سبعين بالمائة من الفتيات السعوديات تأخرن عن الزواج بسبب التعليم واربعة واربعون بالمائة بسبب الوظيفة

"من يغرق لاينظر إلى الماء الذي يشربه"
- حكمة عالمية -

كشف استطلاع أجرته مؤخرا جريدة "الوطن" على عينة عشوائية شملت (200) جّدة أنهن غير راضيات عن تفكير حفيداتهن في الحياة، وتراوحت أعمار المشاركات في الاستطلاع بين 60 75عاماً منهن 7متعلمات فقط، أما البقية فأميَّات
بالرغم من أن العينة عشوائية ومعظمها أمي إلا أنني أجد في هذا الاستطلاع مؤشرا على أهمية التحدث حول الفجوة القائمة بين الأجيال ولو أننا تأملنا الفجوة القائمة الآن بين الأم وابنتها وليس الحفيدة والبنت كما يصور الاستطلاع فإننا سنفتح بابا تقبع خلفه الكثير من المشاكل والملفات المغلقة هذه الفجوة لها انعكاسات خطيرة تتضح في تشكيل البنات لصورة المستقبل دون اهتمام بخبرات الجيل الذي اعترك الحياة، ولعلنا هنا نتحدث عن تأثير هذه الفجوة في ما وصلت إليه بعض الشابات من عزوف عن الزواج أو عدم احترام للمؤسسة الزواجية
لقد أصبحت الصورة مشوشة في ذهن الفتاة عن الزواج لذلك فهي إما مقبلة عليه باستهتار وكأنه رحلة صيف عابرة وإما مدبرة عنه بتوجس وكأنه شر لا بد منه من المسؤول عن فقد أمهات المستقبل للثقة في قدسية الزواج ومكانة الأسرة؟
وهل استطعنا كأمهات وآباء أن نهيئ أمهات المستقبل لتربية جيل قادم؟

مدخــــــــــل
أشارت دراسة أعدتها وزارة التخطيط السعودية مؤخرا ونشرتها بعض الصحف إلى أن عدد الفتيات اللواتي لم يتزوجن وهن بلغن سن الزواج (1.529.418) فتاة وكانت مكة المكرمة قد شكلت النسبة الكبرى بوجود (396248) فتاة ثم منطقة الرياض بوجود(327427) فتاة وكانت المنطقة الشمالية بها العدد الأقل من الفتيات ويبلغن (21543) فتاة، ووفقا لآخر إحصائيات وزارة التخطيط فإن عدد الفتيات اللواتي لم يتزوجن بعد هو مليون ونصف المليون فتاة، بينهن(63.9) ألف فتاه تجاوزن سن الثلاثين عاما ولم يوفقن في الزواج لأسباب مختلفة تعمدت ألا أضع هذه الدراسة في المقدمة حتى لا يتوقع القارئ أني أتحدث عن العنوسة فهو موضوع هام وقد تحدثت عنه في مقالات سابقة ولكني هنا أتحدث عن أفكار الفتيات التي تغيرت والتي لم ننتبه لها وانعكاس ذلك على مفهوم الفتاة تجاه الزواج وعدم اعتباره جزءاً هاماً لتكوين الأسرة التي تعتبر من أهم مؤسسات المجتمع

الأسباب الاجتماعية

نشرت جريدة "الشرق الأوسط" في العدد الصادر في 27/آب/ 2002م تقول(ان هناك 70% من الفتيات السعوديات قد تأخرن عن الزواج بسبب الإقبال على التعليم. وأيضا انشغال المرأة بالوظيفة شكل نسبة عليا حيث إن الموظفات السعوديات غير المتزوجات واللواتي تزيد أعمارهن عن 28سنة كن حوالي 44 بالمائة من المؤكد أن هناك أسباباً نفسية واقتصادية وثقافية لعزوف الشباب عن الزواج
لكني هنا أود أن أتناول الأسباب المتعلقة بالفتاة والتي تعيقها عن التفكير بالزواج كمؤسسة لها هيبتها وليس كتجربة مؤقتة
فالتعليم والعمل وما ينتجان عنه من إثبات الذات وصقل الشخصية يجب ألا يشكلان عائقا في تأسيس الأسرة فهما ليسا بديلا عن دور المراة الرئيسي في تنشئة أجيال المجتمع بل رافدان لتشكيل أبعاد ذلك الدور المميز
أن الواقع ينفي هذين العائقين فالكثير من النساء العاملات والحاصلات على درجات علمية عالية متزوجات ولديهن أطفال، صحيح أن هناك ضغوطاً نفسية تعاني منها الأم العاملة وذاك موضوع آخر غير أن التعليم و العمل لم يكونا يوما عائقا عن تكوين أسرة بالنسبة للفتاة لكنهما اليوم كذلك إذن ما السبب؟
إنها أفكار الفتاة وتوجهاتها نحو الزواج والأسرة، لقد أصبحت الفتاة اليوم تتوجه نحو العمل باندفاع لتحقيق التقدير الذاتي والمجتمعي وهي نقطة خطيرة إن أهملناها إذ أن المجتمع قد يجد بديلاً لأي امرأة عاملة تركت الوظيفة لكنه أبدا لن يجد بديلا لأم تركت رسالتها السامية؟


