بسم الله الرحمن الرحيم
دور النساء في جهاد الأعداء
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :-
أختي الكريمة إن لك دوراً مهماًَ وعظيما يجب عليك أن تنهضي وتؤدي دورك الواجب عليك في حرب الإسلام اليوم لمواجهة الحرب الصليبية الجديدة التي تشنها دول العالم أجمع على الإسلام والمسلمين ، وإني سأخاطبك بهذه الورقات وسأطيل عليك وما تلك الإطالة إلا لأهمية الموضوع الذي يحتاج إلى أضعافتلك الورقات فاسمعي رعاك الله وحفظك .
إن الأمة الإسلامية تعاني اليوم أنواعاً لا حصر لها من الذل والهوان التي لم تعرفها في عصورها السالفة وبشكل عام كهذه الأيام ، ولم يكن هذا الذل والهوان ناتج عن قلة الأمة الإسلامية ولا فقرها ، فهي تعد اليوم أكثر أمة في الأرض ، كما أنها أيضاً هي الأمة الوحيدة التي تمتلك من الثروات والمقومات ما لا يملكه أعداؤها ، والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما سبب هذا الذل والهوان الذي تعانيه الأمة اليوم بما أنها لا تفتقر لا إلى المال ولا إلى الرجال ؟ .
نقول إن السبب قد حدده لنانبينا r بقوله كما عند أحمد وأبي داود عن ثوبان y قال قال رسول الله r ( يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها ( قال قلنا يا رسول الله أمن قلة بنا يومئذ ؟ ( قال أنتم يومئذ كثير ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن ( قال قلنا وما الوهن ؟ ) قال حب الحياة وكراهية الموت ( وفي رواية أخرى لأحمد) وكراهيتكم القتال ، ( فهذا هو جواب ذلك السؤال المحتار ، يجيب عنه رسولنا r قبل وقوعه بألف وأربعمائة سنة تقريباً ، والداء الذي أهلك الأمة الإسلامية هو حب ادنيا وكراهية الموت ، فلما أحبت الأمة الدنيا وكرهت الموت انطبق عليها ما وصف الله به اليهود في قوله } ولتجدنهم أحرص الناس على حياة { والحياة هنا أتت نكرة أي أنها تشمل أي حياة سواءً حياة الذل و الهوان أو حياة البهائم أو حياة الحشرات المهم أنها حياة ، فتمسكت الأمة بنوع من الحياة دنيء لا يليق بها ولا بدينها ، كل ذلك لأنها أحبت الدنيا وكرهت الموت .
وكانت النتيجة الحتمية لحبنا للدنيا وكراهيتنا للموت أو القتال ، كانت النتيجة هي ترك الجهاد الذي يعتقد الكثير من أبناء الأمة الإسلامية وخاصة النساء أنه طريق الوت المحقق وهجران الدنيا لا محالة ، فلما تركت الأمة الإسلامية الجهاد تسلط عليها الأعداء وأصابها الذل وتحقق فيها قول الرسول r الذي رواه أحمد وأبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله r يقول (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ) وفي رواية أحمد ( لئن أنتم اتبعتم أذناب البقر وتبايعتم بالعينة وتركتم الجهاد في سبيل الله ليلزمنكم الله مذلة في أعناقكم ثم لا تنزع منكم حتى ترجعون إلى ما كنتم عليه وتتوبون إلى الله ) .
nومن خلال ما سبق من الأحاديث يتضح لنا المرض الذي شخصه لنا رسول الله r ألا وهو الوهن ، ويتضح لنا أيضاً مضاعفات هذا المرض وهو الذل المسلط علينا من أمم الأرض جميعاً من عباد البقر والأحجار ناهيك عن عباد الصليب والهيكل .
وبالرجوع إلى النصوص السابقة نعرف أن المخرج الوحيد من هذا الذل والهوان هو الرجوع إلى الجهاد وحب القتال في سبيل الله وترك الدنيا وزخرفها .
قد تكون المرأة من معوقات الجهاد أو من عوامله
ولكن بعد اقتناعنا بأن الجهاد هو العلاج الذي وصفه لنا رسول الله rللخروج بالأمة من هذا الته ، نجد أننا لم نستطع حتى الآن العمل بتلك القناعة ، لذا يجب علينا للعمل بتلك القناعة أن نبحث عن موانع ومعوقات الجهاد على مستوى الفرد ، وأصول موانع ومعوقات الجهاد جمعها الله سبحانه وتعالى في آية واحدة في سورة التوبة وهي قوله تعالى } قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين { هذه هي أصول معوقات الجهاد ويتفرع عنها معوقات لا حصر لها ، والبحث في كيفيةعدم تغلب هذه المحبوبات على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله هو أول طريق العزة ، لأننا سنصل إلى قناعة مفادها أن حب الله ورسوله والجهاد في سبيل الله أعظم وأوجب من كل تلك المحببات ، فإذا وصلنا لتلك النتيجة كان لزاماً علينا أن نترجم تلك القناعة فنبرهن بأعمالنا أن حب الله ورسوله والجهاد في سبيله فوق حب ذلك الحطام الفاني ، وهذا ما سيجعل أبناء الأمة يقدّمون أرواحهم لعز الإسلام والمسلمين ، فيذهب بذلك عنا الوهن وبعدها لن تتسلط أمم الكفر على أمتنا ، لعلمها أن لديها رجالاً يحبون الموت كما يحبون هم الحياة ، ولديها تجااً على استعداد أن يبذلوا كل ثرواتهم لنصر الدين كما فعل أبو بكر الصديق y ، ولديها أمهات لا يطيب لهن العيش وقد تخلف أبنائهن عن الجهاد ، كل هذه المظاهر إذا حصلت فإن أعداء الله سيحسبون ألف حساب لإثارة الأمة أو الاعتداء عليها .
ونحن في هذه الورقات لن ندير البحث بالتفصيل على كل تلك الموانع والمعوقات ، ولكننا سنكتفي بعائق وحيد نرى أن الأمة بحاجة إلى إزالته عاجلاً وقبل كل شيء ، وهذا العائق هو المرأة المتمثلة بالأم أو الزوجة أو البنت أو الأخت وهن جميعاً داخلات تحت آية المعوقات ، وبحثنا لعائق المرأة أيضاً ل يكون بعيداً عنها بل إننا سنخاطبها في هذه الورقات ونخبرها أنها هي أحد العوائق الكبار أمام انتصار الإسلام وعزه ، ونحن حينما نقول بأن المرأة أحد العوائق الكبار أمام انتصار الإسلام ، يلزمنا أيضاً مفهوم المخالفة وهو أن المرأة هي أحد العوامل الرئيسة المؤثرة حين انتصار الإسلام شريطة أن تؤدي دورها بكل شجاعة وفداء ، كما سننقل لها هنا سيرة من يجب عليها أن تقتدي بهن لينتصر الإسلام .
