بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من منكم لم يسمع عن عبدالله الفاضل ؟؟ رحمه الله
من منكم لم يسمع كبار الرواة و الشعراء والمطربين يتغنون ويرددون أشعاره التي تلهب المشاعر ،، مشاعر الحب والاباء والفخر والوفاء .. ..
كم منكم تغنى بقومه بعد أن نبذوه .. ومن منكم ظل يمشي ويبحث في مشارق الأرض ومغاربها عن قومه ، يبكيهم في شعره ويبكي أياما كان فيها كريما معززا بين قوم عزيزين ..
من منكم طوى الصحراء يبحث بلا ملل ، يتحمل الاهانه واستضعاف البعض لكونه وحيدا ..... كم ؟؟
إذا لم يحدث مع أحد منكم ذلك (وهو أمر لا يصدق ) فتعالوا اقرءوا سيرة عبدالله الفاضل ...
كان معروفا عند العرب قديما أنه إذا أصيب أحد أفراد القبيلة بمرض الجدري فإنهم يرحلون عنه تاركين له ذلك المكان خوفا من العدوى ومن تفشي الوباء حتى لا يفتك بهم ،، تاركينه لمصيره (الموت) وحيدا.. مريضا لا اهل حوله ولا صديق ولا قريب ...
هذا ما حدث مع عبدالله الفاضل من الملحم ، الحسنة ( عنزة ) قبل مائة سنة أو تزيد ،، تقريبا في حدود عام 1800 م في بادية الفرات ...
أصيب عبدالله الفاضل بمرض الجدري وخوفا من العدوى شد قومه رحالهم وابتعدوا عنه إلى وجهة لا يعلمها ، وتركوه يواجه مصيره ومصير كل مريض بالجدري ألا وهو الموت ( فوقتها لم يكن هناك علاج له ) ..
رحلوا وتركوا له زادا يكفيه حتى يحدث أمر الله فيه ... ولكن شاء المولى وشاءت قدرته أن لا يموت عبدالله الفاضل .. شاء الله له أن يشفى من مرضه بعد أن تشوه وجهه ولم تعد ملامحه على ما كانت عليه بسبب آثار المرض ... نجا عبدالله الفاضل بأعجوبة وقرر أن يبحث عن قومه ويعود وينضم إليهم ،، فلم يكن ليلومهم على تركه فهذا هو قانون البادية ، على قساوته وشدته .. وهذه هي الشيم التي تربى عليها ، فلم يكن ليعرض قومه لخطر الهلاك بسببه .. فقد كان أول من أشار إليهم بالرحيل عنه ،، ورفض أن يبقى أحد إلى جواره .. وقرر أن يواجه مصيره وحيدا ...
قام عبدالله يجوب الأرض بعرضها وطولها مقتفيا أثر قومه وأحبته الذين تركهم يرحلون .. كانت نفسه تسابق الريح وشوقه يسابق الشمس في شروقها وغروبها .. ولكن لم تكن تلك بالرحلة اليسيرة .. فالصحراء ممتدة والسراب خادع... والناس أصناف شتى .. منهم من أكرمه ومنهم من استهان به وظن انه ليس بذي نسب كريم أو صاحب عز في قومه ..وظل يمشي في الأرض باحثا لا يمل ولايكل ،، و كلما نزل على قوم وسألوه عن نفسه ينشد لهم قصيدا لا يمل فيه من ذكر محاسن قومه وعزهم وجودهم وكرمهم ..