المعوقات

كشفت دراسة نفسية اجتماعية استطلاعية عن "المعوقات النفسية والاجتماعية للزواج لدى الفتيات للباحثة مي حجازي عن أن أزمة الإقبال على الزواج غير منفصلة عن أزمات الزواج وما ينتهي إليه من فشل، وأنها جزء من ظاهرة الفشل الأسري في التعامل مع الفتيات بشكل فيه مساواة وزرع للثقة بالنفس والمسؤولية
فتطور أدوار كل من الجنسين والتحولات الاجتماعية الشاملة قد أتاحت لكل من الرجل والمرأة رؤية ذاته والآخر بمفاهيم جديدة، وأدركت بعض الفتيات المعاملة غير العادلة التي يلقينها بالمقارنة بالفتيان، وأثّرت على مكانة الزواج كمؤسسة في نظرهن، خاصة مع تحقق الذات عبر العمل المهني والنشاط الاجتماعي في عالم اليوم




هذه الدراسة تطرح نقاطاً هامة هي

1: صورة الفتاة عن الزواج كأزمة

2- انعكاس تربيتنا للفتاة في جو من عدم التقدير الذاتي مما ينتج عنه عدم إقبالها بحماس لتكوين أسرة

3- إهمالنا لتفهم كيف يرى كل من الشاب والفتاة الآخرإن كل عامل من هذه العوامل يشكل عائقاً لي
في إقدام الفتاة على الزواج وإنما في تشكيل مفهومها تجاهه وهذا هو الأخطر

الرسائل الخاطئة
التجارب الواقعية أمام الفتاة بما تسمعه من حكايا التفكك الأسري ومشاكل المتزوجات حديثا لا يدفعها للحماس لخوض التجربة في ظل غياب دور الأم الواعية بالإفهام أن لكل تجربة خصوصيتها، ثم إن هناك إهمالاً من قبل الأمهات لإيصال الصورة واضحة للفتيات عن الزواج بالإضافة إلى قصور المناهج الدراسية وسائل الإعلام عن تقديم معلومات صحيحة أذكر أنني كنت احضر برنامجاً تدريبياً عن مشاكل الفتاة المراهقة وكانت المدربة من احد دول الخليج وضمن البرنامج تحدثت عن حوار بينها وبين ابنتها وأنها تحثها على الالتزام بمهارات خاصة في الحياة لأجل الزوج تتمثل في مهارة الطبخ والتجمل...الخ
اختلفت معها في أن ذلك تقليدي لا يناسب العصر فالبنات الآن تغيرن وتغيرت أحلامهن ،وكذلك الشباب ولذلك فان المهارات التقليدية وحدها لا يمكن أن تهيئ الفتاة في تأدية دورها كزوجة وأم وكنت أفضل أن نهيئ الفتاة للدور المستقبلي بشكل يتجاوز التقليدية إذ لم يعد حلم الفتاة زوج وبيت صغير اتسع الحلم ليشمل وظيفة جيدة وبيتاً كبيراً وأشياء أخرى كثيرة لكن المدربة أصرت على أن أحلام البنات كما هي الزواج وفارس الأحلام التفت حولي وكان من ضمن المتدربات فتاة في العشرين آثرنا أن نسألها لتذكر لنا ملامح حلمها قالت الفتاة احلم أن اكمل دراستي الجامعية واعمل وأطور ذاتي
كنت أتمنى أن تناقش المتدربة لماذا لم يكن الزواج ضمن قائمة الأحلام؟



التقدير الذاتي
حصلت الفتاة لدينا على قسط وافر من التعليم وأصبح لديها فرص للعمل والانخراط في الحياة العامة وصارت تتلمس دورها في المجتمع بوضوح ومن المعروف أن تمكين الإنسان من التعليم يرفع لديه مستوى التفكير العقلاني في غالب الحال وليس جله
لكن إقبال الفتاة على التعليم بشدة شكل لدينا مأزقاً لأن تطور مفاهيمها لم يصاحبه تطور في الاتجاهات التربوية من قبل الأسرة، إذ ما زالت الفتاة - لدى بعض الأسر - تشعر أنها اقل من الفتى بسبب جنسها وليس لأي اعتبار آخر فحين تشح الفرص التعليمية أو الوظيفية في البيت الواحد فان الأولوية للذكر وليس الأنثى وقبل أن يتبادر إلى الذهن أن الشاب أحق بالوظيفة لأنه منوط بالإنفاق وهذا صحيح فانه من العدل ألا نتجاهل دورنا في توزيع الفرص فالله عادل يمن على عباده ذكورا وإناثا بالعطايا، لكننا بتمييزنا أحيانا ضد الفتاة نحط من قدرها وكم من فتاة حرمتها الأسرة حقها الذي منحها الإسلام في التعليم والعمل لا زالت صورة الفتاة عن نفسها اقل مما منحها الإسلام من عزة وكرامة ولذلك فعلينا أن نسعى لتعديل الصورة إن شئنا إعداد أمهات المستقبل