وسبب مخاطبتنا في هذه الورقات للمرأة هو ما رأيناه بأن المرأة إذا اقتنعت بأمر كانت أعظم حافز للرجال بأدائه ، وإذا عارضت أمراً كات من أعظم الموانع له ، لا سيما إن كانت تلك المرأة أماً أو جدة يجب برها وطلب رضاها .
ولما كانت المرأة هي مهد الرجال و راعية الزرع حتى يشتد عوده ، كان حرياً بنا أن نوجه لها خطاباً نحضها فيه على أداء دورها الفعال في الصراع القائم بين الإسلام و ملل الكفر جميعاً بلا استثناء ، ومتى تخاذلت المرأة عن خوض ذلك الصراع وأصبحت إما بمعزل عنه أو حاضرة لتثبيط الهمم ، كان هذا هو أول إرهاصات الهزيمة وطريق الخسارة ، وهذا ما حصل في أمتنا اليوم .
ولم ينتصر الإسلام في عصوره الزاهية على دول الكفر الأكثر منه عدة عدداً ومالاً ، إلا لما كانت المرأة على قدر المسؤولية ، فهي التي تربي أولادها على الجهاد ، وهي التي تحفظ الرجل في عرضه وماله إذا خرج إلى الجهاد ، وهي التي تصبر وتصبّر أولادها وزوجها على مواصلة ذلك الطريق فكانت مقولة القائل " وراء كل رجل عظيم امرأة " تنطبق على نساء المسلمين آنذاك فنقول " وراء كل مجاهد عظيم امرأة " ، فعرفت المرأة منهن دورها وكانت كما وصفها رسول الله r كما عند أحمد والترمذي أن عمر y سأل النبي r فقال يا رسول الله أي المال نتخذ ؟ قال ( ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة تعينه على أمرالآخرة ) .
أما نساء عصرنا فماذا نقول وبما نصفهن وما هي اهتماماتهن ؟ وهل هن عوناً لأزواجهن على أمور الآخرة ؟ وهل يعقلن شيئاً عن الصراع بين الإسلام والكفر اليوم ؟ ، بل هل يعرفن دول الكفر ؟ ، وهل يعلمن ما يلاقيه المسلمون في كل مكان غير فلسطين ؟ إنهن مغيبات وأي غياب ذلك ، إنه غياب وراء الموضة وغياب وراء التقليعات وغياب وراء الزينة والمباحات ، بل بعضهن غائبات أو إن شئت قل غارقات بالمحرمات ، وأصبحن معول هدم يستخدمه أعداء الدين ضد الأمة من عقر دارها ، وبعدما كنا نأمل منها المساهمة في بناء صرح الأمة ، فإذ بنا نشغل لكف يدها عن هدم الإسلام ، وما حرص أعداء الأمة على تحرير المرأة إلا بعدما علموا بأن المرأة هي قوام الأمة ، فإذا فسدت فسد إنتاجها وفسد من حولها ، فاستخدموها أسوء استخدام وهي واهمة غارقة مصدقة لكل لتلك الدعوات ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ولو أنك يا أمة الله إذا غبت عن حضور الصراع اليوم ، غبت وحدك لكان الأمر هيناً فلنا في الرجل عوض ! ، ولكنك اليوم إذا غبت عن حضور الصراع أو الإعداد له فإن الأمة كلها تغيب معك ، فمن يربي الشباب لتلك المعركة ؟ ومن يقف وراء الرجال لخوض تلك المعركة ؟ ، ومن يعد أمهت الجيل القادم ليكملن الطريق بعدك ؟ إن أجوبة هذه الأسئلة ومعها عشرات الأسئلة الملحة مثلها ، تبين أمراً واحداً وهو أن المرأة عنصر مهم في الصراع اليوم يجب حضورها وبكل إمكانياتها وعواطفها ، وحضورها ليس عبارة عن مكمل في الصراع كلا ، بل إن حضورها يعد ركيزة من ركائز النصر ومواصلة الطريق .
لذا لا بد أن تعي أختي المسلمة أن مهمتك أعظم مما تتصورين ، فهزيمة الإسلام اليوم تتحملين أنت جزءً كبيراً منها ، إذ لو أنك قمتي بمسئوليتك لما أصاب الأمة هذا الذل ، ولعلك تقولين لماذا أحمّل كل تلك التبعات ؟ نقول لأن مسئولتك هي أول المسؤوليات التي إذا لم تؤد بشكل صحيح فإن ما بعدها غالباً لا فائدة فيه ، فأول ما ينشأ الطفل ينشأ بين ذراعيك وإذا أصبح صبياً لا يعرف إلا توجيهك لحبه لك ، فإذا لم تغرس أنت فيه أثناء صغره حب الله ورسوله والجهاد في سبيله ، فلن يستطيع أحد أن يغرس في قلبه هذا في كبره إلا بصعوبة بالغة ، فالعود بين يديك غض رطب فقومي بدورك وسترين النتيجة بعد عقدين بإذن الله .
ولبيان أهمية دورك في الصراع المحتدم اليوم بين ملل الكفر وملة الإسلام ، لا سيما في الحرب الصليبية الجديدة التي يشنها العالم بقيادة أمريكا ضد لإسلام والمسلمين ، لا بد لنا أن نذكرك بجانب من دورك عكسته لنا صورة المرأة المجاهدة في عصر الإسلام الذهبي ، وما سوف نسوقه لك من نماذج لنساء المسلمين لا يعد هو الجانب الوحيد المشرق في صفحات أولئك النساء ، إنما هي زاوية واحدة مشعة في حياة أم الأبطال وأخت الأبطال وزوجة الأبطال ، ولو كانت نساء المسلمين اليوم فيهن من الفداء والصدق والحب للدين مثل ما كان في نساء السلف لنصر الإسلام بإذن الله .
