منقووووووووووووول
موقع اليوم الإلكتروني
www.alyaum.com
تحقيقات وتقارير
مفاجأة خطيرة تكشف قصة اعتقال الرئيس المخلوع
"A.I.C" يحقق مع صدام بولاية فرجينيا .. دون أي معلومات
طائرة بريمر تحمل "الصيد الثمين" إلى البيت الأبيض
الصورة التي نشرها موقع military.com
صورة للموقع نفسه.. وتبدو فيه الصورة
ربما لا ينكر أحد أن سقوط بغداد والقبض على الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين هما الحدث الأبرز خلال عام 2003م.. سقوط بغداد "المأساوي" وغير المتوقع على الأقل بهذه السرعة من الانهيار كان حدثاً غير اعتيادي خاصة في جو الشحن والتهديد المتبادل بين نظام بغداد وقوات ما أطلق عليه التحالف الأنجلو أمريكي .. واعتقال صدام حسين جاء إكمالا لسلسلة البحث عن إبرة وسط كومة القش العراقي. الطريقة التي أظهرت بها القوات الأمريكية سيناريو اعتقال صدام ونشره على العالم بهذه الطريقة ـ المهينة بالفعل ـ جعلت الكثير من المحللين يبحثون وراء الحدث ويطلقون العنان لخيالاتهم لتصور من نوع ما، قد يرضيهم أو يشبع شيئا ما نختلف أو نتفق معه.. الروايات كثيرة، أهمها ما نشرته صحيفة (الأسبوع) المصرية منذ أسبوعين تقريبا عن سيناريو الاعتقال وما أوردته الصحيفة من معلومات جديرة بالاهتمام أو بالقراءة على الأقل وربما في أسوأ الاحتمالات إخضاع ما جاء لمنطق العقل.
الروايات كثيرة.. ولعل ما صرح به مصدر خاص جدا ورفيع حول حقيقة وظروف وملابسات الاعتقال يسير في نفس الاتجاه..
1/ صدام لم يعتقل وقت إذاعة الخبر وإنما اعتقل قبلها بشهر أو اثنين على الأقل.
2/ الولايات المتحدة تورطت في القبض عليه.. فقد كانت تريده جثة، أي قتيلا.. وليس حيا.
3/ ان القوات الأمريكية كانت تدرك أن في القبو صيدا ثميناً.. ولم تكن تتوقع أبدا أنه صدام، بل الترجيحات كانت لصالح شخصيات أخرى.. من هنا تمت عملية تخدير القبو كله بغاز مخدر، وكان من الممكن قتله وإظهار الأمر وكأنه معركة أو مقاومة وانتهى الأمر.
4/ إظهاره بهذه الصورة يعكس المأزق الأمريكي، وكيفية التصرف معه.. أي محاكمته، وعلى أي أساس وقانون ومن يتولى المحاكمة، وهل سيحكم عليه بالإعدام ـ كما تفضل ـ أم يستجيبون للمعارضة البريطانية والبرتغالية وغيرها بعدم تنفيذ الإعدام.
5/ الرطب الأصفر الذي ظهر في صور القبض على صدام .. أظهر بوضوح التناقض إن لم يكن الكذب في مسألة توقيت الاعتقال.
6/ أما حكاية الجرح فوق الحاجب الأيسر وطريقة علاجه ومقارنته بين صورتين نشرتهما قوات الاحتلال فتدل هي الأخرى على تكذيب التوقيت.
7/ تبقى الحقيقة.. وحدها هي الغائبة، لأنها أصبحت مرادفا وحيداً لمن يملك القوة!!