صورة الآخر
نحن لا نعرف ما هي أحلام البنات، أفكارهن، همومهن الواضح أن هناك فجوة بيننا وبينهن وقد اتسعت أكثر بفعل التقنية الحديثة لوسائل الاتصال العصري ولنأخذ مثالاً بسيطاً فالأم التي كانت تحرص على مستقبل ابنتها فتحذرها من التورط مع الشباب بعلاقات عبر الهاتف هي اليوم دون وعي لا تعرف خطورة غرف الدردشة التي تدمن عليها بعض الفتيات ويتحاورن فيها مع الشباب من مختلف أنحاء العالم بموافقة الأم على اشتراك الفتاة في خدمة الانترنت دون رقابة او وعي لن أعمم فغرف الدردشة يمكن أن تستثمر لمناقشة مواضيع جادة ولكن بالنسبة للبنات في العشرين فقليل ما يشد اهتمامهن البحث عن معلومات إن ما يثير الفضول لديهن هو التعرف على عالم الشباب في هذه المرحلة العمرية هذا الفضول لن يرويه علاقات عابرة بل علاقة واعية بين الأم والفتاة ، جسر ثقة يمتد بين طرفين وعلاقة لا تؤطرها السلطة بل الحب غير المشروط والاحترام للمرحلة العمرية التي تمر بها الفتاة وكم الأسئلة الذي يتبادر إلى ذهنها فمن الذي سوف يجيب على تلك الأسئلة لو أن الأم تجاهلت ذلك أو كبتت رغبة الفتاة في التعرف على العالم من حولها
الذي يحدث أن الفتيات في هذه المرحلة غير الناضجة يلجأن الى مصادر أخرى للمعلومات وهنا تفلت حبات المسبحة


صراع الأجيال
يحكى قديما أن مجموعة من القنافذ كانت تعيش في سفح الجبل، فلما جاءها الشتاء ببرده اقترح واحد منهم أن يحصلوا على الدفء بحرارة تلاصق الأجساد، لكن القنافذ لم تكد تلتصق بعضها ببعض طلبا للدفء حتى أحس كل واحد منها بوخز الإبر الحادة التي تغطي جسد زميله ونتيجة للألم طلبت القنافذ أن تعود إلى مواضعها المتفرقة ولكن البرد قارس في البعد فكان أن عادت إلى الالتصاق وحين فعلت عاد وخز الإبر وهكذا دواليك حتى أشار حكيم منهم إلى أن الخطأ يكمن في الإسراف والمبالغة فالالتصاق الشديد يحدث الوخز والألم والابتعاد الشديد يعرض الأجساد للبرد القارص ولكن الصواب هو اختيار موقع مناسب بين الطرفين
هذه الحكاية تقدم صورة لإشكالية صراع الأجيال فلا القرب الشديد يجدي ولا البعد المغالي ينفع بين جيل الآباء والأبناء وقد تحدث الإسلام عن التربية فأوصى أن نلاعب الطفل سبعا ونؤدبه سبعا ونصاحبه سبعا ، فهو في المرحلة الثالثة بعد سن الأربعة عشر يطلب أن نصاحبه هذه الصحبة هي التي نفتقدها اليوم مع أولادنا وهي التي أن دامت فستخلق جيلا منفصلا عنا بفكره وعاطفته، صحيح أن التباعد موجود بين الأجيال ولكن على مستوى العلاقة بيننا وبين أولادنا فإننا مسؤولون عن إحداث التقارب الذي يكفل لنا توجيه أبنائنا بعيدا عن الطرق التقليدية التي لم يعد جيل عصر التقنية يرتاح إليها ولذلك تمرد عليها ورفضها بوسائل شتى وفيما يتعلق بموضوع اتجاهات البنات نحو الزواج فإننا بحاجة إلى تغيير قناعات بعض الأمهات حول التصارح في مثل هذه المواضيع الهامة وبحاجة إلى أن تساعدنا مناهج التدريس في إعطاء الفتاة صورة واضحة عن الزواج وتكوين الأسرة بعيدا عن شح المعلومات أو سردها بما لا يناسب إدراك الفتيات ولا اعلم كيف سهت الوزارة عن كتاب الفقه في المرحلة الثانوية للبنات حيث أعلنت مؤخرا عن تطوير وتعديل مقررات 32مادة دراسية في التعليم العام واعتماد تدريسها هذا العام ولم يكن منهج الفقه
فتاة اليوم وأم الغد صارت عنا بعيدة ولسوف تزداد المسافة ولسوف يرتفع شكوى الطرفين من هذا البعد إن لم نبدأ من جديد بتشكيل علاقة تكاملية تستند على الحوار واحترام الفتاة وتقديرها كإنسان


آسف على الإطاله