نماذج للمرأة المجاهدة من نساء السلف
وما سنذكره من صور نود منك أختي الكريمة أن تقتدي بهن ليحصل لك من الخيرما حصل لهن وللدين في وقتهن ، فهن حقاً من يستحق أن يقتدى بهن ، وليست القدوة لك أختي المسلمة تلك البغي الراقصة أو المتاجرة بجسدها في كل ميدان ، أو تلك المغنية أو العارضة كلا ، فإن أردت أن تعرفي من أنت فانظري بمن تقتدين ، وإذا أردت أن تعرفي حال الأمة فانظر بمن تقتدي نسائها ، فإن كن يقتدين بالعظيمات المجاهدات الصادقات القانتات العابدات الصابرات السائحات فقد انتصرت الأمة ، وإن كن يقتدين بالعاهرات الكافرات الكاذبات الضالات المضلات المائلات المميلات ، فهذا خسران الأمة حقاً وهذا ما رأيناه في هذه الأيام نسأل الله لعفو والغفران .
لقد دخلت المرأة ميدان المعركة في قرون الإسلام الأولى ليس ذلك بسبب قلة الرجال في وقتها ، ولكنه راجع إلى حبها للأجر والفداء والتضحية في سبيل الله ، يبين ذلك ما رواه أحمد عن حشرج بن زياد الأشجعي عن جدته أم أبيه أنها قالت خرجت مع رسول الله r في غزاة خيبر وأنا سادس ست نسوة فبلغ رسول الله r أن معه نساء فأرسل إلينا فقال ( ما أخرجكن ؟ وبأمر من خرجتن ؟ ) فقلنا خرجنا نناول السهام ونسقي الناس السويق ومعنا ما نداوي به الجرحى ونغزل الشَّعر ونعين به في سبيل الله قال ( قمن فانصرفن ) فلما فتح اللهعليه خيبر أخرج لنا سهاما كسهام الرجل ، قلت يا جدة ما أخرج لكن ؟ قالت تمرا ، ومن حبها أيضاً للجهاد والفداء لهذا الدين فقد قادها ذلك الحب الصادق إلى طلب خوض الجهاد طلباً صريحاً من الرسول r فقالت كما في البخاري وسنن النسائي وللفظ له عن عائشة أنها قالت قلت يا رسول الله ألا نخرج فنجاهد معك فإني لا أرى عملا في القرآن أفضل من الجهاد ؟ قال ( لا ولكن أحسن الجهاد وأجمله حج البيت حج مبرور ) وفي رواية أحمد والبخاري قال ( لا جهادكن الحج المبرور وهو لكن جهاد ) ، وبمقارنة بين حال المرأة بالأمس التي كانت تطلب أن يشرّع له الجهاد بسبب حبها لهذا الدين ، نجد أن المرأة اليوم ودت أن قول الله تعلى ( كتب عليكم القتال ) لم ينزل خاصة إذا علمت أن ابنها أو والدها أو زوجها سيستجيب لله ويخرج في سبيله مدافعاً عن هذا الدين ، فهذا البون الشاسع بين نساء الأمس ونساء اليوم انعكس انعكاساً مباشراً على حال الأمة فنساء الأمس أخرجن رجالاً ملكوا رقاب ملل الكفر كلها ، ونساء اليوم أخرجن ذكوراً ملك عبّاد البقر والحجر والشجر و الصليب والهيكل رقابهم حتى دفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وأول تلك النماذج أختي الكريمة الت نسوقها لك لتزني نفسك وأعمالك بها قبل أن توزني ، امرأة عظيمة حقاً إنها تزن ألف رجل وأكثر ، ولو كانت نساء المسلمين عشرها أو أقل لما ضاع لنا حق ولا انتهكت لنا حرمة ، إنها المجاهدة الشجاعة أم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية جاء في ترجمتها في سير أعلام النبلاء 2/278 قال " شهدت أم عمارة ليلة العقبة وشهدت أحدا والحديبية ويوم حنين ويوم اليمامة وجاهدت وفعلت الأفاعيل ، وقطعت يدها في الجهاد ، وقال الواقدي شهدت أحداً مع زوجها غزية بن عمرو ومع ولديها ، خرجت تسقي ومعها شن وقاتلت وأبلت بلاء حسنا وجرحت اثني عشر جرحا ، وكن ضمرة بن سعيد المازني يحدث عن جدته وكانت قد شهدت أحدا قالت سمعت رسول الله r يقول ( لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان ( وكانت تراها يومئذ تقاتل أشد القتال وإنها لحاجزة ثوبها على وسطها حتى جرحت ثلاثة عشر جرحا ، وكانت تقول إني لأنظر إلى ابن قمئة وهو يضربها على عاتقها وكان أعظم جراحها فداوته سنة ثم نادى منادي رسول الله r إلى حمراء الأسد فشدت عليها ثيابها فما استطاعت من نزف الدم y ورحمها ، قالت أم عمارة رأيتني انكشف الناس عن رسول الله r فما بقي إلا في نفير ما يتمون عشرة وأنا وابناي وزوجي بين يده نذب عنه والناس يمرون به منهزمين ورأني ولا ترس معي فرأى رجلاً موليا ومعه ترس فقال ( ألق ترسك إلى من يقاتل ( فألقاه فأخذته فجعلت أترس به عن رسول الله وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل ، و لو كانوا رجالة مثلنا أصبناهم إن شاء الله ، فيقبل رجل على فرس فيضربني وترست له فلم يصنع شيئا وولى فأضرب عرقوب فرسه فوقع على ظهره فجعل النبي r يصيح ( يا ابن أم عمارة أمك أمك ( قالت فعاونني عليه حتى أوردته شعوب - أسم من أسماء الموت - .
قال عن عبد الله بن زيد – ابن أم عمارة - قال جرحت يومئذ جرحا وجعل الدم لا يرقأ فقل النبي r ( اعصب جرحك ) فتقبل أمي إلي ومعها عصائب في حقوها فربطت جرحي والنبي r واقف فقال ( انهض بني فضارب القوم وجعل يقول من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة ) ، فأقبل الذي ضرب ابني فقال رسول الله ( هذا ضارب ابنك ) قالت فأعترض له فأضرب ساقه فبرك فرأيت رسول الله r يبتسم حتى رأيت نواجذه وقال ( استقدت يا أم عمارة؟ ) ثم أقبلنا نعله بالسلاح حتى أتينا على نفسه فقال النبي r ( الحمد لله الذي ظفرك ) .
وقال عن عبد الله بن زيد بن عاصم أيضاً ، يقول شهدت أحدا فلما تفرقوا عن رسول الله r دنوت منه أنا وأمي نذب عنه فقا ( ابن أم عمارة ؟ ) قلت نعم قال ( ارم ) فرميت بين يديه رجلا بحجر وهو على فرس فأصبت عين الفرس فاضطرب الفرس فوقع هو وصاحبة وجعلت أعلوه بالحجارة والنبي r يبتسم ونظر إلى جرح أمي على عاتقها فقال ( أمك أمك اعصب جرحها اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة ) قلت ما أبالي ما أصابني من الدنيا .