في ساعة مبكرة من صباح الأحد 14 من ديسمبر وجه الحاكم الأمريكي في العراق بول بريمر الدعوة إلى عدد محدود من أعضاء مجلس الحكم الانتقالي، كان اللقاء سريا وغير معلن، وكان ضمن الحاضرين عدنان الباجه جي رئيس المجلس وموفق الربيعي وآخرون. بدا بول بريمر منتشيا، تحدث معهم بكل ثقة :لقد ألقينا القبض على صدام حسين، وهو الآن بحوزتنا’.. لم يصدق الحاضرون الخبر، بدت الدهشة على وجوههم واضحة، كانت الأسئلة تلاحق بول بريمر، هل هذا الكلام صحيح؟ متى حدث؟ وكيف وأين؟ هل تأكدتم أنه فعلا صدام وليس شبيها له؟ بعد قليل اصطحبهم بول بريمر إلى مكان سري، يا للهول.. إنه فعلا صدام حسين، كان الرجل يبدو كأسد جريح، لحية طويلة غير مهذبة، شعر الرأس يبدو مبعثرا وكأن الرجل خرج لتوه من كهف سحيق.. نظر صدام حسين إلى أعضاء مجلس الحكم باستهانة، ووضع رجلا على رجل في مواجهتهم وراح يوجه شتائمه إليهم. سألوه عن مواقفه، حاولوا استدراجه في الحديث إلا أن إجاباته كانت مقتضبة، وتتميز بالسخرية وتعبر عن مواقف عنيدة يرفض الرئيس أن يتراجع عنها.
حلم لا يصدق
خرج أعضاء مجلس الحكم من الاجتماع وكأنهم يشاهدون حلما لا يصدق، معقول، إنه فعلا صدام حسين، نفس اللغة، نفس الثبات، نفس القدرة على المقارعة.. فقط عينان زائغتان، تغوصان في المجهول وكأن الرجل قد أجبر على تناول حبوب مخدرة. بعد قليل بدأ الخبر يتسرب، جرت الاتصالات بطالباني في إيران، لم يتمهل، كان أول من أعلن الخبر من طهران ثم راحت وكالة الأنباء الإيرانية تبث الخبر إلى العالم.. تكهربت الأجواء الإعلامية، أعلنت حالات الاستنفار، الكل يتساءل، يستفسر، المحطات الفضائية بدأت تعد الأفلام الوثائقية، تجري الاتفاقات مع المحللين السياسيين انتظارا للحظة الإعلان. بعد قليل راحت الأخبار تتدفق، مصادر مجلس الحكم الانتقالي تعلن أنها على يقين من صحة الخبر، مصادر في البنتاجون لا تستبعد، ثم خرج توني بلير ليهنئ العراقيين بالقبض على صدام. انتظر الصحفيون لحظة الإعلان الأمريكي، وجاء الخبر: بول بريمر سيعقد وإلى جواره قائد القوات الأمريكية في العراق الجنرال ريكاردو سانشيز ورئيس مجلس الحكم الانتقالي بالنيابة عدنان الباجة جي مؤتمرا صحفيا في الثانية من ظهر الأحد بتوقيت القاهرة. وفي الثانية ظهرا كان بول بريمر يعلن النبأ، انفجرت القاعة صراخا وهتافا، فقد بعض الإعلاميين الذين جيء بهم أعصابهم وراحوا يرقصون بصورة هزلية.. فتح الباب أمام الأسئلة وكانت المفاجأة:
صدام حسين يظهر في شريط فيديو جرى عرضه أمام وسائل الإعلام. نعم..إنه هو صدام حسين، نفس العينين، ملامح الوجه، حركة الرأس ذاتها، كل شيء يقول إن هذا الرجل هو صدام حسين.. وحتى اللحية الكثيفة لم تقف عائقا أمام التعرف عليه. راح العالم يضرب أخماسا في أسداس، وكالات الأنباء والصحف ووسائل الإعلام تطرح تساؤلاتها، تفتح أبوابها للمحللين، بينما الشارع العربي راح ينقسم بين من يقول إن هناك أسرارا في الأمر.. ربما كان شبيهه، أو ربما كان هو بالفعل، ولكن عملية اعتقاله سبقت الإعلان بكثير.. تجمعت خيوط الصورة كاملة.
