بسم الله الرحمن الرحيم
لا توجد معركة في مسيرة التاريخ ، ولن توجد معركة في الوجود ، قد حسمت نتيجتها قبل أن تبــدأ ، إلا معركة الإسلام مع أعداءه ، ومن ذلك معركة الإسلام اليوم في المشهد العالمي في مواجهة الصليبيّة الصهيونيّة :
** أولا : لأنّ الإسلام هو دين الحق ، وكيف لا يكون الحق منصورا ، والله تعالى هــو الحق المبين ، ولهذا قال تعالى ( قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ) .
** وثانيا : لان هذا الدين خاصّة إنمــا بُعث يوم بُعث مكتوبـاً له النصر ، قال تعالى ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) .
** وثالثا : لأن هذا الجهاد الإسلامي العالمي ، ليس اعتباطيّـا ، وأيضــا كونه عالميا ليس هو وليد الصدفة والاتفاق المحض ، بل لأنـــّه روحٌ واحدة ، متناسقة النبضات من جنوب شرق آسيا ، إلى المسجد الأقصى وما وراءهما وبينهما ، في فلسطين ، وأفغانستان ، وكشمير ، والفلبين ، والشيشان ، والعراق ، عجبا .. كيف جمع الله تعالى عرب الجزيرة ، ومصر ، والمغرب ، واليمن ، والشام ، وأبطال الأفغان ، ورجال الشيشان ، وأشاوس الهند وباكستان ، وأسود العراق وأكرادها أحفاد صلاح الدين ، وحراس الأقصى الشجعان ، وغيرهم من جميع شعوب الأرض ، في ثغور الجهاد ، كلهم في مشروع عالمي واحد .
إنها روح واحدة مبعوثة بتدبير ربانيّ ، وحتى في سنن الأمم ومسيرة التاريخ ، لا تسير مثل هذه الحركات إلى غير نتيجة ، بل هي تتجه نحو تغيير تاريخــــيّ كبــير ، كبيــر بحيث سيكون حجمه على قدر حجم التضحيات التي قدمت بين يديه .
وأيضـــا لم يكن تزامنه مع مخطط الهيمنة الصهيوأمريكية وركوبها موجة عولمة الرأسمالية الغربيّة التاريخيّة المتحالفة مع الصليبيّة ، باعتبارها عقيدة وثقافة تريد الهيمنة على العالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ، لم يكن تزامن انطلاق الجهاد العالمي مع هذا المخطط وليد الصدفة أيضا ، إنه كيد الله تعالى ، مقابل كيد الشيطان ، إنه إرهاصات انقسام جديد في المشهد العالمي ، قــد هيـّـأ الله تعالى له منذ فترة الحرب الباردة ، وسيقسم العالم إلى قوتين عالميتين ، إسلامية … وصليبية ، ليهيئ بعد ذلك لابتلاءات ربانية أعظم ، فنصر الله الأعظــــــم .
وأيضا فإن الضربة التي تعرضت لها أمريكا في 11/9 لاتمر عادة في مسيرة التاريخ مرورا عابرا ، وكذلك هي ليست حادثا عاديـا ، فجميع الحضارات إنما بدأت بالتناقص والذلّّّ بعد هجوم كبير مدمـّر ، شديد الوطأة ، يعقبه متتالية من الهزائم التي تُـزيّـف بالأكاذيب في بادئ الأمر ، ثم ينكشف كل شيء ، وكذلك سيحدث لأمريكا وستذكرون ما أقول لكم .
** ورابعـــــا : لأن الله تعالى قال ( ولا نضيع أجر المحسنين ) ، وقال ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) ، وما كان الله ليضيع دماء الشهداء ،
ولا ظمأ ونصب ومخمصة المجاهدين في سبيله ، في تلك الجبال ، والأودية ، والآكام ، والقفار ، ومع انهم مطاردون في الأرض ، مستضعفون ، مشرّدون ، غير أنهم صابرون مرابطون في الجهاد ، يبتغون رضا ربهم ، ونصر دينه ، مع قلة العدد ، وضعف العدة ، وقد عـزّ الناصر ، وقل المعين الصابر ، وكثر المخذلون ، وتكالــب المخالفون ، وتداعت عليهم الأمم ، وجاءوهم من فوقهم ومن أسفل منهم ، وقـد اشتد البأس ، وزاغت الأبصار ، وبلغت القلوب الحناجــــر ، وزلزلوا زلزالا شديــدا ، وهم مع ذلك ما وهنوا لمــا أصابهم في سبيل الله ، وما ضعفوا ، وما استكانوا ، والله يحب الصابرين .
ما كان الله ليضيع ذلك ، ولن يفعل سبحانه ، وسيريهم من نصره على عدوّهم ، ما تقـر به عيون أحياءهم بذلِّ أعداءهم ، كما أقر عيون شهداءهم بنعيم الجنة التي يسرحون فيها حيث شاءوا ، وسيكون من ذلك ما يسرُّ قلوبُ المؤمنين ، ويشف صدورهم ، ويذهب غيظ قلوبهم ، سيكون ذلك قريبا بإذن الله تعالى ، فقد تواترت الرؤى المبشرة بهذا كله ، ووالله الذي لا إله إلا هو إنه لقريب ولكن أكثر الناس لا يعلمــــون .