وعن محمد بن يحيى بن حبان قال جرحت أم عمارة بأحد اثني عشر جرحا وقطعت يدها يوم اليمامة ، وجرحت يوم اليمامة سوى يدها أحد عشر جرحا فقدمت المدينة وبها الجراحة فلقد رئي أبو بكر y وهو خليفة يأتيها يسأل عنها ، وابنها حبيب بن زيد بنعاصم هو الذي قطّعه مسيلمة ، وابنها الآخر عبد الله بن زيد المازني الذي حكى وضوء رسول الله r قتل يوم الحرة وهو الذي قتل مسيلمة الكذاب بسيفه .
و جاء في صفة الصفوة 2/63 من أحوالها " أنه روى عمر بن الخطاب y عن النبي r أنه قال ( ما التفت يوم أحد يميناً ولا شمالاً إلا وأراها تقاتل دوني ) أهـ .
وجاء في الإصابة 4/418 من أخبارها قال " ذكر الواقدي أن نسيبة بنت كعب لما بلغها قتل ابنها حبيب بن زيد على يد مسيلمة عاهدت الله أن تموت دون مسيلمة أو تقتله ، فشهدت اليمامة مع خالد بن الوليد y ومعها ابنها عب الله y ، فقتل مسيلمة وقطعت يدها في الحرب " .
وذكر ابن هشام في زيادته من طريق أم سعد بن سعد بن الربيع قالت : دخلت على أم عمارة ، فقالت يا خالة أخبريني .
فقالت : خرجت – يعني يوم أحد – ومعي سقاء فيه ماء ، فانتهينا إلى رسول الله r وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين ، فلمّا انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله r فكنت أباشر القتال وأذب عن رسول الله r بالسيف ، وأرمي بالقوس حتى خلصت الجراح إلي .
قالت أم سعيد بنت سعد بن الربيع : فرأيت عاتقها أجوف له غور ، فقلت من أصابك بهذا ؟ قالت ابن قمة " أهـ .
هذه هي المجاهدة الشجاعة أم عمارة وحقاً من يطيق ما تطيق أم عمارة إن الرجال لا يطيقون ثباتها وصبرها مع رسول الله r فكيف بالنساء ، ولكن متى كانت هذه قدوتك أختي الكريمة في شجاعتها وفدائها وإقدامها وثباتها وصبرها على هذا الطريق أفلحت بإذن الله .
وإليك أختي نموذجاً واضحاً يدل على فداء المرأة وقوة قلبها في سبيل نصر دين الله ، فقد خاطرت بنفسها ودخلت ميدان المعركة واستعدت لمواجهة الرجال كل ذلك بسبب حبها للدين ونصر الإسلام ، وهذا النموذج هي أم سليم فقد جاء عنها في حياة الصحابة 1/597 و صفةالصفوة 2/66 أنها دخلت أرض المعركة يوم حنين فداءً منها لدين الله وكان معها خنجراً " فجاء أبو طلحة يوم حنين يضحك إلى رسول الله r من أم سليم فقال يارسول الله ألم تر إلى أم سليم معها خنجر ؟ فقال لها رسول الله r ( ما تصنعين به يا أم سليم ؟ ) قالت : أردت إن دنا أحد منهم مني طعنته وفي رواية قالت : اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت بطنه ، فجعل رسول الله r يضحك " أهـ .
وهذا أختي المجاهدة نموذج آخر فيها من قوة القلب ما نحتاجه في نسائنا ، و لا نظن أن رجلاً يعلم أن وراءه مثلها فينكص عن الجهاد والإقدام وهذا النموذج هي صفية بنت عبد المطلب عمة النبي r فقد جاء عنها في الإصابة 7/744 أنها قالت " إن رسول الله لما خرج إلى الخندق جعل النساء في أطم – أي حصن - يقال له فارع وجعل معهن حسان بن ثابت ، قالت فجاء إنسان من اليهود فرقي في الحصن حتى أطل علينا ، فقلت لحسان قم فاقتله فقال لو كان ذلك فيّ كنت مع رسول الله – لأنه كان شيخاً فانياً - ، قالت فاعتجرت وأخذت عمودا ونزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته و قطعت رأسه ، وقلت لحسان قم فاطرح رأسه على اليهود وهم أسفل الحصن ، فقال والله ما ذاك ، قالت فأخذت رأسه فرمت به عليهم ، فقالوا قد علمنا أن هذا لم يكن ليترك أهله خلوفا ليس معهم أحد فتفرقوا ، وهي أول امرأة قتلت رجلا من المشركين أخرجه بن سعد عن أبي أسامة " أهـ .
أما عن تحريضها للرجال على القتال فلم تقتصر في التحريض على لسانها فقط ، ولم تحرض القاعدين بل حرضت الغزاة الذين لم يظفروا بعدوهم ، وكان ذلك التحريض بجوارحها ، قال في الإصابة وجاء من طريق حماد عن هشام عن أبيه أن صفية جاءت يوم أحد وقد انهزم الناس وبيدها رمح تضرب في وجوههم فقال النبي ( يا زبير المرأة )
أما صبرها على المصيبة واحتسابها فهي جبل أم قال في الإصابة " وفي السيرة من رواية يونس بن بكير قال : قتل حمزة فأقبلت صفية بنت عبد المطلب لتنظر إلى أخيها فلقيها الزبير فقال أي أمة إن رسول الله يأمرك أن ترجعي قالت ولم وقد بلغني أنه مثّل بأخي وذلك في الله فما أرضانا بما كان من ذلك لأصبرن وأحتسبن إن شاء الله فجاء الزبير فأخبره فقال ( خل سبيلها ) فأتت إليه واستغفرت له ثم أمر به ودفن " أهـ .
وهذه قدوة أخرى لك أختي في الله ، فمتى تصل نسائنا إلى ما وصلن من الفداء والإقدام ، وهذه القدوة هي أسماء بنت يزيد بن السكن بنت عم معاذ بن جبل y ، جاء عنها ف سير أعلام النبلاء 2/297 أنها " من المبايعات المجاهدات ، وقتلت بعمود خبائها يوم اليرموك تسعة من الروم " أ هـ .