بوش وبريمر
كان بول بريمر قد حدد سلفا موعدا لأحد المسئولين الدوليين لاستقباله في بغداد، وصل المسئول، لكنه لم يجد بول بريمر، لقد أبلغ أن بريمر استدعي على عجل لمقابلة الرئيس جورج بوش في الولايات المتحدة. أبدى المسئول الدولي غضبه، إن بريمر لم يقدم له حتى مجرد اعتذار، لقد أبدى الرجل دهشته من هذا السلوك المتعجرف وأبلغ غضبته إلى من التقوه ليبلغوه اعتذار بريمر. كان العنوان المعلن لهذا الحدث أن الرئيس الأمريكي جورج بوش استدعى بريمر على عجل للبحث عن خطة لنقل السلطة إلى العراقيين بعد تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية على الساحة العراقية، وقيل في هذا الأمر كلام كثير. انطلقت طائرة خاصة من مطار بغداد تقل بول بريمر ومعه وبشكل غير معلن بعض القادة العسكريين وكان هناك على الطائرة الرئيس صدام حسين’. انطلقت الطائرة من مطار بغداد لنقل مستقليها إلى البيت الأبيض في واشنطن، لم يكن أحد يعرف باستثناء قلائل أن هذا الشخص الذي جرى التعمية على مظهره هو صدام حسين. في هذا الوقت أشاع الأمريكيون في كل مكان كثيرا من الأخبار حول طرق البحث عن صدام ورسائل صدام وأعوان صدام وخطورة صدام. كانت أخبارا متعمدة ومعدة سلفا، ولكن لم يسأل أحد لماذا توقفت رسائل صدام حسين إلى شاشات التلفاز منذ هذا الوقت؟! وكانت آخر رسالة بثتها قناة العربية’ بصوت صدام حسين قد أذيعت خلال شهر رمضان، وهي رسالة يبدو أنها أعدت سابقا، وأن عملية بثها في هذا الوقت الذي كان فيه صدام في أيدي القوات الأمريكية هو الذي أثار أعضاء مجلس الحكم العراقي الذين تلقوا توجيهات من بول بريمر بإغلاق مكاتب قناة العربية’ في بغداد عقابا لها على بث هذا الشريط الذي أعاد صدام لدائرة الفعل، بالرغم من أنه كان بأيدي الأمريكان.
الخبر الصدمة
كان خبر مقتل عدي وقصي نجلي صدام حسين وحفيده مصطفى في يوليو الماضي بمثابة الصدمة للأب، لم يصدق الرئيس ما جرى، كان يظن أن قراره بإبعادهم عنه يعني توفير الحماية لهم، لكنهم سلموا من قبل الرجل الذي ظن أنه سيحميهم واستشهد الثلاثة في معركة اثبتوا فيها صلابة منقطعة النظير.. اهتز وجدان الأب، ظل أسبوعا كاملا يرفض تناول الطعام، كان كثيرا ما يهذي بكلمات غير مفهومة. منذ هذا الوقت بدأت القيادة العسكرية الأمريكية في العراق أولى خطوات الخطة الجديدة للبحث عن صدام حسين واعتقاله، كانت الخطة تحت اشراف مباشر من الجنرال ريكاردو سانشيز يعاونه في ذلك الجنرال أودرينو قائد الفرقة الرابعة. قامت الخطة على افتراض يقول: إن صدام سيحاول اللجوء إلى عشيرته وإلى بلدته تكريت من أجل الاحتماء بها، خاصة أن الكثير من أفراد الحرس والمرافقين الشخصيين للرئيس بدأوا يبتعدون عن نطاق مكان صدام بعد مقتل نجليه وراحوا يمارسون مهامٌ أخرى، فانضم بعضهم إلى فرق المقاومة الميدانية بينما راح آخرون ينظمون أجهزة جمع المعلومات لصالح المقاومة. كان صدام محبطا جراء استشهاد نجليه وحفيده، لكنه كان مصمما على الاستمرار مهما كان الثمن، كان يقاوم الإحباط بكل ما يملك وراح يبعث بشريط إلى قناة العربية’ ينعى فيه ولديه ويعلن استمرار المقاومة حتى النصر. كانت البداية الأولي عندما تم اعتقال ثلاثة من مساعدي صدام الرئيسيين وهم من الحرس الشخصي له، وكانوا على قدر كبير من الأهمية، لأنهم كانوا معنيين بتحركات صدام وكذلك المخابئ السرية التي كان يزورها قبل سقوط بغداد، وكان ذلك