[c]بسم الله الرحمن الرحيم
المشوق في أحكام المعوق
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
[إنّ الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة]
(رواه البخاري)
الحمد لله {الذي أحسن كل شيء خلقـه، وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه، ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون} (الســجدة:7-9)
أحمده سبحانه وتعالى وهو القائل: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعـدلك في أي صورة ما شاء ركبك} (الانفطار:6-8).. وهو القائل: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} (التين:4)
وأصلي وأسلم على عبده ورسوله محمد سيد الأولين والآخرين المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين... وبعد،،،
فهذه رسالة قصيرة جمعتها في أحكام من ابتلاه الله سبحانه وتعالى بفقد حاسة من حواسه، أو طرف من أطرافـه أو جزء من كماله الإنساني... ولله الحكم والتدبير والمشيئة النافذة في خلقه سبحانه.
وقد أردت أن أجعل هذه الرسالة عزاءً وسلوى لكل مصاب، وبياناً لأهم الأحكام الفقهية الواجبة عليه وعلى أهله، ومن يكفله ويرعاه، وبيان الواجب على كل مسلم نحو من ابتلاهم الله، وإني لاحتسب في ذلك من ربي الأجـر والثواب فإن شكر الله على العافية أجر، ومشاركة الصابرين في صبرهم وحزنهم أجر، وتسلية المصابين في مصابهم أجر وأسأل الله أن يجمع لي هذا كله بفضلٍ منه ورحمة إنه هو السميع العليم.
وكتبه
عبدالرحمن بن عبدالخالق
* تعريف المقصود بالمعاق:
المعاق هو الذي أصابه نقص أو قصور عن الإنسان السوي في بدنه أو عقله.
ويدخل تحت هذا التعريف أنواع كثيرة من المبتلين كمن فقد بصره، أو سمعه، أو بعضاً من ذلك أو فقد القدرة على تحريك طرف من أطرافه أو أكثر، وكذلك من فقد جزءاً من عقله يجعله دون الإنسان السوي، ويقال إن نحواً من عشرة في المائة من البشر يعانون نوعاً من أنواع الإعاقة...
ومعنى هذا أنه يوجد في العالم اليوم أكثر من خمسمائة مليون إنسان معاق...
وقدرت الإحصائيات أن (80%) منهـم يعيشون في البلدان الفقيرة والتي يسمونها بالعالم النامي والمتخلف.
* المعاق على الحقيقة هو الكافر بالله سبحانه:
اعلم أخي المسلم أن الكفر بالله هو أعظم آفة في الأرض فإذا أردت أن تعرف المعاق على الحقيقة فاعلم أنه الكافر لأن الله خلق له سمعاً، وبصراً، وفؤاداً ليؤمن به ويعبده، ويتبع صراطه المستقيم فعطل كل ذلك وكفر بالله الذي خلقه وسواه وأعطاه السمع والبصر والفؤاد. قال تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون } (الأعراف:179)
فهذا حال الكافر الذي عطَّل سمعه وبصره وفؤاده فلم يستفد به إلا استفادة الحيوان بحواسه وذلك في الطعـام، والشراب، والجماع، ولكن الحيوان مع ذلك أحسن حالاً منه حيث أنه لم يعط أمانـة التكليف، وأما الإنسان فإنه مخلوق مكلفٌ، ولذلك كان حاله إذا لم يقم بما كلفه الله به من الإيمان والعمل أسوأ حالاً من الحيوان عياذاً بالله.
أما المؤمن فإنه استفاد بحواسه وعقله الذي منحه الله إياه فاستعمله فيما خلق له.
وإذا قدَّر الله على المؤمن أن يسلبه واحـدة من هذه الحواس أو الجوارح التي أعطاه فإنه يسقط عنه من التكليف بمقدارها وقدرها...