ومن المجاهدات أيضاً الآتي ينبغي لك أختي أن تتخذيها قدوة وخاصة في نصرتها لدين الله والدفاع عن المسلمين ، هي البطلة أم موسى اللخمية زوج نصير اللخمي والد موسى ابن نصير الذي فتح الأندلس ، جاء في الإصابة 4/501 " أنها شهدت مع زوجها اليرموك فقتلت حينئذ علجاً وأخذت سلبه ، وكان عبد العزيز بن مروان يستحكيها ذلك فتصفه له وتقول : بينما نحن في جماعة من النساء إذ جال الرجال جولةً ، فأبصرت علجاً يجر جلاً من المسلمين ، فأخذت عمود فسطاط – والفسطاط بيت من الشعر – ثم دنوت منه فشدخت به رأسه ، وأقبلت أسلبه ، فأعانني الرجال على أخذه " أ . هـ .
وأسألك بالله أختي الكريمة كم مرة رأيت صور إخوانك بين قتيل وجريح ومشرد ومسلوب ، فهل فكرت يوماً أن تقدّمي لهم ما ترفعي به عنهم الشر الذي أصابهم ؟ ألم تر إلى أم موسى كيف فعلت لما رأت منظراً واحداً لم تملك نفسها فيه وتقدمت ودخلت الميدان بعمود وعدوها معه السيف ومدجج بالسلاح ؟ ، وما حملها على ذلك إلا غيرتها على هذا الدين ، فأين غيرتك أنت ؟ أم أن غيرتك دفعتك لحبس ماك عن المجاهدين وصد ابنك أو زوجك عن الجهاد في سبيل لله ؟!
ولك أختي المسلمة في أم حكيم بنت الحارث عبره زوج عكرمة بن أبي جهل y ، وكيف تعالت على مصيبتها في زوجها ، كل ذلك لأجل الجهاد ، جاء في الإصابة 4/443 " أنها خرجت مع زوجها عكرمة إلى غزو الروم ، فاستشهد فتزوجها خالد بن سعيد بن العاص ، فلما كانت وقعة مرج الصفر أراد خالد أن يدخل بها ، فقالت لو تأخرت حتى يهزم الله هذه الجموع ، فقال إن نفسي تحدثني أني أقتل ، قالت : فدونك ، فأعرس بها عند القنطرة ، فعُرفت بها بعد ذلك فقيل لها ( قنطرة أم حكيم ) .
nثم أصبح فأولم عليها ، فما فرغوا من الطعام حتى وافتهم الروم ، ووقع القتال فاستشهد خالد ، وشدت أم حكيم عليها ثيابها وتبدت ، وإن عليها أثر الخلوق ، فاقتتلوا على النهر ، فقاتلت أم حكيم يومئذ ، فقتلت بعمود الفسطاط الذي أعرس بها خالد فيه سبعةً من الروم " أ هـ .
وهذه أختي في الله قدوة لك تحثك سيرتها على حب الجهاد كما كانت الصحابيات يحببنه ويتشوقن إليه ففي هذا النموذج عبرة لك ، فما أبعد نسائنا عن حب الجهاد بل ما أقربهن من بغض هذه الشعيرة العظيمة وما ذلك إلا لقلة الإيمان ، ولو كان حب الله والرسول فوق كل يء لكانت نسائنا مثل أم حرام ، جاء في الإصابة 4/441 قال " قال رسول الله صلى r في بيت أم حرام بنت ملحان – قال من القيلولة أي نام في الظهيرة – فاستيقظ وهو يضحك وقال : ( ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكاً على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة ) قالت فقلت : يارسول الله ادع الله أن يجعلني منهم ؟ ، فدعا لهم ، ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ وهو يضحك ، قالت : فقلت : ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال : ( ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله .. ) كما قال في الأولى ، قالت فقلت : يا رسول اللهادع الله أن يجعلني منهم ؟ قال ( أنت من الأولين ) فركبت أم حرام بنت ملحان البحر فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت رضي الله عنها .
قال ابن الأثير : وكانت تلك الغزوة عزوة قبرص ، فدفنت فيها ، وكان أمير ذلك الجيش معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما في خلافة عثمان y في سنة سبع وعشرين " أهـ بتصرف .
هذه أختي الكريمة أم حرام لم ترض بالدنية بل تشوقت لتكون ممن يركب ذروة سنام الإسلام فسألت رسول الله r أن يدعو لها لتكون من الغزاة في سبيل الله ، وما كان هذا السؤال منها إلا لأن قلبها قد امتلأ بحب اله ورسوله والجهاد في سبيله فاسترخصت النفس في مقابل ذلك فرحمها الله وأسكنها فسيح جناته .
ولك أختي في صبر النساء وحضهن أبنائهن على القتال قدوة ألا وهي ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ، جاء في سير أعلام النبلاء عنها 2/293-395 " قال عروة دخلت أنا وأخي - أي عبد الله بن الزبير - قبل أن يقتل على أمّنا بعشر ليال وهي وجعة فقال : عبد الله كيف تجدينك ؟ قالت : وجعة ، قال : إن في الموت لعافية ، قالت : لعلك تشتهي موتي فلا تفعل وضحكت ، وقالت : والله ما أشتهي أن أموت حتى تأتي على أحد طرفيك -أي في قتاله مع الحجاج – إما أن تقتل فأحتسبك ، وإما أن تظفر فتقر عيني ، و إياك أن تعرض على خطة فلا توافق فتقبلها كراهية الموت ، قال عروة وإنما عني أخي- أي في كلامه السابق - أن يقتل فيحزنها ذلك وكانت بنت مئة سنة .
ولما جاءها ابن عمر y ليعزيها بمقتل ابنها عبد الله بن الزبير y ، وجدها في ناحية المسجد وذلك حين صلب ابن الزبير فمال إليها فقال إن هذه الجثث ليست بشيء وإنما الأرواح عند الله فاتقي الله واصبري ، فقالت : وما يمنعني وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل " أ. هـ
تعزت رمها الله بمصاب نبي الله u وهانت عليها مصيبتها ، لأن دين الله أحب إليها من ابنها فلما تذكرت ما أصاب نبي الله يحيى وهو أكرم على الله من ابنها هان عليها مصابها .
ولك أختي الكريمة قدوة جعلت سلامة رسول الله r فوق كل شيء رغم قتل ابنها ، لأنها تعلم يقيناً أن الدين لا يضره موت ابنها ، إنما الذي يضر الدين قتل رسول الله r ، جاء في التاريخ الإسلامي 2/246 " لما رجع رسول الله r إلى المدينة من عزوة أحد خرج من فيها لا ستقبالهم والسؤال عنهم وكان من بين من خرج أم سعد ابن معاذ سيد الأنصار وكانت تيركب فرسه وابنها سد آخذ بلجامها ، فقال سعد أمي يا رسول الله فقال ( مرحباً بها ) ، فلما اقتربت منه عزّاها بابنها عمرو بن معاذ ، فقالت أما إذ رأيتك سالماً فقد هانت مصيبتي ، فدعا لها رسول الله r وقال لها ( أبشري وبشري أهلهم أن قتلاهم ترافقهم في الجنة جميعاً وقد شفعوا في أهلهم جميعاً ) " أهـ .