هذا … ولأنّ معركة الإسلام في مواجهتــه مع أعداءه ، محسومة النتيجة ، قال تعالى (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ ) .
ولهذا سُميت الطائفة المواجهة لاعداء الله الطائفة المنصورة .
ولهذا فإن من ينصر هذا الدين ، يتلقّى البشارة عند أول خطوة يخطوها منحازا إلى الصف الذي أمر الله تعالى أن ينحاز إليه المسلم في صراع الإسلام مع أعداءه ، يتلقّى البشرى في هذه اللحظة ، بأنه منصور ، لأنــّه ليس ثمة إحتمال أصلا غير هذا الاحتمال .
ذلك أن هذه المعركة ، يقودها الله تعالى ، هو الذي يختار لها جنوده يمحّصهم ليُعلي مراتبهم ، ويصطفي فيها الشهداء ، وهو الذي يحدد موعد نهايتها ، أما الفوز فيها فهو في وقوع الاختيار الرباني على من يختاره الله ليكون من جنوده ، وفي موافاة المؤمن ربه ثابتا على الانحياز الصحيح ، كما قال حرام بن ملحان يوم بئر معونة لما طعن في ظهره برمــح ، قال : فزت وربِّ الكعبة ، فقد فقـه أن هذا هو النصـــر.
كما فقهت أخته أم حرام بن ملحان رضي الله عنهــــا ، هذا المعنى فأرادت أن تكون في رفقة الركب إذ لم تقدر على أن تجاهد بنفسها ، وذلك عندما ( نام رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها ، ثم استيقظ وهو يضحك ، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم ، ثم وضع رأسه، فنام، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، كالملوك على الأسرة- كما قال في الأولى- قالت: فقلت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال: أنت من الأولين ) .
ولما غزا معاوية رضي الله عنه ، سنة ثمان وعشرين قبرص ، وغزاها أهل مصر وعليهم عبد الله بن سعد بن أبي السرح حتى لقوا معاوية فكان على الناس ، خرجت معهم رضي الله عنها وصرعت عن دابتها فماتت .
فقد علمت رضي الله عنها ، أن الفوز إنما هو في الانحياز إلى الصف الصحيح ، صف الله تعالى ، إلى النهاية ، فاغتنمت فرصة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فدعـا لهــا ، فرزقت من ذلك الدرجة التي كتب الله لها ، فتأمل هذا التوافق بينها وبين أخيها ، ذريةٌ بعضها من بعــــــض .
وهذا هو السر في كون المجاهد لنصر هذا الدين ، راضياً بما هو فيه ، لا يستعجل آخــر الصراع ، بل همّه متوجّه إلى إرضاء ربه ، لأنـّه منذ أن انحاز إلى ربه ، فأحســن الاختيار ،استبشر بنصر الله تعالى ، ولهذا كان المجاهدون أبعد الناس عن الهمّ والغمّ ، كما صحّ في الحديث قال صلّى الله عليه وسلّــم : (عليكم بالجهاد في سبيل الله تبارك و تعالى، فإنه بابٌ من أبواب الجنة، يذهب الله به الهمّ و الغمّ ) رواه أحمد والحاكم والضياء في المختارة من حديث عبادة بن الصامت .
ذلك أن الله تعالى أورثهم الرضا بما وفقهم إليه ، فهم مستبشرون ، مبشَّرون من الساعة التي عقدوا بيعتهــم ، فهم يأخذون البشرى بعقد البيعة ومعه ، لا بعده .
ولهذا قال تعالى: ( إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين ) .
فقرن بين البيعة والبشرى لما ذكر الجهاد ، وأما في الآية الأخرى فأعقب الأعمال الصالحة بالبشرى ، والسر في هذا ـ والله أعلم ـ أن المجاهد لمّا بايع ربه على الموت في سبيله ، فقد حقق انتصاره ، على كل العوائق والعوائد والعلائق : على نفسه ، وهواه ، وشيطانه ، وحب الدنيا ، وضغوط الواقع الجاهليّ ، وعلى المخذّلين ، والمخالفين ، والمثبّطين ، فقــد قطع كل المراحل الذي تخلف وراءها غيره ، فغدا في سعة بعد ضيق النفس ، وفي انشراح بعد حرج الصدر ، وفي رحابة العبوديــّة لله تعالى ، بعد سجن طاعة الشيطان ، وأغلال الهوى ، فكيف ـ لعمري ـ لا يذهب عنه كل غــمّ وهــمّ ،وهـل الهمّ والغمّ إلا بسبب حب الدنيا ، وشهوات النفس ، وتزيين الشيطان .
ولهذا كله أقول للمجاهدين ، ومن وفقه الله إلى أن ينحاز إليهم ، ويتبرأ من عدوّهم ، ومن خاذليهم ، ومخالفيهم : أبشـــــروا والله ، أبشروا من اللحظة التي وفقكم الله فيها للانحياز الصحيح ، إلى صف الله تعالى والإسلام ، ضد صف شيطان الصليبية الصهيونية ، وأولياءها من خونة الحكام ، وعلماء السوء ، وأبشروا أيضا بنصر من الله وفتح قريب .
المفضلات