ومن قصائده التي كان يقولها وهو يقطع الصحراء وحيدا قصيدته الشهيرة التي تغنى بها عدة فنانين منهم الفنان العراقي حســين نعمة .. وكانت يرد في قصيدته على شخص أراد أن يتفاخر عليه فقال عبدالله الفاضل ،،
هلــي مالبســوا خــــــــادم سمــلــهـم
وبجبــود ( بكبود ) العدا بـــايت سـم لـهــم
إن جان ( كان) أهلك نجـم أهلي سما إلهـم
جثير ( كثير ) من النجــم عــلا وغـــــــاب
***
هلـــــــي ويــــاكم يلــذ العيـــش ويطيـب
ونســايـمــكم تــداوي الجــرح ويــطيـــــــب
هلـــــي منكــم تعلمــت الوفـــا والطيــــــب
هلـــــي ياهل المضـــــــــــايــف والــدلال
(*)
وأوردها العض على شكل آخر وغناها الفنان رياض أحمد هكذا :
هلـي مالبسـوا خـــــــــــــــادم سمـلـهـم
وبجبـود (بكبود) العدا بـــــايت سملـهــم
إن جان ( كان) أهلك نجـم أهلي سما إلهـم
جثير ( كثير ) من النجــم عــلا وغــــاب
هلي ماغدوا الغد بغداهم ولامطرودهم منهم
غداهم هلي وقادة الجوخ (الشوخ) بغداهم
هلــــي ياهــــــل المضــــــــايــف والــدلال
***
حمد يابني تلقى الضيـــف حي بيــــــه
وعسى سمـــوم بزاد النذل حي بـــــيه
ياهــو الجمع مــاله و عــاش حي بيــــه
ويـــاهــــو الحـفـظ روحـــه مــن الرديــه
(*)
بهذا الحب وهذا الفخر وهذه النفس الكريمة ظل فؤاد عبدالله متعلقا بقبيلته ، وظل يبحث ويبحث ... يقطع البيد وحيدا بلا انيس أو رفيق سوى شعره في قومه ،، يذكرهم في كل خطواته ،، وكأنه يرى صورهم أمامه ،، ما أصعبه من شعور وما أشدها من لوعة ، لوعة فراق الأهل والسند ،،كثيرة هي الأقوام والقبائل التي مر بها ،، وكثيرة هي المواقف ،، منها
أن حدث أن مر بقوم لم يقدروه ولم يعلموا بحقيقته فداروا له الزاد في صحون صغيرة لا تليق به ولا بأي بدوي عزيز النفس ،، فلم تتمالك نفسه الحزينة المكسورة إلا أن تذكر كرم قومه وكرمهم واعتنائهم بضيوفهم فقال في ذلك :
هلي للشاذري طاحون يصحون
دواهيج لعظم الضد يسحون
هلي ما دارم الميدات بصحون
خنـــــادقهم تحفر من عشــا
***
هلي سمح الطرايق وشملوهن
ياعود الحور عالي وشملوهن
هلي عج المناسف وش ملوهن
حميس الضـــان بسنيـــن الغلا
(*)
كانت قصائد عبدالله قمة في الوفاء والحب ،، فقد جعل من كلمة هلــي رمزا في كل شعر ٍ يقوله .. ضاربا بذلك أروع أمثلة الاعتزاز بالأهل على مر التاريخ ..
ظل عبدالله الفاضل يبحث عن قبيلته حتى وجدهم ( كما قال بعض من الرواة ) وكان ذلك بعد عدة سنوات على تركهم له ،،وعندها لم يعرفوه بسبب التشوه في وجهه من آثار الجدري ،، ولأنهم لم يصدقوا كيف يمكنه أن ينجو من ذلك الوباء الفتاك ،، عندها تحدث إليهم وبدأ يقص عليهم حكايته ويسرد لهم أشعاره التي تغنى بهم فيها ،،فعرفوه ورحبوا به عزيزا كما كان بين أهله وقومه ،، عاد لقومه تاركا لنا منجها حري بنا دراسته وحفظه علـّنا نكون قطرة في بحر وفائه .....رحمه الله
(*) هذه بعض من قصائده الكثيـــــــرة والتي لم أستطع حصرها كلها وآثرت ان أضع لكم هاتين القصيدتين ،، ولعل من تواترهما أسقط أو اختلط عليه بعض الأبيات ،، ومهما يكن فذلك لم يفقدهما قيمتهما ومعناهما -إلى حد بعيد -
وضعت لكم هذا الرابط ،،موال بصوت حسين نعمة يتغنى بشعر عبدالله الفاضل ،، وسأضع صوت رياض أحمد حالما أنتهي من تحميله ...
http://www.geocities.com/ettarf/hlee.rm
أتمنى أن يعجبكم الموضوع
[sound]http://www.geocities.com/ettarf/hlee.ram[/sound]
المفضلات