بسم الله الرحمن الرحيم
ان أهمية الدور الذي تلعبه القهوة في حياة البدو الاجتماعية قد جعلها تسترعي انتباه الباحثين في تراث البادية، فالقهوة تختلف عن الشاي والحليب واللبن عند البدو، اذ ان قيمتها المعنوية أكبر بكثير ،فالبدوي يشعر أن من واجب مضيفه أن يقدم له القهوة ،وذلك حسب (العوايد)، ولكن ليس لديه هذاالشعور بالنسبة للشاي أو الحليب أوغيرها.
ويعتبر البدوي أن من أول واجباته اكرام الضيف ، وذلك بأن تكون القهوة جاهزة دائماً في بيته،حيث يسارع بالترحيب به وصب القهوة له
وجرت العادة أن تصنع القهوة في الصباح الباكر وقبل البدء بالأعمال اليومية،وذلك بايقاد النار من حطب الصحراء،ثم تحميس القهوة حيث تنبعث رائحتها الزكية وبعد ذلك يدقها في المهباش.
**القهوة دليل الكرم والزعامة:
فصنع القهوة بشكل مستمر يدل على مدى اعتناء البدو بها واهتمامهم بشربها ، لذلك نجد البدوي حيث يعدد مناقب الانسان فانه يذكر على رأسها صناعة القهوة ،وبهذا المعنى يقول الشاعر البدوي في رثائه لأحد زعماء البدو:
عليـك نـصـفـق الـيـد بالـيـد،
عليك ياذكر الدلال المساجيد،
ونجرك ينادي مارقين الطريق.
ومن الأمور التي يفاخر بها البدوي المهارة في صنع القهوة،لاعتقاده أن طعم القهوة الجيدة الصنع يزيل آثار التعب والتوتر ، ولذلك نسمع الشاعر البدوي يخاطب صباب القهوة قائلاً: (صُب فنجاناً ترى الراس منداش)،أي يطلب القهوة لازالة تشويش الفكر الذي يعتريه.
كما أن البدوي يفاخر بطريقة صب القهوة الى الضيف،لذلك نجد الشاعر يتغنى بذكر مسعود وهو عبد اشتهر بطريقة صب القهوة ،فيقول(وصينية يدرج بها مثل مسعود).
كما يفاخر باقتناء أدوات القهوة الجيدة،اذ يعتبرها من قرائن الشيخة والزعامة،خاصة الأحجام الكبيرة للدلال والفناجين والمهباش بالاضافة الى جودة نوعها
** الدعوة الى شرب القهوة:
جرت العادة أن يشرب البدو القهوة في أحد البيوت ،حيث يجتمعون ويتناولون بالبحث مواضيع الساعة التي تهمهم،أما توجيه الدعوة الى المجاورين فيكون بطرق عدة أهمها:
1/الدعوة العادية المسبقة:بأن يخبر أن ديوان الضحى أو المساء سيكون في بيته.
2/المرسال أو الطارش :بأن يرسل أحد أبنائه أو خدمه ليدعو الأخرين لشرب القهوة
3/صـوت الـمهبـاش :فمجرد سماع صوت المهباش يتوجه المجاورين الى البيت الذي يسمعون به الصوت.
4/رائحة تحميس القهوة :حيث تدل على أن عملية تحضير القهوة جارية في البيت، وعندها يتجه من يشم الرائحة الى ذلك البيت.
**أدوات القهوة:
1/المحماسة :وتشبه الصحن ولها ساق طويلة ورفيعة،
وتصنع من الحديد،بالاضافة ليد المحماسة لتقليب القهوة.
2/المهباش :ويسمى أيضاً ( النجر)، ويصنع من الخشب ويشبه الهاون ولكن فمه أضيق ، ويستعمل لدق القهوة وأجود أنواعه ما كان مصنوعاً من خشب البطم ثم من خشب الخروب.
3/الدلال (المعاميل): الكبير وتسمى (الطباخ) أو (دلة الحميل) وهي مصنوعة من معدن خفيف والأخرى مصنوعة من النحاس.