أمرا مهما للأمريكيين لأنهم كانوا يعتقدون أن هذه المخابيء توجد تحت القصور الرئاسية، بذلوا الكثير من الجهد من أجل كشف أسرار هذه المخابيء إلا أنهم فشلوا. وكانت الفرقة الرابعة والجنود الأمريكيون يقومون بتفتيش هذه القصور الرئاسية مرتين في اليوم الواحد احتمالا لوصول صدام إليها في أية لحظة، وكانت القصور المستهدفة حوالي 20 قصرا، أكثرها أهمية تلك القريبة من نهر دجلة. وأمام هذه المعضلة بدأ سيمون دارايز أحد أبرز قيادات ال’سي. آي. إيه’ في العراق في وضع خطة جديدة لاعتقال صدام. كان دارايز يرى أن صدام لن يتعمد المرور في المخابيء السرية لهذه القصور لأنه يعلم جيدا أن القوات الأمريكية تفرض حصارا من السياج الأمني القوي على هذه القصور، وأن أفراد حرسه الشخصيين الذين تم القبض عليهم أدلوا بمعلومات تفصيلية عن المخابيء السرية في هذه القصور أثناء العمليات العسكرية الأمريكية على العراق وأنه يعلم أن الأمريكيين عرفوا جيدا هذه المعلومات، وأن صدام لن يكون من الغباء بحيث يستخدم هذه المخابيء مرة أخرى، خاصة أن صدام معروف بالذكاء وإجادة التمويه والتغطية على تحركاته، كما أنه يعرف جيدا طبيعة الأراضي العراقية. وقد كتب سيمون دارايز هذا التقرير في أغسطس الماضي وأكد في تقريره أن الأماكن التي من المحتمل أن يتواجد فيها صدام لن تخرج عن أحد مكانين: إما في منزل أسرة بعيدة عن بغداد وأنه يثق في هذه الأسرة كثيرا وهي قادرة على حمايته. وإما أنه في منطقة مهجورة وغير مأهولة بالسكان وأن صدام أعد لنفسه مخبأ في هذه المنطقة وأن هذا المخبأ سيكون بالقرب من عشيرته وبلدته تكريت. وكان دارايز يرى أن صدام حسين لايمكن أن يكون قد غادر العراق فهذا احتمال بعيد من خلال معرفة شخصية صدام التي تأبى الهروب. ورأي دارايز ضرورة التركيز على الحرس الشخصي ومرافقي صدام الذين يعرفون تحركاته في الفترة القادمة، وكانت الخطة تقول إن البحث عن الكبار واعتقالهم بزعم أن هؤلاء هم الذين سيؤدون إلى اعتقال صدام حسين هي فكرة خاطئة وغير صحيحة. وكانت فكرة دارايز ترى ضرورة تنحية القوائم والخطط التي اعدها الأمريكيون للوصول إلى مكان صدام خاصة بعد الفشل الذي منيت به هذه الخطط في الفترة الماضية. وكانت الخطة الجديدة التي وضعها دارايز تقول : إن الصيد الثمين الذي يمكن أن يقود إلى مكان صدام هم قادة الحرس الشخصي والذين لم يتركوه حتى بعد سقوط بغداد.
الخيوط الأولى
كانت المؤشرات الأولية التي بدأت تتجمع في اغسطس الماضي تقول إن هناك اشخاصا أكدوا انهم رأوا صدام في جنوب بغداد مرة ورأوه في تكريت مرة وفي عدة مناطق أخرى. وهكذا راح الفريق الجديد للمخابرات الأمريكية في العراق بقيادة سوارزكيفان’ يجمع خيوطا من المعلومات حول الأشخاص الذين يروون تفاصيل تحركات صدام وكذلك كيفية مشاهدته والأشخاص الذين كانوا يحرسونه. كانت المخابرات الأمريكية قد جمعت اكثر من 100 صورة ل100 شخص من الحراس السابقين لصدام والمرافقين لتحركاته وأقربائه، وكانت هذه الصور يتم عرضها على الأشخاص الذين يدلون بمعرفتهم لصدام وقربهم منه. وكان السؤال المطروح عليهم هو كيف رأوا صدام؟ وكان السؤال الأكثر الحاحا هو عن الأشخاص الذين يقومون بحراسته ومرافقته وأوصاف هؤلاء الاشخاص والأماكن التي يترددون عليها. لم تكن المخابرات الأمريكية وحدها التي تواصل عملية البحث عن الرئيس العراقي، كان يعاونها أيضا فريق من الاستخبارات الإسرائيلية مكون من عشرة افراد بمن فيهم رئيس قسم العمليات والاستطلاع بجهاز الموساد. وهكذا وبعد تحقيقات مكثفة وعرض صور الحراس على المقبوض عليهم، تأكد لدى المخابرات الأمريكية والإسرائيلية أن صدام لم يبق إلا على اثنين فقط لحراسته، وأنه استبعد كل الآخرين وقد تطابقت الاوصاف التي ادلى بها هؤلاء عن الحراس مع رؤية بعض الأشخاص للرئيس في تكريت وآخرين عن رؤيتهم له في الرملة وكذلك في كركوك وتحدث المقبوض عليهم عن أن هذين الحارسين كانا من أكثر الذين يثق فيهم الرئيس صدام. تركزت التحقيقات بعد ذلك في معرفة كافة التفاصيل عن تحركات هذين الشخصين والسعي من أجل القبض عليهما وأسرهما. وتجمعت المعلومات التي ساعد فيها أفراد من المخابرات العراقية، واستطاع الفريق الأمريكي الإسرائيلي القبض على واحد من المقربين للرئيس صدام واسمه عصامي عبود’ في أواخر اغسطس الماضي وجرب معه الأمريكيون والإسرائيليون كافة أساليب التعذيب والقهر النفسي لمعرفة مكان صدام إلا انهم فشلوا في البداية، وتحت ضغوط نفسية وبدنية عنيفة استمرت 18 يوما متصلة اعترف عصامي عبود بأحد المخابئ المهمة لصدام في جنوب بغداد. وشكل اكتشاف هذا المخبأ نقطة محورية وجوهرية في مسار الخطة الأمريكية التي التزمت بالسرية المطلقة، وقد وجد هذا المخبأ في منطقة مهجورة وأن المخبأ كان يشبه المخبأ الأخير الذي عثر فيه على الرئيس صدام. كان المخبأ داخل غرفة ومنها إلى حجرة عميقة، وكانت الحفرة التي تؤدي إلى الحجرة العميقة تبدو وكأنها ضيقة مثل الحفرة التي وجد فيها صدام. وبناء على معاينة هذا المكان الذي حرص رجال المخابرات الأمريكية أن يحيطوه بالسرية الكاملة وكذلك دخوله والخروج منه بحذر شديد دون المساس بالمقتنيات التي كانت تبدو في غاية البساطة بداخله أدرك الفريق الأمريكي الإسرائيلي أن يدهم قد اقتربت من صدام. وأحس رجال الاستخبارات الأمريكية أن صدام يتعامل بذكاء شديد خلال زيارته لهذه المخابئ المهجورة حيث إنه كان يضع علامات دقيقة للتأكد عما إذا كان أحد قد دخل إلى هذه المخابئ أم لا، وكان في اعتقاده وهواجسه الأمنية أن الأمريكيين سينصبون له كمينا في أحد هذه المخابئ. وقد أكد عصامي عبود خلال التحقيقات أنه ليس لديه علم إلا بثلاثة مخابئ أخرى في الرملة وكركوك وجنوب بغداد وبالتالي لم يكن عصامي يعرف شيئا عن مخبأ "الدور" في تكريت الذي عثر فيه على صدام حسين فيما بعد.
.. والموساد هنا
بدأ الفريق الأمريكي الإسرائيلي يجري متابعة دقيقة ومكثفة للمخابئ الثلاثة التي أشار إليها عصامي عبود، إلا أن المتابعات أكدت أن صدام لم يتردد عليها نهائيا مما جعل القوات الأمريكية التي كانت تراقب هذه المواقع يتأكد لديها أن هذه المخابئ مهجورة، وأن المعلومات التي أدلى بها عصامي ليست دقيقة. كانت هناك في المقابل وجهة نظر أخرى تشير إلى أن هناك عددا آخر من هذه المخابئ وفي مناطق متفرقة من العراق، وأن صدام يستخدمها بالفعل لأنه لم يعد لديه أمل في استخدام مخابئ القصور الرئاسية أو المخابئ الأخرى الشهيرة التي تتحمل ضربات القنابل الأكثر شراسة. كان الجنرال آروس بيكومان’ أحد أبرز رجال فريق الاستخبارات الاسرائيلية هو أول من أشار إلى ضرورة البحث عن هذه المخابئ داخل تكريت والمناطق المهجورة حولها وخاصة لدى أقربائه، لأن هذه المخابئ من المؤكد أنه سوف يتم حمايتها بأشخاص يثق فيهم صدام كثيرا ويتحرك وسطهم بنوع من الأمان. وكان