(الشبكة الإسلامية)
جمال سلطان
كنت عائدًا من سفرة في العاصمة البريطانية «لندن» لحضور ندوة عقدتها مؤسسة إسلامية فكرية، عن « التفكير في سياقه الحضاري » وكان خط الرحلة يمر وجوبـًا بجزيرة مالطا، وهي جزيرة صغيرة في البحر المتوسط ، تقع بالقرب من الشواطئ الليبية، وعلى مقربة أيضـًا من شاطئ جزيرة صقلية الإيطالية وهي معروفة بشكل أكبر لعرب المغرب العربي ، وقليل من أهل المشرق من يعرفونها بحكم الموقع الجغرافي ، وكانت هذه الجزيرةإحدى حواضر الإسلام، وحتى الآن ما تزال لغتها وأسماء أحيائها تحمل معالم العربية الواضحة مثل أحياء سليمة والمدينة ، والرباط ، وهي تنطق كما هي مكتوبة أمام القارئ الآن عربية فصيحة، مع بعض التكسير بسبب العجمة ، ومفردات اللغة هناك مترعة بالألفاظ والتراكيب العربية .
مالطا تشهد على الدوام أفواجـًا من الشباب العربي الهائم على وجهه من ليبيا أو تونس أو مصر ، الذي يهرب إلى هناك بحثـًا عن العمل ، أو بحثـًا عن سبيل إلى الدخول إلى إيطاليا عن طريقها، والغالبية الأعم من هذا الشباب من قليل الثقافة والمسحوقين اقتصاديًا والعاملين في مهن متدنية، قضيت يومـًا في التجول بالجزيرة حيث كثرة الكنائس بصورة ملفتة للنظر، وشعارات الصليب والصور المنسوبة للمسيح والسيدة مريم في كل مكان يقابلك، من محلات البقالة الصغيرة إلى معارض السيارات ، إلى جدران الحافلات العامة إلى مداخل البيوت .
في المساء التقيت به : شاب عربي كادح يبحث عن فرصة عمل ما إن اطمأن إلي ملامحي حتى اقترب مني وعلى الفور فاتحني بالموضوع ، أخرج لي من حقيبته الصغيرة كتيبـًا أنيقـًا، في طباعة فاخرة ، ولا تصدمك فيه على الفور علامات الصليب المعتادة أو الأيقونات النصرانية العروفة ، وإنما كأنك تطالع مجلة عربية عامة ، قلبت في الكتيب سريعـًا، وجدته منشورًا تنصيريـًا، مترعـًا بالخداع والأكاذيب ، في صورة رسائل مرسلة من أشخاص مسلمين في مصر واليمن والخليج والمغرب والجزائر والأردن وغيرها، تسأل المجلة عن دقائق العقيدة النصرانية والمجلة تجيب ، ولا يوجد اسم واحد من السائلين نصراني ، وإنما أسماء إسلامية من النوع الفاقع، مثل محمد وأبو بكر وعلي وعبد الرحمن ، وفاطمة وعائشة وخديجة ، وكانت الإجابات مدهشة لأنها تضع القواعد الإسلامية ثم تحاول ملأها بضلالات الشرك ، مثل التأكيد على أن الله أحد ل يلد ولم يولد ، ولكنها تستطرد بوضع استثناء المسيح بتفاصيل لا يحتملها عقل ، وعلى هذا النحو من التلبيس يسير الكتيب ، وواضح أنه مصوغ بطريقة مقصود بها الشباب العربي المسلم تحديدًا ، وفي الكتيب عناوين وأرقام هواتف وإذاعات وغيرها، حدثني الشاب عن أن اثنين من الشباب العرب قابلاه في أحد الشوارع في العاصمة فاليتا، وعرضا عليه المساعدة، ودعواه إلى غداء «فاخر جدًا» على حد تعبير الشاب المذهول، وكانا في شدة اللطف ، وقال إنه لم يتصور أبدًا أنهم مسيحيون حتى آخر لحظة ، وحتى الكتيب الذي أعطوه إياه قال إنه كان يظنه كتابـًا دنيـًا إسلاميـًا حتى ارتاب في بعض الجمل والكلمات ، وقال إنه واضح أنهم متفرغون لهذا العمل وأخبروه أنهم من بلد عربي حددوه بالاسم .
قضيت مع الشاب بعضـًا من الوقت الذي يسمح به موعد رحلة العودة ، وأوضحت له أوجه التضليل والخداع فيما هو مكتوب وفي السلوك الذي اتخذوه معه ، ثم فارقته عائدًاإلى القاهرة ، وطول الرحلة وأنا أقلب الخاطر في هذا الذي قابلته في مالطا متأملاً فيما يمكن أن يتمخض عنه من أخطار، وكيف يمكننا مواجهته ، ثم كالعادة انهمكت في أعقاب كل سفرة ، رحت أقلب في عجلة في أكوام الصحف التي تراكمت في مكتبي أثنء سفري ، فوقعت عيني على أكثر من خبر من الجزائر يتعلق بطلبات استجواب في البرلمان عن عمليات التنصير التي تتم في مناطق البربر ، وخاصة المناطق الأكثر معاناة اقتصاديـًا واجتماعيـًا، وأن أحد من قدموا الاستجواب أخرج تقريرًا يقول إن هناك سبعة من الجزائريين يتم تحويلهم إلى النصرانية يوميامن قبل منظمات أجنبية عديدة تنشط وسط « خراب » المواجهات الدموية والمحن الاقتصادية.
مر على خاطري شريط طويل من أندونيسيا والفليبين إلى ألبانيا الأسيرة للتنصير الآن ، إلى أطراف عديدة من ضحايا التنصير في العالم الإسلامي ، أمسكتقلمي ووجدت أنه ربما من المناسب أن أبعث بتلك القصص إلى المؤسسات الدعوية والإغاثية العربية .
إن الخطر لم يعد هنالك في أدغال أفريقيا وجنوب السودان أو أطراف آسيا، وإنما بدأ الإصرار على الاختراق في عمق ديار العرب والمسلمين .
_______________________
عن : المحايد
السبت : 24 / 11 / 2001
المفضلات