[mark=000000][align=center]ابتسم الصباح على غير عادته، و أتت العصافير تبحث عن فتات خبز على الشرفة، و أنا أرتشف قهوتي و أحدق برمادية ألوانها التي تجيّش خواطر غير حلوة في داخلي، بينما هي في ذات الوقت اللون الوحيد المتجدد في صباحاتي، و الشيء الوحيد الذي يفكر أن يزورني في كل صباح و يرسم طيف ابتسامة على شفتي.
فتحت النافذة و خرجت إلى الشرفة، فطارت الحمائم، حتى هي تهرب مني إن اقتربت، و بدأت أرقب الناس و هم ماضون في دأبهم بالكاد يجد الواحد منهم الوقت ليرفع يده تحية لجاره وهو مسرع، و من غير أن يلتفت حتى إلى وجهه ليرى كيف هي تقاسيمه هذا الصباح.
تناولت معطفي و خرجت إلى الشارع، لأخبَر المزيد من أمور الناس التي بدأت تصيبني بالضجر، مررت على مقهى رياض هو سعيد اليوم على غير عادته، ألقى علي التحية و ابتسامة عريضة كادت أن تتفتق منها أشداقه، يبدو أن يومه كان مربحا منذ الصباح. ثم ما لبثت أن سمعت تراتيل تنبثق من المسجد، إنهم يذكرونني بالكتّاب و العصا التي طالما نالت من ظهري الكثير.
ها قد وصل سعيد:
- صباح الخير، إلى أين أنت متجه اليوم؟
يقولها كمن اعتاد طرحها على كل راكب، بلا تحرّي للجواب
- إلى حيث لم تكن هناك خطيئة !!!
صعدت الحافلة و لا تزال علامات التعجب بادية على وجهه، و الكثير من الكلام الذي يقف على حد اللسان لكنه يأبى النزوح.
مضى يقف في المحطة تلو الأخرى، أناس تصعد و أخرى تنزل، حتى إذا ما وقف عند محطة كنت اعتدت النزول فيها، فنزل من نزل، إلا أنني لم أبدِ استعدادا للنزول، و لا يزال هو واقف و يحدق بي في المرآة بكل استغراب:
- ألن تنزل؟!!
- هل وصلنا إلى حيث لا خطيئة؟
بدا عليه الامتعاض و مرة أخرى كظم الحديث على بنت الشفاه و مضى دون اكتراث مجددا، لعله سئم الاكتراث و لم يعد يختلس إلي النظرات حتى عدنا إلى حيث انطلقت معه، و لما لم أبدِ استعدادا للنزول أيضا، أدار كامل وجهه نحوي و قال:
- انتظرت طوال المحطات أن ترشدني إلى حيث لا خطيئة، ولكن أيا منهم لم تخلو من الخطيئة… فهل عساها الحافلة هي التي خلت من الخطيئة ؟
تجهمت أساريري، فتناولت معطفي و نزلت !!![/align][/mark]
المفضلات