التقرير الذي اعده آروس’ مثار بحث دقيق من الاستخبارات الأمريكية وقيادة الفرقة العسكرية الرابعة التي كانت مكلفة بعملية القبض على الرئيس صدام وكانت هذه الفرقة قد زودت بعناصر من الكوماندوز الأمريكيين يدعمهم أربعة من الطيارين الكوماندوز الإسرائيليين الذين كانوا سيكلفون باستخدام طائرات أمريكية لضرب السيارات التي ستهرب من موقع القتال في حال ادارة معركة طويلة اثناء عملية القبض على الرئيس صدام، وذلك بذات الطريقة التي يقومون بها لضرب القيادات الفلسطينية وكوادر المقاومة في الاراضي الفلسطينية خلال تنقلهم بالسيارات. وقد رأى آروس’ في تقريره أن المكان الذي سيختبئ فيه صدام لن يثير أي شكوك وأن الحراسة الأمنية ستكون بعيدة عنه، وأن هذه الحراسة ستكون من أقربائه والمحيطين به. وبناء على هذا التقرير تم التوجه إلى اعتقال أقارب صدام وأصهاره والحراس الذين كانوا قريبين منه والذين هم من أصول تكريتية. كان واضحا أن الخطة الأمريكية الجديدة ستقود حتما إلى نتيجة هامة، ولذلك ظلت قاصرة فقط على بول بريمر والجنرال ريكاردو سانشيز وقائد الفرقة الرابعة والفريق الذي سيقوم بعملية التنفيذ. كان الأمر يمضي بسرية مطلقة، وبدأت القوات الأمريكية في تنفيذ خطة اعتقال أقارب صدام والحرس المنتمي إلى تكريت بسرية بالغة، وكانت تمارس مع المقبوض عليهم كل وسائل الضغوط النفسية من أجل الاعتراف بمكان صدام، وكان عدد الذين سقطوا من آثار التعذيب وابدوا استعدادهم للتعاون مع القوات الأمريكية خمسة أشخاص في هذا الوقت، ثلاثة منهم من أقارب صدام وواحد من الحرس وآخر من أصهاره.
الحفرة اللغز
كان أحد هؤلاء المقبوض عليهم يمت بصلة قرابة مباشرة إلى صدام، كان أحد أخوال صدام قد مرض مرضا شديدا، وعلم صدام بهذا المرض فقام في وقت متأخر من مساء أحد هذه الأيام بزيارتين إلى خاله، وكان صدام يتحرك بثقة بالغة، حتى انه في آخر زيارة أخذ معه ابن قريبه إلى أحد مخابئه واعطاه خمسة آلاف دولار لاستكمال علاج والده. وكانت الفاجعة أن جرى القبض على هذا الابن في اليوم التالي والذي يبلغ عمره حوالي 35 عاما. مارست القوات الأمريكية ضغوطا شديدة على هذا الشاب وعرضته لتعذيب نفسي وبدني رهيب حتى يعترف على المخبأ الذي يتواجد فيه صدام .. وفي اليوم التالي كان الشاب يعترف، حيث أخذهم إلى أحد المواقع المعينة وأشار إلى منزل من طابقين وأكد لهم انه ظل خارج هذا المنزل عندما قام بتوصيل الرئيس صدام وتسلم منه مبلغ الخمسة آلاف دولار. وقد داهمت القوات الأمريكية هذا المنزل وقامت بتفتيشه تفتيشا دقيقا استمر لثلاثة أيام في أكتوبر الماضي، وانتهى الأمر إلى اكتشاف مخبأ مهم في هذا المنزل، وكان المخبأ يشير إلى وجود حفرة تؤدي إلى اتساع نحو حجرة يمكن ان ينام فيها شخص ومن أعلى كانت الحفرة مغطاة بالحشائش. وقد عثر رجال الفرقة الرابعة على آثار حديثة للأكل وآثار أخرى تدل على أن صدام يعتاد الاقامة في هذا المنزل، وكان ذلك كفيلا بأن يؤكد للأمريكيين والإسرائيليين أن الصيد الثمين اقترب. في سرية تامة تم نصب عدة أكمنة من أجل الالتفاف حوله والقبض عليه، وقد استمرت هذه المراقبة أسبوعا دون أن تسفر عن شيء. كان لدى رجال الاستخبارات الأمريكية شك بأن صدام ربما أخذ علما بالهجوم الأمريكي على هذا المخبأ، خاصة أن صدام لديه رجاله وهو إذا عرف أن الأمريكيين هاجموا موقعا فهو لا يزوره أبدا مرة أخرى.
يتبع
المفضلات