ثم إن العمى على الحقيقة ليس فقد البصر بل العمى الحقيقي هو فقد البصيرة والإيمان: {فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} (الحج:46)
وإن الأعرج أو المشلول المقعد الذي لا يخرج لقتال، أو جهاد هو لا شك أحسن حالاً وأطيب منقَلَباً من صاحب القدمين واليدين الذي استخـدم هذه الجوارح في معاصي الله سبحانه وتعالى. ولأن يكون المسلم فاقداً لعضو لا يستعمله في معصية، خير ممن أوتِيَ هذه الجوارح وسَخَّرها في خدمة الشيطان.
فالمعاق حقيقة ليس من فقد جزءاً من عقله، أو حاسةً من حواسه، أو جارحة من جوارحه طالما أنه قام فيما أبقى الله له من حاسة، وجارحة على طاعة الله...
وإنما المعاق على الحقيقة من رزقه الله السمع والبصر والفؤاد والجوارح، فعطلها عن النظر في الإيمان واستعملها في معاصي الرب الرحمن... فنعوذ بالله من الكفر والخذلان.
أولاً: {كل خلق الله حسن، وبعض خلق الله أفضل من بعض}.
وصف الله نفسه بأنه سبحانه {الذي أحسن كل شيء خلقه} (السجدة:7)، وأنه رب العالمين، فكل العوالم من الملائكة، والإنس، والجن، والطير، وسائر المخلوقات.. الله ربهم وخالقهم؛ فهو بديع السموات والأرض، وهو رب الملائكة، والجن والإنس {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يُحْشرون} (الأنعام:38)
وكل فرد من أفراد هذه المخلوقات خلقه الله فأحسن خلقه، فالبعوضة، والذبابة، والكلب، والحمار، والفراشة، والدودة، وكل دابة في غاية الإحكام، وإبداع الصنع مما يدل على كمال علم الله سبحانه، وعظيم قدرته، وكما أن الله هو رب الذرة الصغيرة، فهو رب المجرة الكبيرة، وكل شيء من ذلك في غاية الإتقان والإحكام..
وقد اختص الله الإنسان من سـائر المخلوقات بأكمل صورة وأحسنها، فجعله قائماً على رجلين، وهذا أكمل من حال الزواحف، ومن مشى من الدواب على أربع مُكبةً على وجوهها... وجعل بِشْرتَه ظاهرةً بخلاف الطير والحيوان الذي يغطيه الريش، والشعر، أو الصوف، أو الوبر، وفضله على سائر الحيوانات بالعقل المدبر، وبتسخير غيره من الحيـوان له {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً} (الإسراء:70)
فالحمد لله أن خلقنا بشراً، والحمد لله على ما أولانا من نعمه العظيمة، وإحسانه الكبير.
ثانياً: حكمة الله في خلق الآفة والنقص:
خلق الله كل شيء سبحانه وتعالى، وقد خلق الآفة والشر، وجعل النقص في بعض مخلوقاته لحكم عظيمة، ومن ذلك:
1) العقوبة على المعاصي، كما قال تعالى: {ظهر الفساد في البر، والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون} (الروم:41) والفسـاد هنا هو الآفة والشر الذي يعاقب الله به عباده كالريح العقيم المدمرة، والبركان الثائر، والأمراض، والأسقام، والقحط، والطوفان.. ونحو ذلك.
2) أن يعلم الناس قدرة الله عليهم، وأنه هو الذي يملك نفعهم وضرهـم كما قال تعالى: {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم} (فاطر:2)
3) أن يعلم الناس قدرة الله على خلق الخير والشر، وعلى أنه سبحانه يجازي بالإحسان إحساناً، وأنه سبحانه يعاقب على الإساءة، قال تعالى: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم} (الحجر:49-50)
فالله الذي خلق الجنة وجمع فيها كل ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، بل ذخر فيها ما لا عين رأت من نعيم، وما لا أذن سمعت، وما لم يخطر على قلب بشر، فإنه سبحانه وتعالى خلق الجحيم، وجعل فيها أنواع الشرور، والآلام، والأحزان، والعذاب والنكال فوق ما تتصوره العقول {فيومئذ لا يعذب عذابه أحد، ولا يوثق وثاقه أحد } (الفجر:25-26)
4) أن يتذكر -من يعافيه الله- نعمة ربه وإحسانه فيشكره على ذلك، ويعلم فضل الله عليه وإحسانه إليه أن لم يصبه بما أصاب غيره.
