورتها .
(13) " جادت بنفسها لله " : أي دفعت روحها وقدمتها لله عز وجل لتتطهر من ذنبها . . وفي الحديث دلالة على توبة الله على أهل الكبائر .
من كتاب : شرح رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين للإمام الحافظ المحدِّث أبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي الدمشقي قم بخدمته وشرحه والتعليق عليه الشيخ محمد على الصابوني . ( الطبعة الأولى )
إخوتي في الله : اعلموا أن الله عز وجل تواب غفور رحيم ، وجبار عزيز منتقم ، فمن يسّر الله له توبة فليدرك تلك النعمة التي أنعم الله بها عليه .
إخوتي : هاهي الذنوب متراكمة كالجبال ونحن مازلنا نزرع في الدنيا الآمال .. نسينا دار البقاء وشغلتنا دار الفناء .. هل سألنا أنفسنا عن ذنوبنا أم غرتنا أهواء نفوسنا .. فلنترك هذه الأماني ولنعد إلى طريق الأمانِ .. ولنعمل الصالحات قبل الممات .. فالعمر محدود ولا تدري متى الممات !!!!!
أخي الكريم / أختي الكريمة : هل تعلمون كيف تُمحى الذنوب .. إنها التوبة تجب ما قبلها !! ستقوم قائلاً : أعلم ذلك !!!!
إذاً : لمَ تؤخر توبتك ؟! هل تخاف ألا يتقبل الله منك توبتك ؟!! أنا أعارضك ، فتذكر دائماً أن الله أرحم من الأم بولدها .. أم أنك ضامن بقاءك واستمرار حياتك ؟! وأقولها لك : العمر لحظات معدودة بل لحظة واحده . . ولاتعلم إلى متى سوف تعيش !!
والآن لمَ لا نحاول ؟!! لم لا نجاهد أنفسنا ؟!! لماذا الانسان يمضي أوقاته فيما لا يفيده ؟!!
أيها الأخوة الأعزاء : إنا إن عدنا إلى الله فلن يضيع أجرنا وسوف يعوضنا عن كل ما تركناه من أجله سبحانه وتعالى .
أخي في الله : هذا باب التوبة مفتوح أمامك على مصراعيه .. فامضِ إليه ..
وهنا أيضا موضوع آخر ألا وهو مسألة إهمالنا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . . فكما نرى أصبح الناس كالأعداء.. فروح المحبة والتعاون والمساعدة أصبحت نادرة والتناصح والارشاد أصبح حصرا على الهيئة فقط !!
فلنحيي زمن التآخي .. ولنشدّ الايادي .. وليرشد كلٌ منّا أخاه في الله .. فقد أهلكنا الضعف ، نعم ضعف النفوس وغرتنا الدنيا وزينتها وأصبح الهوى مرشداَ ودليلاً .. وأصبح المال هو الهدف وسعى الناس وراء تلك الحضارات الزائفة الفانية .. والتي تضمر المفاسد والمكائد في طياتها .. ولنقم من سباتنا ولنرفع راياتنا الشامخة .. ولنشعل مصباح الأمل ولنشرع في خير العمل وليكن ديننا بقرآنه وسنة نبينا النبراس والدليل .. هيا فلنتب ولنعد إلى الله .. فالرجوع له يعيد مجدنا وعزتنا ..
وفقكم الله لما يحب ويرضى .. وعفا عنا وعنكم .. وغفر لنا ولكم .. وجمعنا في جنات الفردوس .. ووقانا عذابه ودمتم في رعاية الله .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
* أختكم في الله الـشـمّـرية *[/align]
المفضلات