مساءلة عانس
--------------------------------------------------------------------------------
يا أبتي :
يحي الناس بعضهم بعضاً بتحية الإسلام المباركة ، وفي السلام من معاني السلامة ما يتجاوز بكثير المدارك المحدودة للإنسان ، وأعظم من ذلك أنها تحية المؤمنين يوم يلقون ربهم تباك وتعالى .
وكم كنت يا أبتي أتمنى أن أحييك بهذه التحية المباركة ولكن ما أجده من آلام وأحزان أشغلني فبادرتك بالشكاية المرة وتحمّل يا أبتي سؤالآً لا يزال يتردد في نفسي من زمن . لماذا أنا بالذات تصرّ علىّ أن أبقى معادية للفطرة شاذة بين بنات حينا المبارك . ؟
يا أبتي :
إن الزواج سنة ربانية وفطرة في بنات حواء ولست أزعم اليوم أني من غير هذه الأصناف .
يا أبتي :
كم هم أولئك الرجال الذين دخلوا بيتنا من أوسع الأبواب يرغبون في سنة الزواج ؟
إنهم يا أبتي أتوا من الأبواب المشرعة ، وكلهم يا أبتي من الصالحين وأنت قد حدثتني بذلك ومع ذلك تعتذر بحجة إتمام الدراسة وأنا اليوم بحمد الله تعالى شابة محافظة على العفاف لا حرمني الله من العفاف والستر تجاوزت كل دواعي الشهوة حفاظاً على كرامة الأسرة الكريمة يا أبتي ، ومع ذلك يعود الصالحون رغبة في الزواج وتقف أنت حجر عثرة في سبيل ذلك فلماذا تفعل ذلك يا أبتي ؟ أوليس من حقي عليك يا أبتي أن تلبي داعي الفطرة الربانية وتحقق مطالب النفس الإنسانية ؟ .
يا أبتي :
المساءلة لشخصك الكريم عيب أدركه في خلقي لكن الواقع الذي أعيشه أليم فكانت هذه المساءلة .
يا أبتي :
أنا وهذه الأسرة المباركة الكريمة الكريمة في هذا البيت السعيد أليس الحياة الزوجية منبعها ؟ ولو لم تكن الحياة الزوجية مبتغاه وفق السنن الربانية فهل يا تري من سيكون شريكك في الحياة الطويلة ؟ .
يا ابتي :
لقصد أو لاخر أراك تحارب الفطرة ، وتجابه السنن الربانية ، والضحية من أمثالي أوشكت على العنوسة وأنت يا أبتي ترفل في عالم السعادة .
يا أبتي :
لقد زرت زميلاتي وهم أصغر مني سناً ورأيت يا أبتي بيوتاً تملأ أحضانها سعادة الأمومة الحانية ، ويجوب تلك البيوت عالم الصبية الأبرياء ، لقد رأيتهم يا أبتي فذرفت من عيني الدموع ، فهاهم يعيشون في قمم السعادة وأنا لازلت بين جدراني الأربعة ،
كنت يا أبتي أعود من تلك الزيارات وأنا أحمل هموم هذه الحياة وكنت أتمنى أن ترأف بحالي وتعرف شكاتي فتلحق بالسعادة حياتي ، لكن كأنما الأمر لا يعنيك وكأنما لا تسترعيك حالة بنيتك المسكينة ، وكنت أمضى أياماً أعيش مرارة تلك الزيارات في نفسي .
يا أبتي :
إن الزواج ستر وحياة وفق السنن الربانية ، وكم يا أبت من يد خائنة ، وإشارات متهمة تمتد إلينا كل صباح ومساء فلماذا يا أبتي تزيد من هذه الإشارات وتلك الاتهامات ؟ حتى أننا يا أبتي نُلمز من صديقك الذي يزورك في كل حين ونعرف في وجوه من نلقى أحاديث التهم الحارة ولا نستطيع أن نجيب على ذلك .
يا أبتي :
في مدارسنا نتعلم كيف تكون الواحدة منا أماً عطوفاً وربة بيت ناجحة ، وقائدة أسرة مجيدة ، وكنا نأمل أن نرى مثل هذه الحياة الأسرية الجميلة ، ولكنك يا أبتي قتلت هذه الأمنيات في نفسي بصخرة الواقع المحزنة ، فغيري من أخواتي يمارسن ذلك كله في جو من السعادة والآمال الحية وأنا بين جدران أربعة أعيش ألم الوحدة ومساءلة العنوسة المرة .