5) أن يجعل الله لمن يصيب منه باباً عظيماً للظفر بمرضاته، والفوز بجناته، وتخفيف ذنوبه ورفع درجاته.
وحكمة الله من خلق الشر والآفة، والنقص حكمة عظيمة. فالله هو المحمود على كل صفاته، وأفعاله، وأنعامه.
ثالثاً: الواجب الشرعي على من ابتلاه الله بنقص، أو آفة، أو تعويق:
* يجب على كل من ابتلاه الله بآفة أو تعويق:
1) الاعتقاد بأن ما أصابه لم يكن ليخطِئَهُ، فإن القضاء مكتوب قبل أن يخلق، قال تعالى: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكـم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير* لكي لا تأسوا ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور} (الحديد:22-23)
وقال تعالى: {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه، والله بكل شيء عليم} (التغابن:11)
فعلى المسلم الذي يصاب بأمر يكرهه أن يقول كما علمنا الله سبحانه وتعالى: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالـوا إنا لله وإنا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} (البقرة:156-157)
وإذا استقر في نفس المسلم الإيمان بقضاء الله وقدره وأن الذي أصابه لا بد وأن يصيبه، وأنه أمر لا مفر منه، ولا مهرب منه لأن الله قد كتبه في الأزل؛ فإن نفسه تهدأ، وقلبه يسكن، ويكون هذا بداية ومقدمة للرضى بقضاء الله وقدره.
2) أن يوقن بأن الله إذا ابتلى المؤمن فلأنه يحبه ويؤثره على غيره ممن لم يبتله، ولذلك كان الرسل هم أشد الناس بلاءً، وأكثرهم تحملاً للأذى وصنوف الغم، والكرب العظيم، كما قال صلى الله عليه وسلم: [أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه إن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة] (رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني في الصحيحة 143)
فقد ابتلى الرسل بالجبابرة المنكرين، والكفار المعاندين، والمكذبين الذين سبوهم وشتموهم، وأخرجوهم وتمالئوا على قتلهم فمن الرسل من هدِّدَ بالإحراق بالنار وألقي فيها، ومنهم من هدد بالإخراج من بلده، ومن هدد بالرجم {لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين} (الشعراء:116).. ومن تآمر به المجرمون ليقتلوه، وشرعوا في تنفيذ إجرامهم..
ومن ابتلي في بدنه كأيوب -عليه السلام- حتى تأذى منه أولاده، وزوجه فأهملوه، وتركوه.. ومنهم ومنهم...
ومن الكفار من عاش سليماً قوياً مجتمع الخلق، حتى قصمه الله مرة واحدة كما جاء في الحديث: [مثل المؤمن كالخامة من الزرع تفيئها الريح مرة وتعدلها مرة، ومثل المنافق كالأرزة لا تزال حتى يكون انجعافها مرة واحدة] (متفق عليه)
وشجرة الأرز من أشد الأشجار قوة وصلابة، وقد جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم مثلاً للكافر الذي يبقى قوياً منيعاً متماسكاً حتى يموت، وهو كذلك، فيأتي الله موفوراً ذنبه لم يأت عليه يوم يتذكر قدرة الله عليه فيستغفر، أو يتوب...
وأما المؤمن فإنه لا يزال به البلاء يميله يمنةً ويسرةً حتى يأتي يوم القيامة وليس عليه ذنب.