وهذه أيضاً صحابية أخرى لا تعد المصاب شيئاً إزاء سلامة رسول الله r ، لا كنساء اليوم الآتي لا يبكين إلا على حبيب ، ولا يكترثن بما يصيب الدين وأهله ، فالحقي أختي بالصالحات إن كنت تريدين الجنة ، جاء في البداية والنهاية 4/47 " قال بن اسحاق عن سعد بن أبي وقاص قال مر رسول الله r بامرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله بأحد ، فلما نعوا لها قالت : ما فعل رسول الله ؟ قالوا خيرا يا أم فلان هو بحمد الله كما تحبين ، قالت : أرونيه حتى أنظر إليه ؟ قال فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت كل مصيبة بعدك جلل ، قال ابن هشام : الجلل يكون من القليل والكثير ، وهو هاهنا القليل قال امرؤ القيس لقتل بني أسد ربهم ألا كل شيء خلاه جلل ، أي صغير وقليل " .
وإن أردت أختي في الله قدوة لك في احتساب المصيبة في سبيل الله والصبر عليها ،فإليك هذا النموذج جاء في سير أعلام النبلاء 4/508 قال " معاذة بنت عبد الله السيدة العالمة أم الصهباء العدوية البصرية العابدة زوجة السيد القدوة صلة بن أشيم ، ولما استشهد زوجها صلة وابنها في بعض الحروب اجتمع النساء عندها فقالت مرحبا بكن إن كنتن جئتن للهناء ، وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن ، وكانت تقول والله ما أحب البقاء إلا لأتقرب إلى ربي بالوسائل لعله يجمع بيني وبين أبي الشعثاء وابنه في الجنة " .
وهذه أختي امرأة فريدة من نوعها كرمها الله على النساء ورزقها الأولاد ولم تطب نفسها إلا أن يجاهدوا كلهم ي سبيل ، جاء في الإصابة 8/26 قال " عفراء بنت عبيد بن ثعلبة ، قال بن الكلبي قتل معاذ ومعوذ فجاءت أمهما إلى النبي r فقالت يا رسول الله هذا سر بني عوف بن الحارث ؟- أي آخرهم - فقال ( لا ) ، قلت - وعفراء هذه لها خصيصة لا توجد لغيرها وهي أنها تزوجت بعد الحارث البكير بن يا ليل الليثي فولدت له أربعة إياساً وعاقلاً وخالداً وعامراً وكلهم شهدوا بدراً وكذلك إخوتهم لأمهم بنو الحارث فانتظم من هذا أنها امرأة صحابية لها سبعة أولاد شهدوا كلهم بدراً مع النبي r " أهـ .
وأنت يا أم الرجال كم لك من الأبناء ؟ و هل قدم ما قدمت عفراء ؟ وهل لك أحد من الأبناء غزا غزوة واحدة ؟ أما تستحين أن تلقي الله عز وجل بذلك العدد من الأبناء كلهم لم يقدم لدين الله شيئاً ؟ بل أما تتقين الله أن تكوني أنت عقبة في طريق أبناءك إلى الجهاد ؟ أما لك في السالفات عظة وعبرة ؟ قدمي ما قدمن لتنالي مثل أجرهن .
وهذه امرأة مشهورة لو أن نساءنا مثلها لما بقي أحد في الخوالف ، ولو كانت النساء مثلها لخرج الرجال جماعات للجهاد ألا وهي الخنساء ، جاء في طبقات الشافعية 1/260 و الإصابة 7/614 عنها إن صح الخبر قالا " حضرت الخنساء بنت عمرو السلمية حرب القاسية ومعها بنوها أربعة رجال فذكر موعظتها لهم وتحريضهم على القتال وعدم الفرار وفيها أنها قالت " إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين وإنكم لبنوا أب واحد وأم واحدة ما هجنت آباءكم ولا فضحت أخوالكم ، ثم قالت لهم وقد تعلمون ما أعد الله لكم من الثواب الجزيل في حرب الكافرين واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية ، فإذا أصبحتم غدا إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين ، وبالله على أعدائه مستنصرين ، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها واضطرب لظاها على سياقها ، وجللت ناراً على أوراقها ، فتيمموا وطيسه وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها تظفروا بالمغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة ، فخرج بنوها قابلين لنصحها فلما أضاء لهم الصبح باكروا مراكزهم فلما أصبحوا باشروا القتال واحداً بعد واحد حتى قتلوا وكان منهم إنشاد قبل أن يستشهدوا رجزاً .
فقال الأول :
قد نصحتنا إذ دعتنا البــارحة
يا إخوتي إن العجوز الناصحـة
فباكروا الحرب الضروس الكالحة
مقالة ذات بيان واضــحـة
من آل ساسان كــلابا نـابحه
وإنما تلقون عند الصائـحــة
وأنتم بين حــياة صــلحة
قد أيقنوا منكم بوقع الجائـحة
أو ميتة تورث غنــما صــالحة
وتقدم فقاتل حتى قتل رحمه الله تعالى
ثم تقدم الثاني وهو يقول :
والنـظر الأوفق والرأي الأسد
إن العجوز ذات حــزم وجلد
نصيحة منها وبـــرا بالولد
قد أمرتنا بالسداد والرشــد
إما لفوز بارد على الكـــبد
فباكروا الحرب حماة في الـعدد
في جنة الفردوس والعيش الرغد
أو ميتة تورثكم غنـــم الأبد
فقاتل حتى استشهد رحمه الله تعاى
ثم تقدم الثالث وهو يقول :
قد أمرتنا حـبا وعــــطفا
والله لا نعصى العجوز حــرفا
فبادروا الحرب الضـروس زحفا
نصحا وبرا صـــادقا ولطفا
وتكشفوهم عن حـماكم كشفا
حتى تلفـــوا آل كسرى لفا
فقاتل حتى استشهد رحمه الله تعالى
وحمل الرابع وهو يقول :
ولا لعمـرو ذي السناء الأقدم
لست لخنســـا ولا للأخرم
ماض على المهول خضم خضرم
إن لم أرد في الجيش جيش العجم
أو لوفاة في السبيــل الأرم
إما لفوز عاجل ومغنــــم
فقاتل حتى قتل رحمه الله تعالى
فبلغ خبرهم الخنساء أمهم فقالت الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته فكان عمر ابن الخطاب y يعطي الخنساء بعد ذلك أرزاق أولادها الأربعة لكل واحد منهم مائتي درهم " أهـ .