يا أبتي :
البارحة بالذات سمعت صوتاً يئن ، استيقظت فزعة ، تلفّت فإذا بالأبواب والنوافذ محكمة لكنه صوت يتخلخل لقوته فراغات بيتي الحزين فيؤذن مسمعي بالدخول ، صوت فتاة باكية تخنقها العبرات ، فتحت ذلك الباب لأرى حال ذلك الصوت الشاكي فإذا بالمأساة حقيقة ليست حلم عابر ، وإليك القصة بفصولها المرة . جارتنا المسكينة في سن الثلاثين في نزعها الأخير وحولها تلك الأسرة من أب وأم وأخوات صغيرات كريمات وإذا بهذه الفتاة تتمتم بحديث شكاة حزين ، حاولنا أن نستفهم خبرها وسرها المكنون لكن دونما فائدة . وأخيراً ظهر صوتها وإذا بها تسأل ماءً ، فيهرول ذلك الأب ويأتي لها بماء فيسألها : ما ذا تريدين يابنية ؟
فتقول : ياأبتي قل آمين ، فيتلعثم الأب من شدة الفرح وكان يظن أنها ستودعه بدعاء الحفظ لحاله فيقول في لهفة آمين . فتخرجها المسكينة بزفرات آخر اللحظات وتقول :
أسأل الله يا ابتي مثل ما حرمتني من الزواج أن لا يريحك ريح الجنة . وتودع الحياة بعد هذه الكلمة البائسة ،
ورأيت حالاً مأسوية بأبيها عظيمة جداً أخذت العبرات تخنقه وبدأ يجهش بالبكاء لكن في وقت لا ينفع فيه العبرات ولا يغني فيه العويل . ووالله يا أبتي وإن عزيت في خاطري إلا أن مأساتي قد تغلبت علىّ عند موتي فلا أجد ما أكافئك يه غير هذا الدعاء الذي سمعت .
يا ابتي :
بأي ذنب أبقى في بيتك نداً لدوداً للفطرة السليمة ؟
يا أبتي :
إن بقاءك حجر عثرة في سبيل زواجي يدخلك ضمن حديث رسولك الكريم صلى الله عليه وسلم : ( ما من عبد يسترعيه الله رعيه يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة )) . وما أدري يا أبتي كيف يكون حالك وأنت محروم من الجنة .
يا أبتي :
مرت في حياتي سنوات عجاف وأنا لا زلت أثمّن قدر العِرض والشرف وأسعى جاهدة في لباس الحشمة والستر وأخشى يا أبتي إن طال بي زمان على هذه الحال أن أتنازل عن هذه المعاني وألقى بها خلفي ظهري وحينها حفنة المرتب الذي تريده لن تدمل عار وجهك عن الناظرين إليه .
يا أبتي :
الحياة كلها آيلة إلى الزوال ولن يبقى أجمل من المعروف شيء ، ولئن حاولت يا أبتي حرماني من لذة هذه الحياة فسيكون بيني وبينك لقاء أحوج ما تكون فيه إلى الحسنات ، ووالله يا أبتي إن كتب الله بيني وبينك لقاء في ذلك اليوم فلن أتنازل عن شيء من هذه الحقوق بل والله سأكون أول خصيم لك يوم القيامة .
يا أبتي :
إن بقيت معك على بساط هذه الحياة فلا أزال أكرر إليك أنم تختم أيامي من هذه الدنيا بالسعادة التي أنتظرها ، ,عن توليت من هذه الدنيا فأبقى أنتظر لقاءك عند رب العالمين . والله يتولى الحكم فيما بيني وبينك .
وأخيراً يا أبتي :
هذه رسالتي لك أنت بالذات ، وكاتبها الذي تقرأها باسمه مجرد شافع بيني وبينك أراد أن يوصل رسالتي إليك ، فإن كتب الله لك توبة من فعلك فذلك جل ما أتمناه . وإن بقيت تجابه كل خاطب من أجل ذلك الراتب فالله أسأل أن يحرمك من لذة الحياة عاجلاً وأن يختم لك بسوء . والله المسؤول أولاً وآخراً أن يريك عاجل مافعلت .
مشعل بن عبد العزيز الفلاحي
المفضلات