والخلاصة: إن المؤمن إذا كان محلاً للبلاء من مرض، أو نقص، أو عاهة، فهو محل لرضوان الله وإيثاره له، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من يرد الله به خيراً يصب منه] (رواه البخاري)
3) أن يعلم المصاب بنقص أو عاهة أو إعاقة أن الله يأجر المؤمن على كل مصيبة مهما صغرت ولو كانت شوكة يُشاكها كما جاء في الحديث: [ما يصيب المسلم من نَصَبٍ، ولا وصبٍ، ولا همٍ، ولا حزنٍ، ولا أذىً، ولا غمٍّ حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه] (متفق عليه)
وكلما عَظُمَ المصاب والبلاء، عظم الأجر والثواب كما جاء في الحديث القدسي: [من أذهبت حبيبتيه فصبر فاحتسب لم أرض له ثواباً دون الجنة] وحبيبتيه يعني عينيه (رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي/1959)
4) أن يعمل المؤمن المصاب على تجـاوز هذا النقص والاستفادة بما بقي، وهذا باب عظيم جداً للإحسان، وتفجير الطاقات.
ففقـد البصر لا يعني نهاية الحياة، وتعطل القوى، وإنسداد الأمل.. بل إن تنمية بقية الحواس قد يعوض فقـد النظر فإن تنشيط السمع، واللمس، وتقوية الفؤاد والقلب، إطلاقٌ لطاقات وإمكانيات سمعه ولمسه وذوقه، وعقله...
وكذلك الحال في فقد السمع، أو فقد طرف من الأطراف أو حاسة من الحواس...
وفي الحديث: [المؤمن القوي خـيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير. احرص على ما ينفعك واستعن بالله، ولا تعجـز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان] (رواه مسلم)
ومن معاني الحديث أن المؤمن إذا أصابه شيء يكرهه فإن عليه أن يستعين بالله ولا يعجز، أي يستسلم إلى العجز، بل عليه أن يَجِدَّ وينشط، ويعمل في استكمال ما فاته من النقص.
وهـذا الباب أعنى محاولة إعانة من ابتلي بإعاقة على إعادة تأهيل نفسه ليبلغ بما بقي عنده من حواس وأطراف وإمكانيات غاية القدرة، هو ما تتنافس فيه اليوم مراكز تأهيل المعاقين في العالم، للوصول إلى أبلغ النتائج وقد تحقق في هذا الصدد نتائج مذهلة ؛ فالكتابة البارزة للمكفوفين، ولغة التخاطب بالإشارة للصم، واستخدامات الحاسوب (الكمبيوتر) لناقص القدرة العقلية (المتخلفين)، والرياضات البدنية المتقدمة للمعاقين...
وكذلك استحداث آلات عظيمة لمساعدة المعاق كالسيارات الخاصة، والدراجات الخاصة، والكراسي المتحركة، ونظم السكن والمرافق الميسرة.. مما جعل حياتهم أعظم يسـراً، وتمكين كثير من المعاقين أن يعتمدوا على أنفسهم، ولا يكونون عبئاً على غيرهم بل يسر لكثير منهم أن يكونوا أناساً فاعلين منتجين نافعين لغيرهم، بعد أن كانوا عبئاً ثقيلاً على غيرهم، وهذا جميعه بفضل الله ورحمته ومما أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه بقوله: [واستعن بالله ولا تعجز]
رابعاً: واجب السليم والمعافى نحو المعاق والمصاب:
هذه بعض من الواجبات الشرعية لمن عافاه الله من البلاء، وسلمه من الآفة نحو من ابتلاهم الله بإصابة وإعاقة:
1) أن يشكر الله سبحانه وتعالى ويحمده على العافية، وأن يعلم أن ما ابتلى الله به غيره يمكن أن يبتليه هو به، فإن الله قادر على كل شيء سبحانه وتعالى، وأن ينزل عقوبته بمن يشـاء وأن يبتلي من يشاء، وأنه ليس أحد بممتنع عن الله جل وعلا، ولكنه جل وعلا يُصيب ويعافي ويبتلي عباده كما يشاء بالخير والشر {ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون} (الأنبياء:35)
2) أن يدعو للمبتَلى إذا كان من أهل الدين والتقوى أن يأجره الله ويثيبه ويعافيه وأن يعوضه خيراً مما أخذ منه.