هذه أختي المسلمة شريحة من نساء السلف نقلنا لك جهادهن ومثلهن كثير وما يمعنا من الاستزادة إلا خشية الإطالة ، علماً أننا لم نذكر لك إلا جانباً واحداً من سيرتهن ، فكيف لو ذكرنا لك طرفاً من عبادتهن وخشيتهن لله وعلمهن ودقتهن وسائر أعمالهن الصالحة ، إذاً لطال بنا المقام ولكن فيما ذكرنا كفاية إن شاء الله
نماذج للمرأة المجاهدة من نساء عصرنا
وربما تسمعين أختي في الله مثل تلك القصص فتظنيها من نسج الخيال أو من أساطير الأولين ، ولكن حينما تعلمين أنه يوجد من نساء اليوم من شابهت نساء الأمس عندها تصدقين ما قيل عن السالفات .
ومن نماذج الإقدام والفداء من نساء عصرنا سيدة نساء زمانها الشهيدة إن شاء الله ، حواء براييف وهي شابة في مقتبل عمرها اشتد ألمها يوم أن اجتاح العدو أرضها وأذل أهلها ، فلم تزل تسعى بكل ما تتطيع لمعونة المجاهدين على رد ذلك العدو الصائل ، وطرق بعد ذلك سمعها جواز أن يفجر الرجل نفسه في جموع العدو ليقتلهم ، وحدّثت نفسها أنها هي المعنية بمثل ذلك النوع من العمليات لا غيرها ، فأعدت عدتها وسعت واجتهدت أن يكون لها نصيب من تلك العمليات ، وكان ابن عمها عربي براييف رحمه الله أحد القادة الميدانيين طريقها لتحقيق أمنيتها ، وبالفعل ألحت على ابن عمها ليجهز لها عملية تفدي فيها بنفسها مقابل النكاية في صفوف العدو ، وبعد ضغط منها وافق وجهز لها شاحنة مليئة بالمتفجرات ودربها على تنفيذ العملية ، ولما حان موعد لقائه بالله صلّت فرضها وقرأت القرآن وودعت والديها وأقاربها بمشهد تتصاغر عنده همم الرجال ، ثم ركبت الشاحنة ودخلت بها مركزاً للعدو فأحالته أثراً بعد عين ولقيت هي ربها شهيدة نحسبها كذلك ولا نزكي على الله أحداً .
ومن نماذج السعي لنصرة الدين والتقديم له في عصرنا أيضاً أم عمر المكية تلك العجوز التي عاهدت الله أن تنصر الجهاد الأفغاني بكل ما تملك فأرسلت ولدها ، وعملت هي في مكة على تحريض النساء على الجهاد ودعمه ، حتى أنها كانت ترسل الأطعمة التي تصنعها في بيتها للجبهات في أفغانستان ، وذات يوم عزمت على زيارة أفغاستان للقاء نساء المجاهدين ومؤازرتهن ، وبعدما حضرت أصرت على الدخول إلى الجبهة وحاول المجاهدون ثنيها لخطورة الوضع ولكن دون جدوى ، فقد أقسمت أن ترمي العدو بسلاحها ، فاستجاب لها الأخوة و ركبت السيارة مع ابنها ودخلت إلى الجبهة كل ذلك لتشهد العدو بنفسها وتحقق امنيتها وتبر بقسمها و تطلق على العدو في سبيل الله ، وتحققت امنيتها ووقفت خلف راجمة الصواريخ وقصفت العدو بعدة قذائف ، لم ترجع بعدها حتى رد العدو عليها بقذائف علمت منها أن قذائفها أصابت هدفها ، وأشفت صدرها وذهب غيض قلبها و كتب الله أجرها إن شاء الله.
وهذا نموذج آخر ومن نسائنا أيضاً هي شبيهة بأسماء وأم سعد وغيرهن وهي أم سراقة وهي التي دفعت ابنها إلى الجهاد في أفغانستان فلما قتل قالوا كيف نخبرها بمقتل ابنها ، ولكن ربما إذا أخبرها الشيخ عبد الله عزام رحمه الله هانت مصيبتها ، فاتصل الشيخ بها وبشرها بقتل ابنها وقال لها كلمات في الصبر ، فإذا بها لا تحتاج إلى مثل تلك الكلمات ، وردت على الشيخ برد ذكرنا بنسائنا السالفات ، وقالت الحمد لله على قتل سراقة وسأرسل لكم بعد أسبوع أخاه ليحل محله .
ومن نسائنا أيضاً شبيهة بصفية التي حضت الرجال على الجهاد بيدها وه أم غضنفر تلك المرأة الأمية التي لا تعرف القراءة ولا الكتابة ، وقد جلست يوماً في مجلس تكلمت فيه إحدى النساء عن فضل الجهاد وفضل الشهادة وخصال الشهيد وأنه يشفع في والدية ليدخلهم الجنة ، فسمعت أم غضنفر ذلك القول ووعاه قلبها وشربه ، فعادت إلى بيتها ونادت ابنها الوحيد الأكبر وعرضت عليه الذهاب إلى الجهاد في أفغانستان لكي يرزقه الله الشهادة ليشفع لها ، فأحست منه إعراضاً ، فما كان منها إلا أن أحضرت سوطاً ودخلت عليه وأخذت تضربه ضرباً شديداً وهي تبكي وتقول اذهب إلى الجهاد من يشفع لي يوم القيامة ، قال غضنفر فما كان ني إلا أن وافقت ، وأعددت نفسي وتجهزت ثم جئت أبشرها بموعد سفري ، فقالت لي وكم ستبقى هناك ؟ ، قلت : من أربعة أشهر إلى ستة ، قال فبصقت في وجهي وقالت تريد أن تبيع نفسك لله لمدة ستة أشهر اذهب حتى يرزقك الله إحدى الحسنيين .
وانظري أيها الأخت الكريمة كيف ظهر من نسائنا ما نظنه حقاً معجزة في هذا الزمان ، ولكن كيف لو كان نساء المسلمين في عصرنا كلهن كأولئك النساء ، هل تظنين أن يتسلط العدو على بلادنا ونسائنا وأرواحنا ؟ إن الإجابة تكون بالنفي بديهة ، إذاً لما لا تلحقين بالركب وتكوني أحد النساء التي يسجل التاري لها موقفاً نرفع به رؤوسنا ؟ .
