[ALIGN=CENTER]كانت تبكي .. كانت مجرد طفلة لم تتجاوز الرابعة بعد .. لكنها كانت تبكي .. كانت تبكي بكاء الكبار .. تبكي بكاء مراً .. تبكي لأن الدهر قسا عليها .. تبكي لأنها وحيدة .. لأنها يتيمة ..
فقدت روح الفرح .. فكلما كانت تبكي .. أخذت الدموع شيئاً من روح الفرح معها .. ليتبخر .. كما تتبخر الدموع من على خدها الساخن ..
كانت تحلم بجسد حنون يضمها .. تحلم بقلب عطوف يسمع شكواها .. لكنها كانت تحلم فقط ..
حشرت في دار للأيتام .. يأتي الأغنياء ليتصدقوا عليها .. بحذاء بال .. أو بقميص ممزق .. كانت تكره ذلك .. تكره أن تكون مثيرة للشفقة .. تكره أن تكون مسكينة .. لكنها كانت كذلك ..
عانت كثيراً .. فالكبار لا يرحمون .. أكثروا في ضربها .. في القسوة عليها .. فقط .. لأنها ترفض الذل .. وكلما عاندت .. رسموا بالسوط خطاً أحمر على ظهرها ..
أمضت سنيناً .. في هذا الدار تتعذب فيه .. ذاقت فيه شتى أنواع الذل والاحتقار .. لم تعامل بطيب أبداً ..
لم ترض بأن تداس كرامتها .. فقررت الهروب .. وهي فتاة في الثامنة .. و في الليل بعد أن ساد الصمت والسكون المكان .. تسللت ..محاولة الهرب .. لكن أجهزة الإنذار كشفتها .. وملأت الدار برنين مدوي .. أيقظ الجميع ..
تسارعوا للقبض عليها .. ما كفوا عن ضربها .. وأي ضرب ذاك الملئ بالحقد.. ثم ساقوها إلى مخزن عفن .. مليء بالجرذان .. ألقوها هناك .. وأقفلوا عليها الباب .. وراحوا غير عابئين ..
ملأت هي بدورها المكان بالصراخ .. والبكاء .. لعل أحداً يشفق عليها .. كانوا يسمعون .. لكن لم يكترثوا لحظة لطفلة تبكي ..
أخذت تبحث عن مخرج .. علها تستطيع الخروج .. لكنها لم تجد شيئاً .. غير ذاك الشرخ الصغير في الجدار .. وضعت رأسها بين ركبتيها .. وتابعت البكاء ..
لم تكف لحظة عن البكاء .. كان بكاءها يخفت شيئاً فشيئاً .. بدا أنينها كعزف جنائزي حزين .. متقطع بزفرات تتصعد من قلبها الصغير .. الذي بدأت دقاته بالاضطراب ..
أرخت أطرافها .. وأغمضت جفناها .. ثم ارتعشت قليلاً .. وماتت .. بعد أن أغرقتها الدموع .. كان الحزن مرسوماً على وجهها البارد ..
مضت عدة أيام .. أتى المجرمون .. فتحوا الباب .. بعد أن تحققوا موتها .. بدت على وجوههم تلك الابتسامة .. التي تنم عن الراحة .. فقد تخلصوا من أحد أولئك الذين يحتقرونهم ..
ألقوا بجثتها بعيداً .. في مكب النفايات .. وبكل قسوة .. كأنها لم تكن يوماً بإنسان ..
قضى والليل معتكر بهيم...........ولا أهل لديه ولا حميم
قضى في غير موطنه قتيلاً..........تمج دم الحياة به الكلوم
قضى من غير باكية وباك............ومن يبكي إذا قتل اليتيم
قضى غض الشبيبة وهو عف ...........مطهرة مآزره كريم[/ALIGN]
اختكم...نوف
المفضلات