3) العطف على المبتلى، والظن أنه قد يكون عند الله خيـراً من غيره ممن عافاه الله، فرب عبد مدفوع على الأبواب لو أقسم على الله لأبره…
4) الإحسان إلى المبتلى، والمسارعة إلى نفعه وإعانته فإن مساعدة المحتاج من أعظم أبواب الخير. وفي معرض الرسول لبيان أبواب الخير قال: [أن تعين صانعاً، أو تصنع لأخرق] (متفق عليه)...
والخَرقَ نوع من الإعاقة العقلية، وأن تصنع له يدخل فيه كل ما يصنع للأخرق من خدمة أو إحسان...
فدلالة الأعمى على الطريق، ومساعدته على معيشته، والقراءة عليه، وتعليم الأصم، والعناية بالمقعد، ونحوهم من أعظم أبواب الخير والإحسان.
5) المريض المعـاق في حالة ضعف، وهذه الحالة قد تكون دافعاً لمن وفقه الله سبحانه وتعالى للالتجـاء إلى الله، والطمع فيما عنده، والأمل في التعويض عما فاته في هذه الحياة الدنيا الفانية في الآخرة بالباقية... كما أن شعور السليم الغني بالصحة والعافية، والغِنَى قد يكون دافعاً للجهـول المخذول أن يظن أنه مستغنٍ عن الله سبحانه وتعالى: {كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} (العلق:6-7)...
ومن أجل ذلك يجب أن نستفيد من حالة الضعف التي يتعرض لها الإنسان بالابتلاء، وذلك بالرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، والطمع فيما عنده، بل إن من أعظم حكم البلاء أن الله سبحانه وتعالى يوجه به عباده إليه قال تعالى: {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون} (السجدة:21) والعذاب الأدنى هو عذاب الدنيا...
ولا شك أن العمى والصم والعاهة نـوع من العذاب، وقال تعالى في الكفار الذين لم يتعظوا بما أخذهم الله به من الضر: {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون} (المؤمنون:76)... وقال سبحانه وتعالى أيضاً: {تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا} (الأنعام:42-43)
أي هلا إذ جاءهم بأس الله ورأوه في الدنيا تضرعوا ورجعوا إلى الله سبحانه وتعالى، فعلموا أنه ربهم وإلههم ومولاهم، وأنه كما أنه قادر على نفعهم قادر على ضرهم، فاستفادوا من ذلك بالعودة إلى الله، وطاعة رسله..
فالسعـيد من استفاد من دروس البلاء، والشقي من مر عليه البلاء فقال: {قد مس آباءنا الضراء والسراء} (الأعراف:95) فجعل نزول الضر، كمجيء الخير لا ارتباط له بحكمة الخالق المدبر سبحانه وتعالى.
من أجل ذلك وجب على الدعاة إلى الله أن يكون وجودهم عند البلاء للتذكير بقدرة الرب، ورحمته، وتوجيه القلوب إليه، وانتشال من كتب الله له السعادة من حمأة الكفر، والسخط على الله، أو التمرد عليه، والبقاء في الكفر والعناد مع نزول البلاء...
6) يجب على من عافاه الله سبحانه وتعالى من البلاء الذي ابتلى به غيره ألا ينتقص المبتلى ولا يهزأ به، ولا يغتابه به، فسب المبتلي بالعَمَى أو الصمم أو العرج، أو نقص العقل ونحو ذلك كبيرة من الكبائر...
وذكر المبتلى بشيء من ذلك وهو غائب غيبة، لأن الغيبة هي ذكرك أخاك بما يكره مما هو متصف به...
وأما إذا كان المعاق معروفاً بهذه الإعاقة وأنها علم عليه لا يتأذى بذكرها فلا بأس أن يعرف بها كما يقال عبدالله بن أم مكتوم الأعمى، وفلان الأعرج، وفلان الأعمش، ونحو ذلك.
يتابع
3-واجب الأمة والجماعة نحو المعاق
4-وهذه بعض واجبات الجماعة، وفروض الكفاية نحو المعاق:
5-وجود المعاق في الأمة بركة ونصر وخير
6-أخطار اتباع منهج الغرب وطريقته في تأهيل المعاقين
أ7-هم الأحكام الفقهية للمعاق
[/c]
المفضلات