4/الفناجين:ويجب أن لاتنقص عن ثلاثة فناجين وبجانبها وعاء به ماء ليجري تنظيفها بينالحين والآخر.
**الأدوات الحديثه:1/ البكرج 2/التيرمس الصلاعة 3/الهاون(مصنوع من المعدن الصلب)
**آثار القهوة والتعرف عن منزلة الشيخ:
حين ترحل العشيرة من ديرة لأخرى فانها تبادر لبناء بيت الشيخ أولاً باعتباره (ديوان العشيرة) ويحفرون في شق البيت حفرة يوضع حولها عدد من الحجارة يتوسطها حجر كبير يسمى (النفيلة) ينقش عليه وسم العشيرة تمييزاً لهذا البيت عن بيوت العشيرة الأخرى، وتستعنل هذه الحفرة موقداً للنار تصنع به القهوة.
وبد مدة من الزمن يصبح منزل الشيخ علامة من علامات الصحراء المميزة للمناطق،لأنهم يتأكدون من ذلك بتفحص الحفرة والكشف على الوسم المنقوش على النفيلة ، وتواجد آثار القهوة،وهي ما يسمى (بالحِثل) حول النفيلة، كما أنهم يسمون هذا المكان (مقهوى الشيخ الفلاني).
ومن الآداب المتعارف عليها في هذا المجال أن يبادر البدوي الى اظهار النفيلة وبناءها من جديد ليعرفها الجميع رغم مرور الزمن الطويل على وجودها.
**عيوب لابد من تلافيها:
ان من واجب المعزب أن يتأكد من صلاحية القهوة ، وذلك عن طريق تناول الفنجان الأول منها، فاذا شعر بأنها عير جيدة لأي سبب كان من واجبه أن يغيرها.
ومن العيوب العامة في القهوة مايلي:
1/القهوة الشـايشة:ويحدث اذا سارع المعزب بصب القهوة أثناء غليانها على النار فينزل حب القهوة المطحونة في الفنجان ، وتلافي ذلك يكون بترك القهوة بعد غليانها حتى تستقر.
2/القهوة الدافيــة : وهي الباردة ويحدث ذلك عند ابعاد القهوة عن النار لمدة من الزمن.
3/القهوة المسربة: وهي القهوة التي في قاع الدلة ،ويدل ذلك على نهاية القهوة،ومن واجب المعزب أن يجدد القهوة قبل أن تصبح مسربة.
4/القهوة الخفيفـة: وهي التي تقل فيها كمية القهوة أو الهيل ، ولذلك على المعزب أنيغيرها قبل أن ينتقده الضيوف.
**من أشعار البدو بالقهوة: أورد هذه القصيدة لِ مشعان بن هذال ، وهو من كبار وفرسان البدو وشعراءهم ،يصف القهوة:
قم سو فنجال ترى الراس منداش لعيون من قرنه على المتن مرجود
في دلة مربوبةٍ كنهــا الشــــــاش وبهارها كف من الهيــــــل والعود
لذاذة الدنيا معامــــــل وفــــراش وصينية يدرج بــها مـثـــل مسعود
يالله طلبتك مع تقاويد الأدبـــــاش ابل مغاتيـر ويـبـرى لهــــا ســـود
مرباعها الصمَََان تبعد عن الطاش ومقياضها دخناً لياصـرم العـــــود
أبغي الياجا من ورا المال شوباش وتناسعن من بين الأسلاف عرجود
من لايروي شذرة السيف لاعـاش عسى عليه جيب الثـــوب مـــقــود
**ويقول شاعر آخر مخاطباً ابن شعلان زعيم عشائر الرولة :
الشمس غابت يابن شعلان وأريد أدور معــازيــب
الدلة تســكب على الفنجان وبهارهــاجوزة الطيـب
أسأل الله أن تنال اعجابكم
منقول بتصرف من كتاب (تراث البدو القضائي) للدكتور محمد ابو حسان
أخوكم المتوكل
المفضلات