سقطت الأمطار غزيرة على تلك القرية الريفية الجميلة… كانت تعرف بالقرية الهادئة أو القرية الطبية … أهلها اناس طيبون…لا يعرف الحقد أو الحسد طريق اليهم "الحمدانية" … هكذا أطلق أهلها عليها.. أهلها الطيبون يعملون بالزراعة والحصاد..ليس فيهم جائع أو محتاج…فالكل يعمل بالأرض ويأكل من خيرها.. لم يكن أحد منهم يبخل على أحد من أهل القرية بشيء..عرفوا بالكرم وحسن الخلق.. كان الجار اذا احتاج الى الخضار التي يزرعها جاره..دخل مزرعته واخذ منها بقدر حاجته دو أن ينتظر الإذن.. ولدوا على المحبة .. ورضعوا الأخوة..وتربوا على مكارم الأخلاق.. رجال القرية وشبابها يخرجون صباحا الى الحقول يعملون بها حتى المساء أما النساء فكانت تربية الأولاد هي مهمتها الرئيسية…أما الفتيات فيحملن الطعام الى الرجال.. ومن بين تلك الفيات كانت "سيمرة".. "سميرة" أجمل فتيات القرية…لم تكن أعين الشباب تتجه الا اليها حين يجيء موعد الغداء…ومنهم من كان ينتظر ذلك الوقت حتى تأتي .. ثم يطلقون العنان لأعينهم وقلوبهم…وكان منهم "خالد"…. "خالد" شاب نشيط..أحب الزراعة واحترف العمل بها منذ نعومة أظفره..الى أن بلغ الثالثة والعشرين من العمر… لم يكن يمر يوم الا وينتظر مجيء "سميرة" .. وينظر اليها من بعيد
أما سميرة فلم تكن تلاحظ ذلك الشي .. لانها تعلم أن عشرات الشبان يحملقون بها..فكان الغرور يسيطر عليها..وكان شمة من شيمها..كانت دائما تحاول لفت أنظار الشباب اليها سميرة بنت مدللة.. فهي وحيدة أمها وابيها..لم يرزقا الا بها..وبلغا من العمر عتيا.. كذلك كان سيف …وحيد أمه وأبيه..
"متى أفرح برؤيتك عريسا يا خالد؟" سؤال طالما كانت أم خالد توجهه له..ولكنه في كل مرة كان يدعى الانشغال بالعمل ..وعدم رغبه بالزواج.. وفي ذات يوم… - "خالد".. - نعم يا أبي.. - أريد أن احدثك بموضوع… - تفضل يا أبي ..خيرا ان شاء الله.. - كل الخير ان شاء الله.. ثم تابع… - أنا وأمك يابني ..نريد لك أن تكمل نصف دينك..ونفرح بك… ارتسمت على وجه "خالد" ابتسامة عريضة..حاول أن يخفيها ولكن أمه انتبهت فقالت باسمة.. - الولد موافق يا أبو خالد..ألا ترى تلك الابتسامة… من ياترى تكون؟.. اعتدل أبو خالد من مقعده وهو يبتسم وقال… - هل اخترت لنفسك واحدة من بنات القرية؟ أم تترك ذلك لأمك؟. ثم وجه حديثه الى أم خالد.. - ماذا يا أم خالد؟..هل وجدتي لابن غزالة أم مهرة؟ ضحك الجميع بصوت عال ثم قالت أم خالد.. - انها جميلة الجميلات يا "خالد"..لم أرى أجمل منها …اخترتها لك دون بنات القرية كلهن.. قال "خالد" بلهفة… - من يا أمي من؟ - هه.. ومن غيرها يا "خالد".."سيمرة".. - بدى الارتياح والسعادة على وجه "خالد" فقد أزاح عنه أبواه عبأ البوح لهما باعجابه "بسميرة" ورغبته بالزواج منها… - ماذا قلت يا "خالد"؟.. هل نذهب إلى أهلها الليلة؟ - الليلة يا أبي!؟! ردت الأم بسرعة.. - نعم الليلة..ولماذا التأخير؟ ..خير البر عاجلة.. - الكلمة الأولى والأخيرة لكما يا والدي لعزيزان.. الأب وقد نهض عن كرسيه ويتأهب للخروج… - على بركة الله …الليلة نذهب الى بيت الشيخ "توفيق" ونطلب يد ابنته.. وأطلقت الأم العنان لحنجرتها ولسانها… و"خالد" لأحلامه وخياله.. "ياأهلا وسهلا يا أبا خالد… يا أهلا وسهلا يا "خالد"…تفضلا هنا.." رحب الشيخ "توفيق" بالأب وابنه ترحيبا كبيرا وخاصا. فأبو خالد صديقه العزيز..وبدأ الكلام عن أيام الطفولة حتى بلغا الشيخوخة.. - آآه ..أيام يا أبا خالد مضت من أعمارنا…لم يبقى من العمر بقدر ما مضى.. - آيه…صدقت يا شيخ "توفيق" صدقت.. ثم نظر الى "خالد" وهو يقول.. ولكن البركة في الشباب وان شاء الله يكملون المشوار عنا يا شيخ.. فطن الشيخ توفيق لمغزى كلام أبو خالد فابتسم له وقال.. - ماشاء الله … "خالد" أصبح رجلا يفتخر به… الله يبارك لك فيه.. ابتسم أبو خالد وقد سر من مدح الشيخ لابنه..ثم اعتدل وقال.. - في الحقيقة يا شيخ "توفيق" انت كما ترى الأيام تمر بسرعة وأم خالد تنتظر اليوم الذي ترى فيه ابنها عريسا…ويشرفنا أن نطلب يد ابنتك "سيمرة" "لخالد".. - ازداد شرفا يا أبو خالد ..أزداد شرفا…هل أجد لابنتي أحسن من خالد وأهله…انتم الشرف كله يا جماعه..ولكن لابد من استشارة أما وأخذ رأي البنت أيضا….
أبو خالد.. - طبعا …طبعا يا شيخ … - بعد اذنكم لحظة… - تفضل … دخل الشيخ"توفيق" على "سيمرة" وأمها وعرض عليهما الموضوع… - موافقين طبعا يا أبا سميرة.. هل بعد نسب أبو خالد نسب؟… - مهلا يا أم سميرة… ثم التفت الى "سميرة" … - ما رأيك يابنتي؟.. مطت "سميرة" شفتها ثم قالت… - لا مانع …يقولون أنه شاب وسيم.. هز الشيخ"توفيق" رأسه وقال… - ليس المهم الشكل ياابنتي…المهم الأخلاق …"خالد" شاب ممتاز.. - كما ترى يا أبي… - على بركة الله …مبروك.. وعاد الشيخ الى ضيوفه با سما ..وانتظره ابوخالد حتى جلس فقال له.. - هل نقول مبروك يا شيخ؟.. - نقرأ الفاتحة… على بركة الله.. وتحركت الألسن بذكر الله.
المفضلات