أما بعد : أيها الاخوةُ في اللهِ ، لقد منَّ اللهُ علينا جميعاً ببلوغِ هذا الشهرِ الكريمِ ، فنسألُه عزَّ وجلَّ، أن يعينَنا على صيامِهِ وقيامِهِ ، ونسألُه عزَّ وجل ، أن يوفقَنا وإياكم ، لفعلِ الخيراتِ وتقديمِ الطَّاعاتِ ، وأن يتقبلَ منَّا الصيامَ والقيامَ ، ويغفرَ لنا سيئاتِنا ، فإنه عزَّ وجل ، أتاحَ لنا الفرصةَ ، وأعطانا المهلةَ ، ومكننا من العملِ الذي ينفعُنا ، فنعمةٌ عظيمةٌ جدُّ عظيمةٍ ، أن بلَّغَنا اللهُ هذا الشهرَ المباركَ ، فيجبُ علينا أن نفرحَ بها غايةَ الفرحِ ، قالَ تعالى : ( قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُون ) فاغتنموا أوقاتَ هذا الشهرِ بمزيدٍ من الأعمالِ الصالحةِ ،والقرباتِ ، قال تعالى : ( يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّىَ لَهُ الْذِّكْرَىَ يَقُوُلُ يَا لَيْتَنِيْ قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي )
فترحَّل من الدنيا بزادٍ من التقى فعمـرُكَ أيَّامٌ وهنَّ قلائِلُ
يا بنَ آدمَ ، إنَّك ناظرٌ إلى عملِكَ ، يُوزنُ خيُرُهُ وشرُّهُ ، فلا تحقرنَّ من الخيرِ شيئاً ، وإِنْ هُوَ صَغُرَ ، فإنَّك إذا رأيتَهُ سَ رَّكَ مكانُهُ ، ولا تحقرنَّ من الشرِّ شيئاً ، فإنَّك إذا رأيتَهُ ، ساءَكَ مكانُهُ ، ورحمَ اللهُ رجلاً كسبَ طيباً ، وأنفقَ قصداً ، وقدَّمَ فضلاً لِيومِ فقرِهِ وفاقتِهِ ،
سبيلُك في الدنيا سبيلُ مسافرٍ ولا بدَّ من زادٍ لكلِّ مسافرِ
فضيلةُ الصومِ معروفةٌ ، والجزاءُ على الصومِ عظيمٌ ، وثوابُهُ جزيلٌ ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها ، إلاَّ الصومَ فإنَّه للهِ الملكِ الجليلِ ، يتقبَّلُهُ من الصائِمِ ، ويثيبُهُ عليهِ ، وفي صحيحِ البخاري من حديثِ أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه ، أن رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قال : { كلُّ عملِ بنِ آدمَ له إلا الصيامَ فإنه لي وأنا أجزي بهِ الصومُ جنةٌ فإذا كان يومُ صومِ أحدِكم فلا يرفُثْ يومئذٍ ولا يصخبْ فإنْ سابَهُ أحدٌ أو قاتلَهُ فليقلْ إني امرؤٌ صُائمٌ والذي نفسُ محمدٍ بيدِهِ لخلوفُ فمِ الصائمِ أطيبُ عندَ اللهِ يومَ القيامةِ من ريحِ المسكِ وللصائمِ فرحتانِ يفرحُ بهما إذا أفطرَ فرِحَ بفطرِهِ وإذا لقيَ ربَه فرِحَ بصومِهِ } واللهُ عندَهُ حسنُ الثوابِ ، وما ربُّك بظالمٍ ولا بخيلٍ ، ( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) يدعُ الإنسانُ طعامَهُ وشرابَهُ للهِ ، فيطعمُهُ اللهُ من ثمارِ الجنةِ ، ويسقيه من السلسبيلِ ، ويمنعُ الإنسانُ نفسَهُ من شهواتِها ، ويكفُّ نفسَهُ عن القيلِ والقالِ ، فيزوجُه ربُّهُ من الحورِ ، والذي عندَ اللهِ كثيرٌ ، والذي تعملونَهُ قليلٌ ، وفي الجنَّةِ بابٌ ، يقالُ لهُ الريَّانُ لا يدخلُ منه إلاَّ الصائمونَ ، واللهُ تعالى يقولُ : ( إِنَّ الْمُتَّقِيْنَ فِي ظِلاَلٍ وَعُيُون وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُون كُلُواْ وَشْرَبُواْ هَنِيْئاً بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُون ) سيندم عبدٌ واجَهَ الحسابَ بِلا عملٍ ( يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّا لَهُ الذِّكْرَىَ يَقُولُواْ يَا لَيْتَنِيْ قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي )
المفضلات