ملخص ما نريده منك أختي الكريمة
وها نحن أختي الكريمة نأتي على ختام رسالتنا إليك وقبل أن نودعك يحسن بنا أن نجمل لك ما نريده منك
لقد ذكرنا لك بما فيه غنية عن غيره عدة مواقف لنساء السلف والخلف يتضح لك من خلالها جلياً دور المرأة المهم في الصراع لنصرة الإسلام ، ونحن لا نريد منك أن تدخلي أرض المعركة لما فيه من تبذل وفتنة ، ولكننا نريد منك أن تقتدي بنساء السلف في تحريضهن على الجهاد وإعدادهن له وفي صبرهن على هذا الطريق وفي شوقهن للمشاركة بكل شيء مقابل انتصار اإسلام .
وإن رضيت بالدنية في دينك ورضيت بالذل والهوان لك ولأمتك ، فإننا لا نملك لك من الله شيئاً ، ولكننا نحذرك من غضب الله ومن سخطه ، ونقول لك اتق الله ، ولا تكوني عقبة في طريق الرجال إلى الجهاد ، فأقل ما يطلب منك حال خروج الرجال إلى الجهاد أن تسكتي وترضي بما أمر الله به ، واعلمي أنك حينما تثنين الرجال عن الجهاد سواءً كانوا أبناءً أو زوجاً أو إخوة أو غيرهم فإن هذا نوع من الصد عن سبيل الله لا يرضاه الله أبداً ، فإن كنت لا تهلكين بخروجهم فليس لك حق في الشرع لتثبيطهم عن الجهاد ، ولعلك تتعجبين من ذلك تقولين وكيف لا يكون للأم حق والرسول r قال كما عند البخاري وغيره عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول جاء رجل إلى النبي r فاستأذنه في الجهاد فقال ( أحي والداك ؟ ) قال نعم قال ( ففيهما فجاهد ) .
ونجيبك بأنه لا يخفى علينا مثل هذا الحديث وما في معناه ، ولكنه يوجد له معارض من الأحاديث فيجب العمل بكلا الحديثين ، والعمل بهما يكون كما قال ابن حجر في الفتح عند شرح هذا الحديث قال " وأصرح من ذلك – أي الحديث المتقدم – حديث أبي سعيد عند أبي داود بلفظ ( ارجع فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد ، وإلا فبرهما ) وصحه ابن حبان . قال جمهور العلماء : يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين ، لأن برهما فرض عين عليه والجهاد فرض كفاية ، فإذا تعين الجهاد فلا إذن ، ويشهد له ما أخرجه ابن حبان من طريق أخرى عن عبد الله بن عمرو ( جاء رجل إلى رسول الله r فسأله عن أفضل الأعمال ، قال : الصلاة ، قال ثم مه ؟ قال الجهاد ، قال فإن لي والدين ، فقال آمرك بوالديك خيرا ، فقال والذي بعثك بالحق نبيا لأجاهدن ولأتركنهما قال فأنت أعلم ) وهو محمول على جهاد فرض العين توفيقا بين الحديثين " أهـ .
وفي عصرنا هذا تعين الجهد يا أماه فلا طاعة لك في معصية الله قال القرطبي في تفسيره 8/151" وقد تكون حالة يجب فيها نفير الكل وذلك إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار أو بحلوله بالعقر ، فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافا وثقالا شبابا وشيوخا كل على قدر طاقته ، من كان له أب بغير إذنه ومن لا أب له ، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقل أو مكثر فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومداعتهم ، وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضا الخروج إليهم فالمسلمون كلهم يد على من سواهم حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو عليها واحتل بها سقط الفرض على الآخرين " أهـ .
فأجيبيني يا أماه هذه فلسطين حل العدو بها ولم يستطع أحد على دفعه لا من قريب ولا من بعيد فهل يكون الجهاد حتى اليوم فرض كفاية ؟ وهذه الأندلس حل العدو بها منذ قرون وكذلك الشيشان وكشمير والفلبين وبورما وأرتيريا وغيرها من أقطار المسلمين كثير ، كلها احتلها العدو فأزال معالم الدين منها وأذ المسلمين واستضعفهم وسامهم سوء العذاب ، حتى انتهى بنا الحال لنرى الحملة الصليبية تشن من جديد على أفغانستان ، فهل بعد ذلك يا أماه نقول إن الجهاد فرض كفاية وطاعتك بالقعود أوجب منه ؟ لقد قلنا كفاية حتى ذقنا من الذل ما فيه الكفاية يا أماه .
قال ابن قدامة في الكافي 4/255 " ومتى تعين الجهاد فلا إذن لأبويه لأنه صار فرض عين فلم يعتبر إذنهما فيه كالحج الواجب وكذلك كل الفرائض لا طاعة لهما في تركه لان تركه معصية ولا طاعة لمخلوق في معصية الله كالسفر لطلب العلم الواجب الذي لا يقدر على تحصيله في بلده ونحو ذلك .
والمقام لا يحتمل أختي الإطالة ولكن هذا طرف من المسألة وسنتعرض لها ببسط أكثر في موضع آخر إن شاء الله ونسأله أن يعين ويسدد .
ولكننا هنا نعود ونؤكد أنه لا يحل لك بحال أن تمنعي الرجال عن الجهاد إلا إذا كان في خروجهم مهلكة لك ولأبنائك ، أما سوى ذلك فاعلمي أن عملك في منعهم هو نوع من الصد عن سبيل وينالك من قول الله تعالى عن الكافرين نصيب حينما قال عنهم ( الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد ) فاتق الله وراقبيه واخشي ذلك اليوم العظيم يوم تقين أمام الله فيسألك لم صددت عن سبيلي ؟ فبماذا تجيبين ؟ وماذا ستقولين ؟ هل ستقولين الدنيا أحب ألي من دينك ؟ أم ستقولين ابني أو زوجي أحب إلى من الله ورسوله ؟ أجيبي وما تقدمي اليوم فستلقينه غداً ، وإن غداً لناظره لقريب .
وإن أبيت يا أمة الله أن تقتدي بالصالحات وأعرضت كذلك وعصيت ربك بالصد عن سبيله ، فإننا نسألك بالله أن تكف شرك عن الأمة ، ولا تكوني أداة ليهدم بها أعداء الله قيم الأمة وأخلاقها ، بتبرجك وفسوقك وغفلتك ، فلقد كنا نرجو الخير منك ، فإن أبيت فنأمل أن نسلم من شرك ، ونسأل الله أن يكف شرور الفجر عن الأمة ويشغلهم في أنفسهم عنا إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين .
أخوكم / أبو مجاهد
المفضلات